العراق في عصره الذهبي من خلال عدسة المصور لطيف العاني

عندما كان في الخامسة عشرة تلقى الطفل لطيف العاني أول كاميرا في حياته أهداها له أخوه، بعد أن لاحظ اهتمام الصبي بالتصوير ومرابطته عند مصور يهودي في شارع المتنبي في بغداد. العام كان 1947، وفيه انطلق المصور الشاب العاني في استخدام كاميرته الجديدة، وهي من طراز كوداك، مصورا كل مظاهر الحياة في العراق. ذكر في حديث مع تمارا جلبي التي أسست مؤسسة «رؤيا» المهتمة بالفنون في العراق، نشر على موقع المؤسسة، أن أولى لقطاته كانت للنخيل والوجوه والناس. وبعدها تدرب على يد بريطاني في مجلة «أهل النفط» يدعى جاك بيرسيفال، وانطلق بعدها العاني ليمارس هوايته في تصوير مظاهر الحياة في بلده العراق، مسجلا من خلال كم هائل من الصور الحياة في بغداد كما كانت ولم تعد.
وتقيم مؤسسة رؤيا هذا الشهر معرضا لأعمال لطيف العاني يستضيفه غاليري «كونينغسبي» بلندن يستمر حتى 16 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، يضم أكثر من خمسين صورة بعدسة العاني تؤرخ علاقته مع الكاميرا منذ الخمسينات من القرن الماضي وحتى السبعينات. ويعتبر العاني «أبو التصوير الفوتوغرافي في العراق»، وتسجل صوره ملفا فريدا يرصد حياة العراقيين في منتصف القرن العشرين.
بالنظر للصور المعروضة تبدو بغداد هادئة وجميلة كعادة المدن العربية الرئيسية في الخمسينات، الشوارع النظيفة والسيارات القليلة تجول بها، لا زحام خانق ولا مظاهر عشوائية، فقط شعب متحضر يحب الحياة نراه من خلال ابتسامات طالبات في مدرسة العقيدة الثانوية ببغداد أثناء حصة الألعاب الرياضية، نراها أيضا في لقطات جميلة لشارع الرشيد وشارع أبو نواس.
نعرف أن العاني كان أول من التقط الصور الجوية في العراق، نرى منها في المعرض لقطة جوية لمسجد مرجان ومحيطه، ولميدان التحرير، كما التقط الصور لمعالم أثرية عراقية مثل بابل وقطيسفون. شملت صوره مظاهر الحياة الحديثة في بغداد في تلك الفترة مثل القطارات والجسور إلى جانب تصويره الأطفال والسياح والجنود. تعكس تلك اللقطات اهتمام المصور بالعمارة والآثار وفي الحياة.
في حديثه مع جلبي يشير العاني لتلك المرحلة بقوله: «من الجو، رأيت أشياء مختلفة بطريقة مختلفة. (...) كانت الألوان مختلفة. رأيت التناقض أكثر وضوحا بين القبيح والجميل. كل شيء كان مكشوفا. ولا شيء يمكن إخفاؤه». يرد على سؤال عما سيراه عبر عدسته من العالم الآن (المقابلة أجريت في عام 2015) بجملة حزينة: «لا أظنني أستطيع تصوير أي شيء اليوم. لا شيء جميل. الجمال ليس فقط في المنظر؛ إنه يتعلق أيضا بالتعامل مع الناس في الشارع».
ولم تقتصر صور العاني على العراق؛ فقد سافر لعرض أعماله في دول عربية وفي أوروبا وأميركا، ويضم المعرض صورا التقطها في برلين في عام 1965، ويشير في مقابلته إلى أن الصور التي التقطها في ضواحي دمشق عام 1955، حيث كان في مهمة في سوريا لحساب شركة النفط العراقية.
توقف العاني عن التصوير في الثمانينات بسبب سوء النظام السياسي القائم وقتها. ولكنه عاد لدائرة الضوء مرة أخرى في عام 2015 عندما عرضت في جناح العراق ببينالي البندقية في معرض بعنوان «الجمال الخفي»، وقتها نال المصور الرائد تقديرا دوليا كبيرا يليق به.