ماكرون يتعهد بهزيمة المتشددين في «الساحل الأفريقي»

وسط تصعيد «بوكو حرام» لهجماتها الانتحارية في نيجيريا

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يزور قوات بلاده في نيامي بالنيجر قبل احتفالات أعياد الميلاد (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يزور قوات بلاده في نيامي بالنيجر قبل احتفالات أعياد الميلاد (أ.ف.ب)
TT

ماكرون يتعهد بهزيمة المتشددين في «الساحل الأفريقي»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يزور قوات بلاده في نيامي بالنيجر قبل احتفالات أعياد الميلاد (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يزور قوات بلاده في نيامي بالنيجر قبل احتفالات أعياد الميلاد (أ.ف.ب)

بينما تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس، بهزيمة متشددين في منطقة الساحل الأفريقي، ضاعفت جماعة «بوكو حرام» منذ أشهر هجماتها على القرى، واعتداءاتها الانتحارية وعملياتها ضد الجيش في شمال شرقي نيجيريا، المنطقة التي دمرها نزاع مستمر منذ 8 سنوات.
وقال أحد قادة الجيش في مايدوغوري عاصمة ولاية بورنو إن «زيادة الهجمات هي رد يائس على القمع العسكري». وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية: «قطعنا كل طرق تزويدهم بالغذاء والسلاح والذخائر»، مشيراً إلى «أنهم يردون بالنهب وشن هجمات لأنهم يحتاجون إلى الغذاء... الجوع قاتل خفي».
وحاول الفصيل الذي يقوده أبو مصعب البرناوي المعترف به من قبل تنظيم داعش خلال الأسبوع الماضي، غزو قاعدة ماينوك العسكرية بالقرب من مايدوغوري، ولم ينجح مقاتلوه في اقتحام الموقع لكنهم تمكنوا من سرقة 4 آليات عسكرية مصفحة. واقتحم مسلحو الجماعة الشهر الماضي قاعدة ماغوميري (50 كلم شمال مايدوغوري) قبل أن يرسل الجيش تعزيزات. وأوضح أحد أفراد القوة التي تساند الجيش النيجيري في مكافحة المتمردين أن «الإرهابيين يهاجمون القواعد العسكرية خصوصا تلك التي تضم عددا ضئيلا من الجنود، لسرقة مواد لكن كذلك لإشاعة الخوف وتعزيز قدرتهم الحركية».
وقبل أسبوعين قاد أبو بكر الشكوي نحو 400 من رجاله في هجوم على مركز للجيش في قرية بيتا على الحدود مع الكاميرون، حيث قال زعيم الميليشيا المحلية التي تقاتل إلى جانب الجيش إن الجهاديين أجبروا الجنود على التخلي عن الموقع، وسرقوا أسلحة قبل أن يتراجعوا إلى غابة سامبيزا.
وأسفر النزاع الذي اندلع في 2009 بقيادة الشكوي عن سقوط أكثر من 20 ألف قتيل ونزوح مليوني شخص. ويواجه شمال شرقي نيجيريا أزمة إنسانية وغذائية خطيرة.
والمدنيون هم الضحايا الرئيسيون للجماعة الجهادية وللعسكريين، لكن الجيش المنتشر في جميع أنحاء الأراضي النيجيرية ويواجه العديد من المشاكل الأمنية في البلاد، دفع ثمنا باهظا أيضا.
وأعلن الرئيس محمد بخاري أنه ينوي إعادة قواته المنتشرة في غينيا بيساو في إطار عملية لحفظ السلام، لتدعم الجهود العسكرية في البلاد. لكن الجماعة الجهادية ما زالت منقسمة جدا منذ أن عين تنظيم داعش البرناوي نجل مؤسس بوكو حرام محمد يوسف، رئيسا للتنظيم في غرب أفريقيا في 2016. ومع ذلك اجتمع الفصيلان المتنافسان بقيادة الشكوي والبرناوي، في دوغوري على ضفة بحيرة تشاد للبحث في تشكيل جبهة مشتركة ضد الجيش، كما ذكرت مصادر قريبة من المفاوضات. لكن بعد أيام انهار الاتفاق بعدما قتل فصيل الشكوي 18 من أعضاء فصيل البرناوي.
وقال ضابط كبير في الجيش إن «الفصيلين غارقان في حرب داخلية». وأضاف: «لكن لو نجح التحالف لكان أدى إلى عدد أكبر من الهجمات، ولكانت العواقب أخطر بكثير».
من جهته، شارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء أول من أمس، في عاصمة النيجر نيامي في عشاء ميلادي، مع مئات الجنود الفرنسيين المنتشرين لمكافحة الجماعات الجهادية في منطقة الساحل في إطار عملية برخان. وقال ماكرون مخاطبا جنود بلاده: «أنا فخور بكم. فرنسا فخورة بكم (....) فرنسا تنعي قتلاها. تعتني بجراحها وفخورة بأبنائها الذين يحاربون لحمايتها»، معلنا أن عملية برخان ستستمر «بهدف تحقيق انتصارات واضحة وهامة ضد العدو». وتعد القاعدة الفرنسية في نيامي، التي تضم 500 فرد وطائرات ميراج 2000 وطائرات مسيّرة، المركز الجوي الرئيسي للقوة المشاركة في عملية برخان، كما أنها أكبر عملية عسكرية خارجية لفرنسا، إذ يشارك فيها 4 آلاف جندي فرنسي ينتشرون في 5 دول هي مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا. وقال ماكرون غداة العشاء إن «الجهد سيستمر في 2018 لمكافحة الجماعات الجهادية في منطقة الساحل»، قبل أن يتفقد أمس، وحدات متمركزة في قاعدة نيامي الجوية المتقدمة، ويبحث مع الرئيس النيجري محمد يوسف، مكافحة الجماعات الجهادية في منطقة الساحل.
وقال: «أثق بكم» خصوصا في الكفاح في منطقة الساحل الذي «يشكل أولوية لأنه هنا يكمن أمننا ومستقبل جزء من القارة الأفريقية». وأضاف الرئيس الذي ترافقه وزيرة الجيوش فلورانس بارلي: «علينا ألا نترك الساحل للمنظمات الإرهابية (...) يجب ألا نتخلى عن شبر واحد من هذه الأرض».
واعتبر أن العمل الذي بدأ في 2014 مع عملية سرفال في مالي ثم عملية برخان، «وجه ضربات كبرى» إلى الجماعات الجهادية التي «لم تعد قادرة على أن تهز دولة»، مشيراً إلى أن هذه المجموعات باتت «مبعثرة في عصابات متنقلة» و«تسعى إلى توجيه ضربات غير متناسقة» في هذه الصحراء الهائلة حيث تشكل «أي شجرة صبار مخبأ ممكنا». وتابع أنه لهذا السبب «سيستمر الجهد وبقوة» في 2018 «بهدف تحقيق انتصارات واضحة وكبيرة في مواجهة العدو». على صعيد آخر، أعلن الجيش الأوغندي أنه شن هجوما على جماعة متمردة متمركزة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية متهمة بقتل 14 من جنود حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة في وقت سابق من الشهر الحالي. وقال الجيش في بيان إن «المعلومات التي تم تقاسمها بين أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية أكدت أن القوات الديمقراطية الحليفة الإرهابية التي شنت الهجمات على جنود حفظ السلام الأمميين كانت تخطط لشن هجمات ضد أوغندا»، وأضاف أنه في «تحرك استباقي، شن الجيش الأوغندي هجمات على معسكراتهم» في شرق الكونغو الديمقراطية.
واتهمت الأمم المتحدة القوات الديمقراطية الحليفة التي يهيمن عليها إسلاميون متشددون بمهاجمة جنود حفظ السلام التنزانيين قبل أسبوعين.
واتُهمت الحركة بنصب كمين لقوة حفظ السلام الأممية في شرق الكونغو قتل فيه جندي وأصيب 12 بجروح، كما اتهمتها بعثة الأمم المتحدة وكينشاسا كذلك بقتل أكثر من 700 شخص في منطقة بيني منذ 2014.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟