«كوكب المريخ هو المحطة التالية»، كان هذا هو عنوان الصفحة الرئيسية لصحيفة «ديلي إكسبريس» البريطانية في الثالث عشر من مايو (أيار) عام 1968، وكان مانشستر سيتي قد فاز بلقب الدوري الإنجليزي في ذلك العام، رغم أن الأمر قد استغرق نحو 40 عاما أخرى قبل أن يعود مانشستر سيتي إلى الساحة بقوة ويصفه المدير الفني الأسطوري لمانشستر يونايتد السير أليكس فيرغسون بـ«الجار المزعج». ومن الإنصاف أن نقول إن مانشستر سيتي لم تكن لديه النية في تحقيق لقب الدوري الإنجليزي في هذا العام من دون إحداث حالة من الجدل والإثارة الشديدة.
وقبل المباراة الحاسمة أمام نيوكاسل يونايتد في ذلك العام التي شهدت تتويج مانشستر سيتي بلقب الدوري الإنجليزي، خرج المدير الفني لمانشستر سيتي آنذاك جو ميرسر بتصريحات نارية للصحافين عندما قال إنه كان يتدرب بالفعل على السير إلى المدرج الغربي (ستريتفورد) بملعب «أولد ترافورد» من أجل الحصول على درع الدوري من حامل اللقب مانشستر يونايتد. وقال ميرسر: «سوف أكون سعيدا للغاية بصفة شخصية أن أسير إلى ملعب أولد ترافورد صباح يوم الأحد لكي أحصل على درع الدوري».
وذهب مساعده، مالكولم أليسون، إلى ما هو أبعد من ذلك عندما قال إن فريق مانشستر سيتي سوف «يروع أوروبا حتى الموت» في الموسم التالي. وأضاف: «لا توجد حدود لما يمكن أن يحققه هذا الفريق. سوف نفوز بالكأس الأوروبية. الكرة الأوروبية مليئة بالجبناء، وسوف نرعبهم بقوتنا وكرتنا الهجومية. أعتقد أننا سنكون أول فريق يلعب على سطح كوكب المريخ».
وفي الجولة الأولى للمسابقة الأوروبية تعادل مانشستر سيتي أمام فنربخشه التركي من دون أهداف في المباراة التي أقيمت في مانشستر قبل أن يُهزم في مباراة العودة بهدفين مقابل هدف وحيد، ولم يلعب مانشستر سيتي في مكان أبعد من إسطنبول! ويمكننا أن نتخيل كيف تحول ذلك إلى مثار للسخرية في «أولد ترافورد»، مع الوضع في الاعتبار أن أليسون كان قد اعتاد السير أمام المدرج الغربي (ستريتفورد إند) وهو يشير بأصابعه الخمس في تنبؤه لنتيجة المباراة بين فريقه ومانشستر يونايتد في مباريات الديربي بين الفريقين.
وبعد أيام قليلة من وصوله إلى مانشستر عام 1965، دُعي أليسون إلى حفل عشاء بمناسبة فوز مانشستر يونايتد بلقب الدوري الإنجليزي، وقدمه المدرب مات بيسبي في وسط حديثه إلى الجمهور وقال إنه يتعين على الجميع أن يرحب بأليسون مديرا فنيا بارزا سوف يزيد من حدة المنافسة على لقب الدوري الإنجليزي. ورد أليسون، الذي كان يصغر بيسبي بـ18 عاما، قائلا: «يمكنك المراهنة على ذلك يا صغيري مات!»، في تصريحات مثيرة للجدل أيضا.
في الحقيقة، دائما ما كان التاريخ بين هذين الناديين رائعا، وفي بعض الأحيان مؤسفا، لدرجة أن جميع الأطراف الرئيسية في المعركة الحالية بين الناديين من أجل الهيمنة على كرة القدم الإنجليزية - حتى بما في ذلك المدير الفني لمانشستر يونايتد جوزيه مورينيو، في أمر مثير للدهشة - لا ترغب في أن تُتهم بتعكير صفو السلام بين الناديين. ومع ذلك، هناك سياسة متعمدة الآن في مانشستر سيتي، مفادها بأنه يجب تحقيق الإنجازات أولا ثم يأتي بعد ذلك وقت الحديث عنها، وليس العكس. لقد أدرك الفريق الحالي لمانشستر سيتي أنه لا يتعين على النادي الذي يوجد في القمة أن يصرخ من أجل أن يلاحظه الآخرون، وأنه يجب لفت انتباه الآخرين بكل هدوء عن طريق العمل الجاد بعيدا عن الجدل والمواجهات. ولم تعد هناك حاجة الآن لتعليق لافتات من نوعية «مرحبا بكارلوس تيفيز في مانشستر»، أو الحديث كثيرا كالببغاء عن الصفقات الجديدة أو محاولة إثبات أن مانشستر سيتي لديه العدد الأكبر من الجمهور في المدينة!
في الحقيقة، كان من الحماقة دائما أن تعتقد أن مانشستر يونايتد ليس لديه جمهور بأعداد غفيرة في مدينة مانشستر، في الوقت الذي يعترف فيه جمهور مانشستر سيتي في أعماقهم بحقيقة ذلك. وقد اعتاد إيان نيفن الذي أمضى ثلاثين عاما في مجلس إدارة النادي، أن يقول إنه من بين مائتي شخص في مكتبه لم يعثر إلا على عشرة أشخاص يشجعون مانشستر سيتي!
إنها ليست إحصائيات تتعلق بعلم دقيق، لكن مارك هودكينسون قدم في كتابه الذي صدر عام 1999 بعنوان «القمر الأزرق» مقياسا مختلفا تماما، عندما أشار إلى أن مستشفى الأطفال في مدينة بلاكلي به ملصق لأسطورة مانشستر يونايتد جورج بست في إحدى الطرقات، وصورة للاعب مانشستر سيتي السابق كولن بيل في طرقة أخرى، ويتعين على الأطفال أن تختار ممثل فريقها المفضل. وقال هودكينسون: «ما كان ذات مرة أزرق ثم أحمر ثم أزرق ثم أحمر أصبح الآن أحمر ثم أحمر ثم أزرق ثم أحمر. الأطفال الآن يشجعون مانشستر يونايتد»، في إشارة إلى لون القمصان التي يرتديها مانشستر يونايتد (الأحمر) والتي يرتديها مانشستر سيتي (الأزرق أو السماوي) وسيطرة مانشستر يونايتد على كرة القدم الإنجليزية آنذاك.
لقد تغير مانشستر سيتي الآن وأصبح يركز بصورة كاملة على كرة القدم، ولعل من أبرز إنجازات مانشستر سيتي في حقبة ملاكه الإماراتيين، هو رؤية عدد أكبر من الأطفال وهم يرتدون قمصان مانشستر سيتي ويلعبون بالكرة حول الحدائق المحلية بصورة أكبر مما كان عليه الأمر قبل عشرين أو عشر أو حتى خمس سنوات. لقد ارتفعت أعداد جمهور مانشستر سيتي، وسيظل الأمر كذلك ما دام أعطى النادي الانطباع بأنه يقدم شيئا استثنائيا في عالم كرة القدم.
لم يتوج أي فريق من قبل بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، لكن، ما لم يحدث تغيير في القريب العاجل، فمن المحتمل أن يشهد الموسم الحالي فوز مانشستر سيتي بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز من دون منافسة تذكر من جانب الفرق الأخرى نتيجة الفارق الكبير في المستوى بينه وبين باقي الفرق في جدول الترتيب.
لقد نجح مانشستر سيتي تحت قيادة غوسيب غوارديولا في إحراز 40 هدفا في أول 12 مباراة بالدوري الإنجليزي الممتاز خلال الموسم الحالي، وبهذا المعدل سوف يصل عدد الأهداف التي يحرزها الفريق بنهاية الموسم إلى أكثر من 130 هدفا، ليحطم بذلك جميع الأرقام القياسية. وعلاوة على ذلك، فإن فارق الأهداف بين ما أحرزه وما استقبله مانشستر سيتي قد وصل إلى أكثر من 33 هدفا، وهو ما يتجاوز ما أحرزه أي فريق آخر في جدول المسابقة، كما أنه خاض الآن 25 مباراة متتالية من دون هزيمة أو أكثر من سبعة أشهر في جميع المسابقات. وبعد فوزه على هيدرسفيلد بهدفين مقابل هدف وحيد مساء الأحد أول من أمس، حقق مانشستر سيتي رقما قياسيا جديدا من حيث عدد الأهداف التي أحرزها خارج ملعبه، إذ أحرز حتى الآن 28 هدفا ولم تهتز شباكه سوى بسبعة أهداف.
ويمكن لمحبي تجميع الأرقام والبيانات أن يضيفوا إليهم حقيقة أن عدد تمريرات مانشستر سيتي في الدوري الإنجليزي حتى الآن قد وصل إلى 8 آلاف و708 تمريرات، أي أكثر من التمريرات المجتمعة لأي ناديين من الأندية التالية: نيوكاسل يونايتد وليستر سيتي وبيرنلي وستوك سيتي ووست بروميتش ألبيون. هناك من لا يحب بالطبع الإحصائيات المتعلقة بنسبة الاستحواذ على الكرة، لكن الفلسفة التي يتبعها غوارديولا هي فلسفة رائعة في حقيقة الأمر، حيث تعتمد على الاستحواذ على الكرة في البداية ثم الانقضاض على الخصم، وهو ما يعني أنه ليس استحواذا سلبيا. ومن بين أفضل 10 لاعبين في الإحصائيات المتعلقة بالتمرير الصحيح في الدوري الإنجليزي الممتاز، هناك خمسة لاعبين من فريق مانشستر سيتي الذي يغرد الآن منفردا في صدارة الدوري الإنجليزي الممتاز.
سيكون من الحماقة أن نفترض أن الفرق الأخرى لن تجد نقطة ضعف في مانشستر سيتي، خصوصا في ظل غياب جون ستونز وظهور فينسنت كومباني بمستوى ضعيف طوال الوقت، وحقيقة أنه ما زال يتعين على نيكولاس أوتاميندي أن يتعلم أن أفضل المدافعين لا ينبغي عليهم أن يضعوا أنفسهم على الأرض إذا كان يمكنهم تفادي ذلك.
وفي الوقت نفسه، يتمثل أهم شيء يجب أن نتذكره دائما في أن ما يخطط له مانشستر سيتي يتعدى كثيرا الفترة التي سيغيب عنها ستونز عن الملاعب، ويكفي أن نعرف أن فرق مانشستر سيتي للناشئين تحت 18 عاما و15 عاما و14 عاما وعشر سنوات وتسع سنوات قد فازت جميعها بلقب الدوري الإنجليزي الموسم الماضي. وقد حقق فريق مانشستر سيتي تحت 18 عاما الفوز على مانشستر يونايتد بأربعة أهداف مقابل هدف وحيد يوم السبت الماضي، كما حقق فريق تحت 16 عاما الفوز على مانشستر يونايتد بخمسة أهداف مقابل ثلاثة في مباراة الديربي بين الفريقين. وحتى فريق السيدات بالنادي قد فاز بلقب الدوري الإنجليزي الموسم الماضي ويغرد منفردا في صدارة جدول الترتيب خلال الموسم الحالي. في الحقيقة، يسعى النادي لتكوين إمبراطورية، حتى بعد رحيل غوارديولا عن النادي، وإذا كان هناك شيء لا يرغب النادي في التفكير فيه هو العمل على المدى القصير، حيث يخطط النادي دائما لتنفيذ رؤيته على المدى الطويل.
وكان الحضور الجماهيري في بعض مباريات الفريق على ملعب الاتحاد في إطار مباريات دوري أبطال أوروبا محبطا في بعض الأحيان، لكن في المقابل تُباع جميع تذاكر كل مباريات الفريق في الدوري الإنجليزي الممتاز، كما يجري التخطيط للمرحلة المقبلة لتوسعة ملعب الفريق، كي يحتضن أكثر من 60 ألف متفرج.
ورغم أن سعة الملعب ستكون أقل من سعة «أولد ترافورد» الذي يتسع لـ75.600 ألف متفرج، هناك اختلاف كبير في عقلية الإدارة بين الناديين، ويكفي أن نعرف أن مسؤولي مانشستر يونايتد يفكرون منذ عشر سنوات على الأقل في تطوير ما يطلق عليه الآن اسم «مدرج السير بوبي تشارلتون» ومدى تأثير ذلك على خط السكك الحديدية المجاور. لكن لو كان مسؤولو مانشستر سيتي في هذا الموقف نفسه لكانوا أنجزوا ذلك قبل وقت طويل.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل سيتمكن أي فريق من إيقاف مانشستر سيتي؟ في الحقيقة، لا ينبغي أن يطرح هذا السؤال فيما يتعلق بالموسم الحالي فحسب، ولكن فيما يتعلق بفترة تتراوح بين خمس وعشر سنوات مقبلة سيكون من الصعب خلالها على مانشستر يونايتد وغيره من الفرق أن تنافس مانشستر سيتي. ربما لن يتمكن غوارديولا وغيره من اللعب على كوكب المريخ، لكن من الممكن أن يصلوا إلى مستويات من العظمة والقوة لم يصل إليها غيرهم من قبل!
مانشستر سيتي تجاوز مرحلة المقارنة بجاره العتيد يونايتد
نتائج الفريق الأول بقيادة غوارديولا ومستوى فرق الشباب تعكس حجم خطط ملاك النادي
فيرغسون صنع العصر الذهبي ليونايتد - مانشستر سيتي يحتفل بالتتويج بلقب الدوري موسم 2012 بعد غياب 40 عاماً (أ.ب) - غوارديولا الذي صنع فريقاً مذهلاً لسيتي يحتفل مع ستيرلينغ بالفوز على هيدرسفيلد (رويترز)
مانشستر سيتي تجاوز مرحلة المقارنة بجاره العتيد يونايتد
فيرغسون صنع العصر الذهبي ليونايتد - مانشستر سيتي يحتفل بالتتويج بلقب الدوري موسم 2012 بعد غياب 40 عاماً (أ.ب) - غوارديولا الذي صنع فريقاً مذهلاً لسيتي يحتفل مع ستيرلينغ بالفوز على هيدرسفيلد (رويترز)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

