ما وراء تفجيرات بنغازي

خطط جديدة للمتطرفين في ليبيا

ما وراء تفجيرات بنغازي
TT

ما وراء تفجيرات بنغازي

ما وراء تفجيرات بنغازي

هزَّ انفجاران بسيارتين ملغومتين، بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية، الثلاثاء الماضي، ما أدى لسقوط 35 قتيلاً. وخيَّم القلق على البلاد، ودول مجاورة. ويأتي هذا بالتزامن مع تحذير دولي من مغبة أن تتحول الدولة الغنية بالنفط، والواقعة على الشاطئ الجنوبي لأوروبا، لمركز للمتطرفين الفارين من سوريا والعراق.
ويجري محققون فحص تهديدات سابقة ضد الجيش الذي يقوده المشير خليفة حفتر، وبعضها صدر أساساً من قيادات جرى طردها من بنغازي لأسباب جهوية وعرقية ومذهبية، وتورطت مع جماعات إرهابية في غرب البلاد وجنوبها.
وكانت تنظيمات متطرفة، على رأسها «أنصار الشريعة» و«شورى المجاهدين»، قد هيمنت على السلطة في المدينة، حتى مطلع 2014، إلا أن المشير حفتر تمكن من جمع ألوف من رجال الجيش والمتطوعين، وطرد هذه الجماعات، مثلما سبق لقوات تابعة للمجلس الرئاسي، طرد «داعش» من سرت. ويعتقد أن خليط المتطرفين هذا، فرَّ أغلبه للصحراء، وأسس قواعد لتنفيذ عمليات خاطفة في ليبيا ودول مجاورة.
وبدأ حفتر، منذ شهرين، التأسيس لمرحلة ما بعد الحرب، والعمل على توحيد المؤسسة العسكرية، بمساعدة مصر، مع وضع هيكل أمني للمكافحة الشاملة للإرهاب، وسط زخم يدور عن رغبته في خوض انتخابات الرئاسة لاحقاً. وقُتل في التفجيرين اثنان من أهم المسؤولين في إدارة التجسس التابعة للمخابرات، ووحدة التحري والقبض بالقوات المسلحة.
ويعد التفجير الذي وقع عقب خروج مصلين، مساء، من مسجد «بيعة الرضوان» في ضاحية السلماني، بوسط المدينة، الأكبر الذي يسقط فيه كل هذا العدد من الضحايا، مرة واحدة، منذ الإطاحة بالقذافي. ويتشابه الحادث مع ما نفذه متطرفون بمنطقة الشرق الأوسط ضد مصلين في المساجد، كان من بينها، مسجد «الروضة» في سيناء بمصر قبل شهرين.
وأدانت جهات دولية وإقليمية ومحلية تفجير السلماني، لكنها شددت على رفضها لأي عمليات انتقام خارج القانون، وذلك بعد قيام ضباط بالجيش، عقب الحادث المروِّع، بتصفية نحو عشرة ممن يتهمهم بأنهم إرهابيون، بإطلاقه الرصاص على رؤوسهم.
من رائحة الأرض السبخة في منطقة السلماني بمدينة بنغازي، ثاني كبرى مدن ليبيا، يمكن أن تشم تداخل الصراع الجهوي بالمذهبي. وتقع السلماني جنوب «المدينة القديمة» ببنغازي، وكانت حتى مطلع القرن الماضي مجرد مساحات خالية تغمرها مياه ملحية، وتخضع لنفوذ قبائل عدة. بينما كان المستعمرون الإيطاليون يعيشون في مبان رومانية الطراز على شاطئ البحر. أما تلك القبائل فظلت لوقت طويل تفضل الحياة على أطراف المدينة.
وحين بدأت الهجرة من غرب ليبيا، خصوصاً من مصراتة وطرابلس، إلى بنغازي، ردم معظم الوافدين الجدد الأراضي الهشة، وتُركوا للإقامة فيها. لم تكن ليبيا قد عرفت النفط بعد. كانت فقيرة، وتقاس فيها الثروة بما تملكه كل عائلة من قطعان الأغنام والإبل والخيول.
لهذا ظل سكان السلماني فقراء، إلى أن غيَّر النفط الأحوال بالتدريج منذ الخمسينات. وظهرت في الضاحية رؤوس المباني الحديثة والمتاجر. وطوال مدة حكم القذافي، لم يكن أحد يمكنه أن يعترض على الواقع الجديد. ويقول أحد شيوخ القبائل، وهو يتطلع لجدران غرفة الضيافة في بيته، والمعلق عليها صورة للملك السنوسي: «كثير من العائلات القديمة هنا لديها شعور بأن الأغراب هم من تسببوا في تدمير بنغازي، بتحالفهم مع المتطرفين منذ عام 2011».
- ماذا يجري؟
حين يدور النقاش بشأن ما يجري في هذه المدينة من اقتتال بين الجيش والمتطرفين، تجد من يطلب الكشف عن الأسماء الأولى التي أسست «المجلس الانتقالي». وهو المجلس الذي جرى تكوينه كسلطة موازية تقوم بقيادة الحرب على القذافي بمساعدة من حلف شمال الأطلسي (ناتو). لقد اندلعت شرارة الانتفاضة من بنغازي، لكن شيخ هذه القبيلة يزعم أن المخططين لم يكونوا من أبناء المدينة الأصليين.
وفي كثير من المدن تسعى عائلات كبيرة لاستعادة أملاكها التي تعرضت للمصادرة في عهد القذافي. بينما تذهب عائلات أخرى إلى التنقيب في التاريخ القديم عمن يستحق البقاء هنا أو لا، وعمن وقف مع «الناتو»، أو مع المتطرفين. إنها قضايا مثيرة للقلق على مستقبل الدولة.
لقد جرى طرد العميد مصطفى الشركسي، الذي كان آمراً عسكرياً لبنغازي، رغم أنه من أبناء المدينة، مع العلم أن أصوله تعود إلى مصراتة، مثل قادة ميليشيات آخرين ودعاة وسياسيين، لا يعرفون إلا بنغازي كمدينة لهم منذ استقر فيها أسلافهم قبل عقود طويلة. لكن الانتفاضة التي انطلقت في مثل هذا الوقت تقريباً من عام 2011 أوجدت ذرائع لأي اقتتال.
ويقول الجيش إن الشركسي مطلوب لارتكابه جرائم، ولا علاقة للأمر بأصوله. لكن العميد المدرج اسمه في قوائم للإرهاب، يرد مدافعاً بأن سبب المشكلة يعود لخلفيات عرقية. وحين خرج من بنغازي قبل عامين، أخذ معه عدة عشرات من الضباط والجنود والمتطرفين المهزومين أيضاً. وفي مقابلة سابقة معه أشار إلى أن من تم تهجيرهم من بنغازي بلغ الآلاف، ويقيم معظمهم في مصراتة.
لقد لجأ معظم هؤلاء القادة إلى غرب البلاد، واستعانوا بمنصات إعلامية - جرى تصنيفها أخيراً ككيانات إرهابية أيضاً - لكي يهددوا بنغازي، كما يقول الدكتور محمود الغنودي، الباحث الليبي في الشؤون الأمنية... «كانوا في قنواتهم الإعلامية الموجودة في طرابلس، مثل (التناصح) و(النبأ)، قد هددوا مبكراً بأنه في حال تمكن الجيش من طردهم من بنغازي، فإنهم سيعودون. نعم... أقسموا اليمين بأنهم سيعودون بالمفخخات والمتفجرات».
- «مجلس الشورى العسكري»
في العام الماضي - يقول تقرير عسكري - دخل الشركسي في تعاون مع جماعات وصمت بالتطرف، في حروب فاشلة ضد الجيش انطلاقاً من الغرب، بقيادته لما يعرف بـ«سرايا الدفاع عن بنغازي»، التي جرى تصنيفها هي الأخرى ضمن قائمة الكيانات الإرهابية.
ويضيف: حين أصابه اليأس أصبح أنصاره يتعاونون مع منظمة خطرة تضم قادة للمتطرفين، جرى تأسيسها منذ نحو شهرين، وتلقى دعماً من جهات إقليمية، وتسمى «مجلس الشورى العسكري»، برئاسة عميد في المخابرات العسكرية بمصراتة. ونفت هذه الأطراف ضلوع عناصرها في تفجيرات السلماني.
ومن جانبه، كان الجيش أعلن عدة مرات أن المدد من أسلحة ومتفجرات، يأتي للمتطرفين في شرق البلاد، من مصراتة وطرابلس. بيد أنه، وأياً ما كان الحال، توجد ملاحظات قوية لدى أجهزة التحري الأمنية، حول الاختلاط والتعاون بين «الجهوي والمذهبي»، بهدف معاداة الاستقرار ورفض عودة الدولة الموحدة، وهو أمر يستغله متطرفون محليون و«دواعش» قادمون من العراق وسوريا.
ويقول مسؤول في الاستخبارات العسكرية، دون ذكر اسمه، لأنه غير مخوّل له الحديث للإعلام: «هذا تعاون مقلق... هو لا يقتصر على بنغازي، بل وصل إلى مناطق يفترض أنها تخضع للمجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج. إنهم يثيرون نعرات قبلية وبحثاً عن أصول ملكيات الأراضي، ومن استفاد من نظام القذافي، ومن كان داعماً لحلف الناتو، ومن جاء هنا قبل الآخرين. هذا يحدث بين العرب والعرب، وبين الأمازيغ والعرب».
- الصحراء الليبية
يبدو أن الصحراء الليبية، بظهيرها الأفريقي، أصبحت عاملاً مساعداً، هي الأخرى، بتحولها إلى مخزون لمقاتلين يعملون على ترسيخ أقدامهم في هذا البلد. إنه موسم اللعب على خلافات قبلية وجهوية بعضها قديم، وبعضها يعود لما بعد 2011. ويضيف المسؤول نفسه: «عناصر (داعش) تقدم خدمات القتل والتخريب، لهذا الطرف أو ذاك، مقابل عدم اعتراض سبيلهم. كما أن بعضاً من مثل هذه الصفقات يتم فيها إخلاء سبيل محتجزين من (الدواعش) في سجون طرابلس ومصراتة وبنغازي».
ومن يذهب للصحراء، فهي شاسعة... ويظهر أنها أكبر من قدرة أي من الحكومات المتصارعة على السلطة، وفقاً للباحث في مركز «أميركا الجديدة» في واشنطن، باراك بارفي، المعني بقضايا منطقة الشرق الأوسط.
وتضمّنت أحدث دراسة لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بشأن ليبيا، قلقاً من تزايد تجنيد المتطرفين في القارة الأفريقية، قائلة إن «ليبيا تقدم مركزاً جهادياً مستقبلاً محتملاً في ظل انهيار مراكز الدولة الإسلامية في العراق وسوريا». وتذكر الدراسة تعاون متطرفين من جنسيات مختلفة، بينهم تونسيون ومصريون. وتقول إن هناك عناصر متطرفة في ليبيا من 43 بلداً، منهم 1500 من تونس، و300 من المغرب، و130 من الجزائر، و112 من مصر.
لكن بارفي يقول إن عدد «الدواعش» في ليبيا كان، قبل سنتين، نحو خمسة آلاف يتمركزون في سرت، وبعد ذلك تم دفعهم إلى الصحراء، وهم كثيرون جداً، حيث لا توجد حكومة، ولا قوة، يمكن أن تستمر في مقاتلتهم في هذه المساحات الخالية المجاورة لصحارى مصر وبلدان أخرى. ومثلما وقع تفجير بنغازي، تحدُث تفجيرات بين وقت وآخر في مدن عدة. ويبدو أن المتطرفين يأتون من الصحراء لتنفيذ عملية سريعة ومُحكمة، ثم العودة للفراغ الخارج عن سيطرة الدولة.
ويوضح بارفي، الذي زار أخيراً تركيا وسوريا، قائلاً إن تفجير بنغازي «لا يدل على وجود (داعش) في المدن، وبالتالي لا يمكنه أن يؤسس ولاية، كما يريد... أعتقد أنه أصبح يلجأ لنفس طريقة تنظيم القاعدة، فمركز القاعدة في أفغانستان، ومع ذلك يمكنه تنفيذ تفجير في العراق، أو سوريا، أو لبنان، أو الأردن».
ومنذ أواخر العام الماضي، أي بعد انهيار مركز «الخلافة الداعشية» المزعومة في مدينة الموصل العراقية، لوحظ أن عناصر التنظيم في ليبيا أصبحوا يقتاتون على التنافس بين الخصوم. وأبرز مثال على «العجينة الجهوية المذهبية»، تلك الحروب الصغيرة الدائرة بعيداً عن الأضواء، وبشكل مستمر حيث تتم مصادرة أملاك ومواشٍ، إضافة لقتل وتعذيب، في مناطق تقع إلى الغرب من طرابلس، حتى الحدود مع تونس.
ويقول المسؤول في المخابرات العسكرية: «هناك شخصيات في التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، ومن (الجماعة الليبية المقاتلة)، تشارك في تسيير حركة المقاتلين إلى ليبيا، وتقوم في الوقت نفسه بدعم قيادات عسكرية، أحدها، مثلاً، بدرجة لواء، وآخر بدرجة رئيس مجلس عسكري، لكي تتمكن من السيطرة على منافذ الحدود الليبية مع تونس».
ويتابع موضحاً: «جرى خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، رصد لاستغلال المظاهرات في ذلك البلد الجار، لإدخال دفعات جديدة تضم عشرات من عناصر (داعش) الفارين من سوريا والعراق. ولوحظ على من وصلوا لمدينة صبراتة الإنفاق ببذخ على عمليات النقل وشراء السيارات والأسلحة. ولا توجد سلطة تنفيذية قوية لدرء المخاطر التي يرصدها جهاز الاستخبارات هنا».
ولم يتمكن الجيش نفسه من كبح جماح بعض ضباطه ممن يقومون بالانتقام ممن يصفونهم بالإرهابيين. وظهر مشهد صادم لضابط وهو يطلق النار على رؤوس نحو عشرة من هؤلاء في الموقع نفسه الذي شهد تفجير السلماني. ولم تكن هذه العملية الأولى. وطالبت جهات دولية بتقديم الفاعل للمحكمة الجنائية. وتعكس هذه الواقعة ضعف الأجهزة التنفيذية في هذه الدولة بشكل عام.
ويقول بارفي: «أعلم الآن أنه يوجد إعادة انتشار لمقاتلي (داعش) من العراق وسوريا... توقفتْ (دولة الخلافة) هناك، وبالتالي الأجانب يحاولون العودة إلى دولهم في أوروبا، ونفس الشيء مع العرب؛ أي الانتقال من سوريا والعراق إلى ليبيا ومصر وتونس»، مشيراً إلى أن «تنظيم داعش لديه أموال ضخمة جداً، ربما تصل إلى نحو مليار دولار، نتيجة التجارة في تهريب النفط وغيره».
ووسط الفوضى الليبية، ومن خلال هذا التحالف الغريب، تعرّضت معظم محاولات الخروج من النفق المظلم، لعمليات انتقامية، أكثر بشاعة من انفجار يوم الثلاثاء الماضي. فقد اجتياح تحالف من الجهويين والمتطرفين، الشهر الماضي، مناطق نفوذ قبائل عربية وأمازيغية، في غرب البلاد، ما أثار حفيظة هذه القبائل وتقديمها شكاوى للسراج. ويقول تقرير للمخابرات إن الهدف كان تأمين دخول مزيد من المتطرفين القادمين لليبيا من الخارج، حيث إن بعضهم كان يقيم في جبل الشعانبي التونسي قرب الحدود.
- وضع طرابلس
وكلما اشتعلت نار الخلاف في موقع، تجد شهية المتطرفين مفتوحة لاستغلال الموقف، كما جرى في الحرب القصيرة التي وقعت بين قوتين تابعتين للسراج، في مطار إمعيتيقة بطرابلس، منذ أسبوع. لكن عبد الفتاح بنور، الوسيط الذي تدخل لتهدئة الوضع، يقول إن ضعف الحكومة يعد سبباً رئيسياً لاندلاع مثل هذه المشاكل.
ويذهب تقرير أمني آخر إلى أن قيادات عسكرية جهوية في غرب العاصمة استعانت بقتلة محترفين من تنظيم داعش، لتصفية اثنين من قيادات قبيلة ورفلة، هما عبد الله انطاط، وخميس سباق، وذلك حين كانا يسعيان لعقد مصالحة بين قبائل عوينة ومزدة والخلايفة، قبل نهاية العام الماضي... «كان الهدف منع التقارب والتصالح بين هذه القبائل».
ومن بين هؤلاء القتلة، وفقاً للتحقيق، ليبي اسمه مدرج في قوائم الشخصيات الإرهابية، وسبق له تنفيذ عملية إطلاق نار على فندق «راديسون بلو» في باماكو عاصمة مالي. و... «ما زال كثير من المتطرفين الأجانب يتنقلون بين ليبيا ومالي، وحتى وسط أفريقيا... نعم، هؤلاء ليسوا من بلادنا». كما يشرح باجان أغ هاماتو، النائب عن مدينة مينكا في البرلمان المالي، متحدثاً عن تأثير الفراغ الأمني في ليبيا على وسط القارة.
ويخشى سكان طرابلس من تكرار انفجار بنغازي، ووصول السيارات المفخخة لمدينتهم التي كانت تسمى يوماً «عروس البحر»، كما يقول حسين آدم، العضو في حراك «صوت الشعب»، أثناء مشاركته مع ناشطين آخرين يرفعون رايات بيضاء، في وقفة ضد العنف، أمام مسجد القدس. إلا أن الليبيين، والأفارقة عموماً، يبدو أنهم قد تهيئوا لواقع مرير، بعد أن أصبح الإرهاب قادراً على اجتياز الحدود، كما يشير النائب هاماتو.
حين تطرح سؤالاً في بنغازي عن «الخلايا النائمة» بالمدينة، يجيب الدكتور محمد القشاط، رئيس جبهة النضال الوطني، في سخرية ممزوجة بالغضب: «هذه خلايا مستيقظة، لا نائمة»، قائلاً إن مثل هذا التفجير ليس الأول ولن يكون الأخير. ويشير إلى أن «الهمَّ مشترك... من يقومون بالتفجير في ليبيا، يقومون بالتفجير أيضاً في مصر، وحتى العراق، لنشر الفوضى».
ثم يعدد المرات التي تم فيها تنفيذ عمليات ضد الجيش، وضد الرافضين للمتطرفين في بلاده، قائلا إن «الدواعش أصبحوا منتشرين. يقتلون، ويفرون... وللأسف تحرضهم بعض الدول، وتمدهم بالأسلحة والذخائر، مثلما حدث مع سفينة المتفجرات التي أوقفتها السلطات اليونانية قبل وصولها للسواحل الليبية. كانت مثل هذه السفن تفرغ حمولتها في مصراتة، ومنها يتم تزويد المجموعات المتطرفة في بنغازي ودرنة. خط سير (الدواعش) معروف للدول الكبرى... سواء جاءوا لليبيا عن طريق تركيا، أو السودان، أو غيرهما».
ولا يتوقف اللغط في الأوساط الليبية بشأن تكهنات عدة ذات صلة بتفجير الثلاثاء الماضي، مثل حقيقة انتصار الجيش على المتطرفين، وعلاقة التفجير بتوقيف السلطات اليونانية للسفينة التي كانت في طريقها لمصراتة... وفي لهجة حاسمة يقول الدكتور محمد الورفلي، المسؤول السابق في مؤتمر القبائل الليبية: «البعض يلوم على الجيش، لكن هذا غير صحيح، لأن مثل هذه التفجيرات تقع في مدن كبرى فيها مخابرات قوية، مثل لندن، ومدريد، وباريس. أعتقد أن ما حدث مرتبط بمحاولة للتغطية على توقيف اليونانيين لتلك السفينة».
وفي الجانب الآخر من المدينة، يبث الدكتور علي الأسطى، من هيئة السيطرة بالقيادة العامة للجيش، الطمأنينة بين الأهالي، ويقول إن الإرهاب يقع في أي مكان وزمان، وليس له دين ولا وطن ولا موعد. ويدعو الأسطى إلى تلاحم بين الجيش والشرطة والشعب، للحفاظ على المدينة، وبالتالي الحفاظ على الدولة، قائلاً إن «بنغازي محررة، ومستقرة، والأمور فيها طبيعية».
وبعد الحادث أخذ الدكتور الغنودي، عدداً من زملائه، في جولة بالمدينة، لطمأنة المواطنين، ولحثهم على أخذ الحيطة والحذر. ويقول إنه ينبغي على الناس في هذه الظروف أن يفتحوا أعينهم... «كل واحد لا بد أن يكون فرد أمن... وأي واحد غريب، أو ساكن في المنطقة غريب، لا بد من الإبلاغ عنه»، مشيراً إلى أن نشر الإرهاب يستهدف دول المنطقة وليس ليبيا فقط.


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.