حارة ضيقة ملتوية تزدحم بالمارة على مدار اليوم، فيما يزيد من حالة الصخب الموجودة بالمنطقة، صوت تلاميذ المدرسة الملاصقة للبيوت الأثرية الإسلامية القديمة، لكن مبنى وكالة «بازرعة» الأثري، ذا الطراز المعماري الفريد، يُطل من بين ثنايا حارة «التمبكشية»، بمنطقة الجمالية (وسط القاهرة)، وقد زينته المشربيات الخشبية الفريدة بواجهة المبنى.
تشتهر هذه الوكالة التاريخية أيضاً باسم «وكالة الكيخيا»، نسبة إلى حسن كتخدا، الملقب بـ«الكيخيا»، وتعد من أشهر الوكالات الأثرية، التي بنيت في مصر في فترة الحكم العثماني، في القرن الحادي عشر الهجري، وكانت معدة لبيع الأخشاب. وظلت معروفة بهذا الاسم حتى أواخر القرن التاسع عشر، حين اشتراها محمد بازرعة، وهو تاجر من أصل حضرمي (يمني). فأطلق عليها اسم «وكالة بازرعة» وخصصها لبيع الصابون النابلسي والبن اليمني.
وأخيراً أسند قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار المصرية، مشروع دراسة تحويل الوكالة، إلى فندق سياحي أثري، أسوة بقصر السلاملك بالإسكندرية، وذلك لأحد المكاتب الاستشارية المتخصصة، تمهيداً لتنفيذ المشروع بشكل رسمي، بعد مطالبات كثيرة من قبل المتخصصين والمهتمين بالآثار الإسلامية في مصر.
«الشرق الأوسط» زارت الوكالة بحي الجمالية العريق، ورصدت مواطن الجمال بهذا المبنى الأثري الفريد، الذي كان معداً من قبل لغرض التجارة والإقامة. وتستقبل الوكالة يومياً عشرات الزائرين المحليين والأجانب، رغم ابتعادها قليلاً عن مجمع الآثار، الخاص بالسلطان الناصر بن قلاوون الذي يتوسط شارع المعز لدين الله الفاطمي.
وطبقاً لنمط البناء الذي كان سائداً في العصر المملوكي، تم بناء هذه الوكالة، بحيث تتركز كل العناصر التجارية والمعيشية حول صحن مستطيل الشكل، ومكشوف من أعلى، وتتكون الوكالة من جزأين؛ الأول تجاري، ويضم حواصل تنتظم حول الصحن بالطابقين الأرضي والأول، بالإضافة إلى المحلات التجارية التي تطل على الواجهة الرئيسية للوكالة في شارع التمبكشية بالطابق الأرضي. ويقضي زائر الوكالة وقتاً رائعاً بالصحن المكشوف، حيث يتاح له الاستمتاع بالمشربيات والنوافذ الخشبية والزخارف أينما التفت.
أما الجزء الثاني من الوكالة، فهو جناح سكني يتكون من طابقين؛ (الثالث والرابع)، وتتكون كل وحدة سكنية من طابق أول فيه مدخل ودورة مياه ومطبخ صغير، فيما توجد قاعة الاستقبال والمعيشة في الطابق الثاني من الوحدة، يتم الصعود إليها من خلال سلم داخلي، وهذا يعني أن أجنحة الإقامة مكونة من طابقين. وتطل جميعها على الصحن المكشوف.
يقول محمد عبد العزيز، مدير عام مشروع القاهرة التاريخية، ومعاون الوزير لشؤون الآثار الإسلامية والقبطية، لـ«الشرق الأوسط»: «قمنا بطرح مشروع تحويل الوكالة لفندق سياحي تاريخي إلى أحد المكاتب الاستشارية المتخصصة، ويجري حالياً إعداد دراسات شاملة للمشروع الكبير الذي سيحقق أرباحاً كبيرة للدولة في حال تنفيذه».
وأضاف: «الوكالات التاريخية تم بناؤها في الأساس لغرضين مهمين؛ الأول هو التجارة في الطوابق الأرضية، والغرض الثاني هو الإقامة في الطوابق العليا، وما سنقوم به هو في المستقبل القريب بمثابة إعادة إحياء، وتوظيف هذه الوكالة التاريخية العريقة». ولفت إلى أن منطقة الجمالية منطقة تاريخية تتميز بوجود كثير من الآثار الإسلامية الفريدة، ولا يوجد بها سوى فندق سياحي وحيد، وسعره مرتفع جداً، ويطل على شارع المعز لدين الله الفاطمي، مشيراً إلى أهمية استغلال هذه المنشأة العظيمة وتحويلها لفندق سياحي، مثلما كانت منذ عدة قرون.
في السياق نفسه، يوجد للوكالة مدخلان؛ الأول رئيسي، يؤدي إلى فناء الوكالة، والثاني مدخل خاص بالوحدات السكنية العلوية، ولا يتصل بالصحن. إذ يُصعد من خلاله إلى الأدوار السكنية مباشرة وفي ذلك مراعاة للخصوصية، وفصل حركة التجارة عن حركة النزلاء. ويقع المدخلان على واجهة الوكالة الشمالية، أما بقية واجهات الوكالة فملاصقة لمبانٍ مجاورة.
ووفقاً للأثريين المهتمين بمنطقة الجمالية الأثرية، فإن أهم ما يميز الواجهة الرئيسية للوكالة هو كتلة المدخل، التي يبلغ اتساعها نحو 5.5 متر، ويتوجها عقد «نصف دائري» مكون من قوالب حجرية. ويتصدر كتلة المدخل فتحة تضم الباب الرئيسي المكون من ضلفتين (درفتين) خشبيتين سميكتين خاليتين من الزخارف. ويحيط بكتلة المدخل، نوع من الزخرفة انتشر في العصر المملوكي والعثماني باستخدام حرف «الميم» بطريقة هندسية، وهنا نجدها وقد شكلت ميمات سداسية، وفقاً لتوثيق المفتشين الأثريين العاملين بقطاع الآثار الإسلامية.
فيما يبلغ طول صحن الوكالة 27.65 متر وعرضه 10.75 متر، أما جدرانه الأربعة فعبارة عن باكيات، كل باكية مكونة من صفين من العقود، يعلو كل منهما الآخر، وتحمل هذه الباكيات، دعامات حجرية مربعة تمثل واجهة الممر، الذي يتقدم الحواصل الموجودة بالصحن بالطابق الأرضي والأول. ويوجد فوق حواصل الدور الأول رفرف خشبي مزخرف في واجهته بزخارف نباتية. وهذا الزخرف محمول على كوابيل خشبية.
إلى ذلك، فإن الأجزاء السكنية وملحقاتها، تطل على الصحن عن طريق نوافذ مغلقة، من خلال شباك حجاب أو مشربيات خشبية من الخشب (الخرط)، التي تحملها مجموعة من الحوامل الخشبية. وقد استخدمت الأحجار القوية في بناء الدور الأرضي والأولى للوكالة حوائط حاملة، أما باقي الوكالة فبني من الطوب الأحمر أو «القرميد الأحمر». وغطي بطبقة من الجير (الكلس). كما استعمل في واجهة الوكالة وواجهة الطابق الأرضي والأول من الداخل التشكيل اللوني (المشهر)، وهو استخدام اللونين الأصفر والأسود في طلاء الحجر، وهو نوع من الزخرفة استخدم منذ بداية العصر المملوكي.
ويشار إلى أنه تم إجراء أعمال صيانة وترميم للوكالة، استغرقت 3 سنوات بداية من عام 2002، وتكلفت نحو 5 ملايين جنيه. وتقرر تحويلها إلى مركز دولي للحرف التقليدية والفنية. وتضمنت أعمال الصيانة ترميماً معمارياً دقيقاً للجدران والحوائط. وشمل تنظيف جميع الأخشاب «الأرابيسك» من مشربيات ونوافذ وأبواب، ودهنها بمواد تحافظ على طبيعة الخشب، ولا تؤثر في طبيعته الأثرية، مع تغيير بلاط الأرضيات التي تآكلت بفعل الزمن، وتزويد الوكالة بنظام إنارة حديث.
7:57 دقيقة
مصر تدرس تحويل {وكالة بازرعة» في الجمالية إلى فندق تاريخي
https://aawsat.com/home/article/1103416/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%AA%D8%AF%D8%B1%D8%B3-%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%8A%D9%84-%D9%88%D9%83%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D8%B2%D8%B1%D8%B9%D8%A9%C2%BB-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%81%D9%86%D8%AF%D9%82-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A
مصر تدرس تحويل {وكالة بازرعة» في الجمالية إلى فندق تاريخي
بنيت في العهد العثماني وتحولت في القرن الـ19 إلى سوق لبيع الصابون والبن
- القاهرة: عبد الفتاح فرج
- القاهرة: عبد الفتاح فرج
مصر تدرس تحويل {وكالة بازرعة» في الجمالية إلى فندق تاريخي
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة