صحف باكستان تكافح لكسب معركة الإعلانات

الصحف ينتظرها مستقبل غامض بعد أن أظهرت معدلات القراءة في كبريات المطبوعات الباكستانية تراجعاً ملحوظاً
الصحف ينتظرها مستقبل غامض بعد أن أظهرت معدلات القراءة في كبريات المطبوعات الباكستانية تراجعاً ملحوظاً
TT

صحف باكستان تكافح لكسب معركة الإعلانات

الصحف ينتظرها مستقبل غامض بعد أن أظهرت معدلات القراءة في كبريات المطبوعات الباكستانية تراجعاً ملحوظاً
الصحف ينتظرها مستقبل غامض بعد أن أظهرت معدلات القراءة في كبريات المطبوعات الباكستانية تراجعاً ملحوظاً

الصحافة المطبوعة في باكستان في انخفاض، ومن أوضح الأدلة على ذلك صفوف الصحافيين المتراصة أمام أبواب القنوات التلفزيونية بحثاً عن عمل. تقلصت عائدات إعلانات الصحف بدرجة كبيرة بعدما اتجهت غالبية إعلانات الشركات الكبرى متعددة الجنسيات إلى القنوات التلفزيونية. فزيادة نسب المشاهدة تعني المزيد من عائدات الإعلانات للقنوات التلفزيونية. وفي عصرنا هذا تراجعت نسب القراءة حتى في مواقع الصحف الإلكترونية، ما يعني أن قدرة الصحف على اجتذاب المعلنين من القطاع الخاص قد تراجعت أيضا.
ونتيجة لذلك، فقد تراجعت قدرة الصحف على سداد رواتب العاملين لديها بصورة منتظمة.
خلال الخمسة عشر عاما الماضية، انتعشت صناعة الصحافة في باكستان أكثر من أي وقت مضى، لكن الصحف فشلت في تحقيق أي نجاح يذكر وبدت عليها علامات «الذبول».
- الصحف الصغيرة تختفي
وضحت أحدث مؤشرات صناعة الصحافة في باكستان أن الصحف ينتظرها مستقبل غامض بعد أن أظهرت معدلات القراءة في كبريات الصحف تراجعا ملحوظا، واقترب بعضها من غلق أبوابه.
يرجع ذلك إلى سببين رئيسيين: الأول هو أن معدلات القراءة نفسها قد تراجعت، والثاني هو أن عائدات الإعلانات تراجعت أيضا. وشهد العقد الأخير ظاهرة أخرى تمثلت في اتجاه غالبية القراء إلى الصحف الكبرى، الأمر الذي أدى إلى تراجع، بل وانهيار الصحف من الدرجة الثانية. فالصحف الكبرى مثل صحيفتي «جانغ» و«ديلي اكسبريس» اليوميتين الناطقتين باللغة الأردية اجتذبتا غالبية القراء، الأمر الذي أدى إلى اختفاء الصحف الصغيرة من المشهد. وتعد صحيفة «جانغ» أقدم وأوسع الصحف اليومية انتشارا في باكستان ويمتلكها إمبراطور الإعلام، مير شاكيل أور رحمن، الذي عرف بقيادته لصناعة الإعلام. كذلك نجحت صحيفة «ديلي اكسبريس» في النفاذ إلى مختلف شرائح القراء عن طريق الوصول إلى مناطق بعيدة لم تصلها غيرها من الصحف في أي وقت سابق.
- استقالات في صفوف المطبوعات الإنجليزية
لكن الوضع أسوأ بالنسبة للصحف الصادرة بالإنجليزية، ومنها صحيفة «باكستان تودي» التي صدرت مؤخراً وتطبع وتوزع في كراتشي ولاهور وإسلام أباد في وقت متزامن. ورغم الفخامة والضجة التي صاحبت صدورها فإنها لم تحقق نجاحا يذكر منذ بداية صدورها منذ عامين. ونتيجة لتقليص نفقات النشر، فقد تقدم رنا قيصر باستقالته من منصبه كمدير تحرير صحيفة «باكستان توداي».
ولتوضيح الأسباب، صرح قيصر بأن «المؤسسة لم تعد تتلقى التمويل الكافي وقامت بتقليص فريق المراسلين، ولذلك تقدمت باستقالتي». كذلك توقفت صحيفة «إسلام أباد دايتلاين» عن الصدور الشهور الماضية بعدما فشلت في زيادة مبيعاتها على مدار العامين الماضيين.
وفي تصريح لصحيفة «الشرق الأوسط»، أفاد رنا قيصر بأن صحيفة «ديلي تايمز» الصادرة بالإنجليزية كانت بمثابة قصة النجاح الوحيدة خلال العقد الأخير، لكن معدلات قراءتها ووضعها المادي في تراجع أيضا.
حققت صحيفة «ديلي تايمز» نجاحا كبيرا، وكانت على ما يرام من الناحية المادية، وكانت غنية بالأخبار والتقارير، وكانت تمنح الكثير من الحوافز للعاملين بها، بحسب قيصر، إلى أن أطلق مالكو الصحيفة قناة تلفزيونية وصحيفة تصدر بالأردية، الأمر الذي أدى إلى إصابة مصادر تمويل المجموعة بالجفاف.
كان الحاكم السابق لولاية البنجاب، سلمان تسير، المالك لصحيفة «ديلي تايمز» لكنه تعرض للاغتيال على يد ضابط شرطة بعد اتهام الأول بالإساءة إلى المقدسات. وخلال حياة سلمان تسير، كانت صحيفة «ديلي تايمز» تعد أكثر الصحف الليبرالية المؤيدة للولايات المتحدة في البلاد.
- المرئي يتصدر
ومن جانبهم، يرجع صحافيون محترفون السبب في تراجع معدلات توزيع الصحف الصادرة بالإنجليزية في باكستان إلى نقص المحتويات في تلك الصحف. بحسب مدير التوزيع بصحيفة «ديلي تايمز» التي تعد أكبر الصحف في باكستان، «هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى تراجع معدلات توزيع الصحف، أهمها تأثير القنوات الإخبارية». فمنذ نحو عشر سنوات، كانت الصحف تمثل المصدر الوحيد للأخبار للمجتمع الباكستاني، فيما كانت الحكومة تهيمن على صناعة الإعلام الإلكتروني. بيد أن الوضع تغير عندما سمحت حكومة رئيس الوزراء السابق برويز مشرف للقطاع الخاص بإدارة قنوات الأخبار التلفزيونية. والآن أصبح هناك نحو 40 قناة تلفزيونية مستقلة تبث الأخبار باللغات الأردية والإنجليزية والعديد من اللغات المحلية.
تقوم تلك القنوات الإخبارية ببث أخبار ما يحدث في الدوائر الحكومية دقيقة بدقيقة. وأشار رنا قيصر إلى أن «نوعية الأخبار تتراوح ما بين لقاءات رئيس الوزراء والأحاديث الصحافية للرئيس ولرئيس أركان الجيش، والزيارات للمناطق القبلية، وأخبار مثل خسارة باكستان لمباراة في الكريكيت في أستراليا». أضاف قيصر: «إن كل ما يحدث تحت الشمس يجرى بثه في هذه القنوات الإخبارية».
«لكن هذا الحال يمثل تحديا خطيرا أمام الصحف ويجبرها على تغيير محتواها»، وفق مدير أكبر الصحف الصادرة بالإنجليزية الذي طلب عدم نشر اسمه، مضيفا: «أتساءل لماذا ينتظر القارئ 12 ساعة كاملة ليقرأ ما قاله رئيس الوزراء عن قضية معينة في الوقت الذي تذيع فيه القنوات الإخبارية الأحاديث الصحافية لرئيس الوزراء على مدار الساعة»، وهو ما يعني أن غالبية الصحف قد فشلت في تغيير محتواها. على سبيل المثال، فإن تصريحات القادة السياسيين (منها تصريحات رئيس الوزراء والرئيس وقادة الأحزاب المعارضة) لا تزال تحتل عناوين الصحف الأولى رغم أنها ظهرت بالفعل في شاشات القنوات الإخبارية بعد دقائق من خروجها على لسان القادة.
- تغطية متأخرة
أشار رنا قيصر إلى أن اجتماعات مجلس الوزراء لا تزال تشكل أهم مصادر الأخبار لغالبية الصحف، ويتجاهل القائمون على تلك الصحف حقيقة أن القارئ قد علم بمحتواها الليلة السابقة من خلال نشرات الأخبار على شاشات التلفزيون على مدار الساعة. وأوضح مدير التوزيع بأحد دور الإعلام الكبرى أن هذا التصريح لا يعكس تعقيد المشهد الإعلامي في المجتمع الباكستاني في الوقت الحالي، فأنت «ترى عددا ضخما من القراء الجادين لا يزالون مهتمين بالتفاصيل، وهي الخدمة التي لا تقدمها للقراء سوى الصحف».
لكن الرغبة في التغيير تتملك عقول قادة صناعة الصحف، حيث أفاد مدير تحرير أحد الصحف الكبرى في باكستان في تصريح لصحيفة «الشرق الأوسط»، طلب عدم ذكر اسمه، بأن الحاجة إلى التغيير باتت ملحة ويشعر بها جميع من يعمل في حقل الصحافة. واستطرد أن «الجميع يتفق على حتمية التغيير وعلى محتوى التغيير، لكن المشكلة تكمن في طريقة التنفيذ».
ويتذكر رنا قيصر الأيام الخوالي الرائعة في التسعينات عندما كان يعمل في صحيفة «ديلي ذا نيشن» الصغيرة ذات التأثير الكبير، قائلا: «كانت تلك الصحيفة تقدم أفضل محتوى صحافي وكانت تباع وكأنها كعكة ساخنة». وعندنا سألتُ قيصر: «لو أننا أحيينا ذلك النوع من المحتوى، فهل ستنجح الصحيفة؟» أجاب قائلاً: «لا أعتقد... فقد تغيرت الأمور. عليك أن تغير المحتوى وتقوم بعملية التسويق. ولذلك عليك أن تقوم بعمل مسح واستطلاع بين القراء لتعرف ما يريدونه».
- حرب إعلانات خاسرة
كشف مدير التوزيع بأحد أكبر دور الإعلام في باكستان أنه «منذ مايو (أيار) 2008، تراجعت معدلات مبيعات الصحف في باكستان بواقع 15 و20 في المائة». وكشف الخبير الإعلامي أنه في باكستان، «فإن الحصة الكبرى من سوق الصحف تتركز في المطبوعات الصادرة باللغة الأردية، وفي المقابل فإن حصة ضئيلة من السوق تشغلها الصحف الصادرة بالإنجليزية».
بيد أن نقص المحتوى الشيق في الصحف لا يبرر التراجع في نسب توزيع الصحف الصادرة بالإنجليزية في باكستان. فخلال السنوات الثماني الماضية، تراجعت عائدات توزيع الصحف المتوسطة بدرجة كبيرة نتيجة لأسلوب إدارة تلك الصحف بعد أن أقدمت إداراتها على تسريح أعداد كبيرة من العاملين بها. ووفق فاسيه عبد الرحمن، المحرر السياسي بصحيفة محلية، «في السنوات القليلة الماضية، قامت كبرى شركات الاتصالات بتقليص موازنات إعلاناتها على الرغم من أنها كانت قد بدأت بميزانيات كبيرة عام 2000. وقد أثبت ذلك أن الإعلانات كانت تمثل عنصر الحياة بالنسبة لصناعة الصحافة». أضاف أن «الأزمة الاقتصادية أدت إلى دفع تلك الشركات إلى تقليص ميزانيات الدعاية الخاصة بها، فيما يكمن السبب الجوهري الآخر في تراجع نسب القراءة وتوزيع الصحف الصادرة بالإنجليزية، وهو ما دفع تلك الشركات إلى الاتجاه بما تبقى من ميزانيات الإعلان بها إلى القنوات الإلكترونية الناطقة باللغة الأردية».


مقالات ذات صلة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

العالم العربي تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

أظهر التقرير السنوي لحرية الصحافة لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، اليوم الأربعاء، أن تونس والسنغال كانتا من بين الدول التي تراجعت في الترتيب، في حين بقيت النرويج في الصدارة، وحلّت كوريا الشمالية في المركز الأخير. وتقدّمت فرنسا من المركز 26 إلى المركز 24.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اليوم (الثلاثاء)، باستهداف الصحافيين، مشيراً إلى أنّ «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم». وقال في رسالة عبر الفيديو بُثّت عشية الذكرى الثلاثين لـ«اليوم العالمي لحرية الصحافة»، إن «كلّ حرياتنا تعتمد على حرية الصحافة... حرية الصحافة هي شريان الحياة لحقوق الإنسان»، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أن «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم»، مشيراً إلى أنّه «يتمّ استهداف الصحافيين والعاملين في الإعلام بشكل مباشر عبر الإنترنت وخارجه، خلال قيامهم بعملهم الحيوي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

ذكرت جمعية تعنى بالدفاع عن وسائل الإعلام أن تهمة التجسس وجهت رسمياً لصحافي صيني ليبرالي معتقل منذ عام 2022، في أحدث مثال على تراجع حرية الصحافة في الصين في السنوات الأخيرة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». كان دونغ يويو، البالغ 61 عاماً والمعروف بصراحته، يكتب افتتاحيات في صحيفة «كلارتي» المحافظة (غوانغمينغ ريباو) التي يملكها الحزب الشيوعي الحاكم. وقد أوقف في فبراير (شباط) 2022 أثناء تناوله الغداء في بكين مع دبلوماسي ياباني، وفق بيان نشرته عائلته الاثنين، اطلعت عليه لجنة حماية الصحافيين ومقرها في الولايات المتحدة. وقالت وزارة الخارجية اليابانية العام الماضي إنه أفرج عن الدبلوماسي بعد استجو

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم العربي المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

بدا لافتاً خروج أربعة وزراء اتصال (إعلام) مغاربة سابقين ينتمون إلى أحزاب سياسية مختلفة عن صمتهم، معبرين عن رفضهم مشروع قانون صادقت عليه الحكومة المغربية الأسبوع الماضي، لإنشاء لجنة مؤقتة لمدة سنتين لتسيير «المجلس الوطني للصحافة» وممارسة اختصاصاته بعد انتهاء ولاية المجلس وتعذر إجراء انتخابات لاختيار أعضاء جدد فيه. الوزراء الأربعة الذين سبق لهم أن تولوا حقيبة الاتصال هم: محمد نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب «التقدم والاشتراكية» المعارض، ومصطفى الخلفي، عضو الأمانة العامة لحزب «العدالة والتنمية» المعارض أيضاً، والحسن عبيابة، المنتمي لحزب «الاتحاد الدستوري» (معارضة برلمانية)، ومحمد الأعرج، عضو

«الشرق الأوسط» (الرباط)
المشرق العربي «الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

«الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

انتقدت جامعة الدول العربية ما وصفته بـ«التضييق» على الإعلام الفلسطيني. وقالت في إفادة رسمية اليوم (الأربعاء)، احتفالاً بـ«يوم الإعلام العربي»، إن هذه الممارسات من شأنها أن «تشوّه وتحجب الحقائق». تأتي هذه التصريحات في ظل شكوى متكررة من «تقييد» المنشورات الخاصة بالأحداث في فلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما في فترات الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
TT

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)

«إحدى الوظائف الرئيسية لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل في القدرة على توحيد الناس وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات» اختتم المنتدى الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» أخيراً أعماله في موسكو، مطلِقاً آليات لتعزيز التواصل مع المؤسسات الثقافية والإبداعية في عشرات البلدان، بهدف تحويل المنتدى -كما قال منظموه- إلى «منصة فريدة لتبادل الخبرات وتطوير أساليب الابتكار والإبداع في عالم متعدد لا تهيمن عليه الثقافة الغربية وحدها بأساليبها القديمة».

جمع المنتدى، عبر النقاشات التي دارت خلال ورشات العمل «قادة الصناعات الإبداعية من روسيا ودول أخرى، لمناقشة آفاق تطوير الصناعة والمخاطر والفرص التي أحدثها التقدم السريع للتكنولوجيا الجديدة في حياة الناس وإبداعهم».

عاصمة عالمية للإعلام والثقافة

ووفقاً لحكومة العاصمة الروسية موسكو، التي رعت تنظيم المنتدى، فإن من بين أهداف إطلاقه «تحويله إلى فعالية تُنظّم بشكل دوري وتكريس رؤية جديدة للتعاون الثقافي والإعلامي والإبداعي تقودها موسكو». ومن جهتها، رأت رئاسة المنتدى أن موسكو «عزّزت عبره مكانتها بين عواصم الثقافة في العالم، وباتت تجذب انتباه الخبراء في الصناعات الإبداعية والمتخصصين المشهورين من مختلف أنحاء العالم، من الولايات المتحدة وفرنسا إلى الهند والصين». وبهذا المعنى فإن روسيا «ما زالت تحتفظ بهويتها الثقافية، على الرغم من العقوبات والتحديات المعاصرة، بل تمضي قدماً أيضاً نحو تطوير أشكال جديدة من التفاعل في مجالات السينما ووسائل الإعلام الجديدة وغيرها من الصناعات الإبداعية».

وحقاً، جمع منتدى «الثقافة والإعلام والرقمنة» في دورته الأولى متخصصين في مجالات السينما، والألعاب، والإعلام، والتكنولوجيا، والصناعات الإبداعية؛ للبحث عن توازن جديد بين الأهداف التجارية والمصالح العامة، وإمكانيات الآلات وقدرات البشر.

ولمدة يومين، تواصل المشاركون من مختلف دول العالم في ورشات عمل لبحث المواضيع الرئيسة المطروحة التي توزّعت على عدة محاور؛ بينها: اقتصاد وسائل الإعلام الجديدة، والتأثير المتبادل بين وسائل الإعلام الجديدة والسينما، والاتصالات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن تطوير ألعاب الفيديو، والمساحات الافتراضية، والرياضات الإلكترونية.

تقارب وأرضية مشتركة

رؤية المنتدى تقوم، بالدرجة الأولى، على محاولة تعزيز التقارب والتنسيق من أجل «إيجاد أرضية مشتركة وتطوير أساليب جديدة وفريدة للإبداع بين روسيا ودول مجموعة (بريكس+)» والدول العربية، لا سيما في مجال منصات الثقافات وتشابكها. وبذا لا يُخفي المنظمون الهدف الأساسي المتمثل في محاولة «كسر» الحصار الغربي، والعمل على تشكيل منصة فريدة تُسهم في تطوير حوار دولي بين روسيا وشركائها في الدول العربية والبلدان الأخرى التي تعمل مثل روسيا لإيجاد روابط جديدة للتعاون في ظل التغيّرات السريعة على بيئة المعلومات العالمية.

لذا، رأى المنتدى في جلسات الحوار أن إحدى الوظائف الرئيسة لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل «في القدرة على توحيد الناس، وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات واللغات المختلفة عبر استخدام الشبكات الاجتماعية، والمدوّنات، ومحتوى الفيديو». وعدّ أن تأثير مساحة الإعلام الجديدة يتمثّل أيضاً في إمكانية إنشاء مبادرات مشتركة - مشاريع مشتركة، وأحداث ثقافية، وبرامج تعليمية تهدف إلى تعزيز الروابط وتوسيع آفاق التعاون المتبادل.

برنامج اليوم الأول تضمّن جلسة رئيسة بعنوان «مستقبل التواصل والتواصل من أجل المستقبل»، شاركت فيها نخبة من كبار المخرجين العالميين؛ مثل: أمير كوستوريكا، وأوليفر ستون، استعرضوا خلالها دور السينما في تجاوز الحواجز الثقافية وتعزيز التفاهم بين الشعوب. وفي كلمته، شدّد كوستوريكا على أن «السينما لا تُقاس بقيمتها المالية بقدر ما تحمله من مضامين وأفكار عميقة»، مشيراً إلى تأثير أفلام المخرج أندريه تاركوفسكي التي على الرغم من محدودية مشاهدتها عند إصدارها، اكتسبت قاعدة جماهيرية واسعة على مر الزمن، بفضل طرحها أسئلة جوهرية عن الحياة.

أما ستون فأكد أن «السينما اليوم في مرحلة تطور مستمر، تتضمّن رؤى فنية جديدة وإمكانيات إبداعية متاحة حتى في المدن الصغيرة»، داعياً إلى احتضان هذا التغيير وتقدير الماضي في الوقت ذاته.

الحضور العربي

وفي الجلسات عن العالم العربي، شارك لوبو سيوس مقدم البرامج الحوارية في دبي، وعلي الزكري رئيس قسم التحرير الرقمي في صحيفة «البيان» في دبيّ، وعلا الشافعي رئيسة تحرير صحيفة «اليوم السابع» المصرية، والصحافي اللبناني نبيل الجبيلي. وأكد المنتدى تعزيز الروابط بين الشعوب، كونها تُسهم في خلق أرضية مشتركة وتقديم طرق مبتكرة للإبداع. ورأى المشاركون أن العلاقات بين روسيا ودول «بريكس» لا سيما الدول العربية تستند إلى التفاعل الثقافي وتشابك الثقافات؛ مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون والإبداع المشترك.

وعن دور السينما، بين وسائل هذا التعاون، فإنها عُدّت جسراً فعّالاً يربط بين العالمين الروسي والعربي. إذ إن الأفلام لا تكتفي بعرض جوانب من حياة شعوب معينة، بل تساعد أيضاً على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية؛ مما يخلق قصصاً عالمية قادرة على التأثير في قلوب المشاهدين في كل مكان.

ومن ثم، تناول المنتدى دور الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة واعدة في عملية التأليف والإنتاج السينمائي، بجانب بحث الفرص التي توفرها المنصات الرقمية لتمكين المواهب الشابة.

جانب من الحضور يسجلون اللحظة بهواتفهم الجوّالة (الشرق الأوسط)

منصة مهمة لتبادل الخبرات

مع مشاركة أكثر من 70 متحدثاً من 10 دول، شكّل المنتدى منصة مهمة لتبادل الخبرات وتعزيز التواصل الثقافي بين روسيا والعالم، بما يُسهم في دفع عجلة الابتكار والتنوع في قطاعي الإعلام والسينما العالميين. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال جورجي بروكوبوف، رئيس شركة موسكينو - مركز موسكو السينمائي، إن المنتدى -الأول من نوعه- يُنظّم «في لحظة محورية؛ إذ تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي والابتكارات الرقمية على إعادة تشكيل الصناعات الإبداعية بشكل أساسي». وأردف أن «الملعب العالمي بات أكثر توازناً... وظهرت مناطق جديدة، أو عزّزت مناطق، كانت موجودة أصلاً في هذه الصناعة، مكانتها لتتحول إلى مراكز لإنتاج الأفلام والتلفزيون».

وأوضح بروكوبوف أن موسكو استثمرت، بمبادرة من رئيس بلديتها سيرغي سوبيانين، بكثافة في «بناء مجموعات إبداعية عالمية المستوى» في المدينة وإنشاء شبكات تعاون مع مراكز إبداعية مماثلة في جميع أنحاء العالم. ولقد انصب أحد البرامج الأساسية على تطوير صناعة السينما. وتابع أن «مجموعة صناعة الأفلام الروسية وصلت إلى حجم مماثل (من حيث مرافق الإنتاج ومعداتها المتطورة) لتلك الموجودة في كاليفورنيا أو مومباي (...) تتغيّر صناعة الأفلام العالمية بسرعة، ولم يعد الأمر يقتصر على (هوليوود)، النموذج القديم؛ حيث تُملى ثقافة واحدة، والأذواق العالمية تتلاشى». ثم كشف عن أن عدد الأفلام الروائية المنتجة في دول «بريكس» تضاعف أكثر من ثلاث مرات على مدى العقدين الماضيين، في حين ظل عدد الإنتاجات في الغرب ثابتاً إلى حد كبير.

داخل القاعة (الشرق الأوسط)

التطور في «بريكس» ودول الخليج العربي

ومن ثم، أفاد بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسمح بتكييف المحتوى المتنوع مع السياقات المحلية بسلاسة. وبالنسبة إلى دول مجموعة «بريكس» فإنها، مثل روسيا، «تتطلّع إلى تعزيز التعاون مع القطاع الإبداعي المزدهر في الخليج العربي، بما يمثّل فرصة مثيرة لاستكشاف أسواق جديدة».

وزاد المسؤول أن الأوساط الروسية «تتابع باهتمام كبير ما يحدث في المملكة العربية السعودية. إن تفاني الحكومة في رعاية المواهب وجعل المملكة واحدة من المراكز الإبداعية الرائدة في العالم أمر رائع حقاً. ومن الملهم أن نرى كيف تتحوّل المملكة بسرعة إلى قوة إبداعية عالمية مع الحفاظ على تراثها الثقافي الغني».