مسؤولون أميركيون: ضوابط صارمة في قطر على قادة طالبان المفرج عنهم

إدارة أوباما تبقي تفاصيل وثيقة الاتفاق سرية

موقوفون في المعسكر الرابع من معتقل غوانتانامو ({نيويورك تايمز})
موقوفون في المعسكر الرابع من معتقل غوانتانامو ({نيويورك تايمز})
TT

مسؤولون أميركيون: ضوابط صارمة في قطر على قادة طالبان المفرج عنهم

موقوفون في المعسكر الرابع من معتقل غوانتانامو ({نيويورك تايمز})
موقوفون في المعسكر الرابع من معتقل غوانتانامو ({نيويورك تايمز})

سيخضع كبار قادة طالبان الخمسة المفرج عنهم بعد سنوات من الاعتقال في معتقل غوانتانامو في كوبا، لإجراءات حظر صارمة بعد تسفيرهم إلى قطر فيما يتعلق بتحريض المتشددين أو جمع التبرعات لهم، مما قد يشكل خطرا على الولايات المتحدة، وفقا لما أدلى به أشخاص مطلعون على المفاوضات التي جرى خلالها تحرير أسير الحرب الأميركي الرقيب بو بيرغدال.
وأصرت واشنطن على وضع الأفغان المحررين تحت حظر السفر لسنة واحدة، رغم طلب حركة طالبان أن يسمح لهم بأداء فريضة الحج.
وأبقت إدارة أوباما على سرية الوثيقة التي توضح تفاصيل ظروف وملابسات الإفراج عن الرجال، نزولا على رغبة قطر التي لعبت دور الوسيط في هذه الصفقة. وكشف بعض المطلعين على المحادثات، بالإضافة إلى تقرير سري قدم إلى أعضاء مجلس الشيوخ، عن أن المفاوضين الأميركيين سعوا هذا الربيع إلى الحصول على ضمانات أمنية إضافية من قطر، وهو ما حدث، كما كشفوا أن الرئيس باراك أوباما شخصيا صافح أمير قطر بعد الاتفاق على الشروط.
وتحدث مسؤولون أميركيون وغيرهم من الذين قدموا تفاصيل عن المفاوضات بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأنهم غير مخولين مناقشة الصفقة، حيث لا يزال جزء كبير منها سريا.
وعبر نقاد الإدارة الأميركية عن غضبهم بعدما علموا أن الأفغان المحررين ليسوا تحت سيطرة أمنية في قطر، كما أن لديهم حرية نسبية للحركة بعد أكثر من عقد من الزمان كانوا فيها تحت السيطرة الكاملة للولايات المتحدة.
لكن نائبة المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية ماري هارف: «من الممكن أن يراهم شخص ما في شوارع قطر». وأضافت قائلة: «بيد أن تلك الأنواع من الأنشطة لا تهدد مصالح أمننا القومي، وهذا هو المعيار الذي عليه يحد بشكل كبير من الخطر الذي سوف يشكلونه».
بيد أن خشية النقاد تنبع، إلى حد ما بناء على سجل قطر الماضي فيما يتعلق بتبادل معتقلي غوانتانامو، من أن هؤلاء الخمسة المحررين لن يخضعوا لنوع من الرقابة الصارمة التي يمكن أن تمنعهم من الضلوع بدور في حركة طالبان.
وقالت السيناتورة سوزان كولنز (عن ولاية ماين): «ليس هناك خلاف في الدوائر الاستخباراتية حول مدى خطورة هؤلاء المعتقلين من طالبان». وأضافت: «من المرجح جدا عودتهم إلى القتال ضد بلادنا بعد إمضائهم عاما في قطر، وهو ما يجعلني أبادل الكثير من الأعضاء من كلا الطرفين قلقهم بشأن قرار الإدارة الأميركية».
يذكر أن الخمسة المحررين كانوا جزءا من حكومة طالبان التي تولت السلطة في أفغانستان، وشاركوا في إيواء تنظيم القاعدة قبل وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، وجرت مبادلتهم ببيرغدال، الذي ظل محتجزا لقرابة خمس سنوات لدى شبكة حقاني، التي تعد فرعا من فروع حركة طالبان. وهو أسير الحرب الأميركي الوحيد جراء الصراع الأفغاني، وكان حديث الساعة خلال سنوات من المفاوضات المتقطعة بشأن إطلاق سراحه.
وأحدثت صفقة تبادل الأسير جدلا، شمل انتقاد استعداد الإدارة الأميركية للتفاوض مع جماعة إرهابية تارة، وإثارة الأسئلة حول إمكانية أن يكون بيرغدال قد تخلى عن موقعه طواعية قبل اعتقاله.
وذكرت صحيفة «تايمز» العسكرية المستقلة الثلاثاء أن بيرغدال قد خرج من قاعدة دوريته في أفغانستان مرة واحدة على الأقل قبل ليلة من وقوعه في الأسر.
وبعد أن أصبحت ملابسات تبادل الأسير قضية سياسية حزبية بشكل متزايد، تسعى إدارة أوباما جاهدة لشرح حجتها في الموافقة على الإفراج عن الرجال، الذين عُدُّوا قبل ذلك من بين أبرز سجناء غوانتانامو، وقد يكونون من بين الأكثر خطورة. وشدد مسؤولون بالإدارة الأميركية على أن صحة بيرغدال كانت في تراجع وكان الوقت عاملا رئيسا لعقد صفقة، إذا كان ذلك ممكنا. وأكد المسؤولون أيضا أنه بمجرد أن بدأت المفاوضات كان عليهم أن يتحركوا بسرعة، خوفا من أن أي تأخر أو تسريب بشأن ترتيبات الصفقة قد يضع حياة بيرغدال في خطر.
وقال شخص على دراية بالمناقشات إن حركة طالبان لم تصدر أي تحذير صريح بأن بيرغدال قد يقتل إذا فشلت الصفقة أو جرى تسريبها. ولكن مسؤولين أميركيين قالوا إن قلقهم على حياة بيرغدال كان سببا رئيسا في عدم إعطاء الكونغرس إشعارا قبل 30 يوما من نقل السجناء من معتقل غوانتانامو، وفقا لما يقتضيه القانون. وأضاف المسؤولون الأميركيون أن الانتظار لمدة 30 يوما كان يمكن أن يعرض بيرغدال للخطر بشكل لا يمكن قبوله.
ويختلف أعضاء بمجلس الشيوخ حول ما إذا كان مسؤولو الإدارة قد أخبروهم خلال جلسة إحاطة سرية مساء الأربعاء بأن حركة طالبان قد هددت بقتل بيرغدال إذا سرب نبأ صفقة التبادل الوشيكة. وقال السيناتور أنجوس كينغ (عن ولاية ماين) إن بعض المسؤولين الأميركيين الذين أحاطوا أعضاء مجلس الشيوخ قالوا إنه «قد يعرض تسريب نبأ المناقشات الرقيب بيرغدال للقتل».
بيد أن أعضاء آخرين بمجلس الشيوخ، بمن فيهم ديان فاينشتاين (النائبة الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا)، ومارك كيرك (النائب الجمهوري عن ولاية إلينوي)، قالوا للصحافيين إنهم لا يمكنهم تذكر ذكر أحد المسؤولين تلك المعلومات أثناء جلسة الإحاطة التي قدمها مسؤولون من البيت الأبيض، ووزارتي الدفاع (البنتاغون) والخارجية، ووكالة المخابرات المركزية.
وقال كيرك إن الفيديو الذي صورته طالبان «لإثبات أنه على قيد الحياة» وعرضته الإدارة يصور ضعف حالة بيرغدال الصحية عقب سنوات من بقائه في الأسر.
وأضاف قائلا: «بدا وكأنهم لم يعاملوه بشكل جيد نظرا لأن صوته كان خافتا. وأود أن أقول إن الفيديو كان له تأثير عاطفي، ولهذا السبب، على الأرجح، بثته طالبان - حتى يكون له تأثير عاطفي على الرئيس، مما يمكنهم من إطلاق سراح المعتقلين الخمسة».
ولكن إدارة أوباما تقول إنها كانت قد طلبت الحصول على شريط الفيديو قبل المضي قدما في المفاوضات. وكان الفيديو قد ظهر في يناير (كانون الثاني) بعد أسابيع من إبلاغ المفاوضين الأميركيين الوسطاء القطريين، عقب انقضاء فترة طويلة في المحادثات، أن الجانب الأميركي كان في حاجة إلى معرفة أن بيرغدال لا يزال على قيد الحياة.
وقال أشخاص مطلعون على المفاوضات إن المحررين الخمسة قد أصبحوا أقل إثارة للقلق نظرا لوقع السنوات عليهم، كما أنهم يعدون الآن «عجائز» أو شيوخا طاعنين في السن من غير المرجح أن يضطلعوا بأدوار كبيرة في ساحة المعركة. واعترف مسؤولون أميركيون بأن من الخمسة من يمكن أن يشغل أدوارا قيادية أخرى داخل الحركة.
وقال مسؤولون أميركيون إن حظر السفر الصارم الذي فرض عليهم سيمنعهم من العودة إلى القيام بأي دور فعال يسمح لهم بقتال القوات الأميركية لمدة سنة على الأقل. وبحلول ذلك الوقت، ستكون جميع قوات الولايات المتحدة المقاتلة قد انسحبت من أفغانستان، باستثناء بقاء قوة صغيرة تضطلع بمهام التدريب ومكافحة الإرهاب.
وأكد مسؤولون أميركيون أن المبادلة لا تشكل سابقة لخرق شرط إشعار الثلاثين يوما للكونغرس أو لإطلاق سراح سجناء من معتقل غوانتانامو في المستقبل. وتحدث مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، شريطة عدم الكشف عن هويته قائلا: «إن بيرغدال يعد حالة استثنائية».
ويتعارض الإفراج عن قادة طالبان الخمسة مع سياسة الإدارة، نظرا لأن المعتقلين لم يجر إقرار مبادلتهم وفقا لعملية تدقيق من الأمن القومي، وهي فئة تضم الآن 71 معتقلا من بين 149 آخرين لا يزالون في غوانتانامو.
يذكر أن الكثير من أولئك القابعين في هذا المعتقل أمضوا ما يزيد على عشر سنوات هناك.
ولا يزال يقبع اثنا عشر معتقلا أفغانيا في غوانتانامو، ثمانية لم تجر الموافقة على الإفراج عنهم وترحيلهم إما إلى بلادهم الأصلية أو دولة أخرى.
وقال المسؤول: «هناك عدد كبير من الصفقات يجري الترتيب لها، وأعتقد أننا سنرى إحراز تقدم هذا العام». وبسؤاله عن إمكانية أن يعقد التوتر الذي سببه الإفراج عن بيرغدال بين البيت الأبيض والكونغرس إجراء مبادلات في المستقبل، أجاب المسؤول بأن «الحقائق والوقائع الموضوعية تدعم بشكل كبير وجوب إغلاق معتقل غوانتانامو. إن أركان تلك الصورة أصبحت واضحة الآن بالدرجة التي كانت عليها قبل بضعة أسابيع».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»
* ساهم في هذا التقرير سكوت ويلسون وإد أوكيف



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.