عالمه يبدأ من محاكاة تفاصيل الوجه، وينتهي بالإمساك بنوره الداخلي، أو روح الوجه الخاصة التي ينفرد بها، وتصنع تميزه، وعلى طريقة كاميرات الأبيض والأسود القديمة يحاول أن يثبتها على مسطح اللوحة الأبيض.
رسام البورتريه مصطفى أحمد أو «العم مصطفى» كما يحب أن يناديه الناس، أحد المشهورين بين جوقة من الفنانين الجوالين، ينصبون مراسمهم في شوارع وسط البلد بالقاهرة، بحثا عن زبون يصلح للصورة. تنقّل على مدار نصف القرن بمرسمه الخاص وأدوات الرسم من أقلام الفحم والرصاص والباستيل وورق الكانسون والفيبريانو، بين شارعي شريف فؤاد، وهو من أشهر شوارع العاصمة.
يقول «العم مصطفى»، والبالغ من العمر 68 عاما: «بدأت موهبة الرسم عندي وأنا طفل صغير ابن 7 سنوات، كنت أرسم كل من أجدهم أمامي، إخوتي وأطفال الشارع الذين ألعب معهم في طرقات وشوارع الجيزة، حتى بات زملائي في المدرسة ينادونني مصطفى بيكاسو، وبمرور السنوات تحولت الموهبة عندي إلى حرفة كنت أمارسها وأنا طالب في الثانوية العامة وحتى بعد التحاقي بكلية الحقوق».
يحكى «العم مصطفى» الذي استقر به المطاف في شارع شريف منذ منتصف مطلع السبعينيات وحتى الآن وصار أحد معالمه، عن أشهر البورتريهات التي قام برسمها وكان للنجمة نجلاء فتحي سنة 1970 في أتيليه القاهرة بحي الزمالك قائلا: «جلست أمامي في الأتيليه وقمت برسمها وانبهرت هي وجميع أصدقائها من ضيوف الأتيليه آنذاك بالبورتريه، فقد أبرزت كل مفردات الأنوثة والجمال في وجهها وبراءة ابتسامتها».
بورتريه نجلاء فتحي، وكما يقول «العم مصطفى»، كان «وشه حلو عليه» فقد سمع عنه المطرب الراحل محمد قنديل وقام بدعوته لكي يرسمه هو زوجته في فيلته بمصر الجديدة، وبالمثل فعل المخرج كمال الشيخ في منتصف السبعينات، فبعد أن انتهى الشيخ من إخراج فيلمه «على من نطلق الرصاص» للفنانة الراحلة سعاد حسني والنجم محمود ياسين، دعاه المخرج الكبير في شقته «1013» بالدور العاشر الجناح البحري في عمارة الإيموبيليا الشهيرة الواقعة في تقاطع شارعي شريف وقصر النيل، وطلب منه أن يرسمه هو وأحفاده في الشاليه الخاص به في الإسكندرية، وهو ما حدث بالفعل وقد أعجبه البورتريه كثيرا.
من بين المشاهير الذين رسمهم «العم مصطفى»، المطرب الراحل محمد عبد المطلب، والدكتور رشاد رشدي رئيس أكاديمية الفنون الأسبق، وكان مستشارا أدبيا للرئيس أنور السادات، لكنه لم ينس أبدا أجمل وأعظم ما رسم حسب تعبيره الرئيس جمال عبد الناصر، فكانت أول لوحة رسمها له سنة 1956 بعد تأميم قناة السويس مباشرة، فقد تم وضع صورة الزعيم في الفصول المدرسية، وحينها قام «العم مصطفى» برسمها وهو لا يزال صغيرا، مضيفا: «رسمت عبد الناصر كثيرا وحتى الآن، والسر في ذلك امتلاكه ملامح وجه مميزة مليئة بالشموخ والكبرياء... أنف طويل وعيون كحيلة وشعر رأسه مموج وسوالف يكسوها البياض، أسمر الجبهة، عملاق الجسم».
فنان الكاريكاتير الفلسطيني الشهير ناجي العلي كان له هو الآخر باع مع «العم مصطفى»، فقد تزاملا لمدة ثماني سنوات في جريدة القبس الكويتية، ورغم اختلافه معه في بداية العمل، فإنهم صارا أصدقاء فيما بعد، وقد حزن كثيرا لاستشهاده في 1987.
وبسؤاله عن عدم استمراره للعمل رساما في جريدة القبس، قال «العم مصطفى»: «أنا بحب الناس وبحب شغل الشارع، ولهذا السبب قررت العودة إلى مرسمي الخاص وسط الناس والمارة بشارع شريف، يأتي إلى الزبائن من كل مكان، وغالبيتهم في السنوات الأخيرة من الشباب والفتيات»، موضحا أن سعر البورتريه الواحد يبدأ من 120 جنيها وحتى 300 جنيه.
«العم مصطفى» زبون دائم في قسم عابدين ومديرية أمن القاهرة، ليس متهما، ولكن بغرض الاستفادة من موهبته في رسم المتهمين، فهو يستمع إلى وصف شهود العيان لملامح وجه المجرمين الهاربين، ويترجمها هو بملكاته إلى بورتريه قريب الشبه بالمجرم الحقيقي، وهو ما جرى بالفعل في حادث مقتل جواهرجي الزيتون وسرقة مليون جنيه من البنك المركزي، وأيضا تفجيرات البحر الأحمر.
من جهته، قال الفنان التشكيلي ميشيل عطا الله لـ«الشرق الأوسط»، إن رسام الشخصيات بالشارع تختلف رؤيته للوحة الفنية وعمقها عن الفنان التشكيلي المتخصص الدارس للفن، إذ إن رسام الشارع يتعامل مع البورتريه بمنطق المادة «رسمة مقابل نقود» ينجزها خلال ساعة أو ساعتين، كما يصعب عليه الرسم من وحي خياله، ولا بد من وجود الصورة نفسها أو صاحبها جالسا أمامه، بينما الفنان التشكيلي المتخصص ينظر للبورتريه على أنه «لوحة تعبيرية» تعيش طوال العمر دون أن تتأثر بعوامل الزمن، كما أنه يرسم لوحاته من وحي خياله سواء البورتريه أو اللوحات التجريدية.
{صياد وجوه} في شوارع القاهرة
تزامل مع ناجي العلي ويعتز ببورتريه لنجلاء فتحي
{صياد وجوه} في شوارع القاهرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة