باب الحديد
(1958)
ستون سنة على الفيلم الذي صنع يوسف شاهين
«عندما صعدت للمنصّة لتسلم جائزتي، توقع الألمان رؤية رجل أعرج. فوجئوا بي وأنا أسير بصورة عادية. لن أنس ذلك المشهد».
كان ذلك قول يوسف شاهين لهذا الناقد، متذكرا عرض فيلم «باب الحديد» على جمهور مهرجان برلين سنة 1958 مشيراً بذلك إلى قوّة حضوره كواحد من أهم شخصيات ذلك الفيلم، جنباً إلى جنب فريد شوقي وهند رستم. ومع أن الفيلم لم يفز بجائزة في تلك الدورة إلا أنه كان من بين اكتشافات السينما العالمية الجديدة آنذاك واستقبل جيداً من قِبل النقاد والجمهور على حد سواء.
من الممكن جداً أن نوافق على هذا القول. أداء شاهين كان أقوى من أي شخصية لعبها في أي فيلم آخر له قام فيه بدور مزدوج كمخرج وكممثل. لم يمثل لسواه من المخرجين ولم يكن بحاجة إلى ذلك. وما اختار تمثيله كان بعض تلك الأفلام التي وقع غالبها في سنوات لاحقة (مع مطلع القرن الحالي) وتدور حول سيرته الشخصية حيث قرر أن أحداً سواه لا يجب أن يؤدي دوره.
لكن في عام 1958 وبعد اثنا عشر فيلماً سابقاً وجد ذلك الدور الذي لا يجب أن يمثله سواه ولو لسبب آخر. شاهين، الذي وُلد في الخامس والعشرين من شهر يناير (كانون الثاني) قبل 92 سنة، كان لديه دافع ذاتي للعب دور بائع الصحف قناوي الذي يعمل في محطة باب الحديد في القاهرة. تماماً كما كان له دافع ذاتي، وإن كان مختلف الأسباب، للعب بعض شخصيات أفلامه الأخيرة.
في «باب الحديد» المنجز قبل ستين سنة، أدى دور بائع الصحف الأعرج والنحيل الذي يقطر فقراً والذي ينظر إلى أنثوية هند رستم وفحولة فريد شوقي بغيرة مزدوجة تدفعه إلى نهاية بائسة. العرج ليس مجرد عاهة استخدمها شاهين بتلقائية قابلة للتصديق فقط، وهو بالتأكيد ليس تعبيراً عن رغبته في كسب تعاطف مشاهديه، بل جانباً نفسياً عميقاً يعبّر عنه المخرج بخلجات صارمة وبعينين حائرتين ونفس لاهث ونظرة تائهة بين الرجل الآخر ذي المواصفات الكاملة بدنياً، على الأقل، وبين المرأة التي يحلم بها. تلك المرأة الجذابة هنومة التي تبيع المشروبات الغازية والتي تحب الحمّال أبو سريع (فريد شوقي).
في هذا التخاطب الخاص بين شخصية قناوي وبين شخصيتي هنومة وأبو سريع أكثر من لغة تحتية تعبر عن شاهين الذي كان سابقاً ما قدّم شخصيات رجالية ضعيفة ولو أنها في البطولة ضد شخصيات قوية تتمنى لو كانت مثلها. هذا متوفر، تلميحاً، في «ابن النيل» (شكري سرحان مقابل يحيى شاهين، 1951) وفي «صراع في الوادي» (عمر الشريف مقابل فريد شوقي، 1954) ثم في «باب الحديد» وبعده، في «عودة الابن الضال» (1976).
«باب الحديد» كان في الوقت ذاته، وإلى جانب مضامينه الجنسية المزدوجة، تأليفاً ذكياً من الكاتب الراحل عبد الحي أديب ولا علم لنا (في ظل النحو البائس الذي تعاني منه السينما العربية حيال كل ما له علاقة بتاريخها) إذا ما كان عرج قناوي من تأليف الكاتب أو من إضافة المخرج. ما هو مؤكد أن استخدامه كان رمزياً قُصد به ما سبق في الوقت الذي كانت فيه شخصية أبو سريع رمزاً لأمل حط مع ثورة 1952.
لجانب الممثلين الثلاثة وزّع شاهين أدواراً جيدة على ممثلين فاعلين في صياغة العالم الذي أراده: حسن البارودي وعبد العزيز خليل وأحمد أباظة وحسين إسماعيل. شاهين كان دائماً المخرج الذي لا يفوّت فرصة تقديم ممثل على نحو جيد ومعبر مهما صغر دوره.
7:57 دقيقة
سنوات السينما
https://aawsat.com/home/article/1155186/%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7
سنوات السينما
سنوات السينما
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة