عيد ميلاد فيروز... وصفة ضد البغضاء

82 سنة وحب عشاقها يطاردها

السيدة فيروز
السيدة فيروز
TT

عيد ميلاد فيروز... وصفة ضد البغضاء

السيدة فيروز
السيدة فيروز

تفوق هاشتاغ «عيد_الدني» الذي اعتمده عشاق فيروز ليقدموا لها أجمل التهاني والتمنيات في عيدها الـ82 على ما عداه، على وسائل التواصل الاجتماعي. وبعد أن راجت هاشتاغات التباغض وتوجيه النقد والاتهامات، بحيث تقذف كل فئة أخرى بأقذع ما عندها، خلال الأيام الماضية، بسبب التوتر السياسي، جاءت فيروز وكأنّما تعيد الجميع إلى أرضية واحدة تتسم بالهدوء والمحبة والتسامح.
ولم تطل ريما الرحباني ابنة فيروز بهذه المناسبة على صفحتها على «فيسبوك»، كما أنّها لم تفعل ذلك منذ أطلقت ألبوم والدتها «ببالي» في سبتمبر (أيلول) الماضي، مما استدعى سؤال المعجبين عن سبب هذا الجفاء، إن كان من سبب؟ وهذه الصفحة التي تحمل اسم ريما الرحباني هي صلة الوصل الوحيدة بين الجمهور و«جارة القمر»، وكتب أحدهم على حائطها: «كل سنة والست فيروز بألف خير، وكل سنة واحنا بنحبها أكتر من السنة اللي قبلها، وكل سنة وصوتها معانا وبيحرسنا، وقولوا إن شا الله القمر يبقى مضوي». وهناك من نشر لفيروز الأشعار، أو أعاد نشر قصائد غنتها، وهناك من استأنس بفيديوهات لأغنياتها، أو مقاطع من مسرحياتها. كلٌّ احتفى بهذه المناسبة التي يبدو أنّ الجمهور العريض لا ينساها أبداً، خصوصا أنها تترافق مع احتفالات عيد الاستقلال في لبنان.
لكنّ الحقيقة أنّ التهاني والكلمات المؤثرة لم تأت من لبنانيين وحسب بل من العالم أجمع، لا سيما من قبل العرب الذين يجدون في صوتها ملجأ ومرجعاً كما عشاقها في بلدها. وبهذه المناسبة غردت الفنانة إليسا: «من يخشى على بلد أسطورته أيقونة. عيد ميلاد سعيد فيروز، أنت أعظم رمز. أنت أرزة الموسيقى». أمّا ميريم سكاف، رئيسة الكتلة الشعبية فوصفتها بأنّها «من بلد الحكايات المحكية عالمجد ومبنية عالإلفة. وطن الحيطان الصلبة عالعتبة بتساند عتبة» مستعيرة عباراتها هذه من فيروز نفسها لتختم «مش هينه تكون بوطن وزمن فيروز». فيما غرّدت الإعلامية كريستين حبيب قائلة: «يوم ولدت، صار للصوت صوت، وللنجمة ملامح وللأبد عنوان». ورأى المخرج ناصر فقيه أنّ «الناس بتحتفل بأعياد ميلاد أمّا أنت يا فيروز فأعياد الميلاد تحتفل بك».
أناس عاديون من كل الوطن العربي احتفوا بفيروز كل من حيث هو، وانتشرت صورها بشكل كثيف على وسائل التواصل الاجتماعي، منها القديم جداً، والأكثر حداثة. كما انتهزت بعض المواقع الصحافية والإخبارية المناسبة لتوجه للسيدة تهانيها وتشارك قراءها مشاعرهم. وكتبت غادة فطوم قصيدة جميلة قالت فيها: «فيروز كيف تنامين؟ وأنا أحاكي الّليل عن حلم كنت قد أوقدت النار فيه، فكيف تنامين؟ كيف يلتقي الهدب بالهدب بعد أن عرشت وحلقت مع آلهة السماء». أمّا سارة كاظم فخاطبتها بالقول: «كل سنة وأنت لنا الوطن، والحب، والأمل، والصبح والمسا، وكل شيء لا يتنسى».
فيروز «جوهرة لبنان»، «صوت الحب»، «أيقظت بالغضب الساطع ضمائرنا»، «الأغنية التي تنسى أن تكبر»، «زهرة تشرين»، «سارقة القلوب»، وامتلأت الصفحات في توصيف فيروز، فيما كان المواطنون من كل بلد عربي يستذكرون أغنياتها التي مسّتهم أكثر من غيرها. وتذكر عبد المحسن من السعودية أنّ «فيروز غنيت مكة أهلها الصيد والعيد يملأ أضلعي عيدا. فأصبحت شعاب مكة، ترددها مع كل صباح». لينهي قائلا: «واليوم نقول لك كل عام وأنت بخير يا ست فيروز».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».