«محمود المسعدي ساحر الوجود» ضيف معرض تونس للكتاب

شريط وثائقي حول حياة الأديب

TT

«محمود المسعدي ساحر الوجود» ضيف معرض تونس للكتاب

قبل أيام قليلة من اختتام معرض مدينة تونس للكتاب الحالي المقام تحت شعار «تونس مدينة الآداب والكتاب»، أعاد الجمهور المحب للأدب والأدباء، اكتشاف الكاتب التونسي الشهير محمود المسعدي من خلال عرض أول لشريط وثائقي عن حياته حمل عنوان «محمود المسعدي ساحر الوجود» الذي اختصره البعض من المتابعين في عبارة «محمود ساحر الوجود».
ويدوم الفيلم 52 دقيقة وهو من سيناريو الروائي التونسي محمود طرشونة الذي تخصص في أدب المسعدي وكان من بين الأوائل الذين عرفوا به من خلال كتابه «الأدب المريد عند المسعدي».
ويعرض شريط «محمود المسعدي ساحر الوجود» مقتطفات بارزة لأحاديث سابقة مع الأديب التونسي الراحل، كما يتضمن شهادات النقاد لرواياته التي خلفت كثيرا من الجدل ومن بينها رواية «السد» التي أحجم طه حسين عميد الأدب العربي عن تقديمها للقراء وعرفت الرواية بتلك العبارة الشهيرة لطه حسين القائل: «قرأت السد فوجدت سدا بيني وبين رواية السد».
ويقدم الفيلم الأول من نوعه الذي يتناول حياة محمود المسعدي، شهادات أصدقائه وعائلته على غرار عزيز المسعدي وصالحة المسعدي والروائي محمود طرشونة والسياسي التونسي أحمد بن صالح والنقاد الأدبي الكبير توفيق بكار والمسرحي محمد اليعلاوي. كما تضمن الشريط أيضا تجسيما مسرحيا لأعمال المسعدي الإبداعية مثل «السّد» و«حدث أبو هريرة قال» و«مولد النسيان»، وهو ما جعل مضمون الفيلم متنوعا.
وفي حقيقة الأمر يعد المسعدي «منارة عربية وعالمية في الأدب والترجمة»، وتكفي الإشارة إلى الجدل الدائر حول آثاره الأدبية التي اعتمدت في معظمها على المدرسة الوجودية تأثرا بكتابات الكاتب الفرنسي جون بول سارتر.
وكشف محمود طرشونة كاتب سيناريو هذا الشريط في معرض حديثه عن الكاتب الراحل، عن جمعه لنصوص رواية «من أيام عمران» التي تضم نحو 90 صفحة، وهي مجموعة من التأملات، وقال إنها عبارة عن وثائق «مبعثرة ومبثوثة كتب بعضها على رقاع صغيرة»، وقد تمكن من نشرها بعد وفاته.
يذكر أن المسعدي ولد سنة 1911 وتوفي سنة 2004. تولى حقيبة وزارتي التربية والشؤون الثقافية في إثر استقلال تونس عن فرنسا سنة 1956 كما ترأس البرلمان التونسي.
ومن المنتظر أن يجوب الشريط الوثائقي «محمود المسعدي ساحر الوجود» كثيرا من الفضاءات الثقافية والمعاهد الثانوية داخل البلاد بداية من فبراير (شباط) المقبل. ويعود ذلك بالأساس إلى برمجة روايات المسعدي ضمن المناهج التعليمية التونسية في باب الأدب الذهني وهو ما يجعل هذا الشريط الوثائقي نافذة مهمة لمزيد التعرف على خصائص الكتابة الأدبية عند أهم كتاب الرواية والسرد القصصي في تونس.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».