العارضات السمراوات... هدايا الهند إلى عالم الأزياء الغربي

يحققن النجاح على منصات العرض العالمية

مجلة هاربرز بازار الطبعة الهندية
مجلة هاربرز بازار الطبعة الهندية
TT

العارضات السمراوات... هدايا الهند إلى عالم الأزياء الغربي

مجلة هاربرز بازار الطبعة الهندية
مجلة هاربرز بازار الطبعة الهندية

تتخذ مجموعة جديدة من عارضات الأزياء الهنديات مكانها سريعاً اليوم بين صفوف العارضات العالميات، وشاركت نحو عشرة منهن في العروض العالمية للمرة الأولى خلال العام الحالي. وتتلقى العارضات الهنديات، بفضل ما يتمتعن به من بشرة نضرة، وشعر أسود كثيف، عبارات المجاملة على مستوى العالم، وأصبحن يتبخترن على منصات عروض الأزياء مرتديات ملابس من تصميم كبرى العلامات التجارية، وباتت صورهن تظهر على أغلفة بعض المجلات العالمية الشهيرة.
تعد بوجا مور، البالغة من العمر 25 عاماً، واحدة من هدايا الهند إلى عالم عرض الأزياء الغربي، وهي اليوم واحدة من ألمع الأسماء بلا منازع في عالم الموضة والأزياء على المستوى الدولي. وقد ارتبط اسم بوجا، التي يسعى الكثيرون وراءها اليوم، بكثير من مشاهير المصممين مثل فيكتوريا بيكام، وديريك لام، وتوري بيرش، وكالفن كلاين. لا عجب إذن أن تختارها مجلة الشباب والأزياء والثقافة «ديزد أند كونفيوزد»، والتي مقرها في لندن، لتكون من بين أهم عشرة وجوه جديدة لعام 2016.
- لم تكن مهمة سهلة
ما من شك أن الغرب لم يتقبل عارضات الأزياء الهنديات على الفور، بل مرّ على العارضات الهنديات وقت كانت دوائر الموضة والأزياء العالمية تنظر إليهن فيه على أنهن دخيلات على المجال، حيث كنّ غير مطابقات لمواصفات المظهر «الموحد»، الذي يتوقعه المرء دائماً من عارضات الأزياء في الغرب، وذلك بسبب بشرتهن الخمرية، وأجسامهن الممتلئة قليلا مقارنة بأكثر العارضات الأخريات.
حققت بعض عارضات الأزياء الهنديات، مثل أوجوالا روت، وبادما لاكشمي، ولاكشمي مينون، في نهاية حقبة التسعينات وبداية الألفية الثانية نجاحاً على الساحة الدولية، لكن كان عدد العارضات الهنديات على منصة العرض العالمية لا يزال قليلاً جداً. مع ذلك اختلف الوضع كثيراً اليوم.
بحسب نونيتا كالرا، رئيسة تحرير مجلة «هاربرز بازار إنديا»، أصبحت معايير الجمال العالمية أكثر شمولا اليوم، حيث توضح قائلة: «لم يعد من الضروري أن تكون الفتاة شقراء ذات عينين زرقاوين أو أنثوية المظهر، فقد تكون من أي مكان في العالم، وتحقق نجاحاً. نحصل اليوم بفضل الإنترنت على المعلومات ذاتها، ونرتدي ملابسنا بشكل معين يجعلها تبدو وكأنها زي رسمي موحد». وتضيف أن ذلك لا يعني أن وجود الهنديات أصبح هو النمط السائد. في الوقت الذي تجاوز فيه المصممون البارزون التوجه العرقي فيما يتعلق بمسألة الجمال، لم تفعل العلامات التجارية ذلك، حتى عندما أصبحت الهند جزءاً من أسواقها العالمية. وتقول كالرا: «لن ترى «زارا» أو «إتش أند إم» تستعينان بعارضات أزياء هنديات. لا يزال الأمر مقتصراً على منصة العرض».
- النجاح
كانت بهوميكا أرورا، الفتاة القادمة من بلدة كارنال الصغيرة في الهند، والتي تعد اليوم واحدة من أهم عارضات الأزياء على مستوى العالم، مجرد فتاة تعتقد أنها قبيحة. وكان أول عرض تشارك فيه للمصمم البلجيكي الشهير ديريس فان نوتن. أصبحت بهوميكا اليوم تعرض أزياء لكبرى دور الأزياء ومنها «بالمان»، و«إيرميس»، و«شانيل»، وتصدرت صورتها غلاف الإصدار البريطاني من مجلة «غراتسيا» خلال شهر فبراير (شباط) . لقد حققت نجاحاً كبيراً اليوم جعلها بعيدة المنال بالنسبة إلى المصممين الهنود.
على الجانب الآخر، حلقت راديكا نير، ببشرتها الخمرية وحاجبيها العريضين، وقوامها المذهل، بعيداً عن الهند لتنضم إلى مجموعة متنوعة من عارضات الأزياء اللاتي سيتعاونّ مع دار الأزياء الفرنسية «فيتمو». وقد ظهرت كواحدة من الأكثر شهرة، وأصبحت أول هندية تسير على منصة لعرض أزياء دار «بالنسياغا». كذلك اختتمت ديبتي شارما، البالغة من العمر 22 عاماً، عرض ربيع / صيف 2018 خلال أسبوع الموضة في باريس. ما يجمع بين العارضات الهنديات هو أصلهن، فالكثيرات منهن تنتمي إلى بلدات صغيرة من الهند، وكانت باريس، وميلانو، ونيويورك، ولندن وجهات بعيدة تماماً عنهن، كذلك لم تكن أي منهن ترى نفسها جميلة.
ودائما ما تساعد جدائل أورفاشي أومراو السوداء، وجمالها الشاعري هذه الفتاة في مواصلة نجاحها في مجال عرض الأزياء. لقد كانت مجرد فتاة جامعية تتجول في مهرجان الجامعة عندما رأتها غونيتا ستوب، عارضة أزياء معتزلة من لاتفيا، وجعلت وكالة «أنيما كريتيف مانجمنت» في مومباي تتواصل مع زوجها، عارض الأزياء الأسترالي مارك لوبيوريك عام 2008.
تقول ناتاشا راماشاندران، البالغة من العمر 26 عاماً، إنها تحب كل مهمة قامت بها، لكنها تشير إلى مقالات في «هاربرز بازار»، و«غراتسيا»، و«غلامور»، إلى جانب حملات دعائية خاصة بمنتجات الشعر والتجميل التي قامت بها لصالح شركتي «أفيدا» و«لوريال»، هي المفضلة بالنسبة إليها. لقد سارت على المنصة لتعرض أزياء من تصميم «زيمرمان»، و«بالمر هاردينغ»، و«إيمليو دي لا مورينا»، و«ميشا نونو».
بالمثل اقتحمت راسيكا نافار الساحة الدولية لعالم الأزياء عبر بوابة حملات دعائية لمواد تجميل لصالح كل من «سماشبوكس وورلد وايك كوزماتيكس»، و«سيفورا كندا»، و«غيفنشي»، و«ميبيلين»، ومقالات في إصدار كازخستان من مجلة «هاربرز بازار»، وكل من مجلة «كيك»، ومجلة «لوك»، وإصدار المملكة المتحدة من مجلة «كوزموبوليتان». وتعد هذه الفتاة ذات الستة وعشرين عاماً اليوم واحدة من أشهر عارضات الأزياء الواعدات الهنديات على مستوى العالم. تقول راسيكا: «أتلقى ردود فعل مختلفة؛ على سبيل المثال يعبر أشخاص عن حبهم للهند، ويقول البعض تعليقات تشير إلى أن الفتيات الهنديات هنّ الأجمل على مستوى العالم».
على الجانب الآخر، في الوقت الذي لا يزال فيه الطريق أمام عارضات الأزياء الهنديات طويلا، تمكنت الفتاة السمراء من الحصول على مكان لها تحت شمس نيويورك، وفي المساء ترتدي سترة جلدية سوداء وقميص أبيض، بحيث لا تعد «غريبة» عن مدينة نيويورك؛ ولم تعد شخصاً غير مألوف على جسر بروكلين، أو في ميدان تايمز سكوير، أو في ذلك المكتب المريح الجذاب في المدينة. ويتم الاحتفاء اليوم بكومال غاجار، البالغة من العمر 19 عاماً، كثاني أهم عارضة إلى جانب كيارا، البالغة من العمر 18 عاماً، والتي جاءت من بلدة هندية صغيرة، وفازت خلال تجارب الأداء في أسبوع «لاكمي» للموضة، واختارتها شركة «أي إم جي موديلز» لتكون الفائزة بعقد مع شركة «أي إم جي موديلز وورلد وايد»، التي تضم فروعاً في باريس، وميلانو، ولندن، وسيدني، التي سوف تمثلها لمدة عامين. واتصلت شركة «أي إم جي موديلز وورلد وايد»، التي تمثل عارضات أزياء بارزات، مثل جيجي حديد، وبيلا حديد، وكارلي كلوس، وبكومال خلال شهر فبراير من العام الحالي.
على الجانب الآخر، تقول مونيكا توماس: «لا زلت أتعجب مما يحدث حولي، لكنني مررت بأروع التجارب». وكانت أول مشاركة دولية لها على منصة عرض خلال أسبوع الموضة في نيويورك لخريف 2016 لصالح دار (زاك بوزين)، وتمثلها حالياً شركة (ويلهلمينا إجينسي) المرموقة في لندن، وعرضت أزياء من تصميم «نيكولاس كيه»، و«كيارا بوني»، و«توم» خلال أسبوع الموضة في نيويورك لصيف وربيع 2017. وظهرت في الإصدار الهندي من مجلة «فوغ» ثماني مرات، وكانت صورتها غلاف الإصدار الهندي من مجلة «إيل»، ومجلة «هاربرز بازار».
- التفرد إلى جانب السوق
«يمثل وجود عارضات الأزياء الهنديات بفضل تفرد مظهرهن بشرى تنبيء بحدوث تغير في الهند وفي أماكن أخرى. قد لا يكنّ الأطول أو الأجمل من المنظور التقليدي، لكنهن يقدرن ثقافتهن ويحتفين بتفردهن وسماتهن غير التقليدية، وشخصياتهن المحببة التي تعد مختلفة كثيراً عن الشخصيات المتماثلة لعارضات الأزياء من الجيل السابق التي تتسم بالتكلف والتصنع. الأهم من ذلك هو أنهن يمثلن الدولة التي ستصبح أكبر مستهلك غداً على حد قول نيكيل مانساتا المدير الإبداعي ومنسق الأزياء. يشير التحول من ناحية الطلب إلى شعور جديد بالحماس تجاه جمال غير تقليدي، وكذلك إلى تزايد قوة الاختلاف. ويضيف مانساتا قائلا: «تحظى هؤلاء العارضات بتقدير يتجاوز الجمال الظاهري، وذلك بفضل تفرد مظهرهن، وقصصهن الشخصية المثيرة للاهتمام». كذلك أشار إلى ما قالته يوهانا أولسون، مديرة في «أي إم جي» في باريس، وهو أنها تعتقد أن الفتيات الهنديات يتمتعن بمظهر متفرد، مع لمسة أنثوية طفيفة، تنضح جمالا وقوة، وهو ما يروق لها كمديرة. بالنظر إلى تنوع المهام التي قامت بها العارضات الهنديات من الواضح أن مجال الموضة والأزياء على مستوى العالم اليوم بات يرحب بالعارضات الملونات، لكن يُعزى بزوغ نجم العارضات الهنديات، أي كان مكانهن، إلى تزايد القوة الشرائية لمستهلكي الموضة والمنتجات الفاخرة من الهنود.
يقول ديفيد أبراهام مصمم بارز في الهند لدى «أبراهام أند ثاكور»: «تغير نمط الجمال في عالم الموضة اليوم يسمح اليوم بوجود عدد أكبر من الهنديات والأقليات من خارج العرق الأبيض. لا يتعلق هذا الأمر بالأخلاق بقدر ما يتعلق بالقوة الشرائية للفئة الجديدة المنضمة إلى العالم. في النهاية ستصبح الهند واحدة من أكبر الأسواق الاستهلاكية في العالم، لذا سوف يحتاجون إلى جذب منفقي الروبيات الهندية والتودد إليهم».
على الجانب الآخر، يقول دارشان ميهتا، الرئيس التنفيذي لشركة «ريلاينس براندز»: «بحسب أحدث تقديراتنا، يقدّر حجم السوق الهندي للمنتجات الفاخرة بنحو 18.3 مليار دولار، وهو ينمو بمعدل سنوي مركب قدره 25 في المائة تقريباً». كذلك دخلت الكثير من متاجر التجزئة الأجنبية، التي تعمل في مجال الموضة والأزياء، السوق الهندية خلال الأعوام القليلة الماضي.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».