بوصلة الإرهاب تولِّي وجهها شطر «المدنيين» بالمساجد

بعد فشلهم في استهداف الجيش والشرطة

من داخل مسجد الروضة بعد الهجوم الإرهابي أمس (إ.ب.أ)
من داخل مسجد الروضة بعد الهجوم الإرهابي أمس (إ.ب.أ)
TT

بوصلة الإرهاب تولِّي وجهها شطر «المدنيين» بالمساجد

من داخل مسجد الروضة بعد الهجوم الإرهابي أمس (إ.ب.أ)
من داخل مسجد الروضة بعد الهجوم الإرهابي أمس (إ.ب.أ)

اتجهت بوصلة الإرهاب في مصر ناحية المساجد عقب استهداف مسجد «الروضة» في شمال سيناء، أمس، ومقتل وإصابة العشرات. هذا التغير فجّر سؤالاً حول مغزى استهداف المسجد، خصوصاً أنها المرة الأولى التي يتم فيها استهداف المساجد في مصر (ففي السابق تم استهداف كنائس)، وهل يعني هذا أن تنظيم داعش الذي تشير كل الدلائل إلى أنه المتورط في الاستهداف قد غيّر استراتيجيته لاستهداف المدنيين بدلاً من استهداف الشرطة والجيش والارتكازات مثلما هو معتاد منذ عام 2013؟ بدوره قال الدكتور عبد الحليم منصور، عضو بقائمة المفتين المصرح لهم بالفتوى في مصر، لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن توجه الإرهاب شطر المساجد هو لإحداث «فوضى خلاقة».
وسبق أن استهدف «داعش» كنائس مصر في سلسلة من التفجيرات والحوادث الإرهابية، حيث تم استهداف مقر الكاتدرائية المرقسية في منطقة العباسية بالقاهرة، وكنيستي طنطا والإسكندرية، وتلك الحوادث الثلاث أسفرت عن سقوط العشرات من القتلى الأقباط، الذين لفظوا أنفاسهم الأخيرة داخل دور العبادة، حيث خالطت أصوات الترانيم أصوات الانفجارات.
المسجد المستهدف يقع في قرية الروضة التابعة لمركز بئر العبد، وهو مسجد يرتاده «صوفيون» من أتباع القطب الصوفي السيناوي الشيخ عيد أبو جرير، وهو ما دعا البعض إلى ترديد أن «داعش» يستهدف الصوفيين، خصوصاً بعدما أكد شهود عيان في سيناء أن الإرهابيين حذّروا المصلين من الصلاة في المسجد، بسبب تعاونهم مع الشرطة والجيش في الإبلاغ عنهم؛ لكن الشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، وهي المسؤولة عن المساجد، قال، أمس، إن «مسجد الروضة بالعريش يتبع الوزارة، ولا يتبع الطرق الصوفية».
ونفّذ مسلحو «داعش» جريمة قتل سليمان أبو حراز، أحد أكبر مشايخ الطريقة الصوفية بمحافظة شمال سيناء المصرية، ونشر التنظيم فيديو يظهر إعدامه ذبحاً في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016. ويعد الشيخ الراحل من أكبر الرموز الدينية في شمال سيناء، وكان له تأثير كبير في أوساط القبائل البدوية التي كانت تستمع لعظاته الدينية وسبق تهديده عدة مرات من قبل «داعش».
من جهته، قال الدكتور عبد الهادي القصبي، رئيس لجنة التضامن بمجلس النواب (البرلمان) وشيخ مشايخ الطرق الصوفية في مصر: إن «القضية ليست في استهداف مسجد صوفي، ولكنها استهداف للمصريين بالكامل، وما يحدث لأبناء القوات المسلحة يحدث لأبناء الداخلية وأهل التصوف ويحدث أيضاً لإخواننا الأقباط».
وحذّر شيخ مشايخ الطريقة الصوفية من استخدام مثل تلك الحوادث الإرهابية لاستدراج أي فئة من فئات المجتمع؛ مشدداً على الجميع «أنه لا يوجد مخطط ضد فئة بعينها، ولكن المستهدف الحقيقي هي مصر، ويجب أن نضع أيدينا في أيدي كل المصريين لمواجهة الإرهاب حتى نتخلص منه نهائياً».
من جانبه، قال الدكتور عبد الحليم منصور، عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالدقهلية: «كانت الكنائس هي محط أنظارهم بهدف تفتيت اللُّحمة الوطنية، وإيقاظ الفتنة بين المصريين، ولم يجدِ ذلك نفعاً، وكان استهداف رجال الجيش والشرطة، في شتى أنحاء مصر، ثم تطورت العمليات الإرهابية تطوراً جديداً نحو المسجد، نحو المدنيين، ولعل ذلك فيما يبدو لي يرجع إلى نظرة الإرهابيين إلى غيرهم ممن لا يوالوهم على أنهم من الكفار مستباحي الدم، ومن ثم فجموع المصريين بالنسبة إليهم كفار لأنهم لم يدينوا لهم بالولاء، وهذا يسوغ لهم إرهابهم وقتلهم على النحو الحاصل الآن».
مضيفاً: «فضلاً عن إلقاء مزيد من الرعب والخوف في نفوس المصريين، وإثارة الهلع في نفوس الناس، بهدف الضغط على القيادة السياسية، أو الثورة عليها، أو إسقاط النظام، ليتحقق لهم ما يريدون».
وعن التغيير في استراتيجية عمل «داعش» في سيناء باستهداف المدنيين في المساجد، قال منصور، وهو أستاذ فقه مقارن: «يعني هذا التغير أننا بصدد مواجهة للإرهاب من نوع جديد، فالإرهاب سيولّي وجهه شطر المساجد، والكنائس، والمدنيين، لإحداث حالة من (الفوضى الخلاقة) التي تسود البلاد، وربما هذه خطة بديلة لما كان يحدث من استهداف الجيش والشرطة والذي لم يجدِ نفعاً»، لافتاً إلى أن هذه إحدى الوسائل الجديدة للضغط على الدولة، والضغط على جموع المصريين بهدف إثارة الرعب والخوف وصولاً لإسقاط الدولة، مضيفاً: «يجب على المصريين في هذه الآونة التحلي بمزيد من التكاتف والتلاحم خلف القيادة السياسية، وتلاحم كل قوى الوطن في مواجهة قوى الشر، والعمل على مواجهتهم بالغالي والنفيس، واستئصال شأفتهم، حتى تظل مصر عصية على السقوط والكسر، ولن تنفكّ عرى المصريين، أو تنكسر إرادتهم أبد الدهر}.



15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
TT

15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)

في حين يواصل المعلمون في محافظة تعز اليمنية (جنوب غرب) الإضراب الشامل للمطالبة بزيادة رواتبهم، كشفت إحصائية حديثة أن أكثر من 15 ألف طالب تسربوا من مراحل التعليم المختلفة في هذه المحافظة خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وعلى الرغم من قيام الحكومة بصرف الرواتب المتأخرة للمعلمين عن شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، فإن العملية التعليمية لا تزال متوقفة في عاصمة المحافظة والمناطق الريفية الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية بسبب الإضراب.

ويطالب المعلمون بإعادة النظر في رواتبهم، التي تساوي حالياً أقل من 50 دولاراً، حيث يُراعى في ذلك الزيادة الكبيرة في أسعار السلع، وتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار. كما يطالبون بصرف بدل الغلاء الذي صُرف في بعض المحافظات.

الأحزاب السياسية في تعز أعلنت دعمها لمطالب المعلمين (إعلام محلي)

ووفق ما ذكرته مصادر عاملة في قطاع التعليم لـ«الشرق الأوسط»، فإن محافظتي عدن ومأرب أقرتا صرف حافز شهري لجميع المعلمين يقارب الراتب الشهري الذي يُصرف لهم، إلا أن هذه المبادرة لم تُعمم على محافظة تعز ولا بقية المحافظات التي لا تمتلك موارد محلية كافية، وهو أمر من شأنه - وفق مصادر نقابية - أن يعمق الأزمة بين الحكومة ونقابة التعليم في تلك المحافظات، وفي طليعتها محافظة تعز.

ظروف صعبة

وفق بيانات وزعتها مؤسسة «ألف» لدعم وحماية التعليم، فإنه وفي ظل الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع التعليم في مدينة تعز وعموم مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، ازدادت تداعيات انقطاع الرواتب والإضراب المفتوح الذي دعت إليه نقابة المعلمين، مع إحصاء تسرب أكثر من 15 ألفاً و300 حالة من المدارس خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وقال نجيب الكمالي، رئيس المؤسسة، إن هذا الرقم سُجل قبل بدء الإضراب المفتوح في جميع المدارس، وتعذر استئناف الفصل الدراسي الثاني حتى اليوم، معلناً عن تنظيم فعالية خاصة لمناقشة هذه الأزمة بهدف إيجاد حلول عملية تسهم في استمرار العملية التعليمية، ودعم الكادر التربوي، حيث ستركز النقاشات في الفعالية على الأسباب الجذرية لانقطاع الرواتب، وتأثيرها على المعلمين والمؤسسات التعليمية، وتداعيات الإضراب على الطلاب، ومستقبل العملية التعليمية، ودور المجتمع المدني والمنظمات المحلية والدولية في دعم قطاع التعليم.

المعلمون في عدن يقودون وقفة احتجاجية للمطالبة بتحسين الأجور (إعلام محلي)

وإلى جانب ذلك، يتطلع القائمون على الفعالية إلى الخروج بحلول مستدامة لضمان استمرارية التعليم في ظل الأزمات، ومعالجة الأسباب التي تقف وراء تسرب الأطفال من المدارس.

ووجهت الدعوة إلى الأطراف المعنية كافة للمشاركة في هذه الفعالية، بما في ذلك نقابة المعلمين اليمنيين، والجهات الحكومية المعنية بقطاع التعليم، ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية.

آثار مدمرة

كانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) قد ذكرت منتصف عام 2024، أن أكثر من 4.5 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة بسبب تداعيات سنوات من الصراع المسلح. وأفادت بأن شركاء التعليم يعيدون تأهيل وبناء الفصول الدراسية، ويقدمون المساعدة التعليمية للملايين، ويعملون على إعادة الآخرين إلى المدارس، وعدّت أن الاستثمار في التعليم هو استثمار في مستقبل الأجيال.

وتقول المنظمة إنه منذ بداية الحرب عقب انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية، خلفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمون والبنية التحتية التعليمية آثاراً مدمرة على النظام التعليمي في البلاد، وعلى فرص الملايين من الأطفال في الحصول على التعليم.

1.3 مليون طفل يمني يتلقون تعليمهم في فصول دراسية مكتظة (الأمم المتحدة)

وأكدت المنظمة الأممية أن للنزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء البلاد، وتجزئة نظام التعليم شبه المنهار أصلاً، تأثيراً بالغاً على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية للأطفال كافة في سن الدراسة البالغ عددهم 10.6 مليون طالب وطالبة في اليمن.

ووفق إحصاءات «اليونيسيف»، فإن 2,916 مدرسة (واحدة على الأقل من بين كل أربع مدارس) قد دمرت أو تضررت جزئياً أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية نتيجة سنوات من النزاع الذي شهده اليمن.

كما يواجه الهيكل التعليمي مزيداً من العوائق، تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين (ما يقرب من 172 ألف معلم ومعلمة) على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ عام 2016، أو انقطاعهم عن التدريس بحثاً عن أنشطة أخرى مدرة للدخل.