المذكرات كمناسبة للحديث عن الذات

المذكرات كمناسبة للحديث عن الذات
TT

المذكرات كمناسبة للحديث عن الذات

المذكرات كمناسبة للحديث عن الذات

بغض النظر عن الفروق الأكاديمية بين اليوميات، والمذكرات، والسيرة الذاتية، وهي فروق دقيقة جدّاً، خصوصاً في عصرنا الحالي، الذي تداخل فيه كل شيء، يبقى أمر واحد يبرر قراءة أي منها، مهما كان التصنيف: إلى أي مدى نستطيع أن نتعرف على تجربة صاحبها الحياتية والإنسانية من مختلف جوانبها الشخصية والعامة، وبالتالي التعرف على مرحلة ما، وعصر ما. ولا يمكن تحقق ذلك إلا عبر الربط بين الخاص والعام، والذاتي والموضوعي، والشخص بالمجتمع، فهذا هو ما يمنح مثل هذه النوع من الكتابة أهميته.
نحن لا نزال نقرأ مذكرات وسيراً ذاتية ويوميات صدرت قبل قرون لأنها حققت هذه الشروط بالذات، ابتداء من مذكرات صمويل بيبس في نهاية القرن السابع عشر، مروراً باعترافات جان جاك روسو في القرن التاسع عشر، وصولاً إلى القرن العشرين مع مذكرات بابلو نيرودا وغابرييل ماركيز وغونتر غراس، لأن كتابات هؤلاء الكبار لم تقتصر على تفاصيل حياتهم اليومية: متى يستيقظون وينامون، وأي أكلة يفضلونها، ومن يقابلون من الأصدقاء والمعارف، ولم نقرأ فيها المديح المثير للرثاء لذواتهم، وتفوقهم وذكائهم، وأدوارهم «التاريخية»، ومكانتهم «الاستثنائية» في المجتمع، بل كتبوا عن تجاربهم المضنية في الحياة، وعراكهم مع أنفسهم، وحتى التقليل من شأن الذات، وصراعهم مع عصرهم ومجتمعاتهم.
كان نورمان ميللر يقول إن حياة أي إنسان تكفي لملء مجلدات. وقد فعل هو ذلك، إذ ملأت حياته اثني عشر مجلداً، بالإضافة إلى رواياته، التي تقترب من السيرة الذاتية. ولكن «حياة أي إنسان»، مهما كان هذا الإنسان، لا تعني أنها مركز للكون، يدور حولها الزمن والتاريخ والآخرون، فنخرج من قراءاتنا، وقد تعرفنا على كل شيء من حياة «البطل»: ذوقه في أكله وملابسه، ومن يحب من الأصدقاء ومن يكره، وأسفاره من مدينة لأخرى، وتعرفه على فلان وفلانة، بالإضافة إلى إنجازاته التي لا تضاهى ولكن لا يعترف بها الآخرون. نتعرف على كل ذلك ما عدا التجارب والأحداث الكبرى في مرحلته، وطبيعة عصره، وحركة المجتمع الضاج من حوله، ووجهات نظره حول هذا الأمر الجليل أو ذاك، مهما كانت وجهات النظر هذه.
مرة أخرى، اليوميات والمذكرات والسير الذاتية، هي شهادات، وإن ارتدت لبوس الذات، على حالة وموقف وعصر، وليست مجرد تسجيلات عن وقائع وأحداث شخصية لا تعنينا غالباً، مهما كانت قيمة الشخص الراوي.
للأسف، يغيب ذلك في قسم من المذكرات التي صدرت أخيراً، ومنها على سبيل المثال، مذكرات الشاعر اللبناني شوقي أبي شقرا، والكاتب والباحث والروائي العراقي علي الشوك. وكنا قد كتبنا قبل صدور مذكرات أبس شقرا متوقعين أنها ستكون حدثاً ثقافياً بامتياز، فالرجل هو أحد عرابي قصيدة النثر، وعرف وعايش فترة محتدمة في التاريخ العربي الحديث ثقافياً وسياسياً وصحافياً. وتوقعنا أن يكشف لنا الشاعر شيئاً من ذاك. لكن صدرت المذكرات في 800 صفحة، فلم نجد ما أملناه وتوقعناه، فأغلب الصفحات مكرَّس للحديث عن الأصدقاء والزملاء، ويتناول أموراً صغيرة جداً لا تهمنا في شيء، بالإضافة إلى حضور الذات الطاغي أكثر مما ينبغي، بحيث تبدو الشخصيات الأخرى وكأنها مجرد انعكاس لشخصية الكاتب في أحسن الأحوال.
وهذا ينطبق تماما على علي الشوك في مذكراته «الكتابة والحياة» الصادرة قبل شهر. والرجل، كما هو معروف، قامة عراقية كبيرة، عُرِف بثقافته الواسعة، وماضيه السياسي البارز، وعاصر أحداثاً كبرى في تاريخ العراق المعاصر. ولكن قلما نعثر على شيء من ذلك ينعكس في مذكراته، إلا بالقطرات؛ فنراه، مثلاً، يخصص لحدث كبير كثورة 14 يوليو (تموز)، وهي حدث فاصل في تاريخ العراق والمنطقة العربية، سطراً واحداً.. ومن علٍ، على الرغم من أنه كان في قلب الأحداث آنذاك. بالمقابل، تمتلئ صفحات الكتاب بالحديث عن لقاءات الأصدقاء، والأكل، والسفر، بالإضافة إلى فصول طويلة كرَّسها للحديث عن رواياته.. وذاته.



الببغاوات لا تمتلك الخبرة الكافية للعيش في البرية

التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)
التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)
TT

الببغاوات لا تمتلك الخبرة الكافية للعيش في البرية

التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)
التدريب على الطيران الحر يُعيد الببغاوات إلى البرية (جامعة تكساس إيه آند إم)

يعمل الباحثون في كلية الطب البيطري والعلوم الطبية الحيوية في جامعة تكساس إيه آند إم بالولايات المتحدة مع خبراء الطيران الحر للببغاوات والشركاء في البرازيل، في محاولة لزيادة معدّل نجاح إطلاق الببغاوات الأسيرة في البرية.

في دراستهم المَنشورة في مجلة «بيردز» (Birds)، أطلق الفريق بنجاح قطيعاً صغيراً من ببغاوات المكاو الزرقاء والصفراء، بهدف التّعرض التدريجي للبيئة الطبيعية، من أجل إعداد هذه الببغاوات للبقاء على قيد الحياة في البرية.

وبعد عامين، لا تزال جميع الطيور الستة قيد الدراسة على قيد الحياة، كما أنها نجت حتى من حريق غابات كان قد حدث في المنطقة.

قال الدكتور دونالد برايتسميث، أستاذ في قسم علم الأمراض البيطرية في جامعة تكساس إيه آند إم: «الببغاوات هي واحدة من أكثر مجموعات الطيور المهددة بالانقراض في العالم».

وأضاف في بيان صادر الثلاثاء: «بالنسبة للعديد من الأنواع، فإن أفضل أمل لدينا لزيادة أعدادها هو تربيتها في الأسر ومن ثَمّ إطلاق سراحها. لكن بعض البرامج تنفق آلاف، بل وملايين الدولارات على تربية الببغاوات في الأسر، فقط لتكتشف أن هذه الطيور غير قادرة على البقاء على قيد الحياة في البرية لأنها لا تمتلك ما يكفي من «الخبرة في العالم الحقيقي».

وتستخدم الطريقة الجديدة استراتيجية «تدريب الطيران الحر» الواعدة لأنها تستفيد من التّطور الطبيعي للببغاوات مع السّماح للباحثين بالتحكم في متغيرات معينة مثل الموقع، على سبيل المثال.

«نحن نسهل على الببغاوات الصغيرة تعلّم الطيران والانضمام إلى القطعان والهرب من الحيوانات المفترسة من خلال تعريضها بعناية للمواقف التي قد تواجهها عادةً على أي حال، ويجري كل ذلك بما يتناسب مع كل مرحلة من مراحل النمو»، كما قال كريس بيرو من منظمة «أجنحة الحرية» (Liberty Wings).

وشدّد الدكتور كوني وودمان، مدير برنامج منح الابتكار في مجال الحفاظ على البيئة التابع لوزارة الزراعة الأميركية في جامعة تكساس إيه آند إم، على أن «هذه الطريقة فعالة بشكل لا يصدق لأنها لا تتطلّب أجيالاً من النوع نفسه تعلم كيفية البقاء في بيئة معينة عن طريق التجربة والخطأ».

وأوضح: «من خلال التحليق في بيئة الإطلاق ومشاهدة البالغين المدربين، يمكن لطيورنا التي أُطلق سراحها أن تتعلّم بسرعة مهارات البقاء الأساسية وزيادة فرص بقائها بشكل كبير».

يبدأ إعداد طيور الببغاوات الأسيرة للبقاء في البرية عندما تكون الطيور صغيرة، في الوقت الذي تبدأ فيه النظر بفضول حول العالم خارج العش.

«قبل أن يبدأ الببغاء الصغير في التحليق يبدأ بالتسلق والنظر إلى العالم الخارجي»، كما قال بيرو. «بالفعل، يقوم هذا الفرخ بإنشاء قاعدة بيانات ذهنية لما هو طبيعي في عالمه. إذا رأى حيواناً مفترساً، فسيكون ذلك خارجاً عن المألوف، لذا على الفرخ أن يتعلّم كيفية الرد على التهديدات».

في مرحلة لاحقة من النمو، تُشجّع الفراخ على المشي على عصي مصمّمة لهذا الغرض، ثم القفز إلى عصي أخرى قريبة. ومن هناك، تبدأ في تعلّم الطيران.

«لمساعدة الفراخ على تعلّم الطيران سرباً، نُدرّبها حتى مع الفراخ الأخرى والطيور البالغة المدربة، حتى تتعلّم الانتقال من (النقطة أ) إلى (النقطة ب) معاً وفي أسراب»، كما قال برايت سميث.

وفي الليل وبين جلسات التدريب، تستريح الببغاوات بأمان في القفص، حيث تتلقى الطعام والماء. ولكن مع مرور الوقت، تقضي الطيور الصغيرة وقتاً أقل فأقل في القفص ومع الطيور البالغة، كما تتعلم كيفية العثور على الطعام والماء بنفسها.

قال برايتسميث: إن «جزءاً رئيسياً من هذه العملية هو في الواقع كسر الرابط بين الببغاوات والبشر الذين كانوا يطعمونها».

وأوضح أنه في عمله مع الببغاوات، اكتشف كريس بيرو أنه عندما يبلغ عمر الكتاكيت الصغار نحو 8 أشهر، فإنها تبدأ بالابتعاد عن والديها وتصبح مستقلة. نتأكد من فطام الطيور عن التغذية اليدوية بحلول هذا الوقت حتى تنتقل إلى أن تكون طيوراً برّية مستقلة، تماماً كما تفعل مع والديها».