الإعلام ضحية الأزمة السياسية بين موسكو وواشنطن

الإعلام ضحية الأزمة السياسية بين موسكو وواشنطن
TT

الإعلام ضحية الأزمة السياسية بين موسكو وواشنطن

الإعلام ضحية الأزمة السياسية بين موسكو وواشنطن

تحول الإعلام في المواجهة الروسية – الأميركية من أداة إلى هدف، وبعد قيود فرضتها السلطات الأميركية على عمل قناة «روسيا اليوم - أميركا» الروسية، وإرغامها على التسجيل في الولايات المتحدة بصفة «عميل أجنبي»، ردت روسيا بتعديلات أقرها البرلمان على قانون الإعلام، تتيح لوزارة العدل الروسية تسجيل أي وسيلة إعلامية تتلقى التمويل الخارجي على قائمة «عميل أجنبي» الروسية. وكانت الولايات المتحدة أول من أطلق تصنيف «عميل أجنبي» على وسائل إعلام، وتبنت قانوناً بهذا الخصوص عام 1938، وكان الهدف حينها حماية المواطن الأميركي من التأثر بالفكر النازي. ويُلزم القانون الشخصيات الطبيعية والاعتبارية التي تدرج على هذا التصنيف بتقديم تقارير دورية للسلطات المحلية حول عملها، وتخضع للمراقبة المالية، كما يمكن للسلطات اتخاذ قرار بإغلاق الوسيلة الإعلامية المصنفة «عميلاً أجنبياً» دون الحاجة إلى قرارات قضائية أو غيرها. وبشكل عام يشمل هذا التصنيف المؤسسات التي تحاول التأثير على الرأي العام المحلي، وسياسة الدولة لصالح دول أخرى وبتمويل منها.
كانت روسيا قد تبنت عام 2012 قانوناً شبيهاً بالقانون الأميركي حول تصنيف «عميل أجنبي»، غير أن القانون حينها شمل «المنظمات غير الحكومية» فقط، التي تمارس نشاطاً داخل الأراضي الروسية بتمويل أجنبي. ومع التعديلات التي أقرها مجلس الدوما مؤخراً على قانون الإعلام، أصبح بالإمكان إدراج وسائل إعلام تحت هذا التصنيف. وهناك بعض الاختلافات بين القانونين الروسي والأميركي الخاصين بتصنيف «عميل أجنبي»، إذ يسمح القانون الأميركي بتنظيم عمل أي مؤسسات ومنظمات، ولا يقتصر على وسائل الإعلام، بينما حصر المشرعون الروس التعديلات في أنها تطال وسائل الإعلام فقط. والنقطة الثانية أن الولايات المتحدة اعتمدت ذلك القانون لمتابعة عمل «العملاء الأجانب» الذين يمارسون نشاطاً مالياً وسياسياً لصالح جهات أجنبية على الأراضي الأميركية.
أما القانون الروسي فلم يحدد «النشاط السياسي» كعمل تمارسه الوسيلة الإعلامية لإدراجها على قائمة «عميل أجنبي»، ما يعني أن وزارة العدل الروسية يمكنها إدراج أي وسيلة إعلامية، اجتماعية أو سياسية أو تربوية تعمل بتمويل خارجي داخل روسيا، ضمن هذا التصنيف. وينطبق القانون الأميركي على المنظمات المسجلة والعاملة في الولايات المتحدة، بينما ينطبق القانون الروسي على أي وسيلة إعلامية ممولة من الخارج وتعمل داخل روسيا، بغض النظر عن مقر سجلها.
وقررت السلطات الأميركية التعامل مع قناة «آر تي – أميركا» بموجب قانون «عميل أجنبي» بعد أن وجَّهت إليها اتهامات عدة، لخصها جيمس كلابر رئيس جهاز الاستخبارات القومية الأميركية، في جلسة للكونغرس مطلع العام الجاري، وقال حينها إن «قناة (آر تي) مدعومة وممولة بشكل كبير من الحكومة الروسية، وهي تتبنى وجهة نظر معينة، إذ إنها تتحدث عن نظامنا بازدراء وتتهم الولايات المتحدة بالنفاق على صعيد القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان»، مضيفاً أن «بين نشاطات (آر تي) الإعلامية نشر (الأخبار المفبركة واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي)». ونفت مارغريتا سيمونيان، رئيسة تحرير «آر تي»، تلك الاتهامات، وقالت إن الإعلام الأميركي هو من يمارس الدعاية الكاذبة. إلا أن ذلك النفي وما تلاه من حرب تصريحات بين الجانبين لم ينهِ الأزمة. ومؤخراً طالبت السلطات الأميركية قناة «آر تي» بالتسجيل بصفة «عميل أجنبي» في الولايات المتحدة. وأوضحت وزارة العدل الأميركية أن الشركة التي تخدم «آر تي - أميركا» مصنفة «عميلاً أجنبياً»، وهي وكالة «تي في – نوفوستي»، وهي شخصية اعتبارية أسستها الحكومة الروسية للبث في أرجاء العالم. وفي مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري قالت سيمونيان إن القرار الأميركي يتعارض مع مبادئ الديمقراطية وحرية الكلمة. ومن جانبها قالت وزارة العدل الأميركية، إن كل ما تطلبه هو أن يتم التسجيل بصفة «عميل أجنبي» وأن تشير خلال بث البرامج إلى أن هذا العمل تقوم به جهة أجنبية. وفي نهاية المطاف أعلنت سيمونيان أن مكتب القناة في الولايات المتحدة مضطر إلى تسجيل نفسه «عميلاً أجنبياً» بموجب القوانين الأميركية.
وتوعدت كلُّ مؤسسات السلطات الروسية بالرد على القرار الأميركي. وقام البرلمان خلال أيام معدودة باعتماد التعديلات، ووافق عليها بعد القراءتين الأولى والثانية خلال جلسة واحدة، وأقرها بالإجماع.
ويُنتظر أن يتم عرضها على المجلس الفيدرالي، ثم على الرئيس الروسي، للموافقة عليها لبدء العمل بموجبها. رغم ذلك سارعت وزارة العدل الروسية يوم 16 نوفمبر (أي بعد يوم على تبني التعديلات في مجلس الدوما) إلى تنبيه مجموعة من وسائل الإعلام العاملة في روسيا بأنها قد تصنَّف «عملاً أجنبياً». وأكدت وكالة «ريا نوفوستي» أن المؤسسات الإعلامية التي وصلها تنبيه الوزارة هي: صوت أميركا، و«Kavkazrealii» و«sibreal» و«Krymrealii»، والمشروع الإقليمي «Idel.realii»، وقناة «نوستياشيي فريميا» (الوقت الراهن)، و«راديو أوروبا الحرة»، وراديو «سفوبودا» (الحرية)، وخدمة صوت الإذاعة التتارية - البشكيرية «راديو سفوبودا»، ومشروع «فاكتوغراف». ويُنتظر أن تدرِج الوزارة هذه الوسائل الإعلامية، كلها أو بعضها، وربما وسائل أخرى، على تصنيف «عميل أجنبي» بعد إتمام آليات اعتماد قانون «عميل أجنبي». ويحذر مراقبون من أن الولايات المتحدة قد ترد على هذه الخطوة، الأمر الذي يهدد وسائل الإعلام بأن تصبح ضحية للأزمة السياسية بين موسكو وواشنطن.


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
TT

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية غير العادية» التي استضافتها الرياض مؤخراً.

وشددت القمة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم الراسخ للشعب لنيل حقوقه المشروعة، وإيجاد حل عادل وشامل مبني على قرارات الشرعية الدولية.

وقال الدوسري لدى ترؤسه الدورة العادية الـ20 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب في أبوظبي، أن الاجتماع يناقش 12 بنداً ضمن الجهود الرامية لتطوير العمل المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بمشاركة رؤساء الوفود والمؤسسات والاتحادات الممارسة لمهام إعلامية ذات صفة مراقب.

الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

وأضاف أن الاجتماعات ناقشت سبل الارتقاء بالمحتوى الإعلامي، وأهم القضايا المتعلقة بدور الإعلام في التصدي لظاهرة الإرهاب، وجهود الجامعة العربية في متابعة خطة التحرك الإعلامي بالخارج، فضلاً عن الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030.

وتطرق الدوسري إلى استضافة السعودية مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتصحر «كوب 16»، وقمة المياه الواحدة، وضرورة إبراز مخرجاتهما في الإعلام العربي، مؤكداً أهمية الخطة الموحدة للتفاعل الإعلامي مع قضايا البيئة.

وأشار إلى أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي، واستثمار دورها في تعزيز المحتوى وتحليل سلوك الجمهور، داعياً للاستفادة من خبرات «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي» في الرياض؛ لتطوير الأداء.