فيلم «بيروت» قد يمنع في لبنان

الإعلان الترويجي له أثار مطالبات برفض عرضه

فيلم «بيروت» قد يمنع في لبنان
TT

فيلم «بيروت» قد يمنع في لبنان

فيلم «بيروت» قد يمنع في لبنان

ما إن بدأ تداول الإعلان الترويجي لفيلم «بيروت» وموعد عرضه في 13 أبريل (نيسان) المقبل، حتى اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات التي تنتقده وتدعو إلى حظره. فهذا العمل السينمائي الهوليوودي الذي صوّر بالمغرب في مايو (أيار) من عام 2016 بتوقيع المخرج الأميركي براد آندرسون، يحكي قصة دبلوماسي أميركي فرّ من بيروت في عام 1972 بعد حادث مأسوي تعرّض له مع عائلته، ثم عاد بعد عشر سنوات إليها بطلب من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في مهمة لإنقاذ صديق له مخطوف على يد تنظيم متطرف.
كتب قصة الفيلم طوني جيلروي فيما يقوم بطولته الممثل جون هام الذي تعرف إليه جمهور السينما من خلال فيلمي «ماد مان» و«بايبي درايفر». أمّا روزاموند بيك التي تشاركه البطولة فقد سبق أن رشحت لجائزة الأوسكار عن دورها في فيلم «غون غيرل». ويركز الإعلان الترويجي لفيلم «بيروت»، (مدته 150 ثانية)، على بيروت المدمرة (تدور أحداثه فيها أثناء الحرب في عام 1982)، وعلى مشاهد لتفجيرات ولمجموعات مسلحة وفتيان يحملون أسلحة بلاستيكية، إضافة إلى أخرى تصور الدبابات وأسلحة ثقيلة وأبنية مخردقة بفعل الرصاص. كما يتضمن مشهداً قصيراً يتعرف فيه المشاهد وبالصدفة، من خلال لافتة كبيرة كتب عليها بخط عادي «مطار بيروت»، على هذا المرفق الحيوي في لبنان وقد افترش أرصفته باعة الخضراوات، مما أثار استهجان كثيرين، لأن مطار بيروت الدولي لم يسبق أن كتب اسمه في الواقع بهذه الطريقة.
الانتقادات الكثيفة التي واجهها الفيلم من قبل اللبنانيين جاءت إثر انتشار التداول بإعلانه الترويجي، فوصفوه بالفضيحة، خصوصا أنه لم يصور في بيروت ولا ينطوي على أي حضور لبناني فيه؛ إنْ من ناحية الممثلين، وإن من ناحية اللهجة والموسيقى والأحياء والشوارع المستخدمة في سياق أحداثه.
وكان وزير الثقافة غطاس خوري أول من شجب تقديم بيروت بهذه الصورة، فيما أطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي وتحت عنوان «حظر فيلم بيروت»، عريضة احتجاجا على عرض الفيلم في لبنان، داعين إلى منع عرضه في الصالات اللبنانية وحظره بشكل تام.
وكتبت إحدى الناشطات على صفحة «فيسبوك» تعليقا: «(أهلا ببيروت)... كيف يستهل الإعلان الترويجي للفيلم بهذه العبارة وهو مصور في المغرب؟»، فيما غرد جاد أبو الحصن عبر «تويتر» يقول: «كيف تقبل استوديوهات أميركية معروفة أن تصنع فيلما سينمائيا زائفا يشوه صورة بيروت إلى هذا الحد؟»، وختم: «يجب حظره ليس في لبنان فقط؛ بل في جميع الدول العربية».
وحتى الآن لم يُبت بمصير عرض الفيلم في الصالات السينمائية اللبنانية على الرغم من الإعلان عن موعد عرضه في 13 أبريل المقبل الذي يصادف ذكرى اندلاع الحرب اللبنانية. فسلطات الرقابة حسب ما تردد لم تتسلم أي نسخة منه، وقضية عرضه أو العكس منوطة فقط بها. وقد تردّد في المقابل أنّها تميل بشكل كبير إلى أخذ القرار بحظره فيما لو لمست أنّه يمس بالكيان اللبناني.
ويرى إميل شاهين، أحد النقاد السينمائيين المخضرمين في لبنان، أنّ الضجة التي أثيرت حول الفيلم ستساهم دون شك في الترويج له حتى لو لم يُعرض في لبنان، مشيراً إلى أنّ بعض اللبنانيين الذين يتملكهم الفضول حول محتواه سيستطيعون متابعته قريبا عبر القنوات الإلكترونية والأسطوانات المدمجة. وقال في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لم يسبق أن سمعت ببطل الفيلم ولا بمخرجه، وهما لا يزالان في عداد الأسماء المغمورة في هذا المجال. وما أستطيع قوله هو أنّنا لن نقبل بالتأكيد بعرض فيلم يسيء إلى صورة لبنان، ولكنّ الأهم هو منع عرضه عالمياً لأنّه يعكس فكرة سلبية ومشوهة عن بلادنا».
وسبقت المطالبة بمقاطعة وحظر فيلم «بيروت» منع عرض أفلام أخرى من قبل سلطات الرقابة في لبنان؛ بينها «ذا بوست» للمخرج ستيفن سبيلبيرغ لأنه يهودي الأصل وداعم أساسي لإسرائيل، وقد خصص ريع أحد أفلامه «لائحة شنيدلرز» لمساعدة حكومتها. وكان الفيلم المذكور قد حصل على تصريح من الأمن العام اللبناني يسمح بعرضه، إلا أنّ ضغوطاً من قبل «حملة مقاطعة إسرائيل» ساهمت في تغيير رأيه. وكانت الجهة نفسها (الأمن العام اللبناني) قد منعت منذ فترة عرض فيلم «ووندر وومن» لأنّ بطلته يهودية. وفي الإطار نفسه، مُنع أيضاً الأسبوع الماضي عرض فيلم «jungle» بعد مرور يومين على بدء عرضه في صالات السينما اللبنانية (في 11 و12 يناير/ كانون الثاني) لأنّه يدور حول قصة واقعية لرحالة إسرائيلي.


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق عدد من الأبطال في أحد مشاهد الفيلم (الشركة المنتجة)

«آل شنب»... فيلم يجمع شمل عائلة متنافرة بعد حالة وفاة 

من خلال مجموعة العائلة عبر «واتساب» تتواصل عائلة «آل شنب»، بعد شتات أبنائها الخمسة الذين نشأوا في الإسكندرية، وانتقل بعضهم إلى القاهرة بحكم الحياة وظروف العمل.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مشهد من الفيلم  (مهرجان الجونة)

المخرجة التونسية مريم جعبر لـ«الشرق الأوسط»: «ماء العين» يركز على «العائدين من داعش»

تترقب المخرجة التونسية مريم جعبر عرض فيلمها «ماء العين» في الصالات السينمائية خلال العام المقبل مع انتهاء جولته في المهرجانات السينمائية الدولية.

أحمد عدلي (الجونة (مصر))
يوميات الشرق يعود الفيلم إلى نهاية التسعينات من القرن الماضي ويحمل الكثير من الكوميديا السوداء (الشرق الأوسط)

أسامة القس لـ«الشرق الأوسط»: دوري في «صيفي» مثير للجدل

يترقب الممثل أسامة القس عرض فيلمه «صيفي» في صالات السينما السعودية يوم 26 ديسمبر (كانون الأول)، الذي تدور أحداثه في فترة التسعينات.

إيمان الخطاف (الدمام)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)