«البومة» و«الشارب» إكسسوارات تنتشر في أوساط الفتيات بالسعودية

ظاهرة تثير الجدل بين من يرفضها ومن يراها صرعة بريئة

صورة بومة في سلسلة من الفضة («الشرق الأوسط»)
صورة بومة في سلسلة من الفضة («الشرق الأوسط»)
TT

«البومة» و«الشارب» إكسسوارات تنتشر في أوساط الفتيات بالسعودية

صورة بومة في سلسلة من الفضة («الشرق الأوسط»)
صورة بومة في سلسلة من الفضة («الشرق الأوسط»)

تتصدر صور «البومة» و«الشوارب» قائمة الإكسسوارات والملبوسات في السعودية، بدءا من تعليقات السلاسل والأساور والخواتم والخلاخل إلى الـ«تي - شيرتات». فقد سجلت إقبالا كبيرا من قبل الفتيات، خصوصا بعد أن جربن من قبل صور الثعابين ووجوه القطط والعيون والرموش وغيرها من الأشكال التي تصب في خانة التقليعات. اللافت اليوم أن الاهتمام ينصب على البومة، رغم ارتباطها لدى الإنسان العربي بالشؤم، على خلاف المعتقد السائد لدى الأوروبيين بأنها رمز للحكمة.
بيد أن هذه ليست الموضة الوحيدة التي تسجل إقبالا كبيرا في السوق المحلية، فرسومات الشوارب الرجالية أيضا لها نصيب من هذا الإقبال، حيث غطت الكثير من الإكسسوارات والأزياء، إذ لا نستغرب أن يزين «شنب» إصبع فتاة أو معصمها، أو أن يتدلى «شارب» من رقبتها أو يطبع على قميصها «تي شيرت»، بالإضافة إلى أنه قد يظهر في حذاء أو حقيبة يد.
تشرح إيمان عسيري، إحدى الفتيات المهتمات بعالم الإكسسوارات: «إن الشارب لم يعد مجرد صفة ترتبط بالرجل، بل أصبح إكسسوارا للزينة يتميز بالابتكار والطرافة». من جهتها، تشير هيام محمد، وهي فتاة في العقد الثاني من عمرها، أنها ترتدي إكسسوارات الشارب والبومة، ولا ترى أي حرج في ذلك، مضيفة أنها أقبلت عليها لأنها تحب الأفكار الغريبة في الإكسسوارات والأزياء.
وفي ذات السياق، أكدت المصممة السعودية، غادة الصيرفي، أن التنوع في مجال تصميم الإكسسوارات هو وسيلة تعبر بها المصممات عن أسلوبهن وأنفسهن، لأن هذه التقليعات تمثل شكلا من أشكال البحث عن الجديد والغريب، موضحة أن من يتفاعل مع هذه الموضة في الغالب صغيرات السن من المراهقات اللاتي يرغبن من خلال ارتداء هذه الإكسسوارات إلى لفت الانتباه والتأكيد على تفردهن.
وبينت الصيرفي أن الإكسسوارات الراقية المزينة بالأحجار الكريمة والقطع الكلاسيكية تحتفظ بمكانتها، ولا تتأثر بهذه التغيرات، لما تحظى به الأحجار الكريمة عموما من أهمية في نفس أي امرأة، على العكس من التقليعات الموسمية، مثل موضة البومة والشنب. فهي آنية وستختفي مع الوقت، بعد أن تشبع منها الفتيات وما إن تظهر تقليعة أخرى جديدة.
ورغم أن غادة الصيرفي تقول بأن هذه الصرعات بريئة في الغالب وما هي إلا انسياق وراء الموضة، فإنها أبدت أسفها لكون بعض الفتيات يعانقنها من دون أن يفهمن رموزها ودلالاتها أحيانا. في المقابل، أرجعت نجوى بنيس، المساعد للصحة النفسية بجامعة الملك خالد، إقبال الفتيات على كل ما هو غريب وغير معتاد في المجتمع إلى الرغبة في كسر المألوف، مطالبة بتفعيل دور الأسرة خاصة الأمهات لمراقبة وتوجيه سلوك بناتهن، خصوصا في فترة المراهقة، لما لتلك الفترة العمرية من تأثير على سلوكياتهن. وبينت بنيس أن «الشارب» ظهر في الدول الغربية منذ عام 2004. لتوعية الرجال وحثهم على القيام بالفحص الدوري للكشف المبكر عن سرطان البروستات، وحدد شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام لهذه الحملة.
كما اعتبرت أن حرص الفتاة على تبني بعض مظاهر الرجولة واقتناء كل ما يرمز إلى الرجل من إكسسوارات أو ملبس أو طريقة سلوك من المظاهر المرضية، التي يجب التعامل معها ومعالجتها داخل إطار الأسرة في وقت مبكر، مطالبة في الوقت ذاته بضرورة تفعيل الدور التربوي في المؤسسات التعليمية لمواجهة تلك الظاهرة لدى الفتيات.
يشار إلى أن الإنفاق الاستهلاكي الكلي على الملابس والإكسسوارات بالسعودية، وفق تقديرات رسمية، بلغ 33 مليار ريال عام 2010. وتستحوذ الملابس النسائية على 54%، يليها ملابس الأطفال بنسبة 15%، وهاتان الشريحتان تمثلان غالبية السوق، في مقابل شريحة الملابس الرجالية التي لا تزيد مساهمتها على 6%. وتحسب شريحتا الملابس النسائية وملابس الأطفال على أنهما تمثلان أكثر من ثلثي إجمالي السوق، فيما نمت تلك السوق بنسبة 17% خلال السنوات القليلة الماضية، نتيجة النمو المتزايد في عدد السكان وزيادة مستويات الدخل بالمملكة.
أما بالنسبة للصرعات الموسمية التي تظهر بين الفينة والأخرى، فهي لا تخص بيئة بذاتها، بل هي أسلوب تتبعه الكثير من دور الأزياء العالمية، لتجذب الشباب وتحقق الربح في الوقت ذاته.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)