«أويمياكون» في سيبيريا... أبرد قرية على وجه الأرض

نالت «أويمياكون» شهرة عالمية باعتبارها أبرد مستوطنة بشرية دائمة في العالم (أ.ب)
نالت «أويمياكون» شهرة عالمية باعتبارها أبرد مستوطنة بشرية دائمة في العالم (أ.ب)
TT

«أويمياكون» في سيبيريا... أبرد قرية على وجه الأرض

نالت «أويمياكون» شهرة عالمية باعتبارها أبرد مستوطنة بشرية دائمة في العالم (أ.ب)
نالت «أويمياكون» شهرة عالمية باعتبارها أبرد مستوطنة بشرية دائمة في العالم (أ.ب)

في هذه البقعة النائية من سيبيريا، لا يمكن اعتبار البرد مسألة عابرة. إذ تتجمد رموش العيون، ولسعة الصقيع من المخاطر الداهمة المستمرة، وعادة ما تبقى السيارات مدارة حتى وإن لم تكن تستخدم خشية أن تتوقف البطاريات بسبب درجات الحرارة التي تبلغ سالب 58 درجة فهرنهايت في الشتاء.
إنها «أويمياكون»، إحدى المستوطنات الروسية التي تضم 500 مواطن في إقليم ياقوتيا الروسي، والتي نالت شهرة عالمية باعتبارها أبرد مستوطنة بشرية دائمة في العالم. ولم تنل تلك البقعة هذه السمعة بيسر وسهولة. ففي وقت سابق من الأسبوع الحالي، تسببت برودة الطقس الشديدة في انخفاض درجات الحرارة هناك لأدنى المستويات القياسية المسجلة.
وسجل المقياس الرسمي لهذه البلدة الصغيرة درجة الحرارة عند مستوى سالب 74 درجة فهرنهايت هذا الأسبوع، ورغم تثبيت ميزان حراري رقمي جديد هناك في مكان يستطيع الجميع رؤيته، فإن جزءاً من سمعة البلدة ودرجات حرارتها الباردة للغاية، يعود لتسجيل درجة سالب 80 فهرنهايت يوم الأحد الماضي. ووفقا لصحيفة «سيبيريان تايمز»، فإن بعض السكان يملكون مقاييس لدرجات الحرارة والتي أظهرت تدني المستوى إلى سالب 88 درجة فهرنهايت، مما يقترب من الرقم السابق المسجل في ثلاثينات القرن الماضي. وسجلت البلدة في عام 2013 أدنى مستويات درجات الحرارة لها وصولا إلى سالب 98 درجة فهرنهايت.
وعلى الرغم من استمرار عمل المدارس في المنطقة مع بلوغ درجات الحرارة إلى سالب 40 فهرنهايت، فإنها أغلقت يوم الثلاثاء الماضي، كما ذكرت وكالة أسوشييتدبرس الإخبارية. ويخيم الظلام على البلدة لمدة 21 ساعة في اليوم خلال فصل الشتاء، وكانت البلدة وجهة الفضول العالمي المتنامي بسبب سمعتها كأبرد بقعة على وجه الأرض إلى جانب سكانها الصامدين الذين يتحملون هذه الظروف الجوية القاسية عاما بعد عام. ولقد سافر آموس تشابل، المصور الصحافي من نيوزلندا، إلى تلك المنطقة في عام 2015 للوقوف على طريقة الحياة تحت مستوى الصفر. والقرية بعيدة ونائية للغاية، وهي أقرب ما تكون من الدائرة القطبية الشمالية من أقرب مدينة رئيسية، على مسافة نحو 500 ميل. ووصف تشابل الرحلة الشاقة للوصول إلى هناك في صحيفة «واشنطن بوست». وبعد رحلة جوية استمرت 7 ساعات كاملة من موسكو، قطعت 3300 ميل، استقل شاحنة إلى أقرب محطة للوقود، ثم استقل مركبة من على الطريق إلى القرية النائية بعد يومين من الانتظار في أحد الأكواخ حيث كان يعيش على تناول حساء حيوان الرنة. وقال تشابل عن ذلك: «بعد أول يومين، أصبت بإنهاك شديد من مجرد التجوال في الشوارع لبضعة ساعات».
إن المناخ البارد والقارس يتخلل تقريبا كافة جوانب حياة البشر بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في هذه المنطقة. ويدور النظام الغذائي هناك خلال الشتاء حول تناول اللحوم، والتي تؤكل في بعض الأحيان إما نيئة أو مجمدة، بسبب عدم المقدرة على زراعة المحاصيل في درجات الحرارة المتجمدة هناك. وبعض الأطباق المحلية الخاصة تتضمن: ستروغانينا، وهي شرائح السمك المجمد، ولحم الرنة النيئ المجمد، وكبد الجياد، ومكعبات الثلج من دماء الجياد مع المعكرونة، وفقا للتقارير الإخبارية.
يقول المواطن بولوت بوشكاريف في مقابلة مع قناة الطقس: «إن أهل إقليم ياقوتيا يفضلون الطعام البارد، والسمك القطبي، والسلمون الأبيض، والسمك الأبيض، وكبد الجياد النيئ المجمد، ولكنهم يعتبرونها مأكولات شهية للغاية. وفي الحياة اليومية، فإننا نحب تناول الحساء مع اللحوم. واللحوم من المأكولات الأساسية هناك. فإنها تساعد صحتنا كثيرا».
وأظهر الفيديو المصور خلال الرياح الباردة المفاجئة أحد الأسواق، حيث تتراص الأسماك المجمدة بشكل مستقيم في السلال والصناديق، ولا حاجة هناك إلى وجود الثلاجات. وكان الزبائن الذين يرتدون الملابس الشتوية الثقيلة يسيرون في الجوار، وكان أحدهما يحمل طفله على ظهره. وقال الراوي في الفيديو إن درجة الحرارة تبلغ سالب 56 درجة فهرنهايت.
وقال «إليكم الكنز»، مشيرا إلى السمك الأبيض المستخدم في طهي طبق ستروغانينا. وقال إنه أصيب بالبرد أثناء تصوير الفيلم.
وأضاف الراوي يقول: «أحسست بتجمد مؤلم في يداي أثناء تصوير الصفوف التجارية في السوق. وكان الباعة يقفون هناك طيلة اليوم. كيف يمكنهم تدفئة أنفسهم؟»
كان القرية من محطات الوقوف في عشرينات القرن الماضي لرعاة حيوانات الرنة الذين كانوا ينقلون قطعانهم إلى الينابيع الحارة التي لم تتجمد فيها المياه. وتقع الحمامات في الغالب خارج المنازل، إذ إن الأرض متجمدة للغاية ولا تتحمل وجود الأنابيب. ووفقا لقناة الطقس، يجب أولا تدفئة الأرض باستخدام النيران المشتعلة من أجل الحفر فيها، مثل حفر أحد القبور على سبيل المثال.
ووفقاً لصحيفة «سيبيريان تايمز»، لقي رجلان مصرعهما بعد توقف سيارتهما وخرجا يسيران على الأقدام عبر عاصفة صقيع شديدة. وكانت المجموعة، التي تضم مربياً للخيول وأربعة من الأصدقاء، قد ذهبت للتحقق من بعض الحيوانات قرب النهر. وقال المكتب الصحافي لحاكم الإقليم إن كل العائلات والأعمال في المنطقة تملك التدفئة المركزية مولدات الطاقة الاحتياطية. وقال تشابل، بعد رحلته، لم يكن من السهل أبدا إجراء اللقاءات مع الناس في الشوارع في مكان بمثل هذه البرودة، إذ يندفع الناس سائرين بسرعة من مكان دافئ إلى آخر. وإدمان الكحوليات من أبرز المشكلات في تلك المنطقة، كما قال تشابل للصحافيين. وبناء على مدى برودة الطقس، غالبا ما يتنقل الناس بين مناوبات لمدة 20 دقيقة عندما يقومون بالأعمال في الخارج. وقال تشابل إن اللعاب قد يتجمد ويتحول إلى أشواك ناتئة قد تؤذي شفتيه. ولم يكن التصوير سهلا بحال - إذ تبرد الكاميرا للغاية ولا تعد قادرة على العمل كما قال. والبخار الخارج من فمه قد يدور حول رأسه كدخان السجائر، ولذلك عليه أن يحبس أنفاسه حتى لا تغيم على إطار الكاميرا أثناء العمل.

* خدمة {واشنطن بوست}
خاص بـ{الشرق الأوسط}



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».