فرع سوري لـ «لقاعدة» ينشق عن «النصرة»

باحث يتوقع اعتماد حرب العصابات والتخلص من «هياكل الحكم»

فرع سوري لـ «لقاعدة» ينشق عن «النصرة»
TT

فرع سوري لـ «لقاعدة» ينشق عن «النصرة»

فرع سوري لـ «لقاعدة» ينشق عن «النصرة»

أعلن تنظيم القاعدة، بشكل رسمي، عن وجود فرع له في سوريا. وفي بيان أصدرته مؤسسة «السحاب» تحت عنوان «وكان حقاً علينا نصر المؤمنين»، وجّهت «القاعدة» رسالة إلى عناصرها في سوريا عقب أسابيع من الخلافات الشديدة بين قادة سابقين في «النصرة»، وهيئة تحرير الشام، ودعت عناصرها في سوريا للتعاون مع ما وصفتهم بـ«المجاهدين الصادقين».
ولا ينظر خبراء مطلعون على حركة تلك التنظيمات إلى التطور على أنه جديد، إلا على صعيد إعلانه الرسمي. وأوضح الباحث في الحركات المتطرفة الدكتور حسن أبو هنية أنه بعد فك «النصرة» ارتباطها بـ«القاعدة» في يوليو (تموز) 2016، «كان هناك فريق رافض لفك الارتباط، وكانت الفكرة أن فك الارتباط شكلي بالتوافق مع القاعدة وزعيمها أيمن الظواهري وغيره» من ضمنهم القيادي أبو الخير الذي قُتل في فبراير (شباط) الماضي في غارة جوية في إدلب، وقياديين أردنيين، وبالتشاور مع قيادات التنظيم في الخارج أبرزهم أبو محمد المقدسي وأبو قتادة.
وقال أبو هنية لـ«الشرق الأوسط»: «بعد ذلك، تبين أن الجولاني يتمرد على (القاعدة)، ويفك علاقته بالتنظيم شيئاً فشيئاً، وتطور ذلك إلى إعلان تشكيل (هيئة تحرير الشام) في يناير (كانون الثاني) 2017»، مضيفاً: «بعد هذه التطورات، بات هناك توجه لدى قيادات القاعدة بسوريا للتخلي عن هيئة تحرير الشام وإعادة تشكيل الفرع السوري للقاعدة». ويضيف: «كان الجولاني مدركاً لذلك، وهو ما دفعه لتنظيم عمل استباقي تمثل في قتل بعض القيادات بذريعة أنهم (خوارج البغدادي)، علما بأنهم من تنظيم القاعدة وليس داعش، كما اعتقل رافضين آخرين».
وكان الظواهري، خرج لأول مرة، في نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت، وهاجم «هيئة تحرير الشام» على خلفية الاعتقالات، معتبراً أن «إعلان فك الارتباط منفي وغير مقبول».
وقال أبو هنية: «بعد تلك الإجراءات، أرسل الظواهري رسائل خاصة لقيادات محدودة، اطلعت أنا عليها، يتهم الجولاني بالغدر والخيانة»، لافتاً إلى أن الشريط الأخير للظواهري «كان جزءاً من الرسالة»، ليليه الإعلان الرسمي من قبل «السحاب».
وبدأت «القاعدة» إعادة تشكيل فرعها السوري وجمع المقاتلين فيه، بنواة تألفت من رافضي الانشقاق عنها، بينهم سامي العريدي وأبو همام السوري وغيرهما ممن تمكنوا من استقطاب عدد كبير من النصرة والمقاتلين المتشددين، وبدأ ذلك «يطبخ على نار هادئة». وأشار أبو هنية إلى «مقترح بأن يقود حمزة بن لادن الفرع السوري من التنظيم بتحريض وتوجيه ودفع من سيف العدل المصري الموجود في إيران».
وسيف العدل المصري، هو قيادي عسكري بارز في تنظيم «القاعدة» من حقبة ما قبل أحداث 11 أيلول، ويوصف بأنه أحد أكثر أعضاء القاعدة فاعلية، والمرشح لخلافة أيمن الظواهري في قيادة التنظيم.
ولا تخفي مصادر المعارضة السورية في الشمال أن الشخصيات التابعة لتنظيم القاعدة «موجودة ومؤثرة في الفصائل»، من ضمنها «شخصيات موجودة ضمن نسيج (هيئة تحرير الشام) و(فيلق الشام)، إضافة إلى الأجانب في كتائب القوقاز والشيشانيين والحزب الإسلامي التركستاني»، بحسب ما قالت المصادر لـ«الشرق الأوسط». وأضافت أن قيادات هذا الجناح «بدأت تضعف نتيجة أمرين، أولهما أن هؤلاء معرضين للاستهداف الجوي من قبل الأميركيين والروس، وثانيهما أن قسماً منهم بدأ يغادر»، لافتة إلى أن «كتيبة التركستان تقلصت بنحو 200 مقاتل أخيراً، كما تقلصت كتيبة القوقاز إلى نحو 600 عنصر»، وذلك بعد تعرض عناصر التركستان لضربات أخيرة في ريفي حماة وإدلب.
وكانت «النصرة» التي تسيطر على مفاصل الحياة في إدلب، بحكم قدرتها المالية، تتعاطى مع قياديي القاعدة قبل بروز الخلافات، على أنهم مقربون ولهم أهميتهم، وكانوا يمارسون نفوذهم للتأثير على الفصائل الأخرى حين تشتبك «النصرة» مع الفصائل. لكن الخلافات تفاقمت إثر توقيع اتفاق «آستانة»، ودخول الجيش التركي إلى الشمال السوري، وضلوع «النصرة» في تصفية واعتقال القيادات الأجانب ذات «التوجه المعولم في الجهاد»، بعد سلسلة استهدافات بدأت في يناير 2017 شملت عشرات القادة المصريين في القاعدة، واستؤنفت في الخريف الماضي لتطال القيادات الأجانب.
ومع تفاقم الخلاف بين «القاعدة» و«هيئة تحرير الشام»، يستبعد الخبراء أي حرب مباشرة بينهما. وقال أبو هنية لـ«الشرق الأوسط» إن المرجح أن تبقى «حرباً بالوكالة» لا تتعدى «المناوشات والمعارك الخفيفة»، بينما يستمر التحالف وروسيا باستهداف تلك القيادات. وأضاف: «مع وجود عدم الاتفاق الدولي وتعدد السيناريوهات، ستكون إدلب حديث عام 2018 لكل الأطراف. حاول الجولاني، بدفع من تركيا، إنهاء أي تواجد مستقبلي للقاعدة في سوريا، ومن المستبعد أن يدخل الطرفان في حروب طاحنة، لأن الجميع الآن يقع تحت الضغط، ولا يعرف مصيره الذي تحكمه الاتفاقات الدولية».
وأشار أبو هنية إلى أن القاعدة «تراهن على أنها مسألة وقت ويمكن أن يتحقق خرق للاتفاقات القائمة لأن إدلب ستحل مشكلتها هذا العام»، مؤكداً أن «نهج السيطرة المكانية لدى القاعدة فشل، واكتشف التنظيم أنها غير مجدية، ويبحث التنظيم في أن الحل سيكون بحرب العصابات من دون فرض سيطرة وإدارة حكم، والتخلص من هياكل الحكم»، في تكرار لتجربتها في العراق بين 2006 و2008، وتجربة «داعش» المتوقعة.
ودعت «القاعدة» في إعلانها الأخير «جنودها في سوريا» للتعاون مع «المجاهدين الصادقين»، وعدم التعدي على أي فصيل أو مجموعة. ولم تعلن «القاعدة» عن مسمّى لتشكيلها الجديد في سوريا، أو أي تفاصيل أخرى عنه، مع ترجيح أن تكون قيادته بيد «أبو همام السوري»، أو الأردنيين سامي العريدي، و«أبو جليبيب»، كما ذكرت مصادر إعلامية سورية معارضة.
وتحدثت وسائل إعلام معارضة قبل أيام، عن ظهور جماعة «جيش المسلمين في الشام»، التي لم تصدر سوى بيان تشكيلها وتأكيدها على مواجهة النظام والإيرانيين و«وحدات حماية الشعب» الكردية والروس، دون الإشارة إلى ارتباطها بـ«القاعدة».



«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
TT

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)

قال فرهاد شامي، مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، اليوم الاثنين، إنه كان من المقرر أن يقوم قائد «قسد» مظلوم عبدي والوفد المفاوض لشمال وشرق سوريا، بزيارة لدمشق، اليوم، إلا أن الزيارة تأجلت «لأسباب تقنية».

وأضاف، عبر حسابه على منصة «إكس»، أنه سيجري تحديد موعد جديد لزيارة قائد «قسد» مظلوم عبدي لدمشق، في وقت لاحق يجري الاتفاق عليه بالتوافق بين الأطراف المعنية.

وأكد أن تأجيل زيارة عبدي لدمشق في إطار ترتيبات لوجستية وفنية، ولم يطرأ أي تغيير على مسار التواصل أو الأهداف المطروحة.

كان التلفزيون السوري قد أفاد، الجمعة، بإصابة جندي من قوات الأمن الداخلي برصاص قناصة من قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على حاجز أمني في مدينة حلب، في حين ذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن الجيش أسقط مُسيّرات أطلقتها «قسد» باتجاه مواقع تابعة له في سد تشرين، بريف حلب الشرقي.

وأوضح التلفزيون أن عناصر «قسد» المتمركزين في حي الأشرفية بحلب يطلقون النار على عناصر الأمن الداخلي الموجودين عند حاجز دوار شيحان.

لكن «قسد»، من جهتها، أكدت أن فصائل تابعة لحكومة دمشق أطلقت قذيفتين صاروخيتين على قواتها، ما أجبرها على الرد.

وفي وقت لاحق، قالت «قسد» إن الفصائل التابعة للحكومة السورية شنّت «هجوماً عنيفاً باستخدام الرشاشات الثقيلة والمدفعية» على أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، ووصفت الهجوم بأنه «اعتداء سافر يهدد أمن المدنيين ويُنذر بتداعيات خطيرة».


الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
TT

الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)

حذّر زعيم جماعة «الحوثي» عبد الملك الحوثي، يوم الأحد، من أن أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال سيكون «هدفاً عسكرياً»، في آخر إدانة للتحرّك الإسرائيلي للاعتراف بالإقليم الانفصالي.

وقال الحوثي، في بيان، إن جماعته تعتبر «أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال هدفا عسكرياً لقواتنا المسلحة، باعتباره عدواناً على الصومال وعلى اليمن، وتهديداً لأمن المنطقة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

واعترفت إسرائيل، الجمعة، رسمياً، بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، في قرار لم يسبقها إليه أحد منذ إعلان الأخيرة انفصالها عن الصومال عام 1991.

وتقع أرض الصومال التي تبلغ مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع، في الطرف الشمالي الغربي من الصومال. وأعلنت استقلالها من جانب واحد، في عام 1991، بينما كانت جمهورية الصومال تتخبّط في الفوضى عقب سقوط النظام العسكري للحاكم سياد بري. ولأرض الصومال عملتها الخاصة وجيشها وجهاز شرطة تابع لها.


«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
TT

«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)

تشهد المناطق الشرقية من اليمن، وتحديداً في حضرموت، مرحلة حساسة من إعادة ضبط التوازنات داخل معسكر «الشرعية»، على وقع التصعيد العسكري الأحادي الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يقابله من رفض إقليمي ودولي؛ إذ قال مراقبون إنه لا يمكن السماح بفرض أمر واقع عن طريق القوة المسلحة مهما كانت المزاعم أو المبررات.

وبحسب المراقبين، فإن ما يجري ليس تفصيلاً محلياً عابراً، يمكن التغاضي عنه سواء من قبل «الشرعية» اليمنية أو من قبل الداعمين لها، بل اختبار سياسي وأمني متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه حسابات الداخل الجنوبي نفسه، ومسار الحرب مع الحوثيين، وخيارات السلام الإقليمي.

وحتى الآن، يظهر سلوك المجلس الانتقالي أقرب إلى المناورة تحت الضغط منه إلى التحدي المباشر. فاللغة المستخدمة في بياناته الأخيرة - التي تمزج بين التبرير السياسي والتحركات العسكرية، وبين الحديث عن «التنسيق» و«تفهّم الهواجس» - تعكس إدراكاً متزايداً بأن مساحة المناورة تضيق بسرعة. لكن لا بد من التقاط القرار الصائب.

كما يشار إلى أن تحذيرات السعودية التي تقود «تحالف دعم الشرعية» في اليمن لم تكن عابرة أو قابلة للتأويل، بل جاءت متزامنة ومتدرجة، وانتقلت من مستوى التنبيه السياسي إلى الردع التحذيري الميداني من خلال ضربة جوية في حضرموت.

عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي يرفعون صورة زعيمهم عيدروس الزبيدي (إ.ب.أ)

هذا التحول في اللهجة يعني عملياً أن هناك قراراً واضحاً بمنع انتقال حضرموت والمهرة إلى مسرح صراع داخلي، أو إلى ساحة لفرض مشاريع جزئية بالقوة.

وربما يدرك المجلس الانتقالي وناصحوه معاً، أن تجاهل هذه الرسائل يضعه في مواجهة مباشرة مع الطرف الإقليمي الأثقل وزناً في الملف اليمني، وهو السعودية قائدة «تحالف دعم الشرعية»، وهو صدام لا يملك المجلس أدوات تحمّله، لا سياسياً ولا عسكرياً.

لذلك، يُنصح «الانتقالي» من قبل مراقبين للشأن اليمني بأن يتعامل مع التحذيرات بجدية، وعدم الركون إلى تكتيك الإبطاء، هذا إذا كان يبحث عن مخارج تحفظ له الحد الأدنى من المكاسب التي راكمها خلال السنوات الماضية، وإلا فلن يكون أمامه سوى الانصياع المتوقع بالقوة، وهو إن حدث سيعني لأنصاره هزيمة مدوية لا يمكن استيعابها.

ورطة غير محسوبة

وفق مراقبين للشأن اليمني، فقد أوقع «الانتقالي» نفسه في ورطة غير محسوبة؛ إذ جرى تسويق التحركات الأخيرة بوصفها «حماية للقضية الجنوبية» و«استجابة لمطالب شعبية»، ولقطع طرق التهريب وإمدادات الحوثيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وفق زعمه، إلا أن الأوان لم يفت كما بينته الرسالة السعودية بوضوح عبر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان؛ إذ بالإمكان الخروج من الورطة بأقل الخسائر، من خلال مغادرة قواته الوافدة إلى حضرموت والمهرة بشكل عاجل.

من ناحية ثانية، تشير المعطيات إلى أن المجلس الانتقالي لا يملك القدرة على تثبيت وجوده في حضرموت والمهرة، في ظل مجموعة عوامل ضاغطة، أبرزها وجود رفض محلي واسع، بخاصة في حضرموت، حيث تتمتع المكونات الاجتماعية والقبلية بحساسية عالية تجاه أي وجود مسلح وافد.

عناصر من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن (إ.ب.أ)

إلى جانب ذلك، يفتقد المجلس - الذي يهيمن على قراره قيادات من مناطق بعينها - غياب الغطاء الإقليمي الذي يشكل شرطاً أساسياً لأي تغيير أمني في مناطق حساسة، وكذا في ظل موقف دولي واضح يرفض أي تغيير للواقع بالقوة، ويؤكد دعم وحدة المؤسسات الرسمية.

لذلك، يبدو السيناريو الأفضل والأسهل - كما يقترحه محللون - هو انسحاب منظم، تحت أسماء فنية مثل «إعادة انتشار»، أو «ترتيبات أمنية»، أو بأي طريقة تسمح للمجلس بالخروج من المأزق بأقل الخسائر السياسية الممكنة.

أما إذا قرر المجلس الانتقالي تجاهل الإشارات والاستمرار في التصعيد، فإن تكلفة ذلك - طبقاً للمراقبين - ستكون مرتفعة ومتعددة المستويات؛ فعلى المستوى السياسي سيخسر المجلس ما تبقى من صورة الشراكة في السلطة الشرعية، وسيتحول تدريجياً - في الخطاب الإقليمي والدولي - من فاعل سياسي ضمن «مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة اليمنية إلى عنصر مُعطِّل للاستقرار، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات دولية على قادته.

أما عسكرياً، فالرسالة السعودية واضحة بعد بيان «تحالف دعم الشرعية»؛ إذ لن يُسمح بفرض أمر واقع بالقوة في شرق اليمن، وأي تصعيد إضافي قد يُقابل بردع مباشر، ما يعني خسائر ميدانية مؤسفة لا يملك المجلس القدرة على تعويضها أو تبريرها.

وعلى المستوى الشعبي، فإن حضرموت والمهرة ليستا بيئة حاضنة للمجلس الانتقالي، واستمرار التصعيد سيُعمّق الهوة بينه وبين قطاعات واسعة من الجنوبيين، ويحوّل القضية الجنوبية من مظلة جامعة إلى مشروع انقسامي، بل إن أخطر الخسائر - كما يقرأها المحللون - تكمن في تشويه جوهر القضية الجنوبية، عبر ربطها بالعسكرة والانتهاكات وفرض الوقائع بالقوة، بدل ترسيخها كقضية سياسية عادلة قابلة للحل ضمن مسار تفاوضي، كما هو الأمر في الطرح الذي تتبناه القوى اليمنية المنضوية تحت «الشرعية»، والذي تدعمه السعودية.

عبء الانتهاكات

من جانب آخر، تمثل الانتهاكات الموثقة في حضرموت نقطة تحوّل خطرة في مسار التصعيد. فعمليات المداهمة، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، وفرض الحصار على مناطق مأهولة... لا تُقرأ فقط كإجراءات أمنية، بل كنمط قمعي ممنهج، يضع المجلس الانتقالي في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي الإنساني.

وبحسب تقارير حقوقية موثوقة، شملت الانتهاكات في الأيام الأخيرة اقتحام منازل مدنيين، واحتجازاً تعسفياً، وإخفاء قسرياً، وحصاراً عسكرياً لمناطق قبائل «الحموم»، ومنع تنقل المرضى، ونهب ممتلكات عامة وخاصة... وهذه الممارسات لا تُضعف موقف المجلس أخلاقياً فحسب، بل تُحوّل ملفه إلى عبء قانوني وسياسي قابل للاستخدام دولياً، وتفتح الباب أمام مساءلة مستقبلية قد لا تسقط بالتقادم.

المجلس الانتقالي الجنوبي صعّد عسكرياً في حضرموت والمهرة بشكل أحادي (إ.ب.أ)

من كل ذلك، يمكن القول إن ما يجري اليوم هو اختبار نضج سياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإما أن يلتقط الرسالة الواضحة محلياً وسعودياً ودولياً، ويعود إلى المسار السياسي، ويحدّ من الخسائر، وإما أن يواصل التصعيد، ويدفع أثماناً سياسية وعسكرية وقانونية قد يصعب تعويضها، وفق تقديرات المراقبين.

وطبقاً لتقديرات المرحلة وما يراه المشفقون على مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن اللحظة الراهنة لا تحتمل المغامرة، ومن يخطئ قراءتها سيدفع الثمن وحده.