مخاطرة المرض وكسره... روائياً

طلعت شاهين في «البرتقالة والعقارب»

مخاطرة المرض وكسره... روائياً
TT

مخاطرة المرض وكسره... روائياً

مخاطرة المرض وكسره... روائياً

تثير رواية «البرتقالة والعقارب»، للكاتب المترجم دكتور طلعت شاهين، الصادرة حديثا عن هيئة الكتاب بالقاهرة، مجموعة من القضايا المهمة حول علاقة الإبداع بالمرض، وكيف تصبح كتابة المرض نفسه شكلا من أشكال مقاومته، خاصة إذا كان من نوعية المرض العضال، الذي تتحول معه الحياة إلى مخاطرة، تضيق فيها المسافة بين الوجود والعدم.
تطرح الرواية رحلة مع المرض، مفعمة بالأحلام والذكريات، وهلوسات المخدر والأدوية، ومناخات الطفولة والخوف من العقارب، وفي ظل سيكولوجية مشوشة، شلت الحواس، وعطلت حيوات الجسد، حتى أصبح كالمتاهة، أو على الأقل غريباً عن نفسه.
تبدأ خيوط هذه الرحلة من مصر، حيث تداهم الكاتب حالة مرضية ملتبسة، يقع على إثرها فريسة لتناقضات التشخيص والإهمال وغباء الأطباء، ثم تنتهي بمشفى في إسبانيا يدخله على كرسي متحرك، في خضم مغامرة طبية مريرة أملاً في النجاة من ورم سرطاني بالمخ أصبح في حجم البرتقالة. هنا تبرز وثيقة الجنسية الإسبانية التي يتمتع بها الكاتب، كطوق نجاة أخير في هذه المحنة، فقد عاش أكثر من 35 عاماً في إسبانيا، وحصل من جامعاتها على درجة الدكتوراه، كما ترجم إلى العربية الكثير من الأعمال المهمة، من أدب أميركا اللاتينية.
في المشفى الجامعي الخاص بالتأمين الصحي بمدريد، يواجه البطل الكاتب حقيقة مرضه العضال، الذي يفرض عليه مخاطرة حياة أصبحت معلقة ما بين احتمالين لا ثالث لهما: موت محقق، وآخر محتمل.
مناخ ضار موحش يشد الرواية، ما بين «المونولوج» بإيقاعه الشجي المفعم بالنجوى الداخلية، وبين «الديالوج»، المشدود لدبيب الخارج، وكأنه صدى لانفعالات ومشاعر ورؤى لذات مغيبة، تقف عارية على حافة الوجود والعدم وكأنهما خطوتان في خطوة واحدة... لا تملك الذات الساردة (الكاتب) نفسه، سوى القبول والإذعان لخوض هذه المخاطرة، ليس بدافع الرغبة في الحياة والوجود فحسب، وإنما بدافع آخر، يشبه الذبذبة الداخلية في أعماق النفس، وهو الرغبة في اختبار الذات نفسها، ما بين هذين الاحتمالين المأساويين، احتمال الموت والحياة، إلى حد ممازجة الاثنين أحياناً تحت قشرة الوعي المغيب، وتخيل أن ما يجري مجرد نوع من اللعب معهما، كأن الحياة بكل تناقضاتها، بكل مسراتها وأحزانها، هي اختبار للموت.
يصف الكاتب هذه الحالة بعد أن وقع على وصيته وأوراق المشفى الخاصة بإجراء الجراحة قائلاً: «أخذت الأمر تماماً كما تلقيت تشخيص الدكتور كراسكو بحالتي بأنها خطيرة وأملي في الحياة ضعيف، كما تعاملت مع التشخيص على أنه يخص شخصاً آخر، هو أنا، لكنه أنا الآخر. تعاملت مع الوصية على أنها مجرد إجراء لا بد منه، تماماً كالموت الذي لا بد منه، طال الزمن أو قصر».
على شفا هذه الأمل المراوغ ومحاولةً للهروب منه أو التخفيف من وطأته، تواجه الذات مخاطرة الوجود المعلق في سقف المرض، بفتح دفتر الذكريات، مع الماضي والحاضر، مع الأمكنة والأزمنة والوقائع والأحداث، مع الأصدقاء، ومفارقات المحبة، خاصة علاقة الكاتب مع زوجته الإسبانية وحكاية انفصالهما لعدة سنوات، ثم عودتها له، ووقوفها بجانبه، وشد أزره في هذه المحنة. لكن يظل اللافت في هذا الدفتر استعادة صور الموت عبر المحطات الخطرة، ومصادفة مواجهته عن قرب في مرات كثيرة، منها حرب 1973، التي خاضها الكاتب السارد، حيث كان مجنداً في الجيش الثالث المصري، وكذلك حربه الشخصية الخاصة مع العقارب، وكيف أصبحت «فوبيا» تقض مضجعه في كل مكان. ويذكر واقعة تعرض أخته الصغرى للدغة عقرب، كادت تودي بحياتها، لكنها تشفى على يد تاجر أقمشة مسيحي معروف في سوق القرية ومشهور بالعلاج من لدغات العقارب. في هذه الواقعة وغيرها يتم توسيع مدلولات الرمز، لتحلق في قيم إنسانية، فالتاجر المسيحي، يلقى تعاويذ وكلمات مقدسة من الإنجيل على الأخت المريضة، بينما الأب، يتلو آيات من القرآن الكريم... تصور الرواية هذا المشهد (ص47) على هذا النحو: «المدهش أن أبي حافظ كتاب الله، لم يعترض على دخول الخواجة بهيح بيتنا لعلاج شقيقتي، ولم يعترض على ذكر اسم مريم العذراء، بل إنه آمّن على كلام بهيج مؤكداً بأن حروف الكتب المقدسة فيها جميعا شفاء للناس إن وعوا وأدركوا جيداً. وبينما كان الخواجة بهيج يقدم لشقيقتي الأوراق المكتوبة بأحرف قبطية لتبتلعها، كان أبي يضع يده على رأسها، ويتلو بصوت خفيض وبعينين مغمضتين بعض الآيات القرآنية».
في فضاء الذكريات تختلط مساءلة الموت بمساءلة الذات، ويتحولان في سرير المرض، وتحت نوبات الغياب والإفاقة، إلى مساءلة للوجود برمته، منسابة بلا فواصل أو عقد زمنية، بل بلا تعارضات بين شواغل الجسد والروح... مساءلة شفيفة كأنها معراج صوفي، تعلو فيها طاقة الحلم والخيال إلى أقصى لحظات الشطح والنزق والخرافة. يصورها الكاتب في مناجاة داخلية يعلو فيها إشراق العقل والبصيرة، كأنها تقطير لخبرة الموت والحياة معاً، قائلاً في (ص 23): «عند لحظات الخطر، لا يعرف العقل كيف يفكر، قد يلقي بنفسه في التهلكة، معتقداً أنه لا طريق آخر، مثل أولئك الذين يقذفون بأنفسهم من بناية عالية تحاصرها النيران، لأنهم بين خيار البقاء والموت حرقاً، أو القفز في الهواء والارتطام بالأرض، النتيجة واحدة، موت محقق... بالطبع مع قليل من التفكير يمكن المساواة بين الطريقتين في الموت، وأيضاً تساوي طرق النجاة في كلتا الطريقتين، لكن في مثل تلك اللحظات أنت لا تفكر، بل هناك عقل يفكر، يفكر نيابة عنك، إنه شيء غامض يسمونه «الرغبة في الحياة».
بيد أن هذه الرغبة الحميمة في الحياة، تمتد إلى التفكير بالجسد وحيواته المعطلة فوق سرير مسيّج بحواجز معدنية، حرصاً على سلامته الصحية... لكن من أي نافذة ممكن أن يطل منها الجسد في هذه الحالة على هذه الحيوات. هنا يبلغ هذه النص ذروته الدرامية والفنية، وذلك باللجوء إلى ما يمكن أن أسمية «الحياة الموازية»، التي تتصيدها الذات الساردة، من فوضى ومفارقات الأشياء وحكايات المرضى الذين رافقهم وتعايش معهم بغرفته بالمشفى، فهذه القصص، رغم تنافر عللها المرضية تنعكس على مرآة الذات الساردة، وتبدو كأنها في حالة موازاة لها، أو تماثل معها، بداية من قصة «خوليو ثيسار» أو «يوليوس قيصر» الملياردير المصاب بسرطان خبيث في العمود الفقري، وابنته الصغرى التي تصر على أن تحصل على نصيبها من الميراث والأب حي يرزق. وحكاية «آماليو» المريض بـ«عرق النسا» المزمن، ومشاهد نسائه، ثم مونولوج «خاثنيتو» الليلي الأثير الذي يشكو فيه مظلمته من ظروفه وواقعه إلى الرب والملائكة والأرض والسماء، وكذلك زوجته التي تأتيه في الصباح وتقص عليه بصوت عال كل شاردة وواردة حدثت على مدار اليوم، ومن قابلتهم أيضاً، وكأنها مذيعة نشرة أخبار.
تتحرك هذه القصص ومثيلاتها في مرآة الذات الساردة، وكأنها ظل لأشياء بعيدة ومفتقدة، أشياء تحاول أن تلمسها وتحس بطعمها وروائحها ولذتها من جديد، تماماً مثل أول وجبة طعام يتناولها، وأول دش ساخن ينساب ماؤه على جسده، بعد مرور فترة النقاهة. ورغم أننا يمكن أن نقرأها بمعزل عن كتلة النص الأساسية، إلا أن دسمها السردي والفني يكمن في كونها تنبع من هذه الكتلة، وتشكل تنويعاً لافتاً لأجوائها.
فهكذا، يجر النص الواقع إلى منطقة الخرافة، موسعاً من طاقة الحلم، فتتخيل الذات الساردة كائناً خرافياً له عينان لامعتان، واحدة من ذهب، وأخرى من فضة، يتحرك على الجدار الأبيض، ثم يتلاشى عند انتهاء الجدار بحافة الباب الرمادي، بينما في سقف الغرفة الأبيض تتناثر آلاف الخلايا الضوئية تشبه العيون التي تراقب الذات وتحصي أنفاسها.
هذه المنطقة التي يسودها الهذيان والهلاوس، تؤكد ملمحاً مهماً في هذا النص، خاصة على مستوى تكنيك كتابة المرض إبداعياً، والوعي بمحولاتها الفكرية والنفسية، وهو إدراك الكاتب لما يمكن أن أسميه أيضاً «مخيلة المرض»، وهي مخيلة طارئة، واستثنائية، تعلو دائماً على منطق الحواس واللغة والواقع والوعي، حيث لا منطق للحلم والخرافة سوى الرغبة في كسر الجدار، أياً كانت صورته وطبيعته، بين الروح والجسد، بين الموت والحياة.



الحجار يستعيد وهج «تترات المسلسلات» بالأوبرا المصرية

الفنان علي الحجار وأغانٍ متنوعة في حفل له بالأوبرا (دار الأوبرا المصرية)
الفنان علي الحجار وأغانٍ متنوعة في حفل له بالأوبرا (دار الأوبرا المصرية)
TT

الحجار يستعيد وهج «تترات المسلسلات» بالأوبرا المصرية

الفنان علي الحجار وأغانٍ متنوعة في حفل له بالأوبرا (دار الأوبرا المصرية)
الفنان علي الحجار وأغانٍ متنوعة في حفل له بالأوبرا (دار الأوبرا المصرية)

قدّم الفنان المصري علي الحجار مجموعة من شارات الأعمال الدرامية، التي غنّاها من قبل، في حفل احتضنه المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، الخميس، ليستعيد وهج «تترات المسلسلات» وسط حضور جماهيري حاشد.

واستعاد الفنان خلال الحفل العديد من الأغاني، التي أثّرت في وجدان محبي الدراما والغناء الأصيل، والتي قدّمها عبر مشواره الفني، وجسّدت كثيراً من المعاني والقيم الإنسانية السامية والمثل العليا.

تفاعل الفنان مع الجمهور الذي احتشد في المسرح الكبير، وبصوته المميز وإحساسه الصادق تغنى بمقدمة ونهاية مسلسلات «المال والبنون»، و«أولاد آدم»، و«رحلة السيد أبو العلا البشري»، و«اللقاء الثاني»، و«كناريا»، و«الأيام»، و«السيرة الهلالية».

جانب من حفل علي الحجار بالأوبرا (دار الأوبرا المصرية)

وعدّ الناقد الموسيقي المصري، أحمد السماحي، أن «نجاح حفل علي الحجار بعد تقديمه العديد من تترات المسلسلات يؤكد ريادته لهذا اللون الغنائي». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «نجح علي الحجار وقلة من الأصوات الطربية التي تميزت بجمال الصوت وقوته في هذا النوع، في حين لم يصمد غيره من المطربين في هذا الأمر، فما يقدمه الحجار له طابعه الخاص، لما يمتلكه من إمكانات صوتية عالية، فهو يستطيع تلوين صوته درامياً، وأصبحت الأعمال الدرامية التي قدّم الحجار تتراتها علامة مميزة في تاريخ الدراما المصرية».

وأوضح: «لو تحدثنا علمياً فسنجد أن أهم مزايا صوت علي الحجار هو اتساع مساحته، والميزة الثانية تحدي صوته لقوانين الطبيعة، فهو في نهاية الستينات ويغني بإجادة رائعة وخبرة عظيمة، فما زال صوته يلمع ويمتلئ بالإبداع».

وبدأت مسيرة الحجار الغنائية عام 1977 بأغنية «على قد ما حبينا» من كلمات عبد الرحيم منصور، وألحان بليغ حمدي، وأولى شارات المسلسلات التي قدّمها كانت «تتر مسلسل الأيام» وأغاني المسلسل من كلمات سيد حجاب وألحان عمار الشريعي، كما قدّم العديد من الألبومات الغنائية مثل «متصدقيش» و«مبسوطين» و«لم الشمل» و«مكتوبالي».

علي الحجار قدّم العديد من أغاني تترات المسلسلات (دار الأوبرا المصرية)

ويرى السماحي أن «الشهرة الكبيرة التي يتمتع بها علي الحجار ألقت بعض الظلال على القيمة الحقيقية لصوته، بدلاً من أن تلقي عليها الضوء، فأحياناً أشعر أن معظم الناس من فرط ما أصبح الاستماع إلى صوت الحجار عادة وتقليداً محبباً في حياتنا اليومية، بوسعهم أن يتتبعوا ملامح الجمال في أي صوت جديد، مثلما فعلوا ذلك مع علي الحجار».

موضحاً أن «الحجار صوته أصبح جزءاً من تراثنا الفني، ويستحوذ على المستمع بملكاته وقدراته الكبيرة التي تؤكد ريادة وتفرّد هذا الصوت».

وتضمن حفل الأوبرا العديد من أغاني الحجار القديمة، مثل «يا مصري ليه»، و«عارفة»، وكذلك أغنية «يا أبو الريش»، وأغاني مسلسلات «الشهد والدموع»، و«النديم»، و«وجع البعاد»، و«الرحايا»، و«عمر بن عبد العزيز»، و«جزيرة غمام»، و«الليل وآخره»، وأغنية «بنت وولد» من فيلم «إسكندرية نيويورك»، وأغنية «في هويد الليل» من مسلسل «غوايش»، و«ذئاب الجبل»، و«مسألة مبدأ»، و«بوابة الحلواني».