«سيناريو» مؤسسة خيرية تمحو دموع اللاجئين في لبنان بلمسة فنية

هدفها زرع الثقة في نفوس أرهقها النزوح

من العروض التي يقوم بها الأطفال اللاجئون من خلال مؤسسة «سيناريو»
من العروض التي يقوم بها الأطفال اللاجئون من خلال مؤسسة «سيناريو»
TT

«سيناريو» مؤسسة خيرية تمحو دموع اللاجئين في لبنان بلمسة فنية

من العروض التي يقوم بها الأطفال اللاجئون من خلال مؤسسة «سيناريو»
من العروض التي يقوم بها الأطفال اللاجئون من خلال مؤسسة «سيناريو»

«سيناريو» مؤسسة خيرية مهمتها زرع الثقة في نفوس الأطفال اللاجئين في لبنان من سوريين وفلسطينيين وأكراد وعراقيين ولبنانيين، ومهمتها أيضاً أن تمحو دموعهم، وتزرع مكانها البسمة على وجوه حزينة من خلال الموسيقى والفن، وتحويل الدراما التي يعيشها جيل بكامله سلبته الحروب طفولته إلى دراما يدرسونها على يد اختصاصيين بريطانيين تفرغوا لكي يصونوا جيلاً من الضياع.
وأقامت «سيناريو» (Seenaryo) حفلها الخيري الخامس في مقر أثري شامخ بالقرب من مبنى البرلمان في لندن، بحضور عدد من أعيان المدينة وسياسيين بريطانيين ومهتمين بالإنسانية تبرعوا بخمسين ألف جنيه إسترليني لصالح تنمية الأطفال، وتغذيتهم من نواحٍ تتعدى الغذاء والمأوى والملابس، لتجعل منهم نماذج ناجحة تتحدى الحرب والمصاعب.
ويقف وراء هذا المشروع الإنساني الرائع أوسكار وود وفيكتوريا لابتون اللذان جمعهما حب الفن والدراما والغناء والمسرح، وبدأت الفكرة عندما زارت لابتون لبنان وتعلمت اللغة العربية واليوم تتكلمها بطلاقة، وقررت بعدها الاستقرار في البلد في أوقات عصيبة عندما كان توافد اللاجئين إليه في ذروته في عام 2011، وعندما زارت لابتون أحد مخيمات اللاجئين كان لا بد أن تقوم بأي شيء لمساعدة الأطفال من جميع الجنسيات، فأقنعت صديقها من مقاعد الدراسة أوسكار وود بالمجيء إلى لبنان لبدء مشروع إنساني.
لم يتردد وود، فذهب إلى لبنان، وسوياً بدآ مشروعهما الإنساني بالشراكة مع العديد من المؤسسات الخيرية المحلية التي جعلت حلمهما يتحقق في زرع الفرح في قلوب الصغار الذين لم يختاروا مصيرهم.
وفي مقابلة مع «الشرق الأوسط» مع مؤسسي «سيناريو»، استهلت لابتون الحديث عن هدف المؤسسة التي أنشئت عام 2015 في لبنان، الذي يرنو إلى إعطاء فرصة مميزة للصغار من خلال تشجيعهم على حب الفن والتمثيل والدراسة، ولم يكن هذا الحلم سهلاً، وكان لا بد من الحصول على دعم العديد من المؤسسات الأخرى، فتمت الشراكة مع «كشاف يعبد» «والنساء الآن من أجل التنمية».
وهنا يقول وود إن العمل والدراسة مع فيكتوريا في لندن لمدة عشر سنوات سهلا الشراكة فيما بينهما، فهما يتشاطران حب الفن ودرساه في الجامعة، ويدركان أهميته في تغيير حياة الناس، وهذا ما شدد عليه وود في لبنان أثناء عمله عن قرب مع الأطفال اللاجئين في أماكن عديدة في البلاد كمدارس عديدة في البقاع وفي مخيمات مختلفة.
وتقول فيكتوريا إن الأطفال يشاركون في عدة برامج، ويقومون بأنفسهم بكتابة نصوص المسرحيات وكلمات الأغاني، ويشاركون في جوقات غنائية «كورال».
ولا ينتهي الأمر في المشاركة بمسرحية لا بل يمتد العمل ليؤمن مستقبلا للطفل، فهناك العديد من المواهب لدى الأطفال، وهذا ما شدد عليه وود قائلا: «هدفنا ليس اكتشاف المواهب وإنما تنمية ما في داخل كل طفل لكي ينسى الأسى الذي يعيشه من خلال تقديم ما قد يرسم مستقبلا مهنياً لا يمكن لأحد أن يسرقه منه».
وتقول لابتون إن «سيناريو» تتبع الأطفال في الأماكن التي يعيشون فيها، وهناك حافلات مهمتها نقل هؤلاء اللاجئين القابعين في المخيمات يومياً إلى مدارس قريبة، لكي يتسنى لهم الالتحاق بمناهج رسمية تشدد في الأول والأخير على الدراسة والثقافة والفن بشتى أشكاله.
ويعمل على هذا البرنامج عدد من المعلمين والمعلمات الذين يحصلون على أجورهم من المدارس التي يعملون بها بدعم من مؤسسات خيرية مثل «كاريتاس» و«أنا أقرأ» و«إي آر سي».
وبمنتهى الإنسانية قالت فيكتوريا، ابنة أحد اللوردات البريطانيين، إن أهم ما تقوم به هو تأمين ما لم يخطر على بال الحكومات والدول تأمينه لهؤلاء الأبرياء الصغار، فكل ما تشدد على تأمينه الحكومات هو الخيام والغذاء والملابس، وإنما هدفها يفوق ذلك، لأنها تعمل على غذاء الروح وتعزيز الثقة بالنفس، لأن أكثر مساوئ التشرد في سن صغيرة هو انعدام الثقة والانطوائية.
وتقول فيكتوريا إن أبواب المساعدة فتحت لها على مصراعيها في لبنان من مؤسسات إنسانية، ولكن المشكلة الأكبر التي واجهتها كانت مالية، ولكن إصرارها على تغيير مصير اللاجئين جعلها تعمل دون كلل على التعاون والشراكة مع عدة جهات. واليوم احتفلت المؤسسة بحفلها الخامس، واستطاعت أن تحصل على تبرعات مهولة. وتضحك هنا فيكتوريا وتقول: «حتى 2 كيلو بقلاوة في مزادها العلني دفع من أجلها 12 ألف جنيه إسترليني، وهذا الشيء إذا ما دل على شيء فهو يدل على أن العالم لا يزال بألف خير، وهناك العديد من الذين يساعدون بصمت ويدركون الخطر المدقع الذي سيحل بأجيال بأكملها في حال لم نحرك ساكنا».
وبحسب أوسكار وود، فالفن الذي يتعلمه اللاجئون لا يقتصر على الصغار فقط، لأن هناك نسبة كبيرة من البالغين الذين يشاركون أيضاً بالبرنامج، كما تقدم «سيناريو» أيضا دروسا لتعليم اللغة الإنجليزية للكبار والصغار.
وعن الحالات التي أثرت في فيكتوريا على مدى عملها في لبنان بدءاً من عملها الأول في «أشكال ألوان» ووصولاً إلى «سيناريو»، تقول: «لا يمكن أن أتذكر الحالات التي أثرت بي لأنها عديدة وكثيرة، لكن الصفة المشتركة فيما بينها هي انعدام الثقة بالنفس».
وتروي لنا فيكتوريا قصة اللاجئة السورية حنان التي خطف والدها ولم يعرف مكان تواجده حتى يومنا هذا، فحنان انضمت إلى برنامج «سيناريو» ولم تكن تتفوه بكلمة، كان الحزن رفيقا لها، وبدعم من المعلمين بدت حنان كزهرة تتفتح بعد كل درس تقوم به، واليوم أصبحت من أكثر المشاركين ثقة بالنفس، ولها عدة أعمال فنية مسرحية.
وهناك حالات عديدة ساعدت «سيناريو» فيها من الناحية الثقافية وليس فقط الفنية، لأن هناك نسبة كبيرة من المراهقين اللاجئين الذين تركوا مقاعد الدارسة واستبدلوها بالعمل في مصالح مختلفة، إلا أن الانضمام إلى «سيناريو» حثهم على الدراسة والمواظبة عليها.
وفي النهاية ختم أوسكار وفيكتوريا حديثهما بالقول إن هناك العديد من المؤسسات الخيرية التي تعنى في مساعدة اللاجئين، إنما ما أرادته «سيناريو» كان صهر جميع اللاجئين الذين يتشاطرون الهم نفسه في بوتقة واحدة، بغض النظر عن الجنسية والمنشأ، وفي كل عمل مسرحي أو فني تعمل «سيناريو» على مشاركة اللاجئين من جميع الجنسيات، لأن همهم واحد وهو العودة إلى ديارهم. وبانتظار أن يتحقق هذا الحلم لا بد أن نغذي حياة هذا الجيل المأساوي قبل فوات الأوان.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».