إقليم كردستان يقاطع احتفالات بغداد

العبادي وحد الأحزاب الكردية بتجاهله لدور البيشمركة

TT

إقليم كردستان يقاطع احتفالات بغداد

للمرة الثانية في أقل من أسبوع وجهت وزارة البيشمركة الكردية انتقاداتٍ شديدةَ اللهجة لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بسبب تصريحات عدتها الوزارة «لا مسؤولة» تجاه إقليم كردستان وقوات البيشمركة، في وقت قاطعت فيه جميع الكتل الكردية في مجلس النواب العراقي والفعاليات السياسية الكردية الموجودة في بغداد احتفالات النصر العراقي على «داعش».
وكان العبادي أشاد في خطاب النصر الذي ألقاه أول من أمس بدور وشجاعة القوات العراقية من الجيش والحشد الشعبي والشرطة الاتحادية وقوات مكافحة الإرهاب والقوات الأمنية والجوية في التصدي لمقاتلي «داعش»، لكنه لم يذكر قوات البيشمركة الكردية التي قامت بدور مميز في المعارك على كثير من جبهات القتال ضد هذا التنظيم، حسب وزارة البيشمركة التي أصدرت بياناً بهذا الصدد. وقال البيان: «من المؤسف أن السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء الاتحادي لم يتطرق البتة إلى دور قوات البيشمركة»، و«أثبت بذلك أنه فشل في طرح نفسه رئيسَ وزراء للعراقيين جميعاً».
واستطرد البيان: «لولا دور بيشمركة كردستان لكانت نصف أراضي العراق ما زالت تحت سيطرة (داعش)».
إلى ذلك، قاطعت الكتل الكردستانية في مجلس النواب العراقي الاحتفالات الضخمة التي نظمتها الحكومة الاتحادية، أمس، عبر استعراض عسكري كبير في ساحة الاحتفالات الكبرى. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» قال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني وعضو البرلمان العراقي السابق شوان طه إن «ما صدر عن العبادي من عدم ذكر البيشمركة ودورها الفاعل في مواجهة الإرهاب لم يكن مجرد سهو مثلما تشير بعض الأوساط المقربة منه، بل عملية مقصودة ومؤسفة جداً، لأن العبادي يُفتَرَض فيه أنه رئيس وزراء كل العراق والبيشمركة جزء من المنظومة العسكرية العراقية».
في السياق نفسه، عبّرت عضو البرلمان العراقي عن كتلة التغيير الكردية سروة عبد الواحد لـ«الشرق الأوسط» عن استغرابها من عدم الإشارة إلى البيشمركة في خطاب العبادي قائلة إن «تضحيات البيشمركة لم تكن قليلة لكي يتجاهلها أو يتناساها العبادي، وأنه لولا وقوفها إلى جنب القوات العراقية في مواجهة (داعش) لما تحقق النصر».
بدوره، كشف آريز عبد الله، رئيس كتلة الاتحاد الوطني وعضوه القيادي أنه تلقى دعوة رسمية من مكتب العبادي لحضور الاحتفالات التي نظمتها الحكومة، وأنه قبل تلك الدعوة. واستدرك قائلاً: «حين سمعت خطاب السيد العبادي، ووجدت بأنه لم يتطرق إلى دور البيشمركة وتضحياتهم الجسيمة في الحرب ضد (داعش)، انتابني القلق بسبب ذلك، ولذلك قررت مقاطعة الاحتفال احتجاجاً على هذا الموقف».
ورغم أن الحكومة الاتحادية أعلنت أمس عطلة رسمية في جميع أنحاء العراق ابتهاجاً بالنصر على «داعش»، فإن حكومة إقليم كردستان رفضت تعطيل الدوائر واستمر الدوام المعتاد في دوائرها احتجاجاً على موقف رئيس الوزراء العراقي.
ورغم الأفراح التي عمت المدن العراقية، خصوصاً بغداد، فإن الاختلافات السياسية لم تغِب عن لحظة «التتويج بالنصر»، خصوصاً فيما بين أقطاب «حزب الدعوة» الحاكم، حيث رصد المراقبون، من خلال البيانات التي أصدرها حزب الدعوة، ورئيس الوزراء العبادي، وزعيم الحزب نوري المالكي، كل على حدة، بشأن نهاية الحرب ضد «داعش»، الخلاف «المضمر» بين أقطاب حزب الدعوة حتى في القضايا العامة ذات الطابع الوطني.
فبخلاف العبادي الإشارة إلى دور قوات البيشمركة في الحرب، أثنى بيان «حزب الدعوة» بزعامة المالكي، الذي ينتمي إليه العبادي على دور «قوات البيشمركة» إلى جانبه إشادته بالأدوار التي اضطلعت بها في المعركة «قيادات ومراتب القوات المسلحة العراقية في الجيش العراقي والشرطة وقوات مكافحة الإرهاب والحشد الشعبي والعشائر العربية الغيورة».
وفي حين هنأ بيان «حزب الدعوة» مرجعية النجف والقائد العام حيدر العبادي بما سماه «الانتصار التاريخي»، وأشار أولاً إلى دور الجيش العراقي في المعركة وألحق به بقية القوات، ومنها «الحشد الشعبي»، هَنّأ بيان المالكي مرجعية النجف بالنصر، وأشار بشكل عام إلى الحكومة العراقية، وقدم «الحشد الشعبي» على بقية القوات العسكرية التي اشتركت في الحرب ضد «داعش».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».