تطوير مادة سيليلوزية لتعويض البلاستيكية في مستحضرات التجميل

علماء ألمان يتحدثون عن ثورة بيئية

تطوير مادة سيليلوزية لتعويض البلاستيكية في مستحضرات التجميل
TT

تطوير مادة سيليلوزية لتعويض البلاستيكية في مستحضرات التجميل

تطوير مادة سيليلوزية لتعويض البلاستيكية في مستحضرات التجميل

تدخل جزيئات البلاستيك، بصفتها مادة «تقشير»، في صناعة مختلف مستحضرات التجميل الممتدة بين بخاخات مزيلات الروائح ومساحيق الوجه ومعاجين الأسنان.
وتفكر السلطات الصحية في الاتحاد الأوروبي جدياً في منع مستحضرات التجميل المحتوية على جزيئات البلاستيك، كما أوصت شركات إنتاج مستحضرات التجميل بالبحث عن بديل لها في الصناعة. ويعود هذا الموقف بالطبع إلى المخاطر البيئية المعروفة للبلاستيك على الحياة البيئية، والمخاطر المشكوك بها على صحة الإنسان، والتي بحاجة إلى مزيد من البحث.
وحينما فحص أعضاء منظمة «الكوكب البلاستيكي»، التي تكافح ضد تلوث البيئة والبحار، عينات من دمائهم مرة عثروا على جزيئات البلاستيك في هذه العينات. وهكذا صار البلاستيك يتسلل من الصناعة إلى دورة الماء بأكملها وصولاً إلى دماء البشر على «الكوكب البلاستيكي».
وربما يجد مناهضو استخدام جزيئات البلاستيك في الصناعة الرد في مشروع لـ«معهد فراونهوفر الألماني للمواد والأنظمة المنمنمة»، بالتعاون مع شركات لإنتاج مستحضرات التجميل، لتطوير مادة سيليلوزية تعوض عن البلاستيك. ويفترض، بحسب تقرير المعهد، أن تكون الجزيئات السيليلوزية طبيعية وتتحلل ذاتياً إلى مواد طبيعية غير ضارة بعد فترة من استعمالها.
يطلق على جزيئات البلاستيك المستخدمة في صناعة مواد التجميل اسم «الميكروبلاستيك» وتحتوي على مادتي «بولي إيثيلين» و«بوليبروبيلين». وتعمل جزيئات البلاستيك، عند حك المادة التجميلية على البشرة أو الأسنان، على تقشير خلايا البشرة الميتة وتعزز وصول الدم إلى الخلايا الحية في هذه المناطق نفسها من البشرة.
وتفضل صناعة المواد التجميلية الجزيئات البلاستيكية بسبب لونها الجميل، وبسبب صغر حجمها، ولأنها عديمة الرائحة والطعم. وطبيعي، فإن البلاستيك مادة شبه ثابتة تقريباً، ويحتاج كيس البلاستيك إلى 200 سنة، بحسب تقدير منظمة الصحة العالمية، كي يتحلل تلقائياً إلى جزيئات بلاستيكية.
ويتحدث العلماء من «معهد فراونهوفر» عن ثورة بيئية في عالم مستحضرات التجميل؛ إذ إنهم توصلوا إلى صناعة جزيئات سيليلوزية من خشب الزان أساساً، بعد إضافة نسب من الحنطة والذرة والشوفان إليه. ويؤكدون أن هذه المادة السيليلوزية تتمتع بنفس خاصية جزيئات البلاستيك المتمثلة في القدرة على تقشير الخلايا الميتة وتحفيز انتشار الدم في البشرة.
أدخل العلماء تعديلات تقنية على الخشب الزان قبل استخدامه مع المواد الأخرى في إنتاج الجزيئات السيليلوزية. ومنح هذا التعديل هذه الجزيئات المواصفات التي تسعى إليها صناعة مستحضرات التجميل مثل الحجم الصغير وانعدام اللون والطعم.
وذكرت ساندرا زاريمبا، المنسقة العامة للمشروع، أن العلماء توصلوا بعد سنتين من البحث إلى جزيئات سيليلوزية من خشب الزان في معجون الأسنان تتمتع بقدرة تنظيفية كبيرة، وقدرة «تقشيرية» جيدة لا تخدش البشرة أو تسبب الحساسيات. وثبت أن هذه الجزيئات، عند استخدامها في معجون الأسنان، فعالة جداً في قتل البكتيريا ومنع تلوّن الأسنان، وفي إزالة بقايا الطعام عن الأسنان.
وأضافت زاريمبا أن جزيئات السيليلوز تتحلل ذاتياً إلى مكوناتها الطبيعية بعد فترة، كما أنها لا تؤثر في ميناء الأسنان واللثة. وأكدت الباحثة أن هذه الجزيئات الطبيعية أثبتت فعاليتها أيضاً بوصفها بديلا للجزيئات البلاستيكية في العطور ومزيلات الروائح والمواد التعقيمية ومياه غسل الوجه... إلخ.
من ناحيته، قال إندرياس كيزوف، رئيس فريق العمل، إن إدخال تعديلات معينة على خشب الزان المستخدم في صناعة الجزيئات السيليلوزية، يؤهله لولوج مجالات أخرى في الطب. وهذا يفتح الطريق أمام استخدامها حشوة في العمليات الجراحية، أو في صناعة دعامات العظام المؤقتة، وما إلى ذلك. والمهم أن المواد المستخدمة في إنتاج الجزيئات السيليلوزية رخيصة الثمن، كما أن تكلفة إنتاجها منخفضة، وهذا جذاب بالتأكيد بالنسبة لشركات صناعة مستحضرات التجميل.
وفي تعليقه على التقرير، قال البروفسور كريستيان لافورش، من جامعة بايرويت الألمانية، إن حماية البيئة من البلاستيك يبقى الإنجاز الأكبر للجزيئات السيليلوزية البديلة لجزيئات البلاستيك.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)