بدويات سيناء يُعدن الحياة لحرفة التطريز المنسية

إنتاجهن يسوّق في معارض محلية وعالمية

نساء سيناويات يطرزن القماش قبل بيعه  في المعارض المحلية والدولية ({الشرق الأوسط})
نساء سيناويات يطرزن القماش قبل بيعه في المعارض المحلية والدولية ({الشرق الأوسط})
TT

بدويات سيناء يُعدن الحياة لحرفة التطريز المنسية

نساء سيناويات يطرزن القماش قبل بيعه  في المعارض المحلية والدولية ({الشرق الأوسط})
نساء سيناويات يطرزن القماش قبل بيعه في المعارض المحلية والدولية ({الشرق الأوسط})

بمهارة شديدة تمسك أناملها بسنِّ إبرتها الصغيرة، وبإتقانٍ تتسلّل بخيطها بين ثنايا قطعة قماش سوداء، لتلجّ غرزة، بجوار أخرى، لتشكل في النهاية وحدة زخرفية مكتملة الإبداع، وبخيوط مختلفة الألوان تشدّ أنظار عشاق فن التطريز الذي تجيده السيدة السبعينية أم سليمان، وتواصله لـ7 ساعات يومياً في منزلها بقرية عمورية بشمال سيناء. تفترش الرمل، وتسند هامتها الواهنة على عمود خشبي في ثبات لم تهزمه الشيخوخة البادية على ملامحها.
أم سليمان من بين مئات السيدات البدويات في سيناء، اللواتي نجحن في إعادة الحياة لحرفة «التطريز على القماش (حرفة معروفة بين سيدات القبائل البدوية في سيناء وفلسطين)»، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «إنها احترفت هذه المهنة وهي في الـ15 من عمرها، وإنها وزميلاتها كنّ قبل ثلاثة عقود، يقمن بهذه المهمة بغرض صناعة الثوب الذي تبدأ كل فتاة نظمه عند بلوغها، ليكتمل مع زواجها؛ لأن من ترتدين الثياب المطرزة في سيناء هن المتزوجات فقط». وتضيف: «تراجع اهتمام السيدات بارتداء هذه الأزياء، تسبب في قيامهن بتطريز مشغولات قماشية أخرى منوعة لبيعها في المعارض».
من جهتها، تقول نصرة محمد سالم (55 سنة)، من قرية السادات، لـ«الشرق الأوسط»: إن «التطريز كنز تأخّر اكتشافه، بعدما اتجه بعض التجار إلى شراء قطع قماشية مطرزة منهن، وإعادة عرضها في معارض داخل الفنادق الكبرى في القاهرة والمحافظات السياحية وبيعها بأسعار غالية؛ وهو ما دفع السيدات الماهرات في هذه الحرفة إلى إحيائها وتعليم الفتيات الصغيرات لها». مضيفة: «عُدت لممارسة المهنة بعد توقف دام 10 سنوات، وتغلّبت على الإصابة بضعف البصر في سبيل توفير دخل جديد لمعيشة أسرتها»، موضحة أنها تُطرّز يومياً لمدة 6 ساعات، لتوفير عائد يصل لنحو 300 جنيه عن كل قطعة مطرزة، وتستطيع إتمام ما بين 5 و7 قطع كل شهر. وتتابع: «إنها حرفة شاقة، تؤثر على العين واليدين، ولكنّها مشقة تهون أمام توفير دخل إضافي، يساهم مع زوجي وهو مزارع»، ولفتت: «نربّى 7 أبناء، أكبرهم يدرس في كلية الطب بجامعة الزقازيق، في محافظة الشرقية».
إلى ذلك، روت أماني غريب، رئيس جمعية الفيروز، لـ«الشرق الأوسط»، تجربتها في بيع مشغولات مطرزة تشارك فيها بمعارض داخل مصر وخارجها، كان آخرها على هامش منتدى الشباب الدولي بمدينة شرم الشيخ في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقد زار المعرض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأثنى على منتجات البدويات في سيناء، وأوصى المسؤولين بتذليل العقبات أمام عرض هذه المنتجات.
من جانبها، أفادت السماحي رئيس جمعية «تنمية مشروعات المرأة بسيناء»، لـ«الشرق الأوسط» بأن الجمعية «تستقبل الراغبات في تصنيع مشغولات مطرزة ثم تعيد تجهيزها بسمة روح العصر وبيعها بالمعارض، والتسويق لها على مواقع إلكترونية وتصديرها لكل دول العالم». وأضافت: «تخضع الحرفة لتحديث المشغولات المطرزة لتشمل فئة الحقائب للكتف واليد ومحافظ الجيب، وحافظات الهواتف المحمولة، والستائر، والمفارش، وفساتين السهرة، والتطريز على النجف، وعلب الهدايا، والمشتري هو من يحدّد الشكل الذي يريده من أجل العمل عليه». بينما أوضحت حسناء الشريف، مقرر فرع المجلس القومي للمرأة بشمال سيناء لـ«الشرق الأوسط»، أنّ التطريز أهم حرف السيدات في سيناء، يمارسنها من داخل البيوت ويسوّقن إنتاجهن من المشغولات المطرزة في معارض موسمية خاصة بالمشغولات اليدوية، تنظّمها هيئات حكومية وأهلية، ومعارض على هامش المؤتمرات والفعاليات الفنية والسياحية، ومهرجانات سباقات الهجن في محافظات مصر الصحراوية، وخصّصت جهات حكومية منحاً وبرامج تدريبية للفتيات لتعليمهن فن التطريز وتوفير فرص للمشاركة في المعارض الرسمية. في حين أشار المهندس سليمان العماري، رئيس فرع جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة بشمال سيناء، إلى الاهتمام بتنمية مهارة حرفة التطريز لدى السيدات البدويات بتوفير الجهاز تمويل وتدريب وتعليم فتيات الحرفة، وقد جرى تخريج دفعتين، ضمتا 40 فتاة وسيدة في قرى سيناء خلال العام الماضي، ويجرى تكثيف التدريب في العام الحالي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».