تأخر قانون الانتخابات العراقية يربك القوى السياسية

مصير غامض لمشاورات تحالف فصائل «الحشد الشعبي»

TT

تأخر قانون الانتخابات العراقية يربك القوى السياسية

تسود حالة من الارتباك في الساحة السياسية العراقية، على خلفية الغموض الذي يكتنف موعد إجراء الانتخابات البرلمانية والمحلية المقررة في مايو (أيار) المقبل، وعدم إقرار قانون لتنظيمها، رغم أن مهلة تسجيل التحالفات تنتهي بعد غدٍ.
وتزايدت التكهنات باحتمال تأجيل الانتخابات، نزولاً عند رغبة قوى سنيّة وكردية، في مقابل تمسك الحكومة وقوى شيعية بإجرائها في موعدها المحدد. وانعكست حالة «عدم اليقين» هذه على دهاليز الكتل والجماعات السياسية، وشكل التحالفات المحتملة وطبيعتها.
وعزا هاشم الحبوبي، نائب الأمين العام لحركة «الوفاق» التي يتزعمها نائب الرئيس إياد علاوي، هذا الارتباك إلى تأخّر إقرار قانون الانتخابات. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن موعد تسجيل التحالفات في مفوضية الانتخابات ينتهي الأحد المقبل، فيما لم يسجل أي تحالف حتى الآن، «لأن الأحزاب والكتل لا يمكن أن تدخل في تحالفات من دون حسم موعد الانتخابات وقانونها».
ورجح «تمديد موعد التسجيل إلى حين إقرار قانون الانتخابات، وعند ذلك يمكن الحديث عن تحالفات واضحة». غير أنه شدد على أن «الدورة الحالية لمجلس النواب لن تنتهي قبل إقرار الموازنة العامة وقانون الانتخابات. وكل من يقول غير ذلك فهو كلام زائد وضحك على الذقون».
وكان مجلس النواب استضاف في جلسته، أمس، أعضاء المفوضية العليا للانتخابات التي كشف رئيسها معن عبد حنتوش في معرض رده على أسئلة النواب، عن إمكانية تأجيل انتخابات مجالس المحافظات لأن هذه الخطوة لا تحتاج موافقة مجلس النواب. وكان مجلس الوزراء قرر منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي دمج الانتخابات المحلية والنيابية وإجراءها في 12 مايو المقبل.
وقال حنتوش: «نحن كمفوضية انتخابات فاتحنا الحكومة من أجل تمويل بقيمة 256 مليار دينار عراقي لاستكمال التعاقدات والتجهيز، ونحن الآن أمام خمسة تعاقدات متوقفة بانتظار التمويل».
وانعكس الارتباك إزاء موعد الانتخابات على طبيعة التحالفات المقبلة، إذ أفاد مصدر مقرب من «التحالف الوطني» الشيعي بأن القيادي في «الحشد الشعبي» هادي العامري متردد في دخول تحالف انتخابي مع بقية فصائل «الحشد»، ما قد يعرض تحالف الفصائل التي قاتلت تحت مظلة «الحشد» إلى التصدّع.
وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» إن «العامري متردد حتى اللحظة في الانخراط في تحالف يضم فصائل الحشد فقط، ويريد تحالفاً يضم أطيافاً مختلفة، لكنه أقرب إلى التحالف مع رئيس الوزراء حيدر العبادي». وأضاف أن خوض العبادي ورفيقه في حزب «الدعوة الإسلامية» نائب الرئيس نوري المالكي الانتخابات المقبلة بقائمتين منفصلتين «أمر محسوم، لكن المشكلة القائمة تتمثل في رغبة العبادي بقائمة أساسها حزب الدعوة، الأمر الذي يرفضه المالكي، لأنه يعتقد أنه المسؤول عن منح الشرعية لهذه القائمة باعتباره الأمين العام للحزب».
غير أن عضو المكتب السياسي لـ«عصائب أهل الحق» ليث العذاري، نفى تصدع قائمة «الحشد» الانتخابية، وإن أقرّ بوجود «اختلافات وليس خلافات» بين اللجان المفاوضة التي شكلتها تلك الفصائل. وقال العذاري لـ«الشرق الأوسط» إن «الكلام عن تصدع تحالف فصائل المقاومة غير دقيق. هناك اختلافات في وجهة النظر، وهي طبيعية نتيجة لمناقشات اللجنة المختصة المكلفة بوضع التفاهمات ورسم الخريطة المقبلة لهذا التحالف».
وأشار العذاري إلى أن «اللجان المفاوضة هي الآن في طور الحوارات وليس اتخاذ القرارات، وهذا ينطبق على الجميع، بما في ذلك موضوع التحالف مع السيد هادي العامري».
ولعل اللافت في موضوع تحالفات فصائل «الحشد» هو «تخليها» عن فكرة الدخول بقائمة موحدة تجمعها فقط. ويقول العذاري: «لا نريد أن يقتصر التحالف على فصائل الحشد والمقاومة»، معرباً عن انفتاح على انضمام «باقي الشخصيات الوطنية التي أثبتت جدارتها ومواقفها في التصدي للإرهاب في جميع المحافظات العراقية، مثل جماعات الحشد العشائري أو أي شخصية وطنية أو مدنية».
لكن المرجّح أن تصبح قائمتا المالكي والعبادي محور التحالفات المقبلة، كما تؤكد غالبية المؤشرات والتسريبات الصادرة عن جهات شيعية، إضافة إلى السياق الانتخابي العراقي ونظام توزيع الأصوات منذ 2005، إذ يحصل المتصدي لرئاسة الوزراء على نسبة عالية من أصوات الناخبين، لذلك تميل بقية الكتل السياسية إلى التحالف معه ليكون «رافعة انتخابية» تضمن لها الحصول على تمثيل جيد في البرلمان.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.