أميديو مودلياني الذي يخترع نفسه دائماً

معرض استعادي للفنان الإيطالي بلندن يضم 100 عمل

بورتريه زوجته
بورتريه زوجته
TT

أميديو مودلياني الذي يخترع نفسه دائماً

بورتريه زوجته
بورتريه زوجته

يحتضن التيت غاليري بلندن أكبر معرض استعادي للفنان الإيطالي أميديّو مودلياني، حيث جمع القائمون على المعرض نحو مائة عمل فني، بينها تسع منحوتات، و12 لوحة زيتية، وبورتريهات لكل أصدقائه ومعارفه من الكُتّاب والشعراء والفنانين والموسيقيين الفرنسيين والأجانب الذين جسّدهم على سطوحه التصويرية.
ما يميّز مودلياني عن بقية أقرانه من الفنانين والنحاتين هو بصمته الخاصة التي تحيل إليه، فالمتلقي الحسّاس والخبير لا يخطئ في معرفة وتشخيص لوحات مودلياني بسرعة خاطفة، وذلك بسبب العلامات الفارقة لأعماله الفنية التي تتميّز بالعيون الفارغة، واستطالات الأنوف والأعناق التي أضفت جمالاً مُضاعفاً على «فيكَراته الأنثوية» على وجه التحديد على الرغم من مخالفته للنِسب المعروفة في الرسم التشخيصي.
لم تتكون هذه البصمة الخاصة من فراغ، فمودلياني، كما هو معروف، كان مُحباً للرسم منذ صِغره وقد ضاق ذرعاً بمدينة ليفورنو الواقعة غرب إيطاليا، لأنها لم تلبِ احتياجاته البصرية، فقد كان يتحرّق شوقاً وهو في ذروة حمّاه الهذيانية لأن يزور متحف الأوفيزي بفلورنسا ويستمتع بالأعمال الفنية الموجودة في صالات هذا المتحف الذي يضم بين دفتّيه العديد من تُحف وروائع عصر النهضة الإيطالية التي كان يمحضها حُباً من نوعٍ خاص. وكانت والدته تعِدهُ بالذهاب إلى فلورنسا، ومشاهدة متاحفها، والدراسة في معاهدها الفنية، بل إنها طلبت من غولييلمو ميكيلّي، أفضل أساتذة الرسم في ليفورنو، أن يعلّمه أصول الفن التشكيلي قبل أن ينتقل أول الأمر إلى المدرسة الحرة للعراة بفلورنسا، ولاحقاً إلى معهد الفنون الجميلة في فينيسيا.
وعلى الرغم من مرض السلّ الذي أصابه في سن مبكرة فإن هذا العائق الصحي لم يمنعه من اللهاث خلف أحلامه الفنية في الشهرة والذيوع خارج حدود الوطن، ولا غرابة في أن يتجه عام 1906 صوب باريس ويلتحق بمجموعاتها الأدبية والفنية، فهذه المدينة سوف تمنحه الإثارة «والتنوّع» الذي كان يفتقده في المدن الإيطالية التي عاش فيها.
شغلَ المعرض الاستعادي 11 صالة، إضافة إلى صالة أخرى مخصصة للواقع الافتراضي (VR) الذي يعيد خلق الاستوديو الذي عاش فيه مودلياني قبل مائة سنة. تتضمن العتبة البصرية للمعرض «بورتريه» شخصياً لمودلياني نفسه، لكنه كمهرّج هذه المرة، والـ«Pierrot» هي شخصية نمطية في الأدب والفن تتصف بسطحيتها لذلك فهي هدف سهل للمحاكاة الساخرة، وعُرضة للانتقادات المتواصلة، لكنها مفتوحة على تأويلات متعددة ترتبط بالماضي، وتنفتح على المستقبل، ويمكن أن تكون هذه الشخصية كوميدية أو سوداوية أو رومانسية يجسّدها ممثل أو يرسمها فنان في مكان جديد وبين أناس مختلفين. أُنجزت هذه اللوحة عام 1915 وهي تُشير بقوة إلى «أن مودلياني كان مستعداً لاختراع نفسه» كما يذهب كتالوغ المعرض.
رُبّ سائل يسأل عن إمكانية هذا الاختراع وطبيعته المُغايرة التي تختلف عن السنوات العشرين التي عاشها مودلياني في إيطاليا، ويأتي الجواب سريعاً، بأنه قرّر إعادة صياغة نفسه من جديد، وتحصينها بالعديد من المعطيات الفنية الحديثة التي وجدها في باريس، ولم تكن تتعارض مع توجهاته التشخيصية والتعبيرية على حد سواء، بل أمدّته بعناصر الجرأة، والحرية، واختراق الموضوعات المحافِظة أو الحسّاسة في أقل تقدير.
تأثر مودلياني بالعديد من الفنانين الفرنسيين والأوروبيين وعلى رأسهم تولوز لوتريك، وبول سيزان، وكيس فان دونغِن، وبابلو بيكاسو، وغيرهم من المبدعين، ويكفي أن نشير هنا إلى أنّ الأنوف المستطيلة (Elongated) قد استعارها مودلياني من لوحة «آنسات أفينون» التي أنجزها بيكاسو عام 1907، خصوصاً من الشخصيتين المقنّعتين اللتين تظهران على يمين الناظر أو أنه اقترضها مباشرة من الفن القَبَلي الأفريقي الذي كان يروّج له بول غيّوم، جامع اللوحات الفرنسي الذي أقام عدداً من المعارض للفن الأفريقي في باريس. وأكثر من ذلك فإن أعماله الكرياتيدية (Caryatids)، وهي تماثيل نساء تقوم مقام الأعمدة في المعابد وبعض المباني العامة، قد استلفها مباشرة من الفنون الأفريقية والآسيوية في مصر وساحل العاج وكمبوديا.
يشكِّل النحت منعطفاً مهماً في تجربة مودلياني الفنية، فبين عامي 1911 و1912 انهمك في العمل على 27 منحوتة أنجزها بسرعة قياسية رغم تفاقم أوضاعه الصحية جرّاء الغُبار الناجم عن عملية النحت. ففي عام 1912 اشترك في معرض «صالون الخريف» بسبع منحوتات يُعتقَد أنه «سرق» أحجارها الكلسية من بناية مجاورة له كانت قيد الإنشاء، وهذا هو المعرض النحتي الوحيد الذي نُظِّم له خلال حياته. أما هذا المعرض فيضمّ تسع منحوتات تحمل جميعها بصماته الفنية المتعارف عليها من استطالات في الأنوف والأعناق والوجوه البيضوية، وهي سانحة حظ للجمهور التشكيلي في أن يرى النسخ الأصلية لهذه المنحونات واللوحات الأخرى قبل أن تعود إلى أصحابها ومتاحفها. جدير ذكره بأن منحوتة «Tête» أو «رأس» قد بيعت بـ52 مليوناً و620 ألفاً و923 دولاراً في مزاد كريستيز في باريس عام 2010، وهو أغلى ثمن تحصل عليه منحوتة فنية في العالم. ولا يخفى على القارئ تأثر مودلياني في هذه المنحوتة بالفن الأفريقي، وبساطة التكوين الذي يمكن أن نجده عند صديقه وأستاذه الروماني كونستانتين برانكوسي.
لم تجتمع في معرض سابق 12 لوحة عارية لمودلياني، ولعل الفضل، أولاً وأخيراً، يعود للشاعر، وجامع اللوحات البولندي ليوبولد زبوروفسكي الذي شجّعه على رسم هذه اللوحات واقتنائها أو الترويج لبيعها. وتُعتبر هذه الباقة من اللوحات الجريئة، لأنها تتوفر على لمسة حسّاسة لم تكن رائجة قبل قرن من الزمان، وهذه اللمسة المُستفزّة هي التي دفعت ضابط الشرطة إلى أن يغلق المعرض في يوم افتتاحه بحجة الإساءة للذوق العام. أما أغلى لوحاته المكشوفة فهي «العارية المستلقية» التي بيعت في مزاد كريستيز بنيويورك بـ172.2 مليون دولار وقد اقتناها رجل الأعمال الصيني لي ييكيان.
تعرّف مودلياني على عدة نساء خلال عمره القصير، لكن ثلاثاً منهن تركنَ أثراً واضحاً في حياته الشخصية، وهنّ على التوالي الشاعرة الروسية آنا أخماتوفا، والكاتبة البريطانية بياتريس هاستنغ (أميلي أليس هيغ)، والفنانة الفرنسية جيني هوبيتيرن التي أنجبت له طفلته الأولى جيني، وكانت على وشك الزواج به، لكن مرض التهاب السحايا السلّي الذي لازمهُ حال دون ذلك. وقد رسم لهنّ بورتريهات كثيرة تكشف عن العلاقة الحميمة التي كانت تربطه بكل واحدة منهن على انفراد، لكن هوبيتيرن تبقى المرأة الأحب إلى نفسه، والأقرب إلى عالمه الإبداعي، فهي طالبة فن أحبّته، وانقطعت إلى حبّه، وحينما فارق الحياة انتحرت بعد يومين من وفاته، حيث ألقت بنفسها من نافذة في الطابق الخامس، وقتلت الجنين الذي كان مستقراً في رحمها، ولم يبق على ولادته إلا بضعة أسابيع، لتنتهي حياة هذه الأسرة الفنية نهاية مُفجعة تترك أثراً مؤلماً لدى المتلقي الذي يُشاهد أعمال مودلياني أو يقرأ سيرته الذاتية والإبداعية على حد سواء.
رسم مودلياني معظم أصدقائه من الأدباء والفنانين أمثال بيكاسو، وهنري لورينز، وخوان غريس، وماكس جاكوب، وجان كوكتو، كما رسم الأطفال والموديلات اللواتي يتقاضين أجوراً مجزية، وكانت البورتريهات برمتها تحمل الخصائص المودليانية المُشار إليها سلفاً التي يندر أن يجدها المُشاهد عند فنان آخر، وهذا سرّ فرادته الفنية رغم تقادم الأعوام.



الذكاء الاصطناعي يعزز فرص الحمل

الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين نتائج التلقيح الصناعي (جامعة إمبريال كوليدج لندن)
الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين نتائج التلقيح الصناعي (جامعة إمبريال كوليدج لندن)
TT

الذكاء الاصطناعي يعزز فرص الحمل

الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين نتائج التلقيح الصناعي (جامعة إمبريال كوليدج لندن)
الذكاء الاصطناعي يسهم في تحسين نتائج التلقيح الصناعي (جامعة إمبريال كوليدج لندن)

توصلت دراسة من جامعة إمبريال كوليدج لندن في بريطانيا إلى أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز فرص الحمل لدى السيدات الخاضعات للتلقيح الصناعي.

وأوضح الباحثون أن هذه النتائج تسلط الضوء على إمكانات الذكاء الاصطناعي في تحسين نتائج العلاج وتقديم رعاية أكثر دقة للمريضات، ونُشرت النتائج، الأربعاء، في دورية (Nature Communications).

ويذكر أن التلقيح الصناعي إجراء طبي يساعد الأزواج الذين يعانون من مشاكل في الإنجاب على تحقيق الحمل. وفي هذا الإجراء، يتم استخراج البويضات من المبايض لدى السيدات بعد تحفيزها بواسطة أدوية هرمونية، ثم يتم تخصيبها بالحيوانات المنوية للرجال في المختبر. وبعد التخصيب، يتم مراقبة نمو الأجنة في المختبر، ثم يتم اختيار أفضل الأجنة لنقلها إلى رحم المرأة في أمل حدوث الحمل.

وتمر العملية بخطوات أولها تحفيز المبايض باستخدام أدوية هرمونية لزيادة إنتاج البويضات، ثم مراقبة نمو الحويصلات التي تحتوي على البويضات عبر جهاز الموجات فوق الصوتية. وعند نضوج البويضات، تُجمع بواسطة إبرة دقيقة وتُخصّب في المختبر. وبعد بضعة أيام، تنُقل الأجنة المتطورة إلى الرحم لتحقيق الحمل.

ويُعد توقيت إعطاء حقنة الهرمون أمراً حاسماً في نجاح العملية، حيث يستخدم الأطباء فحوصات الموجات فوق الصوتية لقياس حجم الحويصلات، لكن تحديد التوقيت المناسب يعد تحدياً.

وفي هذه الدراسة، استخدم الباحثون تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات أكثر من 19 ألف سيدة خضعن للعلاج. ووجدوا أن إعطاء حقنة الهرمون عندما يتراوح حجم الحويصلات بين 13 و18 ملم كان مرتبطاً بزيادة عدد البويضات الناضجة المسترجعة، مما أدى إلى تحسن ملحوظ في معدلات الحمل.

وبينما يعتمد الأطباء حالياً على قياس الحويصلات الأكبر فقط (أكثر من 17-18 ملم) لتحديد توقيت الحقن، أظهرت الدراسة أن الحويصلات المتوسطة الحجم قد تكون أكثر ارتباطاً بتحقيق نتائج إيجابية في العلاج.

كما أظهرت النتائج أن تحفيز المبايض لفترات طويلة قد يؤدي لارتفاع مستويات هرمون البروجستيرون، مما يؤثر سلباً على نمو بطانة الرحم ويقلل من فرص نجاح الحمل.

وأشار الفريق إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتيح للأطباء اتخاذ قرارات أكثر دقة في توقيت هذا الإجراء، مع الأخذ في الاعتبار أحجام الحويصلات المختلفة، وهو ما يتجاوز الطرق التقليدية التي تعتمد فقط على قياس الحويصلات الكبرى.

وأعرب الباحثون عن أهمية هذه النتائج في تحسين فعالية التلقيح الصناعي وزيادة نسب النجاح، مشيرين إلى أن هذه التقنية تقدم أداة قوية لدعم الأطباء في تخصيص العلاج وفقاً لاحتياجات كل مريضة بشكل فردي.

كما يخطط الفريق لتطوير أداة ذكاء اصطناعي يمكنها التفاعل مع الأطباء لتقديم توصيات دقيقة خلال مراحل العلاج؛ ما سيمكنهم من تحسين فرص نجاح العلاج وتحقيق نتائج أفضل.