12 مدينة برازيلية تستضيف مباريات كأس العالم

أربعة آلاف ميل تفصل بين العاصمة برازيليا وماناوس في غابات الأمازون

ريو دي جانيرو
ريو دي جانيرو
TT

12 مدينة برازيلية تستضيف مباريات كأس العالم

ريو دي جانيرو
ريو دي جانيرو

تجرى منافسات بطولة كأس العالم لكرة القدم البرازيل 2014 في 12 مدينة قد تصل المسافة التي تفصل بين اثنين منهما، كما هو الحال مع ريو دي جانيرو وماناوس، إلى أكثر من أربعة آلاف كيلومتر.
* برازيليا: عاصمة البرازيل منذ عام 1960 ويسكنها 2.6 مليون نسمة. ويوجد بها المقر الرئاسي والكونغرس، وتشتهر المدينة جيدة التخطيط بطابعها العمراني الحديث لأوسكار نيمار الذي يبدو جليا في شوارعها. ومن معالمها الرئيسة الكاتدرائية والقصر الرئاسي بالاسيو دو بلانالتو وكذلك وزارة الخارجية. وتعد برازيليا من مواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونيسكو.
* ريو دي جانيرو: ثاني أكبر مدينة برازيلية بعد ساو باولو ويسكنها ستة ملايين نسمة. ويطلق على ريو لقب «سيدادي مارافيليوسا» أو المدينة الرائعة. وتتمتع العاصمة البرازيلية السابقة بشهرة واسعة حول العالم بفضل كرنفالاتها، الاحتفالات الشعبية، وجبل شوغر لوف وتمثال السيد المسيح الهائل فوق قمة جبل كوركوفادو وكذلك شاطئ كوباكابانا الأسطوري.
* بيلو هوريزونتي: عاصمة ولاية ميناس جيرايس ويسكنها نحو 2.4 مليون نسمة. تعد ثالث أكبر مركز اقتصادي في البرازيل وتقع على ارتفاع يصل إلى نحو 850 مترا فوق سطح البحر وتحيط بها جبال سيرا دو كورال. ويمكن للزائرين أن يستمتعوا بأطعمة مينييرو الجيدة ولكنها مرتفعة السعر أيضا. وتشتهر بيلو هوريزونتي بالجبن على وجه التحديد. وتتراوح درجات الحرارة في المدينة خلال شهري يونيو ويوليو بين 13 و25 درجة مئوية.
* فورتاليزا: تقع في الجزء الشمالي الشرقي للبرازيل، وهي عاصمة ولاية سيارا ويقطنها نحو 2.4 مليون نسمة. تعد من الوجهات المفضلة للسائحين بفضل شواطئها الرملية الممتدة لعدة كيلومترات. ولكن شمال شرقي البرازيل هو الجزء الأفقر في البلاد، وهذا الأمر يمكن ملاحظته في مدينة فورتاليزا. وهي المدينة البرازيلية الأقرب إلى أوروبا حيث لا يفصلها سوى 5600 كيلومتر «فقط» عن العاصمة البرتغالية لشبونة.
* ريسيفي: هي مدينة ساحلية في شمال شرقي البرازيل، كما أنها عاصمة ولاية بيرنامبوكو. وهي مدينة كبيرة يقطنها 1.5 مليون نسمة وتتميز بتعدد القنوات المائية فيها التي يعلوها جسور رائعة ولذا فإنها تشتهر باسم «فينيسيا البرازيل».
* سلفادور: ينظر إليها بوصفها المدينة الأفريقية بالبرازيل بفضل الجالية الأفريقية - البرازيلية الكبيرة هناك. تتميز بأطعمة ساخنة وأسطورية وبشواطئ تخلب الألباب، أما كرنفالاتها الملونة التي تقام في شوارعها فتتميز بشهرة عالمية. ويقطن سلفادور، عاصمة باهيا، 2.7 مليون نسمة.
* ساو باولو: هي أكبر مدينة في أميركا الجنوبية ويقطنها 11 مليون نسمة، كما أنها قلب الاقتصاد البرازيلي. فأكثر من 12 في المائة من إجمالي الناتج المحلي البرازيلي ينتج هناك كما أنها تضم أكبر سوق لتداول الأوراق المالية في أميركا اللاتينية، بوفيسبا. قام اليسوعيون ببناء مدينة ساو باولو عام 1554 وتمتد على مساحة شاسعة. ولكن السبعة ملايين سيارة التي تجوب شوارعها تتسبب في زحام خانق بالمدينة. وتستضيف ساو باولو سباق الجائزة الكبرى البرازيلي لسيارات «فورمولا - 1» على حلبة «إنترلاغوش».
* كوريتيبا: تقع على ارتفاع يزيد على 900 متر فوق سطح البحر. ويقطن المدينة التي تقع جنوب البرازيل 1.8 مليون نسمة وتعد أحد أكثر المدن البرازيلية صداقة للبيئة بسبب نظام النقل العام الجيد الذي تحظى به في المقام الأول. ويضم هذا النظام حافلات يصل طول الواحدة منها إلى 28 مترا وتسع 250 راكبا. وتتجاوز درجة الحرارة في الصيف البرازيلي من ديسمبر (كانون أول) وحتى فبراير (شباط) الـ30 درجة مئوية. أما في الشتاء، فقد تهبط درجات الحرارة في بعض الأحيان إلى ما دون الصفر.
* ماناوس: تقع في غابات الأمازون، تحولت إلى أسطورة سينمائية بفضل فيلم «فيتز كارالدو» الذي أخرجه فيرنر هيرتزوج عام 1982 من بطولة كلاوس كينسكي. ويسكن المدينة الواقعة على رافد «ريو نيجرو» أكثر من 1.8 مليون نسمة مما يجعلها من أكبر المدن البرازيلية. أصبحت المدينة غنية في أواخر القرن الـ19 من خلال ازدهار صناعة المطاط، وهذه الثروة الجديدة كانت مصدر تمويل لعدة مشروعات من بينها مسرح «تياترو أمازوناس» المشهور بمهرجانه السنوي لحفلات الأوبرا. يذكر أن ماناوس منطقة اقتصادية حرة.
* كويابا: هي أصغر المدن المضيفة لكأس العالم من بين الـ12 مدينة بتعداد سكاني يبلغ نحو 560 ألف نسمة. تقع في قلب الغرب البرازيلي وهي عاصمة ولاية ماتو غروسو. وتتمتع كويابا بطقس استوائي حيث يمكن لدرجات الحرارة فيها أن تتجاوز 40 درجة مئوية في الصيف. وخلال شهري كأس العالم، في يونيو ويوليو، تتراوح درجات الحرارة فيها بين 15 و30 درجة مئوية.
* بورتو أليغري: إحدى المدن الاقتصادية الكبيرة في البرازيل. يقطنها 1.4 مليون نسمة، ويطلق عليها اسم «كابيتال دوش جاوتشوس» أو عاصمة الجنوبيين. وتعد الزراعة، أو الزراعة المعتمدة على الماشية على وجه الخصوص، من أهم الأنشطة في ولاية ريو جراندي دو سول التي تمثل بورتو أليغري مركز النشاط فيها. وتشتهر المدينة بمطاعم «كوراسكارياس» التي تقدم اللحم البرازيلي المشوي.
* ناتال: تقع على الساحل الأطلسي وهي ثالث مدينة مضيفة لكأس العالم تقع في شمال شرقي البرازيل، إلى جانب فورتاليزا وريسيفي. يسكن المدينة نحو 820 ألف نسمة وهي من الوجهات المفضلة لقضاء العطلات بفضل شواطئها وكثبانها الرملية. وتولى المستوطنون البرتغاليون تأسيس ناتال، التي تعني ترجمتها بالإنجليزية «كريسماس».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)