موقع «نيت أبورتيه»... يتصدى للمنافسة بخدمات وتطبيقات متطورة

كان اللقاء مع أليسون لوهنيز، رئيسة أشهر موقعي تسوق في العالم «نيت أبورتيه» ومستر بورتر» في مقرهما الرئيسي في الطابق العلوي من مجمع التسوق «ويستفيلد» بمنطقة «شيبرد بوش».
وصلت إلى المكان قبل الوقت بربع ساعة تقريباً لأن سُمعتها تسبقها، بأنها، مثل ساعة سويسرية، دقيقة في مواعيدها. لم تكن لدي أدنى مشكلة أن أنتظر، فقد كنت أستمتع بما يشبه عرض أزياء عارضاته فتيات في عمر الزهور يتنقلن ما بين الأقسام في أزياء تعكس شخصية كل واحدة منهن. فهناك من كانت تلبس فستانا طويلا من الموسلين مع جاكيت من الجلد، ومن كانت تلبس بنطلون جينز ممزقا مع كنزة صوفية سميكة بحجم كبير وهلم جرا.
على الساعة الحادية عشرة بالتمام، فتحت أليسون لوهنيز باب مكتبها مؤكدة لي ما سمعته عنها من احترام للوقت. عرفت بنفسها وابتسامة واسعة تعلو محياها، لتسألني عن آخر مرة زُرت فيها المقر. كان ذلك منذ أكثر من ثلاث سنوات، أي قبل أن تتسلم المشعل من مؤسسة الموقع ناتالي ماسيني، ولحد الآن لا أعرف ما إذا كانت ابتسامتها أم نظرتها المُشجعة هي التي جعلتني أتبرع بالقول إن هناك تغييرا ملموسا في المكان. لم يعد باردا ومنظما بشكل مبالغ فيه، فقد اكتسب نوعا من الفوضى الإيجابية، تظهر في تراكم مجلات موضة على مكاتب العاملات. تضحك وهي توافقني الرأي بأن أشياء كثيرة تغيرت منذ آخر زيارة لي، فـ«ثلاث سنوات فترة طويلة جدا في عالمنا» حسب قولها. وتابعت أن التغيير طبيعي، بل هو أهم عنصر في مجال الموضة عموما والتسوق الإلكتروني خصوصا.
تسلمت أليسون لوهنيز رئاسة أهم موقع تسوق للمنتجات المترفة في العالم منذ ثلاث سنوات فقط، لكن علاقتها بالموقع تمتد إلى عشر سنوات. فقد التحقت به في عام 2007 وعملت حتى عام 2015 خلف الكواليس. ترأست أقساما مهمة مثل التسويق والعلاقات العامة والتسوق الخاص الأمر الذي يجعلها تعرف كل صغيرة وكبيرة فيه.
تدرجها الوظيفي الصاروخي إلى القمة يؤكد أنها امرأة غير عادية. فرغم أنها درست الفن أساسا إلا أن قدرتها على تطويع الأرقام والحسابات وإدارة فريق عمل ضخم وكأنه ثكنة عسكرية يشهد على هذا.
ولدت في مانهاتن لأم تركت مهنة التعليم لتعمل في مجال الإعلانات وأب كان يعمل في مجال الموضة. درست تاريخ الفن في جامعة براون، لكنها اكتشفت بعد التخرج أن اختراق مجال الفن مهمة صعبة كما أنه لا يُسمن ويُغني من جوع، لأنه لم يكن منتعشا في ذلك الوقت، لهذا تسللت بخفة إلى عالم الموضة. تدرجت في عدة وظائف مستغلة إلمامها بمجال الإعلانات، إذ عملت مع «ساتشي أند ساتشي»، التي تقول عنها إنها كانت تجربة ممتعة ومفيدة في الوقت ذاته، لأنها قدمتها إلى العمل الإداري لأول مرة. بعدها تدرجت في وظائف أخرى قبل أن تلتحق بمجموعة «إل في آم آش» و«توماس بينك». كل هذه التجارب مهدت لدخولها موقع «نيت أبورتيه» في عام 2007. لم يكن عالما غريبا عليها، كما لم يكن إيقاعه المتسارع صعبا عليها. فقد استطاعت أن تواكبه بسهولة بما في ذلك التكنولوجيا.
اهتمامها بهذا الجانب كان واضحا، إلى حد أنها كانت هي من بادرت بفتح الموضوع عن مدى أهمية التكنولوجيا في الحياة المعاصرة، وكيف تتطور بشكل يومي. تُؤكد أن من لا يملك مفاتيحها يتخلف عن الركب، لهذا كان لا بد لها من تطويعها لصالح الزبون حتى تحافظ عليه، وفي الوقت نفسه تحافظ على مكانة الموقع كأهم موقع تسوق للمنتجات المترفة. «معانقتنا للتكنولوجيا لم يكن على أساس أنها موضة العصر أو أنها نزوة عابرة بل هي نتاج دراسة وافية لزبونتنا وأسلوبها في التسوق، توصلنا من خلالها إلى توفير تجربة ممتعة لها». تقول إن ما كشفته الدراسة أن نسبة عالية من نشاطات هذه الزبونة تتم عبر الآيفون. فالهاتف الآن يعتبر رفيقا لا تستغني عنه في كل مكان أو زمان «إلى حد القول إنها تستعمله لزيارة الموقع وهي تنتظر سائقها الخاص أو هي في القطار، لهذا فإن التطبيق الذي وفرناه على الآيفون يجعل كل هذا ممكنا وسهلا».
بعد ربع ساعة تقريبا من الحديث المفصل عن دور التكنولوجيا وكيف تم توظيفها لمصلحة كل من زبونة «نيت أبورتيه» وزبون «مستر بورتر»، تتدارك قائلة: «أنا لست خبيرة تكنولوجيا، لكني محظوظة لأنه لدي فريق متخصص في هذا المجال، بينما يتمحور دوري في دراسة ميول الزبون من خلالها حتى نقدم له ما يطلبه، خصوصا أنه يتواجد في كل أنحاء العالم، وينتمي إلى ثقافات مختلفة، سواء كان رجلا أم امرأة».
من تابع ولادة الموقع منذ 17 سنة تقريبا، يتذكر الشكوك التي رافقت انطلاقته. لم يكن أحد يتصور أن يغير ثقافة التسوق بهذا الحجم، ويجتاح العالم فيما يمكن وصفه بالثورة. الآن ورغم أنه لا يزال رائدا وفي المركز الأول، فإن مواقع أخرى دخلت على الخط. تنافسه وتطمح لأخذ نصيبها من الكعكة. هذه المنافسة تحفز لوهنيز أكثر مما تُقلقها، لأن المشكلة لا تكمن في المنافسة بقدر ما تكمن في الحفاظ على ولاء الزبائن في عالم متغير. «أحاول تذكير فريق العمل دائما بأن الزبون لا يعرف أو يتذكر، وربما لا يهتم بمن كان الأول. إنه زبون يعيش اللحظة ويسعى لمن يوفر له الخيارات الأفضل والخدمة الأسهل».
هذا لا يعني أنها لا تتابع السوق لتعرف من هم منافسوها، كل ما في الأمر أن أولويتها تتلخص في تقديم خدمة مميزة «وضرورة الإبقاء على ولاء زبوناتنا بتوفير خدمة متكاملة وليس مجرد منتجات للبيع وآخر صيحات موضة». هذه الخدمة تتمثل في توفير معلومات مُفصلة عن كل قطعة، بدءا من نوعية قماشها إلى كيفية تنسيقها والاستفادة منها بأشكال متنوعة من خلال صور تُلتقط من كل الزوايا وأشرطة فيديو مصورة وتفاعل مع خبراء أزياء عبر الهاتف أو الإيميل.
الآن أصبح الموقع أكبر محل مفتوح في العالم يستقبل الملايين من الزبائن سنويا. فـ«نيت أبورتيه» مثلا يضم ما لا يقل عن 650 ماركة، بينما يضم «مستر بورتر» الموجه للرجل 400 ماركة، وفي كل موسم تتغير المنتجات لتلبي تلهف الزبائن للجديد. هذا النجاح والثقة التي أصبح الموقع يحظى بها، شجعا أيضا صناع الساعات والمجوهرات الرفيعة على الالتحاق به، مثل «بوتشيلاتي» و«شوبار» و«تيفاني» و«كارتييه» وغيرها من البيوت التي كان من الصعب تصور تواجدها في موقع إلكتروني منذ بضع سنوات فقط. فشراء قطعة مجوهرات تقدر بمئات الآلاف من الدولارات، تُحركه العاطفة ويحتاج إلى كل الحواس، لكنها بالنسبة للوهنيز تطور طبيعي تفرضه ثقافة العصر. «شراء المجوهرات الرفيعة لا يختلف عن شراء الأزياء، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن فستانا من (دولتشي آند غابانا) قد يكون أغلى من سوار من الذهب من (بياجيه) مثلا».
ومع ذلك لا تختلف بأن زبونة المجوهرات الرفيعة تعودت طويلا على اقتنائها من محلات وأسماء تثق فيها، وبأن جذبها للشراء من الموقع من دون لمسها وتجربتها كان تحديا كبيرا. تقول: «كان لا بد أن نبحث عن طريقة مبتكرة تُغريها بالشراء من الموقع، وتُعوضها عن اللمس والتجربة. واكتشفنا أننا يمكن أن ننجح في ذلك إذا استعرضنا لها جمالياتها بالصور وبوضعها في إطار أنيق وبأبعاد ثلاثية. قدمنا لها أيضا اقتراحات من خبراء أزياء ومجوهرات عن كيف يمكنها أن تنسقها بشكل يُبرز أناقتها أكثر.
بعبارة أخرى لم نطرحها على أنها مجرد ساعة أو أقراط أذن أو قلادة غالية تُحفظ في صناديق للاستعمال في مناسبات خاصة، بل اقترحناها كأسلوب حياة، سواء لزبائن أثرياء يعرفون هذه الماركات ويثقون فيها أو لزبائن جدد يكتشفونها لأول مرة». أرقام المبيعات تؤكد أنها كانت استراتيجية ناجحة، والدليل أن ساعة من «كارتييه» بيعت بـ140.000 يورو عبر الآيفون.
كلما تطور الحديث بيننا شعرت وزادت قناعتي بأني أمام امرأة لا تعترف بالصعوبات. فهي أم وزوجة وقائدة وسيدة أعمال وسيدة مجتمع بحكم مركزها الذي يتطلب منها حضور عدة فعاليات، ومع ذلك تبدو متحكمة في زمام الأمور. فهناك دائما وقت كاف تخصصه لأبنائها وزوجها حتى لا يكون نجاحها المهني على حساب حياتها الخاصة.
اللافت أن الأمر بسيط وطبيعي لا يحتاج إلى كل هذا الإعجاب أو الاستغراب. فقد شبت في أسرة تُقدر عمل المرأة خارج البيت وتعتبره بديهيا «فمنذ طفولتي وأنا أرى والدتي تخرج للعمل، من دون أن تشعرني يوما بأنها مقصرة في حق أسرتها».
بيد أنها تعترف بأن كونها منظمة جداً لعب دورا كبيرا في توصلها لتحقيق توازنها الخاص، «أنا لا أقوم بأي خطوة من دون قائمة أعمال أحدد فيها كل خطوة سأقوم بها خلال اليوم حتى أنجز كل ما يتطلبه عملي مني، بينما أخصص ما تبقى لي من الوقت لأولادي». وتتابع بابتسامة تريد أن تقول من خلالها إني أفهم ما تقصده: «طبعا هذا يأتي على حساب أشياء أخرى مثل قضاء أوقات مع الأصدقاء والسهر معهم، ومع ذلك لا أشعر بأني مقصرة في هذه الناحية بحكم ما يتطلبه عملي من حضور حفلات وفعاليات اجتماعية كثيرة». على هذه النغمة أنهت المقابلة لتؤكد لي ما سمعته عنها بأن الوقت بالنسبة لها فعلا من ذهب وأن كل دقيقة وثانية لها حساباتها.