دراسات جديدة حول فوائد الرضاعة الطبيعية

عرض فريق من الباحثين الطبيين الأميركيين فائدة جديدة لاهتمام الأمهات بتقديم الرضاعة الطبيعية لأطفالهن، وذلك من خلال إثبات جدواها في تقليل خطورة إصابة أولئك المُرضعات بمرض السكري.
وتُضاف هذه الفائدة الجديدة لتقديم الرضاعة الطبيعية إلى قائمة من الفوائد الصحية التي كشفت عنها نتائج العشرات من الدراسات الطبية السابقة خلال العقود الماضية، وذلك في جوانب صحية وطبية متعددة، منها ما له علاقة مباشرة بصحة الأم والمولود على المدى القصير بعد الولادة، ومنها ما لا علاقة له بشكل مباشر بمرحلة الولادة والرضاعة، بل يتجاوز ذلك في مراحل تالية من عمر الأم المُرضعة والطفل الذي تلقى الرضاعة الطبيعية، ويطال صحة أعضاء مختلفة في جسم كل منهما على المدى البعيد.
- رضاعة طبيعية
ضمن عدد 16 يناير (كانون الثاني) الحالي من مجلة «جاما» للطب الباطني JAMA Intern Med، الصادرة عن الرابطة الأميركية للطب (AMA)، نشرت دراسة فريق من الباحثين من مركز كيسير بيرميننت الطبي في أوكلاند بكاليفورنيا، ومن جامعة بريمنغهام في ألاباما، ومن جامعة ميناسوتا في مينابولس، وكانت بعنوان: «مدة فترة الرضاعة والإصابة بمرض السكري.. دراسة لمدة 30 عاماً».
ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم، التي تُعتبر الدراسة الطبية الأطول حتى اليوم في تتبع الفوائد الصحية للرضاعة الطبيعية، أن ثمة تأثيرات صحية وقائية للرضاعة الطبيعية في حماية الأم المُرضعة من الإصابة بمرض السكري، وتحديداً أفادت نتائج الدراسة أن الأمهات اللواتي يُرضعن أطفالهن لمدة 6 أشهر أو أكثر تقل لديهن احتمالات الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري بنسبة تقارب 50 في المائة، وذلك خلال فترة سنوات الإنجاب Childbearing Years من أعمارهن؛ أي قبل بلوغ سن اليأس من المحيض.
وعلقت الدكتورة إريكا جوندرسون، الباحثة الرئيسية في الدراسة الباحثة العلمية المتقدمة في قسم الأبحاث بمركز كيسير بيرميننت الطبي في أوكلاند، بقولها: «لقد وجدنا ارتباطاً قوياً جداً بين طول فترة تقديم الرضاعة الطبيعية وتدني خطورة الإصابة بمرض السكري». ولاحظ الباحثون أن المرأة التي تُقدم رضاعة طبيعية لطفلها لفترة 6 أشهر أو أكثر، في كل الولادات التي تحصل لها، تنخفض لديها احتمالات الإصابة بمرض السكري بنسبة 47 في المائة، وذلك بالمقارنة مع غيرهن من النساء، وتقل نسبة خفض احتمالات الإصابة بمرض السكري لتصل إلى 25 في المائة لدى أولئك الأمهات اللواتي أرضعن أطفالهن لفترة تقل عن 6 أشهر.
- آلية بيولوجية واقية
كان فريق الباحثين قد قام بتحليل بيانات المشمولين ضمن دراسة «كارديا» الطبية CARDIA، وهي دراسة وطنية واسعة تُجري في الولايات المتحدة منذ عام 1985، وتتبع حتى اليوم؛ أي منذ أكثر من 30 عاماً، احتمالات الإصابة بأمراض الشرايين القلبية ومسبباتها، التي يُعتبر مرض السكري من بينها؛ أحد المسببات الرئيسية للإصابة بأمراض شرايين القلب.
وأضافت الدكتورة جوندرسون: «انخفض معدل الإصابة بالسكري بشكل متدرج مع زيادة مدة الرضاعة الطبيعية، وذلك بغض النظر عن كل من العرق، والإصابة بسكري الحمل، ونوعية سلوكيات نمط الحياة، ومقدار حجم الجسم، وعوامل الخطورة الأيضية الأخرى التي تم قياسها قبل الحمل، مما يعني إمكانية أن تكون الآلية الأساسية لتلك الحماية من الإصابة بمرض السكري هي آلية بيولوجية».
وأوضح الباحثون أن الآليات البيولوجية الواقية التي تُقدمها الرضاعة الطبيعية قد تكون نتيجة لتأثير هرمونات الرضاعة على خلايا البنكرياس التي تتحكم في مستويات الإنسولين في الدم، وبالتالي تؤثر على نسبة السكر في الدم.
وقالت الدكتورة تريسي فلاناغان، مديرة صحة المرأة في مركز «كايزر بيرماننت» بكاليفورنيا: «لقد عرفنا لفترة طويلة أن الرضاعة الطبيعية لها فوائد كثيرة للأمهات والأطفال على حد سواء»، واستطردت قائلة: «الآن، نحن نرى وجود حماية أقوى بكثير من خلال نتائج هذه الدراسة الجديدة التي تبين أن الأمهات اللواتي يرضعن أطفالهن لعدة شهور بعد الولادة يقل لديهن خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني بنسبة تصل إلى النصف، وذلك مع تقدمهن في السن، وهذا هو سبب آخر يتطلب من الأطباء والممرضات والمستشفيات أن يدعموا النساء وأسرهن بالحرص على تقديم الرضاعة الطبيعية لأطول فترة ممكنة».
- حليب الأم
والواقع أن كثيراً من الهيئات الطبية العالمية المعنية بصحة الحوامل والأطفال تنصح وبشدة بتقديم الرضاعة الطبيعية للأطفال، ومنها الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال American Academy of Pediatrics، والكلية الأميركية لأطباء النساء والولادة American College of Obstetricians and Gynecologists. كما تنصح منظمة الصحة العالمية WHO بالرضاعة الطبيعية لمدة سنتين أو أكثر، لو أمكن. وحليب الأم يحتوي على مزيج من الفيتامينات والبروتينات والدهون والسكريات والمعادن، وهي التي يحتاجها الطفل لنموه الطبيعي، كما يحتوي على أجسام مضادة مناعية، وهي التي تساعد جسم الطفل على مقاومة الميكروبات، كالفيروسات والبكتيريا، الأمر الذي يُفيد في تقليل الإصابات بالعدوى الميكروبية، خصوصاً في الجهاز التنفسي والأذنين والجهاز الهضمي، إضافة إلى خفض احتمالات إصابة الطفل بالحساسية والربو. وهناك بعض الدراسات الطبية التي لاحظت في نتائجها أن الأطفال الذين تم إرضاعهم طبيعياً يحصلون على نقاط أعلى في اختبارات مستوى الذكاء IQ Scores.
وتقول هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا NHS، في نشراتها الطبية التثقيفية، إن ثمة عدة دواع للحرص على تقديم الرضاعة الطبيعية للطفل المولود، من أهمها أن حليب الأم هو التركيبة المثالية الملائمة لتغذية الطفل الرضيع، التي توفر له فوائد صحية، كما تُقدم للأم المُرضع فوائد صحية أخرى، إضافة إلى دور الرضاعة الطبيعية في تكوين رباط عاطفي قوي بين الطفل والأم، وهي الأمور التي لا تتوفر من الرضاعة الصناعية، لذا تنصح بتقديم الرضاعة الطبيعية لمدة 6 أشهر على أقل تقدير.
وتُضيف بشيء من التفصيل: «الرضاعة الطبيعية تُقدم فوائد صحية للطفل تستمر لديه حتى مراحل متقدمة من عمره، وأي مقدار من الرضاعة الطبيعية له تأثيرات إيجابية. وكلما طال أمد تقديم الرضاعة الطبيعية، زادت مدة توفيرها الحماية لصحة الطفل. وهي تُقلل من احتمالات إصابة الطفل بعدوى الميكروبات، وتُقلل من حاجته إلى مراجعة المستشفيات، خصوصاً في حالات الإسهال والقيء، وتقلل من احتمالات إصابة الطفل بسرطان الدم والنوع الثاني من السكري والسمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية، وذلك في مراحل تالية من العمر بعد البلوغ». كما أن الرضاعة الطبيعية «تقدم فوائد صحية للأم. وكلما زادت مدة الرضاعة، ارتفعت الفوائد الصحية تلك. وتقلل الرضاعة الطبيعية من احتمالات إصابة الأم بسرطان الثدي وسرطان المبايض وهشاشة العظم وأمراض القلب والأوعية الدموية، وتُقلل أيضاً من الإصابة بالسمنة».
كما تحدثت نشرات هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا عن تلك الحقائق، فقد ذكرت بعض المعلومات الشائعة غير الصحيحة، مثل الاعتقاد بأن تقديم الأم للرضاعة الطبيعية هو السبب المباشر في حصول ترهل الثدي. وأوضحت أن ذلك في الحقيقة هو بسبب تأثيرات هرمونات الحمل، وليس عملية الإرضاع، على الأربطة التي تدعم ثبات الثدي، وهو ما يتطلب الحرص على ارتداء حمّالات صدر ملائمة خاصة بالحمل، وأضافت أن الطفل، حتى بعد تجاوز عمر 6 أشهر، يستفيد من حليب الأم، إضافة إلى تناوله الأطعمة الأخرى شبه الصلبة، وأهم شيء في ذلك هو توفير الوقاية من الإصابة بعدوى الأمراض الميكروبية.

- استشارية في الباطنية