معرض فني عن «المشترك... العرب وأوروبا» في مكتبة الإسكندرية

تنظمه منظمة المتاحف الدولية التابعة لليونيسكو

شجرة الحياة أحد الموتيفات النباتية التي تجمع الفن الإسلامي والأوروبي  -  ملصق المعرض
شجرة الحياة أحد الموتيفات النباتية التي تجمع الفن الإسلامي والأوروبي - ملصق المعرض
TT

معرض فني عن «المشترك... العرب وأوروبا» في مكتبة الإسكندرية

شجرة الحياة أحد الموتيفات النباتية التي تجمع الفن الإسلامي والأوروبي  -  ملصق المعرض
شجرة الحياة أحد الموتيفات النباتية التي تجمع الفن الإسلامي والأوروبي - ملصق المعرض

لم تكن العلاقة بين العرب وأوروبا في القرون الماضية مجرد صراعات بل كان هناك جوانب وقواسم مشتركة بين العالمين الشرق والغرب، تبدو جلية في بعض المصطلحات اللغوية والعادات الغذائية والمدارس الفنية والمعمارية وغيرها من مناحي الحياة المختلفة؛ لذا تنظم كل من لجنة المتاحف العربية ولجنة المتاحف الأوروبية بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية، تحت رعاية منظمة المتاحف الدولية التابعة لليونيسكو، معرضاً بعنوان «المشترك... العرب وأوروبا»، وذلك في الفترة من 28 يناير (كانون الثاني) إلى 10 فبراير (شباط) المقبل، في مكتبة الإسكندرية. كما تحتضنه الأكاديمية المصرية للفنون في روما بأبريل (نيسان) العام الحالي.
«هذا المعرض يهدف إلى البحث عن المشترك عبر العصور بين العرب وأوروبا الذي بدأ منذ عصور مبكرة، فالفنون الهلنستية اتخذت من شجرة الحياة رمزاً قوياً يعبر عنها، هذه الفنون التي مزجت بقوة بين الشرق والغرب لأول مرة في التاريخ»، هذا ما أكده الدكتور مصطفى الفقي مدير مكتبة الإسكندرية في بيان صحافي أصدرته المكتبة أمس، ويعتبر نتيجة مشروع بحثي قام به أعضاء اللجنة الوطنية للمتاحف وبدعم علمي من عدد من المتاحف الأوروبية. وسيُنظّم بالتوازي مع مؤتمر دور الفن والأدب في محاربة التطرف الذي سينعقد على مدار ثلاثة أيام في مقر مكتبة الإسكندرية بحضور حشد من المثقفين والمفكرين من مختلف أنحاء العالم.
سيقدم المعرض نماذج من العناصر الفنية المشتركة التي تظهر التبادل الثقافي والحضاري بين الشرق والغرب، حيث يعرض لنا «شجرة الحياة» وهي من حضارة بلاد الرافدين وقد اختيرت هذه الشجرة عنصرا زخرفيا مشتركا بين العرب وأوروبا، وقد قام الفن الإسلامي على أسس من الفنون التي كانت سائدة في البلاد التي فتحها العرب والتي أصبحت تكوّن جزءاً من الدولة الإسلامية، وهي: الفن الساساني، والبيزنطي، والروماني، والفن الهندي، وفنون الصين، وآسيا الوسطى.
ويبرز المعرض أنّ الفن الإسلامي لم يأخذ كل ما صادفه في فنون الحضارات من موضوعات وعناصر، بل وقف منها موقف الفاحص الناقد، لذلك فإنّنا نجد الفنان المسلم قد أمضى فترة طويلة في عملية استيعاب، واختيار، ومزج. فقد جمع العناصر الزخرفية من فنون البلاد التي خضعت للإمبراطورية الإسلامية المترامية الأطراف التي امتدت من الهند شرقاً إلى شمال أفريقيا وبلاد الأندلس غرباً ثم اختار ما لا يتعارض مع أحكام الدين ثم مزج ما يلائم منها ذوقه العربي.
ويعتبر رمز «شجرة الحياة» من أبرز الرموز النباتية التي كانت عنصراً زخرفياً مهماً منذ أقدم الحضارات، فقد استعملت موضوعاً أساسيا في توضيح الأساطير. ويرجع أصل شجرة الحياة إلى عبادة الإله أوزوريس، حين اعتقد المصريون القدماء أنّه هو روح الحياة الخضراء النابتة من الأرض، وكانوا يرون هذه النباتات المخضرة تروى كل عام وتتراءى لهم كأنّها ماتت، ولكنّها تعود إلى الحياة مرة أخرى، ومن ثم فكانوا يرون أنّ الإله أوزوريس هو رمز للموت ثم الحياة مرة أخرى.
وظهرت شجرة الحياة كأحد عناصر الزخرفة المعمارية في العصور الإسلامية، فعادة ما كان ينظر إليها على أنّها نباتات، أو أزهار، أو فاكهة تحمل في إناء أو على شكل شجرة منمقة. استخدمت المزهرية مع النباتات والأزهار والفاكهة في الفنون الإسلامية لسببين: أولاً كانت تستخدم لقيمتها الزخرفية والزينة، وثانياً كانت تستخدم لترمز إلى شجرة الحياة بمعنى «أشجار السماء»، مما يشير إلى مفهوم الآخرة وحسن الحظ للحياة القادمة. ونجد أنّه غالباً ما يجري التلميح إلى مفهوم شجرة الحياة الفردوسية في الفن الإسلامي هكذا هي شجرة الحياة، تدب بالفن والحياة باعثة للمشترك بين العرب وأوروبا ليستخدمها فنان قبرصي في صناعة طبق خزفي تتوسطه شجرة الحياة من التذهيب الخزفي الإسلامي والروح الأوروبية... إنه المشترك.
ويكشف المعرض عن المشترك بين مصر وأوروبا، إذ يشير إلى أنّ انتشار اليونانيين في مصر سبق دخول الإسكندر الأكبر؛ لذا لم يكن الإسكندر في بيئة غريبة كلياً عنه عندما دخل البلد، واستخدمت اليونانية لغة للعلم في مكتبة الإسكندرية القديمة، ومن الأمثلة على ذلك بردية تقدم لنا معلومات عن مقتنيات المكتبة القديمة، وكان للغة اليونانية الفضل في التوصل إلى فك شفرة لغة قدماء المصريين عبر وجودها ضمن نصوص حجر رشيد.
وعندما كانت اللاتينية لغة للعلم، ترجم منها العرب كثيرا من مخطوطات العلوم والفلسفة إلى اللغة العربية، وهو ما نشاهده في العرض من مخطوطات مترجمة إلى العربية (لوحات) كانت هي الجسر الذي جعل أوروبا تستعيد تراثها بعد ذلك من ترجمته من العربية، فضلًا عما ترجمته أوروبا من كتب علمية وفلسفية عربية إلى اللاتينية في بداية عصر نهضتها.
يظهر هذا المعرض أنّ اسم مكتبة الإسكندرية يثير في الذهن صورة ماض مجيد، تراث مشترك، ليس فقط بين اليونان ومصر، ولا حتى البحر الأبيض المتوسط كله، بل تراث مشترك للبشرية جمعاء. لأنّ مكتبة الإسكندرية تكشف عن أكبر مغامرة للعقل البشري.
يشير أحد ملصقات المعرض إلى أنّ المشترك يجعلنا نتطرق إلى الحوار الفكري الذي مهد لقبول الآخر في عام (616هـ - 1219م)، حين تحاور كل من الملك الكامل (1218م - 1238م)، وكان عارفاً بالأدب والشعر، مع القديس فرنسيس الأسيزي (من مدينة أسيزي - إيطاليا)، مؤسس الرهبنة الفرنسيسكانية، فقد زار القديس فرنسيس الأسيزي مدينة دمياط أثناء الحروب الصليبية في محاولة لإنهاء الحرب بين الشرق والغرب من دون مزيد من إراقة الدماء، وعندما فشل في إقناع معسكر الصليبيين، طلب السماح له بمقابلة الملك الكامل لمحاورته في أمور الإيمان. جاء الحوار بين الرجلين على أعلى مستوى روحي وإيماني وثقافي بين راهب صوفي وسلطان مؤمن مثقف ليظلّ ما جرى قصة تحكى للأجيال. بل ويقدم عبر نماذج من العملات حجم التبادل التجاري الموسع الذي كان بين العالمين العربي والغربي، فمثلا عبر نموذج لعملة التالير النمساوي وهي عملة أصلية كانت بمثابة عملة دولية استخدمها العرب وظلت مستخدمة في اليمن وعمان إلى منتصف القرن العشرين.



حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
TT

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

يُشكّل «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يُطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية، وتعكس عمق التعبير وتنوعه بين الفنانين المشاركين عن القضايا الجماعية والتجارب الذاتية.

وتشهد نسخته الخامسة التي انطلقت تحت شعار «بلا قيود»، وتستمر لشهر كامل في قاعات غاليري «ضي» بالقاهرة، مشاركة 320 فناناً من الشباب، يمثلون 11 دولة عربية هي مصر، والسعودية، والسودان، وسوريا، وفلسطين، والعراق، والأردن، واليمن، ولبنان، والعراق، وتونس.

تُقدم سلمى طلعت محروس لوحة بعنوان «روح» (الشرق الأوسط)

وبين أرجاء الغاليري وجدرانه تبرز مختلف أنواع الفنون البصرية، من الرسم والتصوير والحفر والطباعة والخزف والنحت. ومن خلال 500 عملٍ فني تتنوع موضوعاتها وتقنياتها وأساليبها واتجاهاتها.

ويحفل المهرجان في دورته الحالية بأعمال متنوعة ومميزة للشباب السعودي، تعكس إبداعهم في جميع ألوان الفن التشكيلي؛ ومنها عمل نحتي للفنان السعودي أنس حسن علوي عنوانه «السقوط».

«السقوط» عمل نحتي للتشكيلي السعودي أنس علوي (الشرق الأوسط)

يقول علوي لـ«الشرق الأوسط»: «استلهمت العمل من فكرة أن كلمَتي (حرام) و(حلال)، تبدآن بحرف الحاء، وهما كلمتان متضادتان، وبينهما مساحات شاسعة من الاختلاف».

ويتابع: «يُبرز العمل ما يقوم به الإنسان في وقتنا الراهن، فقد يُحرّم الحلال، ويُحلّل الحرام، من دون أن يكون مُدركاً أن ما يقوم به هو أمر خطير، وضد الدين».

ويضيف الفنان الشاب: «لكنه بعد الانتهاء من فعله هذا، قد يقع في دائرة الشكّ تجاه تصرّفه. وفي هذه المرحلة أردت أن أُجسّد تلك اللحظة التي يدخل إليها الإنسان في مرحلة التفكير والتشكيك في نفسه وفي أعماله، فيكون في مرحلة السقوط، أو مراجعة حكمه على الأمور».

وتأتي مشاركة الفنانة السعودية سمية سمير عشماوي في المهرجان من خلال لوحة تعبيرية من الأكريلك بعنوان «اجتماع العائلة»، لتعكس عبرها دفء المشاعر والروابط الأسرية في المجتمع السعودي.

عمل للتشكيلية السعودية سمية عشماوي (الشرق الأوسط)

وتقول سمية لـ«الشرق الأوسط»: «تُعدّ اللوحة تجسيداً لتجربة شخصية عزيزة على قلبي، وهي لقاء أسبوعي يجمع كل أفراد أسرتي، يلفّه الحب والمودة، ونحرص جميعاً على حضوره مهما كانت ظروف الدراسة والعمل، لنتبادل الأحاديث، ونتشاور في أمورنا، ونطمئن على بعضنا رغم انشغالنا».

ويُمثّل العمل النحتي «حزن» أول مشاركة للتشكيلية السعودية رويدا علي عبيد في معرض فني، والتمثال مصنوع من خامة البوليستر، ويستند على رخام. وعن العمل تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يُعبّر التمثال عن لحظة حزن دفينة داخل الإنسان».

عمل نحتي للفنانة السعودية رويدا علي عبيد في الملتقى (الشرق الأوسط)

وتتابع رويدا: «لا أحد يفهم معنى أن تقابل الصدمات بصمت تام، وأن تستدرجك المواقف إلى البكاء، فتُخفي دموعك، وتبقى في حالة ثبات، هكذا يُعبّر عملي عن هذه الأحاسيس، وتلك اللحظات التي يعيشها المرء وحده، حتى يُشفى من ألمه وأوجاعه النفسية».

من جهته قال الناقد هشام قنديل، رئيس مجلس إدارة «أتيليه العرب للثقافة والفنون»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مهرجان الشباب العربي يمثّل خطوة مهمة في تشجيع الفنانين الشباب ودفعهم إلى الابتكار، وتقديم أفكارهم بلا قيود؛ وانطلاقاً من هذا الفكر قرّرت اللجنة المنظمة أن يكون موضوع المهرجان 2025 مفتوحاً من دون تحديد ثيمة معينة».

وأضاف قنديل: «اختارت لجنتا الفرز والتحكيم أكثر من ثلاثمائة عملٍ فني من بين ألفي عمل تقدّمت للمشاركة؛ لذا جاءت الأعمال حافلة بالتنوع والتميز، ووقع الاختيار على الإبداع الفني الأصيل والموهبة العالية».

ولفت قنديل إلى أن الجوائز ستُوزّع على فروع الفن التشكيلي من تصوير، ونحت، وغرافيك، وخزف، وتصوير فوتوغرافي وغيرها، وستُعلن خلال حفل خاص في موعد لاحق يحدده الأتيليه. مشيراً إلى أن هذه النسخة تتميّز بزخم كبير في المشاركة، وتطوّر مهم في المستوى الفني للشباب. ومن اللافت أيضاً في هذه النسخة، تناول الفنانين للقضية الفلسطينية ومعاناة سكان غزة من خلال أعمالهم، من دون اتفاق مسبق.

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

وبرؤية رومانسية قدّمت الفنانة المصرية الشابة نورهان إبراهيم علاجاً لصراعات العالم وأزماته الطاحنة، وهي التمسك بالحب وتوفير الطفولة السعيدة للأبناء، وذلك من خلال لوحتها الزيتية المشاركة بها في المهرجان، التي تغلب عليها أجواء السحر والدهشة وعالم الطفولة.

وتقول نورهان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «براءة الأطفال هي بذرة الإبداع التي ستعالج العالم كله»، وتتابع: «أحب الأطفال، وأتعلم كثيراً منهم. وأدركت أن معظم المشكلات التي تواجه العالم اليوم من الجرائم الصغيرة إلى الحروب الكبيرة والإرهاب والسجون الممتلئة لدينا، إنما هي نتيجة أن صانعي هذه الأحداث كانوا ذات يومٍ أطفالاً سُرقت منهم طفولتهم».

«بين أنياب الأحزان» هو عنوان لوحة التشكيلي الشاب أدهم محمد السيد، الذي يبرز تأثر الإنسان بالأجواء المحيطة به، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حين يشعر المرء بالحزن، يبدأ في الاندماج مع الطبيعة الصامتة، ويتحوّلان إلى كيان واحد حزين. وحين يسيطر الاكتئاب على الإنسان ينجح في إخفائه تدريجياً».

لوحة للتشكيلية المصرية مروة جمال (الشرق الأوسط)

وتقدم مروة جمال 4 لوحات من الوسائط المتعددة، من أبرزها لوحة لبناية قديمة في حي شعبي بالقاهرة، كما تشارك مارلين ميشيل فخري المُعيدة في المعهد العالي للفنون التطبيقية بعملٍ خزفي، وتشارك عنان حسني كمال بعمل نحت خزفي ملون، في حين تقدّم سلمى طلعت محروس لوحة عنوانها «روح» تناقش فلسفة الحياة والرحيل وفق رؤيتها.