تختلف طرق توزيع الصحف عبر بائعي الجرائد أو التطبيقات الإلكترونية، مطبوعة أو رقمية، فإن القارئ يسعى لجريدة معينة، إما لمتابعة حدث ما أو لقراءة تحليل كاتب معين عبر مقاله الأسبوعي أو اليومي.
وقد ارتبطت الصحافة منذ مولدها بأسماء كبار الكتاب، من الأدباء والسياسيين الذين حققوا موثوقية لدى القراء، ولا تزال حتى الآن الصحف العربية أو الغربية تحقق مبيعاتها اعتماداً على أنها تستكتب كتاباً ارتبط القراء بأسلوبهم الشيق، أو تحليلهم العميق للأحداث السياسية، أو تعبيراتهم المنمقة وأفكارهم الفلسفية.
«الشرق الأوسط» تستطلع أراء عدد من الكتاب ورؤساء التحرير والأكاديميين حول أيهما أكثر جذباً للقراء، هل هو الكاتب واسمه أم الأخبار وفنون العمل الصحافي الأخرى؟ وهل يصنع اسم الكتاب موثوقية وسمعة للجريدة؟
الكاتب الصحافي صلاح عيسى، الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة سابقاً أحد أبرز كتاب العمود الصحافي في عدد من الجرائد اليومية والثقافية، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن أن نحكم على أيهما أكثر جاذبية للقراء سوى بالإحصائيات، ولكن بشكل عام ما زال كتاب الأعمدة الصحافية على اختلاف مجالات كتاباتهم يجذبون آلاف القراء. وفي فترة من الفترات، كانت الصحف المصرية توزع باسم الكتاب، كما كانت الصحف المصرية الثلاث توزع فقط بسبب المقالات الخاصة بالرياضة، وهناك فترة أخرى كانت الحوادث والجرائم متصدرة اهتمام القراء».
ويشير عيسى إلى أن «الصحافة مبنية على أنها مطبوعة تشبع احتياجات عدد كبير من القراء، وكل قارئ في النهاية ينتهي لتفضيل قسم بعينه أو كاتب بعينه، وهكذا».
أما عن مدى اعتماد الصحيفة على أسماء كتاب بعينهم لتحقق موثوقية للقراء فيها، قال عيسى مستنداً إلى رؤية تحليلية: «إذا نظرنا للصفحات الأولى في الجرائد المصرية، سنجد إشارات إلى أسماء الكتاب الذين يكتبون فيها»، ويؤكد أن «هناك انطباعاً لدى الموزعين بأن الأخبار لم تعد تجذب القراء لأن لها مصادر أخرى، وبالتالي القارئ لا يشترى الصحيفة من أجل الأخبار، بل للاطلاع على مقالات الرأي، وفي أغلب الصحف العربية اليوم سنجد 3 صفحات أو صفحتان لمقالات الرأي، فضلاً عن أعمدة صحافية لكتاب ثابتين ومتغيرين».
ويلفت عيسى النظر إلى أن هناك ظاهرة في عالم الصحافة بدأت منذ 20 عاماً، سماها «الكتاب العابرين للحدود»، ألا وهي المقال الصحافي لكاتب ما الذي ينتشر في أكثر من دولة حول العالم، وتنشره أكثر من صحيفة نقلاً عن خدمة صحافية مترجمة، أو حتى باللغة نفسها، لأهمية ما فيه من تحليل للأحداث».
ويخلُص عيسى إلى أن «صحافة الرأي جاذبة، بينما صحافة الخبر في تدهور بسبب ثورة الاتصالات، وهو ما يؤكده الخبراء الإعلاميون والأكاديميون حول العالم».
في حين يذهب الكاتب عزت إبراهيم، رئيس تحرير «الأهرام ويكلي»، إلى أنه «في الصحافة الغربية، يتجه القارئ لحزمة متكاملة من الأخبار والمقالات، كالتي تقدمها (نيويورك تايمز) أو (واشنطن بوست). وتلك الصحف خلقت ارتباطاً بينها وبين القارئ، أولاً لمصداقيتها، وثانياً لنضج قارئها وذائقته».
ويشير إبراهيم إلى أنه على الرغم من أن الصحافة «بشكل عام تتطور، وأصبحت تقيس اتجاهات القراء، ومدى انجذابهم لمواد أو مقالات معينة عبر استطلاعات دورية، فإن الصحف العربية عموماً لا تزال تراوح مكانها، وتقدم مواد خبرية أعيد نشرها في اليوم السابق، فلم تتمكن الصحف إلى الآن من الخروج من هذا المأزق، وبات القليل من الصحف هو الذي يقدم تحليلاً معمقاً لقضية أو رؤية تحليلية لأحداث سياسية، في ظل اختفاء الكتاب الكبار الذين يتشوق القراء لمقالاتهم، مثل: أنيس منصور ومصطفى محمود وعبد الوهاب مطاوع وغيرهم، وهو أمر يسارع في تقليص وهج الصحافة».
ويؤكد إبراهيم: «في الأهرام ويكلي، نعتمد على المقالات التحليلية لأنها جريدة أسبوعية، لذا نعتمد على تقديم القصص الخبرية مع تحليلات وتحقيقات اجتماعية وجدنا أنها تشبع اهتمامات القراء المتقنين للإنجليزية، وحتى غيرهم، بعد أن أصبحت الترجمة عبر (غوغل) أمراً متاحاً للجميع».
ويضيف: «صناعة كتاب جدد مسؤولية الصحافة المكتوبة، في ظل الفوضى التي صنعتها المدونات الإلكترونية، ووجود آلاف من الكتاب الذين قد نجح بعضهم في تحقيق اسماً لامعاً يتابعه القراء. إن الصحف يجب أن تطور نفسها لأن ما يقدم على المواقع لا يغطي الفنون الصحافية».
ويرى الكاتب الصحافي أيمن الصياد أن «الصحافة خبر، لكن الخبر لم يعد في عالم اليوم أو في هذا العصر أداة الصحيفة المطبوعة الأولى، ولم يعد المتلقي يعتمد على الصحيفة المطبوعة في الحصول على الأخبار، بل ربما هي الآن آخر وسائل الإخبار. ولهذا أصبح المقال والكاتب هو الذي يميز هذه الصحيفة أو تلك، ويجذب القراء لهذه الصحيفة أو تلك».
ويضيف شارحاً وجهة نظره: «المقال المطول التحليلي هو سلاح صحافة اليوم المطبوعة، واسم الكاتب مرتبط بما يكتب، وعليه نقول إن المقال ومصداقيته، وعمق ما يتناوله من تحليل، وموضوعية الكاتب وقدرته على أن ينأى بنفسه عن الاستقطاب، هو الذي يصنع للمقال فرادته، وللكاتب اسمه، وللجريدة سمعتها وقراءها».
ويتفق مع الآراء السابقة د. عادل عبد الغفار، أستاذ الإعلام عميد كلية الإعلام بجامعة بني سويف، ويقول: «هناك تغير كبير في عادات الاتصال وتلقي الأخبار عبر وسائط متعددة، فلم تعد الأخبار عنصراً جاذباً لشراء الصحيفة، بل نجد أن انجذاب القراء لكتاب بعينهم يرجع إلى شهرة الكاتب، وهو الأمر الذي تحاول عدة صحف توظيفه لجذب القراء، كذلك معالجة الكتاب لقضايا الشارع، وطرح حلول، يجعل مقالات الرأي أكثر مقروئية، لأن المواطن لم يعد يتلقى الأخبار، بل يصنعها ويغطيها ويعبر عن رأيه فيها أيضاً على شبكات التواصل الاجتماعي».
«لسنا في عصر نجوم الصحافة»، هكذا لخصت دكتورة ليلى عبد المجيد، أستاذة الإعلام عميدة كلية إعلام القاهرة، رأيها، مختلفة مع الرأي القائل إن أسماء الكتاب هي ما يجذب القراء لصحف بعينها، قائلة: «انتهى عصر كبار الكتاب، أمثال هيكل ومصطفى أمين وصلاح حافظ وأحمد بهاء الدين وأنيس منصور؛ كان كل كاتب منهم له فرادته وسماته وثقافته الموسوعية، بل كان باعة الصحف ينادون على الجرائد باسم: مقال العقاد، وطه حسين، أو يوسف إدريس، وغيرهم. أما الآن، فلم نعد نجد هذه الظاهرة في عالم الصحافة المصرية تحديداً، والعربية عامة». وتشير إلى أن القراء أصبحوا يتابعون الصحف للموضوعات الجيدة التي تطرحها وتعالجها، و«الرهان بات على المادة الصحافية ودقتها أكثر من اسم الكاتب».
7:57 دقيقة
الكاتب أم الأخبار... أيهما يجذب القراء؟
https://aawsat.com/home/article/1102281/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%AA%D8%A8-%D8%A3%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A3%D9%8A%D9%87%D9%85%D8%A7-%D9%8A%D8%AC%D8%B0%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%9F
الكاتب أم الأخبار... أيهما يجذب القراء؟
- القاهرة: داليا عاصم
- القاهرة: داليا عاصم
الكاتب أم الأخبار... أيهما يجذب القراء؟
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة