عقب وفاته... ماذا تعرف عن «الشيطان الأعظم» في أميركا؟

لم يقتل أبداً وقضى عمره في السجن

السفاح تشارلز مانسون (ميرور)
السفاح تشارلز مانسون (ميرور)
TT

عقب وفاته... ماذا تعرف عن «الشيطان الأعظم» في أميركا؟

السفاح تشارلز مانسون (ميرور)
السفاح تشارلز مانسون (ميرور)

توفي السفاح الأميركي تشارلز مانسون، المدان بعدة جرائم قتل، عن عمر ناهز 83 عاما، وفقا لبيان مصلحة السجون في ولاية كاليفورنيا. مانسون، الذي كان يقضي حكما بالسجن مدى الحياة، أدين بسبع جرائم قتل من الدرجة الأولى وجريمة شروع في القتل، قد مات مساء أمس (الأحد) في مستشفى بمدينة كيرن كونتي، فمَن هو تشارلز مانسون؟
وقد أصبح السفاح مانسون رمزا لطريقة الحياة الشاذة والإجرام في ستينات القرن الماضي، وفي تلك الفترة قام أتباعه بقتل 7 أشخاص، ومن أبرز ضحاياه الممثلة الهوليوودية شارون تاتي، وقتلت أثناء حملها في الشهر الثامن، وكانت زوجة للمخرج الأميركي رومان بولانسكي.
وقتلت الممثلة من خلال سوزان أتكينز أحد أتباع مانسون، وكتب على باب منزل الممثلة بدمها كلمة «خنزيرة»، وقد طعن أربعة آخرين بالمنزل حتى الموت في جريمة مروعة.
وفي اليوم التالي لتلك الجريمة، قتل أتباع السفاح مانسون الزوجين لينو وروزميري لابينكا في لوس أنجليس، وعرفت تلك الجريمة باسم واحد «قتل تاتي - لابينكا» كأبشع الجرائم في أميركا.
ويعتقد أن مانسون لم يرتكب الجريمة بنفسه، وإنما وجه أتباعه بالقتل أو ما يسمى «القتل بالوكالة»، وعرف أتباعه باسم «عائلة مانسون»، بحسب «بي بي سي».
وفي التحقيقات مع مانسون، قال عن نفسه إنه «الشيطان ويقوم بعمل الشيطان»، ولقب بعد تلك التحقيقات باسم «الشيطان الأعظم» في الولايات المتحدة الأميركية.
واحتجز مانسون في السجن لأكثر من 40 عاما عقب الحكم بالإعدام في عام 1971، لكن قبل تنفيذ الحكم عليه، كانت ولاية كاليفورنيا الأميركية قد حظرت عقوبة الإعدام، ليقضي في السجن مدى الحياة حتى وفاته.
وأضاف بيان مصلحة السجون أن الوفاة كانت طبيعية، وقبل نقله إلى المستشفى مريضا، كان يقبع في وحدة بسجن ولاية كاليفورنيا في كوركوران منذ عام 1989.
وكان مانسون في بداياته يعيش في مزرعة منعزلة، يتعاطى العقاقير المخدرة المهلوسة، وبجانب الكاريزما التي يتمتع بها، نتيجة لبدايته في مجال غناء موسيقى البيتلز، أقام معه عدد من الشباب والفتيات يعدونه كأنه إله.
وفي أوائل الستينات، ادعى مانسون أنه يملك اعتقادا بأن هناك حربا قادمة في أميركا، وأنها ستكون حربا عرقية بين البيض والسود، وأن تلك الحرب موجودة بشكل خفي في أغنيات البيتلز، والفرقة تعلم بأمرها لكنها لا تعلن ذلك، وأطلق مانسون على اسم الحرب المتوقعة كما يرى «هيلتر سكيلتر» المأخوذة من إحدى أغنيات البيتلز الأميركية بالاسم نفسه.
واعتقد مانسون أن عمليات القتل تساعد في التسريع بتلك الحرب، وإلحاق الجرائم بالأميركيين السود، وسط فترة خلاف عنصري في الولايات المتحدة الأميركية، وبعد ارتكاب المذابح يختفي مانسون وأتباعه عن الأنظار لحين انتهاء الحرب للسيطرة على أميركا.
ووصفت صحيفة «الغارديان» مانسون بأنه مسؤول عن واحدة من أكثر عمليات القتل الجماعي شهرة في القرن العشرين، وأن بسببه بيعت كثير من البنادق في منطقة «بيفرلي هيلز»، وزادت أعمال شركات الأمن ثلاثة أضعاف عقب ظهوره.
وترجع الصحيفة توجه مانسون للقتل بسبب فشله في المجال الموسيقي، ورفضه من قبل منتجين في عام 1968، وقد ألقي القبض عليه مع 5 فتيات ورجلين.
وكاد مانسون يحصل على ثروة طائلة جراء إعادة تسجيل أغنياته التي أصبحت ذات شهرة عقب القبض عليه، لكن أحد أهالي ضحاياه رفع قضية للحصول على تعويض جراء طعن والده 51 مرة، ونجح في الحصول على الأموال.
ولم يكن السجن الأخير لمانسون هو الأول في حياته، إذ دخل إلى السجن وهو في عمر 13 عاما بتهمة السرقة، وفي عمر الـ17 عن الاغتصاب، وبحلول الثانية والثلاثين من عمره كان قد أمضى 17 عاما خلف القضبان.
وولد مانسون لأم فقيرة، ولم ير والده قط، إذ تزوجت والدته عاملا فقيرا عقب الانفصال، ونشأ مانسون في إحدى المؤسسات الحاضنة، وسرعان ما هرب منها وتورط في الجريمة.
وظل مانسون يلعب بالجيتار وهو في السجن في لوس أنجليس، وحاول الاتصال بمنتجه فيل سبيكتور، لكنه لم يرد على طلباته، وفقا لرواية راشيل زوجة المنتج عقب ذلك للصحافة.
وفي عام 2010 اعترف أحد المنتجين أنه اتصل بمانسون وعزم على إنتاج أحد الألبومات له في الثمانينات بعنوان «الانتهاء»، لكنه لم يخرج للنور.
وكان لمانسون ابن من زوجته الأولى روزالي، لكن ابنه انتحر في 1993، وله ابنان من زواج ثان (تشارلز لوثر وفالنتين)، وكان يعتزم الزواج خلال فترة سجنه عام 2015 من فتاة عمرها 26 عاما تقول إنها أحبته، لكن الزواج لم يحدث.
وخلال لقاءات إعلامية لمحاكمته، ظل مانسون يردد تصريحات مجنونة وغريبة عن الله، وعن موهبته، وكان يدافع عن نفسه قائلا: «أنا لم أقتل أحدا... أنا فقط أفكر والآخرون يقتلون».
وظل مانسون يطالب بالإفراج المشروط للخروج من السجن، لكن أحد علماء النفس المعالجين له نقلوا قوله: «أنا شخص من نوع خاص، لا أحب أن أكون نزيلا فحسب هنا، ولقد قضيت حياتي في السجن، أنا رجل خطير وقد وضعت خمسة أشخاص في القبر».
وكانت محاكمته في أواخر الستينات غريبة، إذ شهدت رسمه الصليب المعقوف أعلى جبهته، وهو رمز للنازية، كما اختفى أحد محاميه ووجدت جثته عقبها بـ10 أيام، وحقق المدعي العام فنسنت بوغليوسي، الذي حقق في قضيته، ثروة من كتابه الأكثر مبيعا عن حياة مانسون، واستمرت المقالات عنه لمدة عقود.
وتم القبض عليه في النهاية بحيازة سلاح وهواتف جوالة مهربة، وبعد أربعة عقود من سجنه لا تزال سيرته تُردد في الكتب والأعمال السينمائية الأميركية.



القاهرة الخديوية «المرهَقة» تسعى إلى استعادة رونق الزمن الجميل

ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)
ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)
TT

القاهرة الخديوية «المرهَقة» تسعى إلى استعادة رونق الزمن الجميل

ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)
ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)

جولة قصيرة في شوارع القاهرة الخديوية، المعروفة بوسط البلد، كافية لإدراك الثروة المعمارية التي تمثّلها المنطقة، ما بين طُرز معمارية متنوّعة، وأنماط في البناء وتخطيط للشوارع، وزخارف ورسوم على الواجهات التراثية، تعكس حسّاً فنياً يستدعي نوستالجيا من عصور مضت.

وتعرَّضت القاهرة الخديوية في الأعوام الـ50 الماضية إلى طفرات من النزوح والتغيير، ليقبع هذا الحيّ الذي أمر الخديوي إسماعيل ببنائه عام 1872، بهدف محاكاة باريس، تحت وطأة التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية. ويبدو أنّ طبيعة المكان بوصفه مركزاً تجارياً جعلته عرضة لتغييرات جذرية نالت من هيئة مبانيه وعادات سكانه وروحه.

تسعى مصر إلى استعادة القاهرة الخديوية برونقها القديم، وهو ما أكده رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، لتصبح هذه المنطقة جاذبة سياحياً وتجارياً وثقافياً؛ معلناً أنّ مشروع التطوير سيتطلّب تخصيص عدد من شوارع القاهرة الخديوية للمشاة فقط.

يأتي هذا التوجه ضمن خطة يُشرف عليها الجهاز القومي للتنسيق الحضاري تتضمّن 4 مراحل، وفق ما يورده الجهاز في كتابه السنوي. وتستهدف الخطة تطوير منطقة وسط المدينة وإعادة إحيائها، وتحويل مشروع القاهرة الخديوية وجهةً سياحيةً وثقافيةً عالميةً، مع تعزيز رونق العاصمة التاريخي والحضاري، بالتعاون بين الجهاز ومحافظة القاهرة والجهات المعنية.

ممر «بهلر» من الطُرز المعمارية المميّزة في القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)

وزار عدد من المسؤولين، قبل أيام، مُثلث البورصة وشارع الشريفين لرفع كفاءتهما، وكذلك رفع كفاءة شارع الألفي وسرايا الأزبكية، والشوارع المتفرّعة منها. وأعلن الجهاز التدخّل على مستويين، هما التصميم العمراني وتطوير الواجهات، وفق تصوّر لإعادة إحياء الميادين الرئيسية في القاهرة الخديوية والمباني التراثية المطلّة عليها.

وقد رُمِّمت واجهات المباني وعُدِّلت واجهات المحلات، وأُزيلت جميع التعدّيات والمخالفات على واجهات المباني التراثية، في نطاق شارع قصر النيل، بدايةً من ميدان طلعت حرب، حتى ميدان مصطفى كامل، وفق إفادة رسمية.

وخلال مداخلة تلفزيونية، أكد عضو اللجنة العليا في جهاز التنسيق الحضاري، الدكتور أسامة النحاس، مواصلة العمل بشكل مكثّف على مشروع «تطوير القاهرة الخديوية»، لإعادة القاهرة التاريخية إلى سابق عصرها بكونها واحدةً من أهم المدن التراثية في العالم وأكبرها؛ موضحاً أن «جميع التعدّيات أُزيلت مِن على الواجهات والمباني التاريخية، سواء من المحلات أو الإعلانات وجميع الإشغالات التي تشوّه الصورة البصرية للقاهرة الخديوية»، ومؤكداً الحرص على تعزيز رونق العاصمة التاريخي والحضاري الناجم عن تفاعل العمارة المصرية الفرعونية بالغربية.

في المقابل، أشار متخصّصون في العمارة التاريخية، من بينهم مديرة «بيت المعمار المصري» سابقاً، الدكتورة هبة صفي الدين، إلى أكثر من مسار لتطوير القاهرة الخديوية، موضحة لـ«الشرق الأوسط» أنّ «التطوير لا يقتصر على الأنماط المعمارية فقط، وإنما يمتدّ لاستعادة روح المكان، وما يمثّله من تاريخ عريق، إلى جانب ترميم وإعادة تأهيل المباني ذات الطراز المعماري المميّز».

أحد العقارات قيد التطوير (الجهاز القومي للتنسيق الحضاري)

وكلّف الخديوي إسماعيل، المعماري الفرنسي هاوسمان، بتصميم القاهرة الخديوية وتنفيذها في وسط مدينة القاهرة عام 1867، وتصل المساحة التي خُصصت لذلك إلى 20 ألف فدان، وتضمَّنت طُرزاً معمارية فريدة أسهم فيها معماريون فرنسيون وإيطاليون وألمان ومصريون، وفق خبراء ومؤرخين.

وتشهد منطقة وسط البلد أعمال تطوير وترميم؛ الأمر الذي يظهر في واجهات عدد من المباني، لتستعيد طابعها المعماري التراثي. وبعضها، إنْ لم يكن تراثياً، فله طراز معماري مميّز، وفق تصريح تلفزيوني لرئيس جهاز التنسيق الحضاري، المهندس محمد أبو سعدة، الذي أشار في السياق عينه إلى وجود خطة موسَّعة لتطوير منطقة وسط البلد، واستخدام المباني التاريخية بالطريقة المناسبة.

وبالتوازي والتنسيق مع الجهود الحكومية، تعمل شركة «الإسماعيلية» التي تمتلكها مجموعة من رجال الأعمال على ترميم وإعادة تأهيل 25 عقاراً ضمن أصول الشركة بوسط البلد، «القاهرة الخديوية»، باستثمارات وصلت إلى نحو 500 مليون جنيه (الدولار يساوي 50.56 جنيه مصري)، وفق تصريحات إعلامية سابقة لرئيسها.

«الحفاظ على القاهرة الخديوية نمطاً حضارياً في المعمار يجب أن توازيه استعادة ثقافة المكان عبر سلوك البشر، فلا يصحّ ترك الأمر لتغيّرات الزمن التي سمحت للعشوائية بالزحف إلى أماكن عدّة في وسط البلد»، وفق صاحب مشروع «القاهرة عنواني»، محمود التميمي، لاستعادة الطابع التراثي وروح المدينة، الذي يشيد بجهود جهات عدّة تسعى إلى استعادة رونق القاهرة الخديوية، لكنه يُشدّد على ضرورة ربط تطوير المعمار وترميمه بالحفاظ على سلوكيات المكان وثقافته.

مبنى تراثي مفترض ترميمه في المرحلة الثالثة (الجهاز القومي للتنسيق الحضاري)

وتضمّ القاهرة التاريخية أحياء عدّة، مثل: عابدين، وقصر النيل، والزمالك، وبولاق أبو العلا، وميادين التحرير وطلعت حرب ومصطفى كامل والأوبرا بالعتبة؛ وشوارع شهيرة؛ مثل: قصر النيل، وطلعت حرب، وباب اللوق، وشريف، وعدلي، ونوبار، وعماد الدين، ومحمد فريد، و26 يوليو (شارع فؤاد سابقاً).

وبينما يستعيد صاحب مشروع «القاهرة عنواني» نمطاً مميّزاً للنوادل في أربعينات القرن الماضي وخمسيناته، حين كانوا يرتدون أزياء أنيقة تتمثّل في القميص الأبيض وربطة العنق على شكل فراشة، والجاكيت الأبيض، والبنطلون الأسود، كما في أفلام الأبيض والأسود؛ يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا يصحُّ أن تُرمَّم وتُطوَّر العقارات المميّزة، ثم أجد تحتها مقهى يضمّ كراسي بلاستيكية، ونادلاً يرتدي الجينز و(تي شيرت) غريب و(شبشب) في قدمه». ويوضح: «على كراسي المقاهي في هذه المنطقة التحلّي بـ(كود) يُوضع بطريقة تليق بطبيعة المكان ولا يتحرّك من مكانه».

وفي كتابه «مقتنيات وسط البلد»، يرصد الكاتب المصري الراحل مكاوي سعيد عدداً من الأماكن التي لا تزال تحتفظ ببريقها، وكان لها دور فاعل في الحياة الثقافية والترفيهية في القاهرة التاريخية والحكايات التي تدور حولها، مثل: مقاهي «ريش»، و«غروبي»، و«النادي اليوناني»، و«ستوريل»، و«أسترا»، و«علي بابا»، وقهوة «الحرية»، وكثير من الأماكن التي لا يزال بعضها باقياً، والآخر أزاحته محلات الأحذية والوجبات السريعة.

ويلفت إلى أنّ بعض الأماكن الثقافية والترفيهية، مثل: «كلوب محمد علي»، وهو حالياً «النادي الدبلوماسي»، و«كافيه ريش»، لعبت دوراً في تطوّر الحياة الثقافية والفنّية في مصر، مضيفاً: «كذلك فندق (سافوي) الذي بُنيت مكانه عمارات (بهلر)، ودور العرض السينمائي التي اشتهرت بها المنطقة، ومنحتها طابعاً ثقافياً مميّزاً نتمنّى استعادته ضمن خطط التطوير الجديدة».