أوباما يرفض «التدخل» في مسألة قضائية تتعلق بـ«بي إن بي باريبا» الفرنسي

باريس: غرامة على البنك قد تؤثر على محادثات التجارة بين أميركا وأوروبا

أحد فروع بنك «بي إن بي باريبا» في باريس (أ.ب)
أحد فروع بنك «بي إن بي باريبا» في باريس (أ.ب)
TT

أوباما يرفض «التدخل» في مسألة قضائية تتعلق بـ«بي إن بي باريبا» الفرنسي

أحد فروع بنك «بي إن بي باريبا» في باريس (أ.ب)
أحد فروع بنك «بي إن بي باريبا» في باريس (أ.ب)

أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، أمس، في بروكسل، في ختام قمة مجموعة السبع، أنه لا يريد التدخل في قضية بنك «بي إن بي باريبا»، لأنه «لا يتدخل» في شؤون القضاء في بلاده.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فردا على سؤال حول العقوبات التي يمكن أن يفرضها القضاء الأميركي على البنك الفرنسي، والتي وصفها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بأنها «غير متكافئة على الإطلاق»، أجاب أوباما بأن «التقليد في الولايات المتحدة هو أن الرئيس لا يتدخل في شؤون القضاء».
وصرح الرئيس الفرنسي، أمس، في مؤتمر صحافي في بروكسل: «لقد سبق أن أعربت عن رأيي قائلا إن فرنسا تحترم الإجراءات المرعية في الولايات المتحدة، لكن يتعين أن يكون هناك تكافؤ واعتبارات أبعد من إثبات الوقائع».
وإثر اتهامه بمخالفة الحصار الأميركي عبر قيامه بعمليات مصرفية بالدولار، مع دول مثل إيران والسودان، يواجه «بي إن بي باريبا» عقوبة تقضي بدفع غرامة قياسية قد تقارب عشرة مليارات دولار، بحسب الصحافة الأميركية، إضافة إلى تعليق مؤقت لبعض أنشطته.
وتخشى السلطات الفرنسية أن تؤثر هذه العقوبات على قدرة البنك على توزيع قروض، وأعلنت أن الملف قد يثير سابقة لمصارف أخرى في أوروبا، ويؤدي إلى زعزعة منطقة اليورو.
ومع إشارته إلى أن «العلاقات بين الولايات المتحدة وفرنسا لم تكن أبدا أقوى مما هي عليه»، أعرب أوباما أيضا عن «قلقه» حيال بيع فرنسا سفنا حربية من طراز «ميسترال» إلى روسيا في أوج الأزمة الأوكرانية. وقال: «كان من الأفضل تعليق صفقة البيع هذه».
وقد حذرت فرنسا، أمس، من أن الضريبة الأميركية التي يحتمل فرضها على «بي إن بي باريبا»، أكبر بنوكها، قد تؤثر على المحادثات الجارية بين الاتحاد الأوروبي وواشنطن، بخصوص اتفاق رئيس للتجارة عبر الأطلسي.
وقال وزير المالية الفرنسي ميشال سابان، لصحيفة «لوموند»، في مقابلة أمس: «يجب علينا جميعا أن نحترم استقلال القضاء احتراما كاملا. لكننا أيضا شركاء بيننا علاقة ثقة، ويجب أن لا تهتز هذه الثقة». وأضاف: «ذلك قد يؤثر على المحادثات الجارية الخاصة باتفاقية التجارة الحرة».
وذكر سابان أيضا أن عددا من موظفي «بي إن بي باريبا» المشاركين في المعاملات التي شملها التحقيق الأميركي فصلوا من وظائفهم.
وتتدخل فرنسا على أعلى مستويات الدولة في سعي إلى تخفيض الغرامة القياسية التي قد تفرض على بنك «بي إن بي باريبا». لكن هامش مناورتها ضئيل أمام القضاء الأميركي، الذي يدافع بشراسة عن استقلاليته.
وصرح المسؤول السابق في وزارة العدل الأميركية ديفيد أولمان لوكالة الصحافة الفرنسية بأنه «ليس مرجحا أن يكون لتدخل الرئيس الفرنسي أي أثر على نتيجة تحقيق جزائي في الولايات المتحدة».
«ففي الولايات المتحدة يعد تدخل القادة السياسيين في القضاء في غير محله»، بحسب الأستاذ في جامعة ميتشيغان. واتخذ الرئيس الفرنسي موقفا حازما حيال المسألة، أول من أمس (الأربعاء)، مؤكدا أنه سيتحادث مباشرة مع نظيره الأميركي باراك أوباما بهذا الخصوص، مساء أمس (الخميس)، في عشاء في مطعم باريسي. ووصلت القضية القضائية البحتة إلى المجال الدبلوماسي، حيث يهدد القضاء الأميركي البنك الفرنسي القوي بغرامة قياسية، بسبب تجاوزه الحظر الأميركي المفروض على السودان وإيران وكوبا.
وفي حال تأكدت قيمة الغرامة، التي أفادت الصحف بأنها تبلغ عشرة مليارات دولار، فستكون «ذات طابع غير متناسق» بحسب الرئيس الفرنسي. وأكد وزير خارجيته لوران فابيوس أن بلاده ستدافع بكل ما أوتيت من قوة عن مصرفها الأكبر على صعيد الرسملة، متحدثا حتى عن اتفاق للتبادل الحر عبر الأطلسي يجري التفاوض عليه.
وعلق المدعي العام الفيدرالي السابق صامويل بيويل بالقول إن «الوضع غير معهود بالكامل.. من النادر جدا رؤية حكومة تنتقد حكومة أخرى على تحرك قضائي ضد شركة».
وتابع الأستاذ في جامعة ديوك أنه «من سخرية القدر» أن الفرنسيين كانوا أول «من انتقد الحكومة الأميركية على عدم قسوتها إزاء المصارف الأميركية» بعد الأزمة المالية. وفيما حكم على بنك «كريديه سويس» في أواخر مايو (أيار) بتسديد غرامة بقيمة 6.2 مليار دولار في قضية تهرب ضريبي، أكد وزير العدل الأميركي اريك هولدر أنه لا مصرف «فوق القوانين» مهما كان حجمه، مرحبا «بإقرار أضخم مصرف بذنبه في غضون 20 عاما».
هذا التصريح يحمل وزير العدل على انتزاع إقرار بالذنب من «باريبا»، بحسب كورنيليوس هورلي أستاذ القانون في جامعة بوسطن.
والتحقيق الذي فتحته وكالة الضبط المصرفي في نيويورك بات بين يدي المدعي الفيدرالي في نيويورك سايروس فانس الذي كان المسؤول كذلك في قضية دومينيك ستروس - كان.
وصرح هورلي بأن «إدارة أوباما في وضع صعب؛ إن بدلت موقفها (لصالح باريبا) فستوحي بأنها تتراجع».
وأضاف أن «وزير العدل يفي بوعوده مع مصارف أجنبية، وليس مع مصارف أميركية»، مضيفا أن «الرئيس هولاند لن يفوت فرصة طرح السؤال المشروع على أوباما، ومفاده إن كانت بلاده تكيل بمكيالين».
«عندما تكون للملاحقات القضائية تبعات جيوسياسية واقتصادية، من المبرر تماما أن يتدخل رئيس دولة»، بحسب المحامي جيكوب فرنكل. وتابع: «إذا كانت الحكومة الفرنسية بصدد تفكيك مؤسسة أميركية مهمة فيمكنكم التأكد من أن الحكومة الأميركية ستتدخل».
وتابع المسؤول السابق في وزارة العدل الأميركية: «هناك كثير من الضغينة حول العالم إزاء الولايات المتحدة، التي تنصب نفسها مأمور شرطة دوليا».
وأضاف أن «فرض غرامة بمليارات ومليارات الدولارات من مؤسسة مالية كبرى يوجه رسالة فظيعة إلى العالم، حول كيف أصبحت مؤسسات الضبط الأميركية عدائية وغير مرحبة».
منذ نحو 20 عاما، انتهت أغلبية الملاحقات الجزائية التي استهدفت مؤسسات أو مصارف باتفاق حبي نتج عن مفاوضات شاقة أحيانا. لكن «السياسة لم تكن حيزا من الآلية»، بحسب ألمان.
وأضاف هورلي: «إننا فخورون من استقلالية مؤسساتنا للضبط المصرفي ومدعينا العامين.. وسيكون أمرا صادما، وغير معتاد على الإطلاق، أن يرفع الرئيس أوباما سماعته ليحاول التأثير على إريك هولدر».
وفيما لا يزال هولاند ينفي أنه سيتدخل في العملية القضائية، طلب وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أول من أمس (الأربعاء)، حلا «عادلا» و«مناسبا».
في حال فشل المفاوضات فستجري المحاكمة «ومعها تبعات كارثية هائلة على صيت (بي أن بي باريبا)»، بحسب هورلي.



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.