التلفزيوني العراقي يأمل في رمضان المقبل بقفزة نوعية للدراما المحلية

تنافس المسلسلات العربية وتسعى لكسب جمهورها من جديد

ملصق مسلسل «أنا والمجنون» تأليف قاسم الملاك وإخراج جمال عبد جاسم
ملصق مسلسل «أنا والمجنون» تأليف قاسم الملاك وإخراج جمال عبد جاسم
TT

التلفزيوني العراقي يأمل في رمضان المقبل بقفزة نوعية للدراما المحلية

ملصق مسلسل «أنا والمجنون» تأليف قاسم الملاك وإخراج جمال عبد جاسم
ملصق مسلسل «أنا والمجنون» تأليف قاسم الملاك وإخراج جمال عبد جاسم

على نحو غير مسبوق، أكد القائمون على الإنتاج التلفزيوني العراقي، أن الدراما المحلية لهذا الموسم سترتقي كما ونوعا بشكل ينافس الإنتاج الدرامي العربي، ويحقق قفزة نوعية في مستوى الأعمال الفنية التي ستكون مفاجأة للجمهور، كما أن هدفها هو كسب المشاهد العراقي من جديد بأعمال وبرامج جديدة خصص لها ميزانية ضخمة لتكون جاهزة للعرض في شهر رمضان المقبل.
وكانت قد أعلنت قناة العراقية الحكومية عن استعداداتها لإنتاج عشرة مسلسلات جديدة لعام 2014 تتنوع موضوعاتها بين الديني والتاريخي والاجتماعي والكوميدي، ضمن نشاط متواصل مع نجاحها العام المنصرم ضمن سعي يهدف لإشباع القنوات المحلية بالدراما والبرامج العراقية بعد غياب وفتور سادا في الأعوام الماضية بسبب غزو الأعمال السورية والتركية لقنواتها، وعزوف المشاهد عن متابعة المنتج المحلي كونه يفتقر للتشويق والحبكة التلفزيونية المعروفة.
مدير تلفزيون قناة العراقية الفضائية علاء الماجدي، قال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: جرى الاتفاق مع شركات قطاع خاص، ستقدم أكثر من عشرة أعمال درامية منوعة بين الكوميدية والتاريخية والشعبية والدينية وغيرها، ضمن أعمال يتولى فيها مخرجون عراقيون الأولوية في إنجازها، بمستوى نوعي مميز، وانتقاء للموضوعات التي تثير اهتمام المشاهد العراقي وتلامس رغبته وذوقه في المشاهدة.
وأكد الماجدي أنه من بين المسلسلات التي يجري إنجاز لمساتها الأخيرة، مسلسل «سفينة سومر»، وهو من تأليف عبد المطلب السنيد وإخراج علي أبو سيف، ومسلسل «أنا والمجنون»، تأليف قاسم الملاك وإخراج جمال عبد جاسم، ومسلسل «فدعة»، ومسلسل «وادي السلام»، ومسلسل «النبي أيوب»، تأليف وإخراج الفنان أركان جهاد، وتمثيل كل من خالد أحمد مصطفى، ونجلاء فهمي، وفاطمة الربيعي، وآخرين، والمسلسل اجتماعي «الكصة بكصة»، دراما جديدة تأخذك من الشمال إلى الوسط وجنوب البلاد، وتتحدث عن العادات والتقاليد والأعراف الموجودة وعن الطلاق والزواج.
تقول الفنانة الشابة زهور علاء، التي أنهت مشاهدها في المسلسل الجديد «أنا والمجنون»، إنها تجسد دور «أمل»، وهي ابنة توفيق المحامي (الفنان الكوميدي قاسم الملاك) ومتزوجة من رجل يدمن شرب الخمر قبل أن يتركها لتعيش مع والدها. تواجه أمل مشكلات عدة مع ابنها المراهق بسبب سلوكه غير المهذب، فتبدأ معاناتها بين الزوج وابنها. زهور تجسد شخصية الأم للمرة الثانية بعد أن جسدتها في مسلسل حفيظ، وهي كذلك تستعد للمشاركة في مسلسل «وادي السلام».
فنانون عراقيون رحبوا بالأعمال الدرامية الجديدة، لكنهم ما زالوا يحلمون بأن تكون الفرص متساوية وقادرة على إظهار مواهبهم بالشكل الذي يمكنهم من محاكاة الأعمال العربية التي تستقطب القدر الأكبر من نسبة المشاهدة.
الفنان عبد الجبار الشرقاوي، قال: «نحتاج دعما كبيرا حتى نصل إلى ما نطمح إليه في مؤازرة الدراما العراقية للدراما العربية.. فما زالت تلك الطموحات مجرد أحلام نتمنى أن تطبق على أرض الواقع، لأن التاريخ الفني العراقي يحتاج إلى أن نهتم به أكثر، كذلك الأخذ بيد المواهب الجديدة».
أما الفنانة ميلاد سري فأكدت أن هذا الكم الهائل من الأعمال الذي تتسابق الفضائيات في عرضه في رمضان أثر كثيرا على الممثل، وأصبح لا يمتلك الوقت الكافي لدراسة الدور المقدم له، فيتسلم الدور قبل يوم أو يومين من بدء التصوير بحجة أن ممثلينا محترفون وقادرون على أداء الأدوار التي تعطى لهم؛ مما أثر على جودة وقدرة الممثل بشكل عام.
وبدأ المؤلف الدرامي حامد المالكي متفائلا بنحو أكبر عندما أكد أن الأعمال الدرامية في رمضان القادم ستختلف عن السابق بكثير، وهي تحمل نكهة مميزة واختلافا بكل المقاييس؛ من حيث التنوع وتوافر ظروف إنتاج آمنة وميزانيات كبيرة، وهذا ما كنا نحتاج إليه منذ زمن؛ إذ شهد هذا العام تصوير أغلب المسلسلات في أجوائها الحقيقية داخل الأحياء البغدادية، عكس ما كان في الأعوام الماضية، وهناك اهتمام بإنتاج الدراما التاريخية، وهذا ينافس، بل ويفوق الأعمال العربية من ناحية التأليف والإخراج. إن كل ما ينقص الدراما هو التسويق الناجح والمدروس، وآليات إخراج الأعمال إلى سوق الدراما العربية.
أما المخرج جمال عبد جاسم، الذي سبق أن أخرج كثيرا من الأعمال الكوميدية بالتعاون مع نجم الكوميديا الفنان قاسم الملاك، مثل مسلسلات «حب وحرب»، و«دار دور»، و«الدرس الأول»، و«تيتي القطار»، وغيرها طيلة ثلاثة عقود، ولاقت نجاحا جماهيريا كبيرا، فأشار في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن «مسلسله الجديد (أنا والمجنون) يتميز بأنه اجتماعي أكثر من كونه كوميديا، لكن هناك مواقف من الممكن أن تخلق الابتسامة على الوجوه من خلال الأحداث مع الأم والمجنون، وهناك أيضا خط كوميدي للفنان محمد حسين عبد الرحيم في شخصية (زرزور)، الرجل الذي يعمل بائعا للشاي (تشايتشي) في المحكمة ودائما يكذب ويقول إنه يفهم بالقانون والمحاماة، ولكن بطريقة كوميدية ومواقف مضحكة».
يذكر أن قناة العراقية الفضائية أنتجت في العام 2013 أكثر من تسعة مسلسلات، استقطبت المشاهد العراقي في شهر رمضان الماضي، وشارك فيها عدد من نجوم التمثيل العربي، منهم النجم السوري أيمن زيدان، والنجم المصري سامح السريطي، ولأول مرة يمثلان في أعمال عراقية داخل العراق، كذلك شارك عدد من المخرجين العرب في إخراج هذه الأعمال. ومن الأعمال التي قدمت في رمضان الماضي مسلسل «رباب»، و«أعماق الأزقة»، و«حفيظ».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)