حمزة بن لادن... «القاعدة» بحلّتها الجديدة

في ضوء التطورات الإقليمية والدولية

حمزة بن لادن في حفل زواجه بإيران («الشرق الأوسط»)
حمزة بن لادن في حفل زواجه بإيران («الشرق الأوسط»)
TT

حمزة بن لادن... «القاعدة» بحلّتها الجديدة

حمزة بن لادن في حفل زواجه بإيران («الشرق الأوسط»)
حمزة بن لادن في حفل زواجه بإيران («الشرق الأوسط»)

في مطلع عام 2018 تستمرّ الحلقة المفرغة للتنظيمات المتطرفة التي يصعب اجتثاثها بشكلٍ تام، يتقدّم تنظيم إرهابي فيما يتراجع آخر وهكذا دواليك. ففي الحين الذي تدهورت فيه قدرات «داعش» التنظيمية والعسكرية بشكلٍ كبير نتيجة انكباب الجهود الدولية للتخلص من وجوده الفعلي في العراق وسوريا، يسعى تنظيم القاعدة للنهوض من جديد واستقطاب المتطرفين من مختلف أنحاء العالم من أجل ضمّهم للتنظيم بقالبه الجديد.
تظهر مساعٍ نحو استرداد نفوذ تنظيم القاعدة من خلال الترويج لنجل مؤسس التنظيم حمزة بن لادن الذي يمتلك جاذبية ونفوذاً وشعبية قد تفوق تلك التي يمتلكها زعيم القاعدة أيمن الظواهري الذي خفت وهج التنظيم أثناء زعامته ليصبح أشبه بالجعجعةٍ دون تأثير عمليّ، وقد كانت خطابات الظواهري أكثر تأثيرا كرجلٍ ثانٍ في التنظيم في فترة قيادة أسامة بن لادن لـ«القاعدة»، وذلك يعود إلى قوة سيطرة التنظيم في ذلك الوقت قبل أن يحصل «داعش» على اهتمام العالم، سواء من خلال تهافت المنضمين أو محاربة السلطات الدولية له على اعتبار أنه العدو الأبرز.
ويتأرجح مستقبل هيمنة التنظيمات المتطرفة ما بين «القاعدة» و«داعش»، ففي الوقت الذي انهمك فيه التحالف الدولي بمهاجمة تنظيم داعش سعت القاعدة جاهدةً إلى استنهاض قواها وإعادة بريقها من جديد. تلك المؤشرات بدأت في السنوات الأخيرة للتنظيم إذ بذل جهوداً مضنية من أجل التسويق لحمزة بن لادن، وقد أدرجت السلطات الدولية اسمه بوصفه «إرهابياً دولياً»، ليصبح هناك احتمال جعله الوجه الجديد للتنظيم متبعاً خطى والده كشخص مؤهل للقيادة بتشبعه بمبادئ «القاعدة» وطموحه منذ صغره الانضمام لمعاركها، إذ أكد ذلك مراراً لوالده، وقد أثار حمزة موت ابنه «أسامة» أخيراً ليؤكد على سعيه إعادة مجد «القاعدة»، وإن أكدت هذه الحادثة أفول وتلاشي التنظيم بموت حفيد أسامة المسمى باسمه. في عام 2015 قدّم الظواهري حمزة بن لادن في تسجيل مرئي على اعتبار أنه بمثابة «ولادة أسد من عرين (القاعدة)»، وذلك ما يؤكد التوقعات حول وجود مخططات لـ«القاعدة» لاستغلال ذلك من أجل إبراز المظهر الجديد للتنظيم عبر وجه يافع طموح متحدث بإمكانه استقطاب مجندين من جيل الشباب ممن سمعوا بتاريخ أسامة بن لادن الأسطوري في عالم التنظيمات المتطرفة، الأمر الذي يتيح الفرصة لابنه كوريث للتنظيم أو كمتحدث باسمه ينهض به، ويعيد قولبته بما قد يتناسب مع متطلبات العصر الحديث، من أجل التمكن من التغلب على تنظيم داعش الذي طغى وجوده على الساحة بالأخص في بداياته، واتخاذ نهجه، من حيث الوصول إلى المستقطبين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والقدرة على التغلغل للآخرين، وإن تشددت السيطرة على العالم الإلكتروني وأصبح من الصعب تكثيف الوجود الإلكتروني للتنظيمات. وقد ظهر حمزة بن لادن في تسجيل صوتي بثته مؤسسة «السحاب» التابعة للتنظيم في 13 مايو (أيار) 2017، محاكياً والده في نبرة صوته وأسلوب حديثه مما قد يعزز من قدرته على التأثير على الآخرين.
وقد شدد بن لادن في ذلك المقطع على أهمية تكثيف العمليات التي تستهدف الغرب على اعتبارها من أعظم القربات وأجلّ العبادات، وذلك على نسق العهد الأولي للتنظيم، كما دعا أعضاء التنظيم بالثأر للمسلمين في العالم من خلال تحريضه على مهاجمة اليهود والأميركيين والغربيين وحتى الروس. وفي ذلك استدلال على أن يسعى حمزة بن لادن لأن يتخذ نهج والده وتنظيم القاعدة بشكل عام في تكثيف رسائله الإعلامية وخطاباته الموجهة للجمهور وإحاطة نفسه بهالة إعلامية قوية يتم عبرها استغلال قدرته على الإقناع والتأثير. وإن كانت المفارقة في نهج حمزة بن لادن في حثّ «الذئاب المنفردة» على تولي مهام الهجمات الإرهابية، وهو النسق ذاته الذي ينهجه تنظيم داعش، أو ما يشبه «حرب الوكالات للتنظيمات المتطرفة»، من خلال التحريض على القيام بهجمات عن بُعد، دون الحاجة إلى الوجود الجسدي في المكان ذاته. مما يختلف عن سبل والده في التخطيط التفصيلي من أجل تحقيق أهداف استراتيجية، إذ يركز حمزة هنا على مهاجمة «الآخر» الغربي الكافر دون اكتراث لماهية الطرق أو الأسلحة أو عدد المستهدفين، الأمر الذي يؤكد ما ذاع عن وجود خلاف ما بينه وبين القياديين الآخرين في التنظيم بمن فيهم الظواهري، سواء كان هذا الخلاف في استراتيجياته وأهدافه بالأخص، وأن العمليات العشوائية التي ينتهجها الأفراد تقلِّل من مدى أهمية الهجمات وتجعلها متخبطة عشوائية، بغض النظر عن مدى سهولتها واعتبارها أفضل طريقة براغماتية لتحقيق الأهداف في ظل التركيز العالمي على الإرهاب السيبراني والشبكات المتطرفة. فيما يتمحور الخلاف الآخر في مدى أهلية حمزة بن لادن لأن يتسلَّم زمام قيادة «القاعدة»، لا سيما أنه لم يعش التجربة الفعلية للتنظيم. يظل استغلال وجود حمزة بن لادن مجرد احتمال إن لم يُستغَلّ كقالب جديد للتنظيم فمن الممكن أن يظل مجرد رمز تاريخي للتنظيمات المتطرفة دون وجود فعلي على الساحة بمعنى أن يستمر على الوضع الراهن الرتيب.
وإن تمت مقارنة التنظيمات المتطرفة في مدى متانة آيديولوجيتها وقدرتها على التأثير على الآخرين، فإن التهديد المستقبلي يأتي لا محالة من قبل التنظيم الأم بمعنى «القاعدة» وليس من تنظيم داعش، لا سيما أنه ينطلق من مبادئ أكثر رسوخاً من تخبُّط «داعش». فأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وحدها تُعدّ بداية عهد جديد انقسم فيه العالم إلى قطبين؛ قطب يدعم التطرف وآخر يناوئه. فيما انحسرت رمزية تنظيم داعش من بعد قضاء دول التحالف على خلافته المزعومة في الموصل والرقة، وإن استمرّ في قدرته على استقطاب المتطرفين من كل حدب عبر شبكاته القوية. فيما عرف تنظيم القاعدة بسعيه لكسب «أفئدة وعقول» المحيطين بهم ومعرفة ما ينقصهم من احتياجات، والسعي في تحقيقها، بما في ذلك إعادة بناء البنى التحتية للمدن التي تقع تحت سيطرته، ويختلف تنظيم داعش عن ذلك باعتباره أكثر شراسة في إلغائه للآخر ليمتد ذلك للمسلمين، ويستهدف أماكن التعبد بشكلٍ عام لمجرد وجود مناسبة دينية في أماكن للتجمع يسهل استهدافها من أجل حصد أكبر عدد من الضحايا، ونشر الذعر من خلال البطش بالآخرين.
ويعكس الصراع على النفوذ الدولي ما بين «داعش» و«القاعدة» السعي نحو استجلاب تحالفات مع تنظيمات وجماعات أخرى سواء في أماكن النزاع أو حتى في مناطق أخرى مثل أفريقيا. وقد انتشرت أقاويل جاءت بعد البث المسموع لحمزة بن لادن حول تمركزه في سوريا لم يتم تأكيدها أو نفيها، وذلك من أجل استغلال فرصة مهاجمة التحالف الدولي لـ«داعش»، وشروع «القاعدة» في السعي نحو كسب المعارضين لنظام بشار الأسد ومحاولة الحصول على تحالفات والتأسيس لـ«قاعدة» للمجاهدين فيها، بعد أن اتضح استحالة تنظيم داعش الاستمرار في تلك المنطقة، والاستفادة من انعدام الأمن والاستقرار السياسي فيها من أجل ملء الفراغ الموجود. وإن كان يصعب إيجاد مكان ثابت للتنظيمات المتطرفة بشكلٍ عام، إذ من السهل إيجادها من خلال الأنشطة الإلكترونية للمتطرفين، واستهداف أماكن وجودهم عسكرياً أو عبر غارات جوية إن أتاحت المنطقة الجغرافية التي تمركز فيها الإرهابيون ذلك. إذ إن معرفة أماكن سيطرة التنظيمات مثل وجود تنظيم القاعدة في اليمن سهّل عملية استهداف عناصره، كما حدث مع قائد تنظيم القاعدة في شبوة مجاهد العدني الذي قتل في غارة جوية مع مرافقيه حذيفة العولقي وأبو ليث الصنعاني عبر غارة جوية بطائرة أميركية دون طيار. فيما ذاع صيت «القاعدة» في المغرب العربي إضافة إلى جماعات أخرى تبنت فكر «القاعدة» في سيناء مثل جماعة «المرابطون» و«جند الإسلام» فيها، إضافة إلى حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، فيما فضلت جماعات أخرى الانضمام لـ«داعش» مثل جماعة بوكو حرام التي كانت من قبل قد أعلنت ولاءها لـ«القاعدة» باسم جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد.
بشكلٍ عام تستدعي المؤشرات الآنية ترجيح استمرارية «داعش»، وإن ضعف واحتمال هيمنة «القاعدة» في حال ظهوره بمظهر جديد أو بزوغ تنظيم آخر جديد مسيطر، لا سيما أن الاضطراب السياسي لا يزال مستمراً في عدة مناطق من الشرق الأوسط، إذ يصعب التخلص من التنظيمات المتطرفة بالطريقة العسكرية التقليدية التي ركَّزت على القضاء على معاقل التنظيم، وإن قلص ذلك من قدراته، إذ بإمكانه إيجاد معاقل أخرى أو تحويل عملياته لتصبح سيطرة على العمليات الإرهابية عن بعد كمساعي تنظيم داعش إنشاء خلافة إلكترونية.
الأمر الذي يعكس مدى صعوبة اجتثاث تنظيم متطرف، كما حدث مع تنظيم القاعدة الذي استمرّ على مر سنوات كثيرة على الرغم من ضعفه وخفوت بريقه، إلا أن التنظيم لم يتلاشَ تماماً وإنما تذبذبت عملياته حتى أصبحت هناك مؤشرات لنهوضه مرة أخرى. فوجود مناطق نزاع واضطراب سياسي من جهة، ووجود أقليات مسلمة تشعر بالاضطهاد من جهة أخرى، كل ذلك يعزز من قدرة مثل هذه التنظيمات على التأثير واستقطاب المؤيدين. إضافة إلى وجود مسببات أخرى أبرزها تعالي صوت اليمين في الغرب، وظهور أصوات وتوجهات تؤيد قرارات تثير غضب الرأي العام مثل قرار الرئيس الأميركي ترمب نقل عاصمة إسرائيل إلى القدس، مما قد يعزز من قدرة المتطرفين استثارة المتعاطفين لأخذ الثأر لذلك. وعلى النسق ذاته، يصعب اختفاء تنظيم داعش، بالأخص مع سهولة القدرة على انضمام أي شخص يحمل فكراً متطرفاً لهم مما يتيح له العمل في الخفاء معهم. فيما من الوارد أن تظهر تنظيمات متطرفة جديدة بقالب آخر يلفت الأنظار بالأخص بعد أن وصلت التنظيمات الأخرى مرحلة الضعف. النقطة الأهم التي تدفع التطرف للاستمرار تكمن في صعوبة قدرة السلطات القضاء على الآيديولوجية المتطرفة بشكلٍ تام بالأخص إن استمرت مسبباتها، ويلزم من أجل ذلك وضع استراتيجيات تسعى لاجتثاث الفكر المتطرف وحيثياته.


مقالات ذات صلة

عاصمة مالي تستعيد الهدوء بعد الوقوع في قبضة «كوماندوز القاعدة»

أفريقيا من الانفلات الذي رافق الهجومين في شوارع العاصمة المالية (إ.ب.أ)

عاصمة مالي تستعيد الهدوء بعد الوقوع في قبضة «كوماندوز القاعدة»

«جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» أصدرت بيانا قالت فيه إن الهجوم يأتي انتقاماً لمئات المجازر والمذابح التي ارتكبتها هذه الطغمة الحاكمة وحلفاؤها الروس بحق شعبنا»

الشيخ محمد (نواكشوط)
آسيا حمزة بن لادن (أرشيفية)

هل حمزة بن لادن على قيد الحياة؟

عاد حمزة بن لادن، نجل الزعيم الراحل لـ«القاعدة»، المقتول في باكستان، إلى الظهور في أفغانستان، حسب ادعاءات الاستخبارات الغربية.

عمر فاروق (إسلام آباد ) «الشرق الأوسط» (لندن)
تحليل إخباري تخريج دفعة جديدة من مقاتلي «داعش خراسان» من «معسكر حقاني» في أفغانستان (متداولة)

تحليل إخباري لماذا يزداد الاعتقاد بأن هجوماً مثل «11 سبتمبر» قد ينطلق من أفغانستان؟

تعتقد المنظمات الدولية التي تراقب أفغانستان والدول المجاورة لها والحكومة الباكستانية وأجهزة الاستخبارات أن أفغانستان أصبحت مرة أخرى مركزاً للإرهاب الدولي.

عمر فاروق (إسلام آباد )
تحقيقات وقضايا فشلت محاولتا التواصل بين نظام صدام وبن لادن لكن اتهامات التعاون طاردت العراق (أ.ف.ب)

11 سبتمبر... ماضٍ أدمى العراق وحاضر يهدد أفغانستان

فقدت ذكرى هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على الولايات المتحدة، أهميتها مع مرور السنين، لكن آثارها لا تزال حية في منطقة الشرق الأوسط وجوارها.

غسان شربل (لندن) كميل الطويل (لندن)
خاص مقاتلون مع حركة «طالبان» في ولاية بادخشان شمال البلاد 1 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

خاص معسكرات أفغانية تثير مخاوف من «عودة القاعدة»

مع حلول ذكرى هجمات 11 سبتمبر، يبدو تنظيم «القاعدة» عازماً على إعادة بناء صفوفه وإنشاء معسكرات ومدارس دينية في أفغانستان، وهو أمر يثير قلقاً أممياً واضحاً.

كميل الطويل (لندن)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.