عون وبرّي... خلاف «الكيمياء المفقودة»

يخفي «هواجس» الشيعة من إلغاء شراكتهم في السلطة التنفيذية

عون وبرّي... خلاف «الكيمياء المفقودة»
TT

عون وبرّي... خلاف «الكيمياء المفقودة»

عون وبرّي... خلاف «الكيمياء المفقودة»

تخطى الخلاف بين رئيسي الجمهورية اللبنانية ميشال عون، ومجلس النواب نبيه برّي، إطار الخلاف على مرسوم الأقدمية الذي وقّعه عون ورئيس الحكومة سعد الحريري لضباط من دورة 1994، بعدما دخل إطار التصعيد بين الطرفين، وثباتهما على موقفيهما من «دستورية» التوقيع من عدمه، ليعكس حالة صراع بين رئيسين، يعتبر البعض كلاً منهما الأقوى في طائفته، لكن فرّقهما «انعدام الكيمياء» بينهما منذ عام 2009 على الأقل، ومن المرجح أن تنعكس على أداء الحكومة، وتمتد إلى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة.
والواقع أن الخلاف اليوم، يتجاوز بُعد العلاقة الشخصية، حتى لو نفى الطرفان ذلك؛ فهو يفتح الباب على ما يُزعَم أنه «هواجس» عند الشيعة من عودة الثنائية المارونية – السنّية (رغم لا تساويها) التي كانت قائمة قبل «اتفاق الطائف». وهو ما يدفع برّي إلى التمسك بالاتفاق الذي أنهى حرب 15 سنة في لبنان، وكرّس بالعرف دوراً للشيعة في السلطة التنفيذية يتمثل عبر توقيع وزير المال؛ إذ كانت هذه الوزارة من حصة الشيعة في حكومتين شكلتا بعد «اتفاق الطائف» مباشرة، قبل أن تنتقل إلى الطائفة السنّية في حكومات رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، وتعود إلى الشيعة في الحكومتين الأخيرتين في عام 2014 وأواخر عام 2016. ومن شأن الخلاف، رغم نفي الطرفين اللذين يقدمان مقاربة قانونية له، أن يمتد إلى التحالفات الانتخابية المقبلة، ويخلط أوراقها من جديد، كما من شأنه أن ينتج «أزمة حكم»، إذا ما فشلت أركان الحكومة في تحييد الخلافات السياسية عن عملها وقدرتها الإنتاجية.
بدأ الخلاف بين رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي ورئيس الجمهورية ميشال عون الشهر الماضي على خلفية توقيع عون ورئيس الحكومة سعد الحريري مرسوم منح أقدمية سنة لعدد من الضباط الذي تخرّجوا في دفعة عام 1994، وهي الدفعة من الضباط معروفة بـ«دورة عون».
و«دفعة عون» تضم ضباطاً كانوا التحقوا بالمدرسة الحربية في العام الذي كان فيه عون رئيساً لـ«الحكومة الانتقالية» (3 وزراء عسكريين مسيحيين) قبل أن يقصيه النظام السوري في عام 1990. ومع أن القانون العسكري يفرض التدريب 3 سنوات قبل أن يتخرج التلميذ الضابط بصفة ملازم، لم تحتسب لهؤلاء سنة أقدمية لهم، وهي السنة التي أمضوها في منازلهم من غير تدريب بسبب ظروف الحرب، علما بأنهم التحقوا بالمدرسة الحربية من جديد، وتخرجوا في عام 1994.
إثر توقيع المرسوم، اعتبره برّي تجاوزاً للأعراف القانونية كون توقيع مرسوم من هذا النوع يرتب أعباء مالية على الدولة تستدعي توقيع وزير المال، علماً بأن وزير المال علي حسن خليل هو أحد أبرز ممثلي برّي في الحكومة.
وبعدما أحال برّي معالجة ملف ترقية الضباط من دورة 1994 سنة واحدة، إلى رئيس الجمهورية قائلاً: إنه يترك لعون معالجة الموضوع، صرّح رئيس الجمهورية في 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بأن «منح سنة أقدمية لضباط دورة 1994 محقّ؛ لأنه في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 1990، الدورة كانت في المدرسة الحربية وأنا وقّعت مرسوم دخولها». ورأى عون أنه «بسبب كيدية سياسية معينة أرسلوهم إلى منازلهم (إثر الإطاحة به وإخراجه من القصر الجمهوري)، ثم استدعوهم بعد سنتين، ونحن حاولنا أن نردّ لهم نصف حقهم».
وشدّد عون على أن «هذه القضية محقّة بالجوهر وبالأساس، والمرسوم يوقّعه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وإذا هناك أحد معترض فليذهب إلى القضاء، وسأفرح إذا كسر القضاء قراري».
هذا التصعيد، قابله برّي برفضه دعوة عون الذهاب إلى القضاء الذي «يذهب إليه الضعفاء» – حسب تعبيره -، وبتحذير من أن يمسّ تصرف عون بـ«اتفاق الطائف» والدستور، تاركاً كرة المعالجة مرة أخرى في ملعب رئيس الجمهورية بالقول: «مرة جديدة يا فخامة الرئيس أترك الأمر لحكمتك وقضائك، فالمخفي أعظم».

كيمياء مفقودة
في الحقيقة، لم تشهد العلاقة بين عون وبرّي تطوّراً إيجابياً، منذ عودة عون من منفاه في العاصمة الفرنسية باريس في عام 2005، وتفاقم الخلاف بينهما أكثر في مرحلة إبرام التسوية بين الحريري وعون؛ لأن رئيس مجلس النواب بقي من أشدّ معارضي انتخاب عون رئيساً للبنان، حتى تاريخ جلسة انتخابه في 30 أكتوبر 2016.
ولا يخفي مراقبون أن «الكيمياء مفقودة» بين الرجلين، وأنه لو كانت هناك علاقة بينهما، تشبه علاقة برّي بالنائب وليد جنبلاط مثلاً، أو علاقة تشبه علاقة عون بالحريري في هذا الوقت مثلاً، لما وصل الخلاف إلى مرحلة التعقيد الحالي.
غير أن انعدام اللقاءات بين الرئيسين، رغم أنه الحلّ المتوقع بالنسبة لقياديين في «التيار الوطني الحر» بعد التصعيد بين الطرفين في الإعلام، فاقم المشكلة. ووسط التعقيدات التي تحيط بالحلول، بعد انكفاء «حزب الله» - حليف الطرفين - عن التوسّط، وإعلان الحريري أنه «غير معني بما يُشاع» عن وساطة لحل خلاف الرئيسين، تفتح الأزمة النقاش على دور الشيعة في السلطة التنفيذية.

هواجس شيعية من الإقصاء
تحضر «هواجس» الشيعة المعلنة من إقصاء دورهم في السلطة التنفيذية، عبر استبعاد توقيع وزير المال على مرسوم منح أقدمية عام للضباط من دورة 1994، في الخلاف القائم في هذا الوقت، رغم نفي طرفي الخلاف أن يكون الموضوع طائفياً أو ذا بعدٍ يمسّ بـ«الميثاقية».
ويقول الوزير اللبناني الأسبق إيلي الفرزلي: «إن هناك نقاطاً في الدستور اللبناني، غالباً ما تكون نقطة تجاذب أو خلاف على تفسيرها، موجودة الآن بين الرئاستين الأولى والثانية، وقد تكون بين الرئاستين الأولى والثالثة، أو بين الثانية والثالثة»، وتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط» موضحاً «كنا دائماً نقول يجب تطبيق الطائف والالتزام به، وإيجاد المرجعية الدستورية الصالحة للبت بالتفسيرات»، ومنادياً بتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري في هذا المجال.
وحسب الفرزلي «في الحقيقة هناك وجهات نظر بالقصة الأخيرة، لا أنظر إليه على أنه خلاف على تثبيت صلاحيات الشيعة، رغم بعض الأصوات التي تحدثت عن هذه المقاربة. أنا أرى أنه كان يمكن أن يحدث لو كان هناك وزير مال من أي طائفة أخرى». وذكّر بخلافات كثيرة حول تفسيرات مواد دستورية في تجارب سابقة بين الرئاسات الثلاث، شارحاً «حاولت أن أستطلع حقيقة الخلاف وخلفيته بالنسبة للنقاط التي سمعتها حول سحب صلاحيات الشيعة بفعل الاتفاقات المسيحية - السنية أخيراً، وسألت جهات شيعية وازنة حول تلك المقاربة، لكن الجواب كان قاطعاً بالنفي... لكن في ظل وجود اختلاف في وجهات النظر حول تفسيرات دستورية، لا بد من وجود مرجعية لحل الخلاف، ويجب على مجلس النواب الجديد بعد الانتخابات أن يحل هذه المعضلة».
ورداً على سؤال عن «الهواجس» الشيعية المزعومة إزاء إقصاء دورهم من السلطة التنفيذية، لا يخفي الفرزلي أنه «قد تكون هناك هواجس عند البعض في ظل التوافق الذي جرى بين المسيحيين والسنة، لكنها ليست قراراً شيعياً عاماً. أستطيع أن أؤكد ذلك». وأردف النائب السابق لرئيس مجلس النواب إن ذلك «لا يعني أن العلاقة بين السنة والمسيحيين يجب أن تتوقّف، بل يجب أن تنمو وتترعرع وتتطوّر؛ لأن هناك مصلحة وطنية عليا في نمو العلاقة بين السنة والمسيحيين، وهي ضرورة وطنية ولزوم وطني أثمرت استقراراً في البلد وإنتاجية في العمل الحكومي»، مؤيداً في الوقت نفسه نمو العلاقة بين السنة والشيعة.

برّي متمسك بتطبيق «الطائف»
حتى هذا الوقت، لا يخرج المقرّبون من برّي الخلاف من إطار النقاش القانوني، مستندين إلى موقف رئيس مجلس النواب يوم الأربعاء الماضي، وقوله: إنه لن يضيف شيئاً على ما قاله في السابق حول ضرورة توقيع وزير المال على مرسوم ترقية الضابط.
وتتحدث مصادر مطلعة على موقف برّي عن إصراره على «الاحتكام للدستور»، واعتباره أن الجهة المخوّلة بفض الخلاف على تفسيره هي مجلس النواب، مؤكدة أن برّي طرح الحل القائم على أن يُحال المرسوم لوزير المال لتوقيعه كي يصبح نافذاً، وهو الاقتراح الذي لم يستجب له عون.
من جهة ثانية، تنفي تلك المصادر في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن تكون هناك هواجس شيعية من إقصاء الطائفة من دورها في السلطة التنفيذية الذي يتمثل بتوقيع وزير المال على المراسيم التي تترتب عليها أعباء مالية. وتؤكد «إن الاتفاقات السياسية جزء من الديمقراطية المعمول بها في لبنان (في إشارة إلى اتفاقات عون – الحريري)... وفي السياسة هناك تحالفات وخصومات، وهذا أمر طبيعي». ومن ثم، تشدّد المصادر على أنه «فيما يتعلق بالقانون والدستور، جميعنا تحت سقف القانون، وكل الأطراف متفقة على الدستور واتفاق الطائف الذي لا يجوز خرقه». ثم تقول: إن الخلاف «ليس طائفياً، ولكن مع ضرورة تطبيق القانون النافذ وتحاشي خرق الدستور واتفاق الطائف».

اتفاق الطائف
«اتفاق الطائف» حوّل حكم لبنان الرئاسي إلى حكم جماعي، وباتت السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء مجتمعاً، بعدما كانت محصورة برئيس الجمهورية يعاونه الوزراء. وبالتالي، كرّس إعادة توزيع الصلاحيات بشكل يضمن التمثيل العادل لكل الطوائف.
ومن ثم، تميزت مرحلة ما قبل الطائف بالنسبة للسلطة التنفيذية بـ«الثنائية في الحكم»، في إشارة إلى رئيس الجمهورية المسيحي الماروني ورئيس الحكومة المسلم السنّي، وباتت المراسيم تحتاج إلى توقيع رئيسي الجمهورية والحكومة، علماً بأن رئيس الجمهورية كان قبل يتمتع بصلاحية تسمية رئيس الحكومة وإقالته. أما في دستور ما بعد «الطائف»، فبات الحكم – كما سبقت الإشارة – لمجلس الوزراء مجتمعاً، وباتت المراسيم تحتاج إلى توقيع الوزير المتخصص إلى جانب توقيعي رئيسي الجمهورية والوزراء. وهنا أهمية توقيع وزير المال على أي مرسوم تترتب عليه أعباء مالية.
الدستور اللبناني، حتى بعد «الطائف»، لم ينص صراحة على تقسيم المواقع وتقاسمها، لكن هناك أعرافاً في الحياة السياسية كرّست المحاصصة. وبهدف إشراك الشيعة (الذين يتمتعون بترؤس السلطة التشريعية، أي البرلمان) في السلطة التنفيذية، جرى بعد «الطائف» اعتماد تقليد في أول حكومتين شكلتا في أعقاب توقيع الاتفاق التاريخي، كذلك وفي الحكومتين الأخيرتين أن تعطى وزارة المال للشيعة. وكان قد تولى هذه الوزارة خلال عقد التسعينات الوزير الراحل الدكتور علي الخليل، وفي آخر حكومتين الوزير الحالي علي حسن خليل.

معركة ما بعد الانتخابات
في أي حال، المؤشرات على أن الخلاف يأخذ الطابع الميثاقي، تتكرّر. ويتساءل الباحث السياسي جورج عَلَم «هل النأي بالنفس على أساس الاتفاق بين عون والحريري، يعيد الثنائية المارونية - السنّية، وبالتالي، يهمش الدور الشيعي؟»، ويجيب: «ثمة وجهة نظر تقول ذلك»، استناداً إلى ما قاله بري: إن «اللبنانيين دفعوا 150 ألف ضحيّة في الحرب الأهلية ثمناً لـ(الطائف)، لكي لا يكون قرار الدولة عند شخص واحد، بل عند مجلس وزراء يمثّل التوافق في البلد».
غير أن عَلَم يأخذ الخلاف إلى مرحلة ما بعد الانتخابات، متوقعاً أنه «لو اجتمع الرئيسان عون وبري، وأبرما اتفاقاً رئاسياً، يضمن لبرّي الاستمرار بالمجلس بعد الانتخابات المقبلة، ستُعالج المشكلة». ولكن، لا ينظر كثيرون إلى هذه الرؤية بوصفها واقعية، بالنظر إلى أن تمسك الكثير من الأطراف المؤثرة ببقاء برّي رئيساً للمجلس النيابي، يخفف من وقع هذا الخيار الذي يرفضه الآن، على الأقل: «حزب الله» و«تيار المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» الذي يترأسه النائب وليد جنبلاط.
لكن عَلَم، يوضح في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «التفاهم الرئاسي بين عون والحريري، الذي أنعش الثنائية المارونية - السنية، أقلق الطائفة الشيعية ودفع برّي للطرح في دائرته الضيقة سؤالاً جوهرياً عن مستقبله في رئاسة المجلس إذا أجريت الانتخابات» المزمع إجراؤها في مايو (أيار) المقبل. ويضيف: «من حق برّي التساؤل هنا، كون الكيمياء بين الطرفين ليست على ما يرام منذ زمن. وكان بري قد أعلن صراحة يوم انتخاب عون أنه لن ينتخبه مع أنه أمّن نصاب الجلسة القانوني لانتخابه، في حين يعتبر عون أنه انتخب برّي مرتين لرئاسة البرلمان».
وحول معارضة أطراف مؤثرة لخيار استبعاد برّي من رئاسة المجلس، يقول عَلَم إنه «في الحسابات الحالية، بالتأكيد لا بديل عن برّي، ولا أحد يتجاوز الخطوط الحمراء بهذا الخصوص... لكن بعد الانتخابات قد تكون هناك خيارات أخرى بالنظر لكون لبنان ليس جزيرة معزولة عن التغييرات في المنطقة، والتحولات الدولية والإقليمية التي قد تنتج حسابات جديدة، قد تكون مشابهة للحسابات التي كرّست الاتفاق بين عون والحريري». وحتى الوصول إلى تلك المرحلة، لا يستبعد عَلَم تأثيرات الخلاف على العمل الحكومي، قائلا: إنها «واردة»، قبل أن يضيف «في ظل انقطاع الوسطاء وسكوت (حزب الله)، تظهر أجواء اليوم أن لا أمل بالانفراج قريباً»، ثم يستطرد «حياد (حزب الله) عن المشكلة بين حليفيه، سلبي». وللعلم: «حزب الله» كان قد أعلن في وقت سابق على لسان أمينه العام أن «الأزمة دقيقة ولبنان يحتاج إلى جهة دستورية قوية تحكم بالخلافات حول تفسير الدستور».

خلافات عون ـ برّي
برز التفاوت في علاقة الرئيسين نبيه برّي وميشال عون منذ عودة عون إلى بيروت في عام 2005. وفي حينه لم يكن عون جزءاً من «التحالف الانتخابي الرباعي» الذي جمع برّي والحريري وجنبلاط و«القوات اللبنانية». ورغم توقيع عون مذكرة تفاهم مع «حزب الله»، الحليف الأبرز لبرّي وشكلا معاً ثنائية شيعية – مسيحية مارونية، لم تحظ علاقة عون بالحرارة، لبري، بل وصفه برّي بأنه «حليف حليفي» (أي «حزب الله»).
وتفاقم التفاوت في العلاقة بين الطرفين في عام 2009 إبّان الانتخابات التي نافس فيها «التيار الوطني الحر» الذي كان يترأسه عون، مرشحي برّي التقليديين في منطقة جزّين (ذات الغالبية المسيحية) في جنوب لبنان، وأسفرت عن إقصاء مرشح برّي النائب الراحل سمير عازار خلال تلك الانتخابات في معركة أطلق عليها عون تسمية «استرداد قرار جزّين».
ورغم مشاركة الطرفين في خمس حكومات منذ عام 2008، لم تمنع المشاركة من التباينات التي تفاقمت في تمديد ولاية مجلس النواب التي رفضها عون، واصفاً مجلس النواب بأنه «غير شرعي»، لتصل إلى نقطة خلافية أكبر مع ترشيح برّي حليفه سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وهو خيار رفضه «حزب الله» متمسكاً بترشيح عون للرئاسة. ومع ذلك، لم يخفِ برّي رفضه انتخاب عون، وكانت له الجرأة في تأمين النصاب في جلسة انتخاب الرئيس من غير انتخابه، وانعكس ذلك على علاقة الرجلين خلال مرحلة تشكيل حكومة الحريري 2016 بعد انتخاب عون رئيساً للجمهورية.
وامتدت الخلافات بعدها إلى قانون الانتخاب؛ إذ رفض برّي بصورة قاطعة أي تعديل على القانون النافذ الذي ستجري الانتخابات وفقه في مايو المقبل، رغم تلميحات الوزير جبران باسيل (صهر عون ورئيس «تياره») إلى رؤيته بإجراء بعض التعديلات. وبجانب المناكفات والخلافات التفصيلية في الحكومات اللبنانية حول قوانين ومراسيم مرتبطة بقضايا معيشية أو تلزيمات مشاريع، جاء الخلاف الأخير... الذي بدا مستعصياً حتى الآن في ظل غياب أي مبادرات تستطيع أن تحل الخلاف بين الرئيسين.



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».