كان الاتحاد السوفياتي إحدى الدول المؤسسة لمنظمة الأمم المتحدة. ومنذ ظهور المنظمة الدولية وحتى يومنا هذا شغل 14 دبلوماسياً (سوفياتياً وروسياً)، منصب «المندوب الدائم» لموسكو في مجلس الأمن الدولي. كان أندريه غروميكو، وزير الخارجية السوفياتي الشهير – ورئيس الدولة فيما بعد – أول دبلوماسي شغل منصب «المندوب الدائم للاتحاد السوفياتي في الأمم المتحدة» وذلك عام 1946. وقبل ذلك شارك غروميكو في المؤتمرات الدولية حول تأسيس الأمم المتحدة، ووقّع باسم الاتحاد السوفياتي ميثاق المنظمة في مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945. ولعل المحطة الأهم في تاريخ عمله هناك، التي ما زالت تثير الكثير من التساؤلات والانتقادات للسياسة السوفياتية، تصويته عام 1947 على قرار مجلس الأمن الدولي لصالح قيام «دولة إسرائيل»، ودفاعه عن «حقوق» اليهود وتحذيره الفلسطينيين من المقاومة.
كذلك، عُرف غروميكو خلال عمله في الأمم المتحدة بمواقفه العنيدة المناهضة للسياسات الأميركية، التي جاءت في بداية المواجهة السوفياتية مع الغرب بعد الحرب العالمية الثانية، واستخدم مرات عدة حق «الفيتو» ضد مشاريع قرارات غربية وأميركية؛ ولهذا أطلق عليه الإعلام الغربي لقب «السيد نييت» أي (السيد لا).
بعد غروميكو، في فترة أزمة الكاريبي (أزمة الصواريخ الكوبية)، برز اسم فاليريان زورين، المندوب الدائم (الثالث) للاتحاد السوفياتي في الأمم المتحدة، الذي شغل هذا المنصب لفترتين (1952 - 1953) و(1960 - 1963). وفي الفترة الثانية، نشبت أزمة الكاريبي بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، على خلفية نشر السوفيات قوات عسكرية وأسلحة، بما في ذلك نووية في كوبا؛ رداً على نشر الأميركيين عام 1961 صواريخ نووية في تركيا. وتفجرت الأزمة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1962، وبرز حينها اسم زورين عالمياً على خلفية المشادة الكلامية بينه وبين أدلاي ستيفنسون، مندوب الولايات المتحدة الدائم لدى الأمم المتحدة، خلال جلسة لمجلس الأمن. وفي إجابته عن سؤال المندوب الأميركي حول نشر الصواريخ السوفياتية في كوبا، قال زورين: «أنا لا أقف أمام القضاء الأميركي؛ ولذلك لن أجيب عن هذا السؤال الذي جرى طرحه بنبرة النائب العام. وستصلكم الإجابة عن السؤال في مداخلتي بصفتي مندوب الاتحاد السوفياتي».
وفي السنوات اللاحقة، كان التنافس بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، وتضارب مواقف البلدين حيال النزاعات الإقليمية والدولية، ملفات رئيسية تعامل معها كل من شغل منصب المندوب الدائم للاتحاد السوفياتي في مجلس الأمن. وجاء التحول مع تعيين يولي فورونتسوف عام 1990 مندوباً للاتحاد السوفياتي بداية، وواصل عمله وأنهى مهامه هناك عام 1994 بصفة (مندوب روسيا الدائم). وشكّل بذلك «مندوب المرحلة الانتقالية» من الدولة السوفياتية إلى روسيا الاتحادية.
وخلف فورونتسوف في المنصب الأممي سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي الحالي. وكان لافروف المندوب الحادي عشر لموسكو في المنظمة الدولية، ومثّل بلاده فيها عشر سنوات (1994 - 2004). وهي مرحلة معقدة نوعاً ما، حيث شهدت روسيا خلالها الكثير من التحولات، وأصبحت في التسعينات دولة ضعيفة، ومن ثم عادت وبدأت تستعيد قوتها منذ عام 2000. وخلال عمل لافروف مندوباً لبلاده في الأمم المتحدة لعب دوراً مباشراً في تعزيز مكانة روسيا في المؤسسات القيادة في المنظمة الدولية، ويعود له الفضل في تعيين غينادي غاتيلوف، الذي كان مستشاراً له حينها، كبير المستشارين في مكتب الأمين العام للأمم المتحدة.
لم يكن الظرف الدولي خلال تولي لافروف منصب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة بدرجة من التوتر كالتي شهدتها مرحلة أزمة الكاريبي؛ ولذلك لم يحصل وهو في الأمم المتحدة على لقب «السيد لا». بل كان فيتالي تشوركين، مندوب روسيا الدائم (الثالث عشر منذ تأسيس المنظمة الدولية) لدى الأمم المتحدة، صاحب النصيب في حمل اللقب بعد غروميكو، ولا سيما على خلفية الجدل الحاد والتوتر بين موسكو والغرب، سواءً بسبب الأزمة الأوكرانية أو الوضع في سوريا. وكان تشوركين، الذي تولى هذا المنصب منذ عام 2006 وحتى وفاته في فبراير (شباط) 2017، عبارة عن جبهة دبلوماسية متقدمة تواجه باسم روسيا المواقف الغربية التي لا تروق لموسكو، واستخدم خلال فترة عمله «الفيتو» 10 مرات، تسع منها ضد مشاريع قرارات حول الأزمة السورية.
7:57 دقيقة
روسيا في الأمم المتحدة... من غروميكو إلى تشوركين
https://aawsat.com/home/article/1134716/%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%BA%D8%B1%D9%88%D9%85%D9%8A%D9%83%D9%88-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%AA%D8%B4%D9%88%D8%B1%D9%83%D9%8A%D9%86
روسيا في الأمم المتحدة... من غروميكو إلى تشوركين
روسيا في الأمم المتحدة... من غروميكو إلى تشوركين
مواضيع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة