بين الديون والاتهامات بالفساد... الصحف الورقية تغيب عن الأكشاك في موريتانيا

صحف للبيع معروضة على رصيف في موريتانيا
صحف للبيع معروضة على رصيف في موريتانيا
TT

بين الديون والاتهامات بالفساد... الصحف الورقية تغيب عن الأكشاك في موريتانيا

صحف للبيع معروضة على رصيف في موريتانيا
صحف للبيع معروضة على رصيف في موريتانيا

غابت الصحف الموريتانية عن الأكشاك في العاصمة نواكشوط لأكثر من أسبوعين بسبب أزمة مالية خانقة تضرب «المطبعة الوطنية» التي تملكها الدولة، وهي الوحيدة في البلاد، وتتّجه اليوم نحو «الإفلاس»، وفق ما أكدته مصادر من داخل مجلس إدارتها لـ«الشرق الأوسط».
وبداية، توقفت المطبعة عن إصدار الصحف المستقلة، ويبلغ عددها 25 صحيفة، من ضمنها 7 صحف يومية. ويوم الأربعاء الماضي، توقفت عن إصدار صحيفة «الشعب» الرسمية، ونسختها الفرنسية «أوريزون»، وهي المرة الأولى التي يتوقف فيها صدور «الشعب» منذ بداياتها في سبعينات القرن الماضي.
وقالت مصادر من داخل المطبعة الوطنية لـ«الشرق الأوسط» إنّ «التوقف عن إصدار الصّحف يعود إلى نقص حاد في الورق. أمّا السبب الحقيقي، فهو ضائقة مالية تعيشها المؤسسة منذ سنوات عدّة، وقد تفاقمت أخيراً لتعجز عن توفير الورق، وتسديد رواتب العاملين فيها».
- ديون وعجز
من جانبه، قال عضو مجلس إدارة المطبعة مولاي ولد ابحيده: «عانت المطبعة خلال السنوات الأخيرة من مشكلات مادية خانقة، والسبب حجم الديون التي تطالب بها المطبعة كثيراً من المؤسسات الحكومية، وتماطل الأخيرة في تسديدها، ومن ضمنها شركات أعلنت إفلاسها، على غرار الخطوط الجوية الموريتانية»، وتابع أنّهم طلبوا من وزارة المالية التّدخل لإنقاذ المطبعة الوطنية من الإفلاس، كما وجّهوا رسالة إلى الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
واتهم ولد ابحيده وزارة الاقتصاد والمالية بالتلكؤ في تسوية الوضعية المالية للمطبعة الوطنية، وجدولة الديون التي قال إنّها «تكفي لانتشال المطبعة من الإفلاس، لو سُدّدت».
وفي غضون ذلك، أرجعت مصادر إعلامية في موريتانيا إفلاس المؤسسة إلى «عمليات فساد» داخل أروقتها، الأمر الذي نفاه عضو مجلس الإدارة، قائلاً: «لا يمكن أبداً الحديث عن سوء تسيير أو فساد، لأنه ببساطة لا وجود لميزانية يجب تسييرها».
وفي ظل العجز المالي الذي تتحدث عنه المطبعة الوطنية، تؤكد مصادر صحافية أنّها تحصل على 60 مليون أوقية سنوياً (أي ما يعادل 170 ألف دولار أميركي سنوياً) من صندوق الدعم الحكومي المخصّص للصّحف المستقلة، وذلك مقابل توفير خدمة الطباعة لها بأسعار رمزية، مع أنّ ميزانيتها السنوية لا تزيد على 260 مليون أوقية (أي ما يعادل قرابة 740 ألف دولار أميركي).
من جهّته، عبر «تجمع الصحافة الموريتانية» (أكبر تجمع نقابي للصحافة المستقلة في البلد) عن قلقه الكبير بعد توقف الصحف عن الصدور، ولكنّه أكد أنّه سيضغط للخروج من هذه الأزمة، فيما أفادت مصادر شبه رسمية بأنّ «الأزمة عابرة».
- تضييقٌ للحد من حرية التعبير
وأصدرت نقابة الصحافيين الموريتانيين بياناً استنكرت فيه توقف المطبعة الوطنية عن إصدار الصحف المستقلة، وقالت إن هذا التوقف قد يكون له صلة بما سمّته «التضييق على حرية التعبير والديمقراطية في البلد»، رابطة في بيانها بين توقف الصحف المستقلة وتوقف القنوات التلفزيونية الخاصة عن البث منذ أشهر عدّة، بسبب الديون المتراكمة.
من جهة ثانية، يتحدث القائمون على الصحف المستقلة عن «خسائر فادحة» تلحق بهم جراء هذا التوقف، وعن تفاقم معاناة الصحف الورقية الضعيفة أصلاً في البلاد.
وفي السياق ذاته، قال الهيبة ولد الشيخ سيداتي، المدير الناشر لصحيفة «الأخبار» المستقلة: «لقد تضرّرنا كثيراً من هذا التوقف، من حيث الموعد الأسبوعي مع قرائنا الذين كنا حريصين على الالتزام به»، وأضاف: «لقد ألحق بنا هذا التوقف أضراراً مادية كبيرة أيضاً. فعلى الرغم من شحّ الموارد وقلة الإعلانات، فإن المعلنين في صحيفتنا - على قلتهم - لحقهم ضرر كبير، وقد يؤثر ذلك في علاقتنا بهم»، موضحاً أنّ توقف المطبعة الوطنية عن إصدار صحيفتهم يأتي بعد أن دفعوا لها المستحقات المادية لإصدار أعداد مقبلة.
- الصحف انتهت
وتعاني الصحافة الورقية في موريتانيا من مشكلات كثيرة أدت إلى تراجع تأثيرها وانتشارها بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً في ظل المد القوي والمتزايد للمواقع الإخبارية الإلكترونية، والهجمة على مواقع التواصل الاجتماعي التي يعتمد عليها نسبة كبيرة من الموريتانيين للحصول على الأخبار.
وفي مقابلات أجرتها «الشرق الأوسط»، الخميس الماضي، مع مواطنين وسط العاصمة، تباينت الآراء بخصوص أهمية الصحف الورقية، فقد قال أحمد، وهو شاب في العشرين من عمره: «في رأيي، لم يعد للصحافة الورقية أي وجود؛ لقد حلّت مكانها الهواتف الذكية والتطبيقات الخفيفة والسريعة»، فيما قال سيدي الذي يعمل في التدريس: «لاحظت منذ أيام أنّ الصحف لم تعد تُعرض للبيع في الشوارع، وقد اضطررت للتوجه نحو الإنترنت للحصول على الأخبار، على الرغم من أنّني لا أثق كثيراً فيما ينشر على بعض المواقع الإلكترونية، إذ لا يمكن للقارئ التحقق من صدق ما تنشره أو كذبه، على عكس الصحف الورقية». أمّا المختار، فقال إنّه لا يقرأ الصحف، مضيفاً: «لماذا أشتري صحيفة ورقية ما دامت الأخبار نفسها متوفرة على الإنترنت، وبشكل مجاني؟ يكفي أن أدخل إلى صفحة (فيسبوك) لأجد كثيراً منها من دون أن أدفع فلساً واحداً».
- تراكم الأزمات
تعتبر هذه الأزمة الأكثر حدة في تاريخ الصحف الورقية بموريتانيا، بيد أنها ليست الأولى أو الوحيدة، فقد سبق أن شهدت الصحف أزمات خانقة، كان آخرها العام الماضي، عندما احتجبت 12 صحيفة مستقلة عن الصدور احتجاجاً على قرار حكومي يمنع صرف أي مبلغ من البنود المخصصة للاتصال في ميزانيات المؤسسات العمومية والوزارات، سواء على شكل اشتراكات أو إعلانات.
واعتبرت الصحف حينها أنّ هذا القرار يأتي ليدقّ آخر مسمار في نعش الصحافة الورقية بالبلاد، مؤكّدة أنّه جاء «في ظل تراجع المبيعات وتقلّص الاشتراكات وانعدام سوق الإشهار وعدم وجود مؤسسة للتوزيع»، وبالتالي لا معنى له ولا مبرر، وفق تعبير تجمع الناشرين.
وكانت الحكومة قد أصدرت هذا القرار بعد تقارير أفادت بصرف مبالغ بطريقة «غير شفافة» من الحساب المخصص لدعم الصحف، وهو حساب تصل قيمته إلى 6 مليارات أوقية (أي ما يعادل نحو 17 مليون دولار أميركي).


مقالات ذات صلة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

العالم العربي تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

أظهر التقرير السنوي لحرية الصحافة لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، اليوم الأربعاء، أن تونس والسنغال كانتا من بين الدول التي تراجعت في الترتيب، في حين بقيت النرويج في الصدارة، وحلّت كوريا الشمالية في المركز الأخير. وتقدّمت فرنسا من المركز 26 إلى المركز 24.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اليوم (الثلاثاء)، باستهداف الصحافيين، مشيراً إلى أنّ «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم». وقال في رسالة عبر الفيديو بُثّت عشية الذكرى الثلاثين لـ«اليوم العالمي لحرية الصحافة»، إن «كلّ حرياتنا تعتمد على حرية الصحافة... حرية الصحافة هي شريان الحياة لحقوق الإنسان»، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أن «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم»، مشيراً إلى أنّه «يتمّ استهداف الصحافيين والعاملين في الإعلام بشكل مباشر عبر الإنترنت وخارجه، خلال قيامهم بعملهم الحيوي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

ذكرت جمعية تعنى بالدفاع عن وسائل الإعلام أن تهمة التجسس وجهت رسمياً لصحافي صيني ليبرالي معتقل منذ عام 2022، في أحدث مثال على تراجع حرية الصحافة في الصين في السنوات الأخيرة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». كان دونغ يويو، البالغ 61 عاماً والمعروف بصراحته، يكتب افتتاحيات في صحيفة «كلارتي» المحافظة (غوانغمينغ ريباو) التي يملكها الحزب الشيوعي الحاكم. وقد أوقف في فبراير (شباط) 2022 أثناء تناوله الغداء في بكين مع دبلوماسي ياباني، وفق بيان نشرته عائلته الاثنين، اطلعت عليه لجنة حماية الصحافيين ومقرها في الولايات المتحدة. وقالت وزارة الخارجية اليابانية العام الماضي إنه أفرج عن الدبلوماسي بعد استجو

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم العربي المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

بدا لافتاً خروج أربعة وزراء اتصال (إعلام) مغاربة سابقين ينتمون إلى أحزاب سياسية مختلفة عن صمتهم، معبرين عن رفضهم مشروع قانون صادقت عليه الحكومة المغربية الأسبوع الماضي، لإنشاء لجنة مؤقتة لمدة سنتين لتسيير «المجلس الوطني للصحافة» وممارسة اختصاصاته بعد انتهاء ولاية المجلس وتعذر إجراء انتخابات لاختيار أعضاء جدد فيه. الوزراء الأربعة الذين سبق لهم أن تولوا حقيبة الاتصال هم: محمد نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب «التقدم والاشتراكية» المعارض، ومصطفى الخلفي، عضو الأمانة العامة لحزب «العدالة والتنمية» المعارض أيضاً، والحسن عبيابة، المنتمي لحزب «الاتحاد الدستوري» (معارضة برلمانية)، ومحمد الأعرج، عضو

«الشرق الأوسط» (الرباط)
المشرق العربي «الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

«الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

انتقدت جامعة الدول العربية ما وصفته بـ«التضييق» على الإعلام الفلسطيني. وقالت في إفادة رسمية اليوم (الأربعاء)، احتفالاً بـ«يوم الإعلام العربي»، إن هذه الممارسات من شأنها أن «تشوّه وتحجب الحقائق». تأتي هذه التصريحات في ظل شكوى متكررة من «تقييد» المنشورات الخاصة بالأحداث في فلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما في فترات الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
TT

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)

«إحدى الوظائف الرئيسية لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل في القدرة على توحيد الناس وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات» اختتم المنتدى الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» أخيراً أعماله في موسكو، مطلِقاً آليات لتعزيز التواصل مع المؤسسات الثقافية والإبداعية في عشرات البلدان، بهدف تحويل المنتدى -كما قال منظموه- إلى «منصة فريدة لتبادل الخبرات وتطوير أساليب الابتكار والإبداع في عالم متعدد لا تهيمن عليه الثقافة الغربية وحدها بأساليبها القديمة».

جمع المنتدى، عبر النقاشات التي دارت خلال ورشات العمل «قادة الصناعات الإبداعية من روسيا ودول أخرى، لمناقشة آفاق تطوير الصناعة والمخاطر والفرص التي أحدثها التقدم السريع للتكنولوجيا الجديدة في حياة الناس وإبداعهم».

عاصمة عالمية للإعلام والثقافة

ووفقاً لحكومة العاصمة الروسية موسكو، التي رعت تنظيم المنتدى، فإن من بين أهداف إطلاقه «تحويله إلى فعالية تُنظّم بشكل دوري وتكريس رؤية جديدة للتعاون الثقافي والإعلامي والإبداعي تقودها موسكو». ومن جهتها، رأت رئاسة المنتدى أن موسكو «عزّزت عبره مكانتها بين عواصم الثقافة في العالم، وباتت تجذب انتباه الخبراء في الصناعات الإبداعية والمتخصصين المشهورين من مختلف أنحاء العالم، من الولايات المتحدة وفرنسا إلى الهند والصين». وبهذا المعنى فإن روسيا «ما زالت تحتفظ بهويتها الثقافية، على الرغم من العقوبات والتحديات المعاصرة، بل تمضي قدماً أيضاً نحو تطوير أشكال جديدة من التفاعل في مجالات السينما ووسائل الإعلام الجديدة وغيرها من الصناعات الإبداعية».

وحقاً، جمع منتدى «الثقافة والإعلام والرقمنة» في دورته الأولى متخصصين في مجالات السينما، والألعاب، والإعلام، والتكنولوجيا، والصناعات الإبداعية؛ للبحث عن توازن جديد بين الأهداف التجارية والمصالح العامة، وإمكانيات الآلات وقدرات البشر.

ولمدة يومين، تواصل المشاركون من مختلف دول العالم في ورشات عمل لبحث المواضيع الرئيسة المطروحة التي توزّعت على عدة محاور؛ بينها: اقتصاد وسائل الإعلام الجديدة، والتأثير المتبادل بين وسائل الإعلام الجديدة والسينما، والاتصالات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن تطوير ألعاب الفيديو، والمساحات الافتراضية، والرياضات الإلكترونية.

تقارب وأرضية مشتركة

رؤية المنتدى تقوم، بالدرجة الأولى، على محاولة تعزيز التقارب والتنسيق من أجل «إيجاد أرضية مشتركة وتطوير أساليب جديدة وفريدة للإبداع بين روسيا ودول مجموعة (بريكس+)» والدول العربية، لا سيما في مجال منصات الثقافات وتشابكها. وبذا لا يُخفي المنظمون الهدف الأساسي المتمثل في محاولة «كسر» الحصار الغربي، والعمل على تشكيل منصة فريدة تُسهم في تطوير حوار دولي بين روسيا وشركائها في الدول العربية والبلدان الأخرى التي تعمل مثل روسيا لإيجاد روابط جديدة للتعاون في ظل التغيّرات السريعة على بيئة المعلومات العالمية.

لذا، رأى المنتدى في جلسات الحوار أن إحدى الوظائف الرئيسة لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل «في القدرة على توحيد الناس، وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات واللغات المختلفة عبر استخدام الشبكات الاجتماعية، والمدوّنات، ومحتوى الفيديو». وعدّ أن تأثير مساحة الإعلام الجديدة يتمثّل أيضاً في إمكانية إنشاء مبادرات مشتركة - مشاريع مشتركة، وأحداث ثقافية، وبرامج تعليمية تهدف إلى تعزيز الروابط وتوسيع آفاق التعاون المتبادل.

برنامج اليوم الأول تضمّن جلسة رئيسة بعنوان «مستقبل التواصل والتواصل من أجل المستقبل»، شاركت فيها نخبة من كبار المخرجين العالميين؛ مثل: أمير كوستوريكا، وأوليفر ستون، استعرضوا خلالها دور السينما في تجاوز الحواجز الثقافية وتعزيز التفاهم بين الشعوب. وفي كلمته، شدّد كوستوريكا على أن «السينما لا تُقاس بقيمتها المالية بقدر ما تحمله من مضامين وأفكار عميقة»، مشيراً إلى تأثير أفلام المخرج أندريه تاركوفسكي التي على الرغم من محدودية مشاهدتها عند إصدارها، اكتسبت قاعدة جماهيرية واسعة على مر الزمن، بفضل طرحها أسئلة جوهرية عن الحياة.

أما ستون فأكد أن «السينما اليوم في مرحلة تطور مستمر، تتضمّن رؤى فنية جديدة وإمكانيات إبداعية متاحة حتى في المدن الصغيرة»، داعياً إلى احتضان هذا التغيير وتقدير الماضي في الوقت ذاته.

الحضور العربي

وفي الجلسات عن العالم العربي، شارك لوبو سيوس مقدم البرامج الحوارية في دبي، وعلي الزكري رئيس قسم التحرير الرقمي في صحيفة «البيان» في دبيّ، وعلا الشافعي رئيسة تحرير صحيفة «اليوم السابع» المصرية، والصحافي اللبناني نبيل الجبيلي. وأكد المنتدى تعزيز الروابط بين الشعوب، كونها تُسهم في خلق أرضية مشتركة وتقديم طرق مبتكرة للإبداع. ورأى المشاركون أن العلاقات بين روسيا ودول «بريكس» لا سيما الدول العربية تستند إلى التفاعل الثقافي وتشابك الثقافات؛ مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون والإبداع المشترك.

وعن دور السينما، بين وسائل هذا التعاون، فإنها عُدّت جسراً فعّالاً يربط بين العالمين الروسي والعربي. إذ إن الأفلام لا تكتفي بعرض جوانب من حياة شعوب معينة، بل تساعد أيضاً على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية؛ مما يخلق قصصاً عالمية قادرة على التأثير في قلوب المشاهدين في كل مكان.

ومن ثم، تناول المنتدى دور الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة واعدة في عملية التأليف والإنتاج السينمائي، بجانب بحث الفرص التي توفرها المنصات الرقمية لتمكين المواهب الشابة.

جانب من الحضور يسجلون اللحظة بهواتفهم الجوّالة (الشرق الأوسط)

منصة مهمة لتبادل الخبرات

مع مشاركة أكثر من 70 متحدثاً من 10 دول، شكّل المنتدى منصة مهمة لتبادل الخبرات وتعزيز التواصل الثقافي بين روسيا والعالم، بما يُسهم في دفع عجلة الابتكار والتنوع في قطاعي الإعلام والسينما العالميين. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال جورجي بروكوبوف، رئيس شركة موسكينو - مركز موسكو السينمائي، إن المنتدى -الأول من نوعه- يُنظّم «في لحظة محورية؛ إذ تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي والابتكارات الرقمية على إعادة تشكيل الصناعات الإبداعية بشكل أساسي». وأردف أن «الملعب العالمي بات أكثر توازناً... وظهرت مناطق جديدة، أو عزّزت مناطق، كانت موجودة أصلاً في هذه الصناعة، مكانتها لتتحول إلى مراكز لإنتاج الأفلام والتلفزيون».

وأوضح بروكوبوف أن موسكو استثمرت، بمبادرة من رئيس بلديتها سيرغي سوبيانين، بكثافة في «بناء مجموعات إبداعية عالمية المستوى» في المدينة وإنشاء شبكات تعاون مع مراكز إبداعية مماثلة في جميع أنحاء العالم. ولقد انصب أحد البرامج الأساسية على تطوير صناعة السينما. وتابع أن «مجموعة صناعة الأفلام الروسية وصلت إلى حجم مماثل (من حيث مرافق الإنتاج ومعداتها المتطورة) لتلك الموجودة في كاليفورنيا أو مومباي (...) تتغيّر صناعة الأفلام العالمية بسرعة، ولم يعد الأمر يقتصر على (هوليوود)، النموذج القديم؛ حيث تُملى ثقافة واحدة، والأذواق العالمية تتلاشى». ثم كشف عن أن عدد الأفلام الروائية المنتجة في دول «بريكس» تضاعف أكثر من ثلاث مرات على مدى العقدين الماضيين، في حين ظل عدد الإنتاجات في الغرب ثابتاً إلى حد كبير.

داخل القاعة (الشرق الأوسط)

التطور في «بريكس» ودول الخليج العربي

ومن ثم، أفاد بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسمح بتكييف المحتوى المتنوع مع السياقات المحلية بسلاسة. وبالنسبة إلى دول مجموعة «بريكس» فإنها، مثل روسيا، «تتطلّع إلى تعزيز التعاون مع القطاع الإبداعي المزدهر في الخليج العربي، بما يمثّل فرصة مثيرة لاستكشاف أسواق جديدة».

وزاد المسؤول أن الأوساط الروسية «تتابع باهتمام كبير ما يحدث في المملكة العربية السعودية. إن تفاني الحكومة في رعاية المواهب وجعل المملكة واحدة من المراكز الإبداعية الرائدة في العالم أمر رائع حقاً. ومن الملهم أن نرى كيف تتحوّل المملكة بسرعة إلى قوة إبداعية عالمية مع الحفاظ على تراثها الثقافي الغني».