جنوب لبنان صندوق بريد لطهران... ورسائل بالجملة خلال أيام

مصدر لـ «الشرق الأوسط» : فيديو الخزعلي سُرب عن قصد

TT

جنوب لبنان صندوق بريد لطهران... ورسائل بالجملة خلال أيام

تحولت الحدود الجنوبية للبنان في الأيام الماضية إلى ما يشبه صندوق بريد، وجهت من خلاله طهران الرسالة تلو الأخرى لأطراف متعددة، مع تسريب فيديوهات تظهر تمدد «الحشد الشعبي» العراقي إلى الأراضي اللبنانية، بالتزامن مع إعلان أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، عودة «القدس وفلسطين أولوية اهتمام محور المقاومة».
ويبدو أن المحور الذي تقوده إيران قرر استباق انطلاق العملية السياسية في سوريا بعد انتهاء العمليات العسكرية ضد «داعش» في العراق وسوريا على حد سواء، بمحاولته إعادة التصويب على القضية الفلسطينية، سعيا منه لإعطاء دور جديد لأذرعه في المنطقة، وأبرزها «الحشد الشعبي» و«حزب الله».
وكانت أولى الرسائل المباشرة التي وجهتها طهران، تسريب فيديو للأمين العام لـ«عصائب أهل الحق» العراقية، قيس الخزعلي، نهاية الأسبوع الماضي، خلال جولة له على الحدود اللبنانية الجنوبية، تلاه انتشار فيديو آخر لعناصر من تنظيم «سرايا السلام» العراقية، يرابطون في المنطقة عينها.
وأمس تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي لقطات لشبان يحملون صورا لقاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني، في منطقة قالوا إنها فاصلة بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتنصلت مصادر في قوى «8 آذار» مقربة من «حزب الله» من فيديو «سرايا السلام»، وكشفت لـ«الشرق الأوسط» أنّه قد تم تسريب فيديو الخزعلي عن قصد، مؤكدة أنه دخل لبنان بجواز سفر عراقي وبتأشيرة نظامية. أما الرسالة التي أريد إيصالها من جولة الخزعلي على الحدود اللبنانية الجنوبية فهي «التذكير بخطاب سابق للسيد نصر الله، وتأكيد أن أي حرب مقبلة مع إسرائيل سيشارك فيها المحور بكليته، ولن تقتصر على فصيل معين»، على حد تعبير المصادر.
وكان نصر الله قد أعلن في يوم القدس العالمي في يونيو (حزيران) الماضي، أن أي حرب مستقبلية تشنها إسرائيل ضد سوريا أو لبنان، يمكن أن تجذب آلاف المقاتلين من جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي. وقد تقصد في إطلالته الأخيرة أول من أمس الاثنين، التشديد على أنه يتحدث باسم «كل محور المقاومة»، بدعوته «جميع فصائل المقاومة في المنطقة، وكل الذين يؤمنون بالمقاومة، للتواصل والتلاقي لوضع استراتيجية موحدة للمواجهة، وخطة ميدانية وعملانية متكاملة، تتوزع فيها الأدوار، وتتكامل الجهود، في المواجهة الكبرى المرتقبة مع إسرائيل».
وتهزأ المصادر لدى سؤالها عن مصير القرار الحكومي اللبناني الأخير، المتعلق بموضوع النأي بالنفس، قائلة: «أي نأي بالنفس حين نتحدث عن إسرائيل؟ مخطئ جدا من يعتقد أن الحدود ستكون مقفلة في أي مواجهة مقبلة مع العدو. المحور كله سيقاتل، والحرب لن تنتهي إلا مع نهاية إسرائيل».
ويعتبر رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري – إنيجما» رياض قهوجي، أن «الرسالة الأبرز التي تريد طهران توجيهها من خلال الفيديوهات المسربة أخيرا من الجنوب اللبناني لعناصر ومسؤولين بـ(الحشد الشعبي)، هي لإسرائيل، ومفادها أن كل العناصر المقاتلين في هذا المحور باتوا على حدودها الشمالية، انطلاقا من الجولان وصولا إلى الجنوب اللبناني»، لافتا إلى أنه «رغم محاولة إسرائيل حصر المواجهة الراهنة مع المحور الإيراني بالساحة السورية، من خلال حصر غاراتها في سوريا، فإن إيران أرادت أن توضح أن ساحة المواجهة تمتد من سوريا إلى لبنان».
ويرى قهوجي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «طهران تحاول حاليا استغلال القرار الأميركي الأخير بشأن القدس إلى أقصى حدود، من خلال تصوير المحور الذي تتزعمه كأنه الوحيد الجاهز لمناصرة الشعب الفلسطيني ومحاربة إسرائيل، والقول إن الدول العربية منهمكة بأمور أخرى أو متواطئة»، ويضيف: «كل ما يقومون به اليوم عمليات دعائية هدفها إعلامي، يسعون من خلالها إلى رفع معنويات جماهيرهم، ومحاولة التأثير على الجماهير العربية والإسلامية الأخرى، وهي عمليات وخطوات ذات مفاعيل تكتيكية آنية تصب لمصلحة (حزب الله) والمحور الذي ينتمي إليه في الفترة الراهنة، لكن على المدى البعيد قد تنقلب عليه».
ويرجح قهوجي أن تكون إسرائيل «باشرت تجميع الفيديوهات التي تم تسريبها أخيرا، لاستغلالها في أي حرب مقبلة ضد (حزب الله) ولبنان»، لافتا إلى أنه «إذا كانت الحرب حاليا مستبعدة طالما إسرائيل منشغلة بتأمين تأييد دولي لإعلان القدس عاصمة لها، وأميركا منهمكة بملف كوريا الشمالية، فإن الظروف قد تتغير في المرحلة المقبلة، وسيكون بين يدي إسرائيل مادة دسمة تعتمد عليها لشن حرب على لبنان».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.