السودان لا يستبعد «خسارة» مصر جزءاً من نصيبها بمياه النيل

TT

السودان لا يستبعد «خسارة» مصر جزءاً من نصيبها بمياه النيل

زاد وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، من الترقب المصري لتأثر نصيب القاهرة من مياه نهر النيل، إذ قال إنه «ربما تخسر مصر نصيب المياه الذي كان يذهب إليها من السودان خارج الاتفاق الموقع في عام 1959».
وفي مقابلة تلفزيونية، مع قناة «روسيا اليوم»، أول من أمس، قال إن هناك «اتفاقا بين البلدين بأن هذه المياه دين على مصر»، مستدركاً: «الآن ربما يتوقف الدائن عن إعطاء هذا الدين». وأعلنت مصر، الأسبوع الماضي، فشل «المفاوضات الفنية» بشأن التقرير الاستهلالي لتأثيرات «سد النهضة» الإثيوبي على دولتي المصب (مصر والسودان)، وألقت بالمسؤولية عن تعثر المفاوضات على الطرفين الآخرين، في إشارة إلى انحياز الخرطوم إلى جانب أديس أبابا.
وفي إفادة وصفها غندور بأنها «صراحة يتحدث بها السودان لأول مرة»، قال: «لم نكن نستخدم كل نصيبنا في مياه النيل، والسودان يقف مع مصالحه... ومصالحه كثيرة مع سد النهضة الذي يحفظ لنا مياهنا التي كانت تمضي إلى مصر في وقت الفيضان، ويعطيها (يقصد سد النهضة) لنا وقت الجفاف».
وتمثل قضية حصة مصر من مياه النيل (55.5 مليار متر مكعب) قضية «حياة أو موت»، بحسب ما قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، في أكثر من مناسبة، مشددا على أن «أحدا لا يستطيع المساس بمياه مصر».
ولم يرد المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية، المستشار أحمد أبو زيد، على طلب «الشرق الأوسط» للتعليق على التصريحات السودانية، وما جاء فيها، لكنه كان قد صرح قبل أيام، بأن «السودان لديه رؤية فنية مخالفة للرؤية المصرية حول سد النهضة، وسد النهضة للسودان سيوفر لها مساحات زراعية كبيرة»، مشددا على أن العلاقات المصرية السودانية أبدية، ولكنها قد تشهد توترا في بعض الدوائر.
وقال وزير الموارد المائية والري السابق، نصر الدين علام، لـ«الشرق الأوسط»، إنه وبحسب ما اطلع عليه من وثائق فإنه «لا توجد ورقة رسمية أو شبه رسمية تؤكد ما ذهب إليه الوزير السوداني، بأن نصيب السودان من مياه النيل الذي لم يتم استخدامه يعتبر (دينا) من المياه».
وأوضح أنه «كثيرا ما كانت تستخدم المياه الزائدة عن الاستخدام للبلدين، ضمن عملية تعرف باسم (غسيل النهر) بغرض تطهير المجرى المائي من الشوائب»، لافتا إلى أن «نصيب السودان الذي لم يتم استغلاله كان يستخدم في ذلك الغرض».
وتشهد العلاقات المصرية السودانية توترات بين الحين والآخر، وتكشفت بعض كواليسها في تصريح للرئيس المصري، مطلع الشهر الحالي، خلال لقاء محدود مع عدد من المراسلين لوسائل الإعلام الدولية والعربية، في مدينة شرم الشيخ، عندما سُئل عن مدى الاعتماد على السودان في مفاوضات سد النهضة مع الجانب الإثيوبي، فرد: «نحن نعتمد على أنفسنا فقط». ورغم تصريحات الغندور الذي تحدث عن احتمالية «خسارة» مصر لما قاله عن «نصيب السودان» من مياه النيل، فإنه أكد أن «الرئيس السوداني عمر البشير أعلن عدة مرات أن اتفاقية مياه النيل بين مصر والسودان التي تحفظ حصة مصر في مياه النيل لعام 1959، خط أحمر، بما يحافظ على الأمن المائي للقاهرة».
ووفق الاتفاقية التي تم توقيعها قبل ستين عاما تقريبا، فإن البلدين اقتسما مياه النيل التي تدخل في نطاقهما الجغرافي، وذلك في أعقاب البدء في تأسيس السد العالي منتصف القرن الماضي، والتي قُدرت حينها بـ(84 مليار متر مكعب)، وتقرر أنه بالإضافة إلى الحقوق التاريخية حينها التي بلغت 48 مليار متر مكعب لمصر، و4 مليارات للسودان، تكون نسبة مصر النهائية 55.5 مليار متر مكعب، ويحصل السودان على 18.5 مليار.
وألقى غندور باللوم على القاهرة بشأن مستقبل التعاون في مشروعات مشتركة للحفاظ على الوفرة المائية للبلدين، وقال: «السودان عرض لسنوات طويلة جدا مشروعات ضخمة لزراعة القمح في شمال السودان، لكن الجانب المصري لم يستجب، وإمكانات السودان مفتوحة لمصلحة الشعبين، وسنظل نرتبط بالدم والتاريخ المشترك».
وتطرق الوزير السوداني إلى قضية «مثلث حلايب» المتنازع عليه بين القاهرة والخرطوم، وأكد أنها «أرض سودانية بوقائع التاريخ والجغرافيا، لكن لن نجعلها سببا لخلاف يؤدي إلى انقطاع علاقات السودان ومصر، ولدينا مطلب أن نحل القضية إما بالحوار المباشر مثل جزيرتي (تيران وصنافير)، وإما بالتحكيم الدولي مثل (طابا)، والأشقاء في مصر يرفضون الحوار والتحكيم الدولي».
من جهته، قال الخبير بالشؤون الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات، هاني رسلان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المياه المتوفرة لمصر جراء عدم استخدام السودان لها بسبب قصور الإمكانيات، أو الاعتماد على مياه الأمطار في الزراعة، لا تتحمل مصر من الناحية السياسية والقانونية المسؤولية عنها».
ولفت إلى أن استخدام تعبير «الدين» من قبل الجانب السوداني، يشير إلى رغبة الخرطوم في التوسع خلال الفترة المقبلة في الزراعات المروية.



ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
TT

ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)

تبنّت الجماعة الحوثية إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من اعترافها بتلقي ثلاث غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

وفي حين أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض الصاروخ الحوثي، يُعد الهجوم هو الثاني في السنة الجديدة، حيث تُواصل الجماعة، المدعومة من إيران، عملياتها التصعيدية منذ نحو 14 شهراً تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

وادعى يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، في بيان مُتَلفز، أن جماعته استهدفت بصاروخ فرط صوتي من نوع «فلسطين 2» محطة كهرباء «أوروت رابين» جنوب تل أبيب، مع زعمه أن العملية حققت هدفها.

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، أنه «بعد انطلاق صفارات الإنذار في تلمي اليعازر، جرى اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن قبل عبوره إلى المناطق الإسرائيلية».

ويوم الجمعة الماضي، كان الجيش الإسرائيلي قد أفاد، في بيان، بأنه اعترض صاروخاً حوثياً وطائرة مُسيّرة أطلقتها الجماعة دون تسجيل أي أضرار، باستثناء ما أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية من تقديم المساعدة لبعض الأشخاص الذين أصيبوا بشكل طفيف خلال هروعهم نحو الملاجئ المحصَّنة.

وجاءت عملية تبنِّي إطلاق الصاروخ وإعلان اعتراضه، عقب اعتراف الجماعة الحوثية باستقبال ثلاث غارات وصفتها بـ«الأميركية البريطانية»، قالت إنها استهدفت موقعاً شرق مدينة صعدة، دون إيراد أي تفاصيل بخصوص نوعية المكان المستهدَف أو الأضرار الناجمة عن الضربات.

مقاتلة أميركية على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر (أ.ب)

وإذ لم يُعلق الجيش الأميركي على الفور، بخصوص هذه الضربات، التي تُعد الأولى في السنة الجديدة، كان قد ختتم السنة المنصرمة في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، باستهداف منشآت عسكرية خاضعة للحوثيين في صنعاء بـ12 ضربة.

وذكرت وسائل الإعلام الحوثية حينها أن الضربات استهدفت «مجمع العرضي»؛ حيث مباني وزارة الدفاع اليمنية الخاضعة للجماعة في صنعاء، و«مجمع 22 مايو» العسكري؛ والمعروف شعبياً بـ«معسكر الصيانة».

106 قتلى

مع ادعاء الجماعة الحوثية أنها تشن هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، في سياق مناصرتها للفلسطينيين في غزة، كان زعيمها عبد الملك الحوثي قد اعترف، في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وأن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

وكانت الولايات المتحدة قد أنشأت، في ديسمبر 2023، تحالفاً سمّته «حارس الازدهار»؛ ردّاً على هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها الجوية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، بمشاركة بريطانيا في بعض المرات؛ أملاً في إضعاف قدرات الجماعة الهجومية.

دخان يتصاعد من موقع عسكري في صنعاء خاضع للحوثيين على أثر ضربة أميركية (أ.ف.ب)

واستهدفت الضربات مواقع في صنعاء وصعدة وإب وتعز وذمار، في حين استأثرت الحديدة الساحلية بأغلبية الضربات، كما لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية، لأول مرة، لاستهداف المواقع الحوثية المحصَّنة، غير أن كل ذلك لم يمنع تصاعد عمليات الجماعة التي تبنّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ نوفمبر 2023.

وأدّت هجمات الحوثيين إلى إصابة عشرات السفن بأضرار، وغرق سفينتين، وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، فضلاً عن تقديرات بتراجع مرور السفن التجارية عبر باب المندب، بنسبة أعلى من 50 في المائة.

4 ضربات إسرائيلية

رداً على تصعيد الحوثيين، الذين شنوا مئات الهجمات بالصواريخ والطائرات المُسيرة باتجاه إسرائيل، ردّت الأخيرة بأربع موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة الحوثية بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

كذلك تضررت مدرسة إسرائيلية بشكل كبير، جراء انفجار رأس صاروخ، في 19 ديسمبر الماضي، وإصابة نحو 23 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر في 21 من الشهر نفسه.

زجاج متناثر في مطار صنعاء الدولي بعد الغارات الجوية الإسرائيلية (أ.ب)

واستدعت هذه الهجمات الحوثية من إسرائيل الرد، في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتيْ توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

وتكررت الضربات، في 19 ديسمبر الماضي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء؛ ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 3 آخرين.

وفي المرة الرابعة من الضربات الانتقامية في 26 ديسمبر الماضي، استهدفت تل أبيب، لأول مرة، مطار صنعاء، وضربت في المدينة محطة كهرباء للمرة الثانية، كما استهدفت محطة كهرباء في الحديدة وميناء رأس عيسى النفطي، وهي الضربات التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 40، وفق ما اعترفت به السلطات الصحية الخاضعة للجماعة.