«حارس الفراغ»... مهنة رائجة أوجدها زحام القاهرة

أزمة انتظار السيارات تتفاقم في القاهرة («الشرق الأوسط»)
أزمة انتظار السيارات تتفاقم في القاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

«حارس الفراغ»... مهنة رائجة أوجدها زحام القاهرة

أزمة انتظار السيارات تتفاقم في القاهرة («الشرق الأوسط»)
أزمة انتظار السيارات تتفاقم في القاهرة («الشرق الأوسط»)

في شارع «قباني»، المتفرع من «قصر النيل»، وسط القاهرة الخديوية، التقيته، كان قد انتهى للتو من وداع أحد أصحاب السيارات بعدما ساعده في الخروج من صف طويل من العربات ذات الماركات الفاخرة، لم ينظر لما منحه الرجل، قبض على ورقة النقود بيده، ودسها في جيب بنطاله، لكنه راح يضبط الفراغ بين سيارة وأخرى ليتسع لعربة «جيب» لمحها قادمة من بعيد.
التفت تامر، المنادي وحارس السيارات لي، وقال: «ليس لدي مؤهل يجعلني التحق بعمل يؤمن لي حياة كريمة مع أولادي الأربعة، حين حصلت على الشهادة الإعدادية، التحقت بالثانوية التجارية، ولم أستطع استكمال الدراسة بسبب ظروف والدي الذي كان يعمل سائق تاكسي، واتجهت مباشرة للعمل هنا منذ 2009 لأكون أمينا على سيارات رواد الشارع وسكانه وأصحاب الشركات به». سألته: «هل تفرض على أصحاب السيارات تعريفة معينة نظير حراستها؟»، قال: «أنا لا أنظر حتى لما يدفعونه لي، وقد رأيتني منذ قليل، أحيانا يأتي البعض ويذهب دون دفع مليم، الرزق بيد الله، لا أجبر أحدا على دفع شيء محدد، لكنني أنتظر فقط أن يقدرني، ويراني إنسانا مثله، ولست شيئا حقيرا، عندي رخصة سايس، من مرور القاهرة ووضعي قانوني، ولست دخيلاً على المهنة، ولا بلطجيا، كما يشيع البعض عن أمثالي».
كان مجلس النواب المصري انتهى، في يونيو (حزيران) الماضي، من مناقشة مشروع قانون تنظيم أماكن انتظار السيارات وساحاتها وعمل السيَّاس، لكن الحكومة تحفظت عنه في أكتوبر (تشرين الأول)، بدعوى وجود نص في قانون الإدارة المحلية ينظمها، وأنها تعد مشروع قانون لتنظيم مهنة منادي السيارات، لمواجهة المشكلات الكثيرة التي يكون البعض منهم وراءها.
يرتدي تامر، الشاب الأربعيني، بلوفرا أزرق، وبنطالا من اللون نفسه، وصديرياً أصفر، وهو الزي المعتمد للسايس، قلت له: «هل تريد أن تخلع هذه الملابس، وتصبح من أصحاب السيارات، وتعيش حياتهم؟»، فذكر أنه راض بنصيبه، وأنه لا يريد أن يأخذ دورا ليس له، نعم يريد أن يطور حياته، ويمكنه في المستقبل أن يشتري «تاكسيا»، لكنه لا يريد أن يقوم بشيء لمجرد التنفيس عن نفسه، والرد على ما يلقاه من معاملة سيئة من قبل البعض.
ولا توجد إحصاءات واضحة ومحددة عن عدد الذين يعملون في مهنة السايس، كما أن ازدحام القاهرة والكثير من المحافظات كان وراء ظهورهم والحاجة إليهم، فضلا عن ندرة عدد المرآب، التي يوجد منها في نطاق القاهرة 2291 مرأبا، وهي لا تناسب بالطبع أعداد السيارات التي أعلن الجـهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء نهاية 2016 أنها بلغت 9.4 مليون مركبة، تفاقمت مشكلة وجود مواقف لها بسبب لجوء البعض إلى إغلاق 7202 مرأب واستغلالها في أنشطة تجارية، وعدم وجود ساحات كافية لاستيعاب الزيادة المستمرة في المركبات.
لكن لماذا يشكو الناس من منادي السيارات، وينظرون له على أنه فتوة يفرض إتاوة عليهم، بعد ما وضع يده على مساحة من الشارع؟ رد تامر بأن أخرج من جيبه كمية كبيرة من مفاتيح السيارات، وقال: «لو كانوا يرون أنني بلطجي ما أعطوني مفاتيح سياراتهم، وما استأمنوني عليها، أنا أتحدث مع زبائني باحترام، ولا أبيع لهم أرض الشارع، كما يقول بعضهم، أنا فقط أقف هنا لأخدمهم، مجرد حارس لمساحة من الفراغ أحرص أن تكون آمنة، ليس لدي أي مُركّبات نقص تجاههم، ولا أحقد عليهم، هم يملكون سيارات، وربنا يرزقني منهم، ويراضيني».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».