«ستروماي» يستقطب أكثر من 180 ألف متفرج في مهرجان «موازين»

الفنان البلجيكي عَدَّ أن العزلة ملجؤه لتفادي السقوط في وهم الشهرة

النجم البلجيكي «ستروماي» خلال الحفل بالرباط (تصوير: مصطفى حبيس)
النجم البلجيكي «ستروماي» خلال الحفل بالرباط (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

«ستروماي» يستقطب أكثر من 180 ألف متفرج في مهرجان «موازين»

النجم البلجيكي «ستروماي» خلال الحفل بالرباط (تصوير: مصطفى حبيس)
النجم البلجيكي «ستروماي» خلال الحفل بالرباط (تصوير: مصطفى حبيس)

أشعل الفنان البلجيكي «ستروماي» منصة مهرجان «موازين الدولي لإيقاعات العالم» في رابع أيامه بعرض هز جنبات المسرح المخصص للعروض الأجنبية، أمام جمهور قدر بـ183 ألف متفرج حسب ما أدلت به إدارة المهرجان.
واستقطب المغني البلجيكي جمهورا من نوع خاص، فبالإضافة إلى فئة الشباب والمراهقين حضر الحفل عدد هائل من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 8 و13 سنة رفقة أهاليهم لتعلقهم بأغاني «ستروماي»، خصوصا أغنيته الشهيرة «papaoutai» التي تتحدث عن علاقة الابن بغياب أبيه، وهي قطعة إلكترو ممزوجة بالغيتار الأفريقي ذاع صيتها عبر العالم منذ إصدارها.
وأدى «ستروماي» معظم أغانيه المشهورة مرفوقا برقص متواصل على المسرح ولوحات مسرحية عبرت عن موضوع كل أغنية على حدة، أهمها الأغنية الأشهر والتي كانت انطلاقة «ستروماي» عام 2010 إلى العالمية بعنوان «هيا لنرقص» وهي الأغنية التي لاقت نجاحا كبيرا بأوروبا وكندا والدول الفرانكوفونية وحطمت الأرقام القياسية في عدد المبيعات حيث باعت حوالي ثلاثة ملايين نسخة.
وختم ستروماي الحفل بأغنيتين من ألبوم «راسين كاري»، وهما «فورميدابل» و«بابا أوتي» كل الأرقام القياسية، بالإضافة إلى أغاني «تي كييرو» و«ومول فريت» وغيرها، وهي تتحدث عن الاغتراب والعيش في الحياة الافتراضية وثقافة التغريد التي تسود وسط الشباب ومشكلات الأزواج، والعلاقة بين الشمال والجنوب والتقشف والعنصرية وغيرها من المواضيع الاجتماعية.
وحرص «ستروماي» على إلقاء دعابات بين كل أغنية وأخرى، مخاطبا جمهور الرباط لخلق جو من التشويق حول القطعة الغنائية التالية شدت إليه انتباه الجماهير الغفيرة التي حضرت الحفل طيلة دقائق العرض.
وقال النجم خلال الندوة التي نظمتها دار الفنون بالرباط إن العزلة تشكل ملجأ له لتفادي السقوط في أوهام الشهرة. واعتبر بول فان هافر، المعروف باسم «ستروماي» وهي كلمة مقلوبة بمعنى «المايسترو»، أن الشهرة أمرا «لا إنسانيا»، موضحا أن العزلة تساهم بشكل أساسي في المحافظة على توازنه النفسي من أجل التعبير بصدق عما يختلج في قرارة نفسه.
وشدد المغني، البالغ من العمر 29 سنة، على أن الأعمال الفنية التي ينجزها نابعة بالدرجة الأولى من الرغبة في التعبير عن الذات ووضع الجمهور في المرتبة الثانية، موضحا أن جمالية الموسيقى تتمثل في أنه بمجرد أدائها تصبح ملكا للجميع ومن حق كل شخص تفسيرها كما يحب.
وأوضح النجم الشاب أن الجانب الأخلاقي الملتزم الذي يطبع الأغاني التي ينجزها راجع إلى عدد من المحددات الشخصية والتربية الدينية التي تلقاها، مبرزا أن حادث وفاة والده خلال الإبادة الجماعية التي عرفتها رواندا كان له تأثير بالغ على الأغاني التي يؤديها.
من جهة أخرى، أعرب ستروماي عن انبهاره بضخامة مهرجان «موازين»، واعدا الجمهور المغربي، الذي سبق أن التقاه مرتين في مهرجان الضحك بمراكش، بحفل مميز.
في جانب آخر للمهرجان بالمنصة المخصصة للسهرات العربية احتشد عشرات الآلاف من الشباب، المعجبون بمغني الراي الجزائري الشاب بلال، الذي يلقى شعبية واسعة بين صفوف الشباب المغربي، قدرت إدارة المهرجان عددهم بـ125 ألف متفرج.
ووصف فنان الراي الجزائري، الشاب بلال، مهرجان «موازين.. إيقاعات العالم» بأنه الأفضل على الصعيد العالمي، وقال في لقاء صحافي عقده قبيل إحياء حفله، إن «موازين هو أحسن مهرجان في العالم.. دون مجاملة»، مضيفا أنه لا يعرف مهرجانا يستقطب هذه القائمة الضخمة من نجوم الأغنية العربية والغربية، وهو ما يشكل مصدر سعادة له كفنان عربي.
وعن أسلوبه الغنائي الذي طبع مسيرته الناجحة، أوضح بلال أنه يختار نصوصه من صلب حركة المجتمع وأنماط السلوك الاجتماعي المنتشرة، إذ يهمه أن يركز على ما يراه معيبا في تصرفات الناس وعلاقاتهم مع بعضهم ومحيطهم، وتابع، في السياق ذاته: «أؤمن بأن الفرد بسلوكه وتنشئته يملك مبادرة إحداث التغيير المنشود كي نرقى إلى مستوى غيرنا من المجتمعات المتقدمة».
واعتبر أن ما يميزه عن الصيغ التقليدية المتداولة لفن «الراي» هو تخصصه في تقديم «الراي الاجتماعي»، الذي ينصت إلى تطور المجتمع، مشيرا إلى أن النصوص التقليدية كانت محدودة على هذا الصعيد. أما على مستوى الأسلوب الموسيقي، فأبرز بلال أنه لا يتردد في مزج إيقاعات متنوعة من الشعبي والكناوي وغيرها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».