مفاوضات سد النهضة «تغرق» في «المتاهة» الإثيوبية

القاهرة تبحث عن سيناريوهات جديدة بعد «تعنت» أديس أبابا

وزراء مياه مصر والسودان وإثيوبيا خلال زيارتهم موقع السد في أكتوبر الماضي  («الشرق الأوسط»)
وزراء مياه مصر والسودان وإثيوبيا خلال زيارتهم موقع السد في أكتوبر الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

مفاوضات سد النهضة «تغرق» في «المتاهة» الإثيوبية

وزراء مياه مصر والسودان وإثيوبيا خلال زيارتهم موقع السد في أكتوبر الماضي  («الشرق الأوسط»)
وزراء مياه مصر والسودان وإثيوبيا خلال زيارتهم موقع السد في أكتوبر الماضي («الشرق الأوسط»)

يبدو أن مصر أدركت أخيرا أن الوقت حان لإيقاف مسلسل مفاوضات، وُصفت بـ«غير المجدية» مع إثيوبيا، حول سد تبنيه الأخيرة على أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل، وتقول القاهرة إنه سوف يؤثر سلباً على نصيبها من المياه. وبينما اعتبر مسؤولون وخبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أن إعلان مصر فشل المفاوضات الفنية، جاء متأخرا، في ظل تحذيرات سابقة بلعب إثيوبيا على عامل الزمن، لحين الانتهاء من بناء السد وملئه، ليصبح أمرا واقعا، جاءت تصريحات الحكومة المصرية لتعكس الثقة في قدرتها على اتخاذ إجراءات ومسارات «سياسية» بديلة لحماية أمنها المائي، من بينها الضغط الدولي واللجوء إلى الأمم المتحدة وربما التحكيم، بحسب مصادر دبلوماسية.
يقول مسؤول مصري رفيع، على صلة مباشرة بالمفاوضات، «الخبراء المصريون المشاركون في المفاوضات شكوا للقيادات صراحة أنهم استنفدوا كافة مجهوداتهم ولا فائدة من استمرارها بالوضع الحالي»، معتبرا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» «أي حديث (رسمي) عن جهود من أجل حل الأزمة عن طريق المفاوضات، هو سير في نفس المسار الدائري الذي لن يوصلنا إلى شيء».
وفشلت الجولة الأخيرة للمفاوضات، والتي انعقدت في القاهرة يومي 11 و12 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، بين وزراء المياه في مصر والسودان وإثيوبيا، في التوصل لاتفاق بشأن اعتماد التقرير الاستهلالي الخاص بالدراسات الفنية للسد، والمقدم من شركة استشارية فرنسية.
وقال مجلس الوزراء المصري في منتصف الشهر نفسه، إنه «يتم حاليا متابعة الإجراءات الواجب اتخاذها للتعامل مع هذا الوضع على كافة الأصعدة، باعتبار أن الأمن المائي المصري من العناصر الجوهرية للأمن القومي».
لكن الحكومة المصرية لم توضح ماهية تلك الإجراءات التي قد تلجأ إليها القاهرة، لحماية حصتها من مياه النيل، والتي سبق أن وصفها الرئيس عبد الفتاح السيسي في حواره مع جريدة «الشرق الأوسط»، خلال الشهر الجاري، بأنها «مسألة حياة أو موت».
وتعاني مصر من شح في الموارد المائية الأخرى، ولا تكفي حصتها من النهر لسد احتياجها من المياه العذبة، في ظل زيادة سكانية متنامية، حيث تخطى عدد السكان المائة مليون نسمة وفقا لأحدث إحصاء.
ووقعت مصر وإثيوبيا والسودان العام الماضي عقودا مع مكتب استشاري فرنسي لإجراء دراسات فنية على السد، المقرر أن يكتمل بناؤه العام المقبل، لدراسة أضراره المحتملة على مصر والسودان (دولتا المصب لنهر النيل). وتنص العقود على إتمام الدراسات، في 11 شهرا، غير أن المدة انتهت بالفعل قبل عدة أشهر، دون تحقيق أي نتيجة ملموسة.
وتتركز الأزمة الرئيسية في فترة ملء خزان السد، وتطالب مصر بتخفيض السعة التخزينية والمقدرة بـ74 مليار متر مكعب من المياه إلى أقل من النصف.
ويبدو أن الإدراك الإثيوبي لغياب البدائل أمام مصر جعلها تثق في قدرتها على المماطلة. يشير المسؤول المصري، الذي رفض ذكر اسمه لحساسية موقعه، «لدينا نقطة ضعف رئيسية منذ انطلاق المفاوضات عام 2011. وهي أن مصر لا تمتلك نقطة ضغط زمني على إثيوبيا للوصول إلى حل... وعندما طلبنا منهم وقف البناء حتى انتهاء الدراسات الفنية، رفضوا ذلك، وأصبح البناء مستمرا بجانب مفاوضات عبثية، وكلما طالت المفاوضات اكتسب الإثيوبيون مزيدا من الوقت».
ويضيف «حاليا البناء اقترب من النهاية فعليا... ووصلنا لمرحلة ملء السد الذي سيبدأ العام المقبل، ومن ثم علينا أن ندرك خطأنا السابق، فلا يصح الجلوس معهم مرة أخرى في مفاوضات سياسية أو غيرها دون وجود قيود تتعلق بتخزين المياه... فهذا الكلام معناه أنها مفاوضات للمفاوضات وأننا جالسون لالتقاط الصور».
وأظهرت زيارة وزير المياه المصري محمد عبد العاطي، لموقع السد، ببني شنجول على بعد 20 كم من الحدود السودانية، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اقتراب أديس أبابا من إنهاء الإنشاءات الخرسانية في جسم السد الرئيسي والمساعد، وتركيب عدد من «توربينات» الكهرباء، وتأهيل بحيرة التخزين الملحقة بالسد.
ويقول الدكتور هاني رسلان، خبير المياه بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن «إثيوبيا طوال الوقت السابق كانت حريصة على إدخال مصر في متاهة من الإجراءات وتضييع الوقت، وتأجيل الاجتماعات والتشبث بالرأي»، لافتًا إلى أن «مصر أوضحت للعالم كله أننا بذلنا كل الجهد للوصول لصيغة تعاونية، لكن إثيوبيا أظهرت قدرا كبيرا من سوء النية».

خطورة الأزمة على مصر
تصاعدت الأزمة فعليا منذ منتصف عام 2011، عندما أعلنت إثيوبيا تحويل مجرى النيل الأزرق (أحد الروافد الأساسية لنهر النيل)، من أجل البدء في تشييد سد النهضة العملاق على نهر النيل، بكلفة 4.7 مليار دولار.
ويأتي القدر الأكبر من مياه النيل (ما نسبته 80% من إجمالي الموارد المائية) لمصر من النيل الأزرق. ويقول خبراء مصريون، وهو تقدير تتبناه الحكومة، إن هذا السد يهدد حصة القاهرة التاريخية من المياه، والتي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب بما يصل لأكثر من 10 في المائة، كما سيؤدي أيضا لخفض كمية الكهرباء المولدة من السد العالي جنوب مصر، وفي حالة انهياره (سد النهضة)، سيحدث خلل للسد العالي، ويؤدي لغرق بعض المدن المصرية في الجنوب والوسط.
ووفقا لتصريحات وزير الموارد المائية والري المصري الأسبق الدكتور حسام مغازي لـ«الشرق الأوسط»، فإن مصر «تعاني من عجز مائي يقدر بحوالي 19 مليار متر مكعب، وتعتمد على سد هذا العجز من خلال توفير موارد بديلة منها البحث عن آبار للمياه الجوفية وهي غير كثيفة، وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، إضافة لمياه الأمطار الضعيفة جدا».
ويضيف «هذا الوضع الصعب يجعل حصتنا من مياه النيل غير قابلة لأي نقص، بل نسعى لزيادة إيراداتنا من النهر من خلال التعاون مع دول الحوض». ونوه الوزير السابق إلى أن «فكرة السد تقوم على توليد الكهرباء بمعنى أن يتم احتجاز المياه بهدف توليد الكهرباء، ثم تمر في رحلتها الطبيعية إلى مصر والسودان؛ لكن أثناء فترة التخزين للمياه في السد لتوليد الكهرباء هذه، هي التي سنعاني فيها من العجز المائي، بالإضافة إلى التأثيرات البيئية والاقتصادية».
وفي السياق ذاته، يقول الخبير الاقتصادي أحمد السيد النجار، في تحليل له، «مصر تستهلك كل قطرة من حصتها من مياه النيل وتلجأ لمياه الصرف المعالج وغير المعالج، وتستنزف مياهها الجوفية بمعدلات جائرة في بعض المناطق، فإن المساس بأي قطرة من حصتها في مياه النيل يعني الاعتداء الغاشم والجسيم على حياة البشر والثروتين النباتية والحيوانية في مصر».
ويؤكد «حتى لو لم تستخدم إثيوبيا مياه بحيرة سد النهضة في الري، فإن البخر والتسرب والتشرب من بحيرة السد كفيل وحده باقتطاع حصة مهمة من مياه النيل الأزرق التي تتدفق لمصر والسودان.. موقع بحيرة سد النهضة في منطقة مدارية حارة سيجعلها تفقد أكثر من 4 مليارات متر مكعب من المياه بالبخر سنويا لدى امتلاء تلك البحيرة. كما تبلغ كميات المياه التي ستُفقد بالتسرب والتشرب ضعف ما سيُفقد بالبخر في البداية، ومع تشبع التربة المحيطة بالبحيرة سيتراجع ما يفقد بالتسرب والتشرب للنصف».

6 أعوام من المماطلة
منذ عام 2011، وعلى مدار نحو 6 أعوام، نفذت الدولتان ومعهما السودان، جولات مكوكية من المفاوضات، تخللها تشكيل للجان وزارية بمشاركة خبراء دوليين، غير أنها لم يكتب لها النجاح. كما شملت تلك الفترة حربا كلامية وصلت إلى حد أزمة دبلوماسية بسبب اقتراح لسياسيين مصريين خلال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي عام 2012، بالعمل على تدمير السد ودعم المتمردين المناهضين للحكومة الإثيوبية، ما أدى لتوقف الحوار بين البلدين.
لكن المفاوضات بدأت تأخذ مسارا أكثر جدية مع تولي الرئيس السيسي الحكم عام 2014. حيث تم تشكيل لجنة من 12 مفاوضا مقسمة بين الدول الثلاث لدراسة آثار السد من خلال مكتب استشاري عالمي.
وفي مارس (آذار) 2015. وقعت الدول الثلاث إعلان مبادئ في الخرطوم اشتمل على إعطاء أولوية لمصر والسودان، بوصفهما دولتي المصب، في الكهرباء المولدة من السد وهي طريقة لحل الخلافات والتعويض عن الأضرار. وتعهد الموقعون أيضا بحماية مصالح دولتي المصب عند ملء خزان السد.
ويتضمن الإعلان قيام المكاتب الاستشارية بإعداد دراسة فنية عن السد، ويتم الاتفاق بعد انتهاء الدراسات على كيفية إنجاز سد النهضة وتشغيله دون الإضرار بدولتي المصب مصر والسودان.
وفي سبتمبر (أيلول) 2016 وقع رؤساء وفود مصر والسودان وإثيوبيا على عقود المكاتب الاستشارية المنفذة للدراسات الفنية، على أن ترسل المكاتب الاستشارية تقريرها كل 3 أشهر، عن سير العمل. وكان من المقر أن ينتهي في مايو (أيار) الماضي التقرير الاستهلالي للمكتب الاستشاري، وهو ما لم يتم حتى الآن.
ما أضعف الموقف المصري هو أن السودان يرى أن السد يمكن أن يعود عليه بالعديد من المنافع أهمها توريد الكهرباء، مما أخرجه ضمنيا من دائرة الصراع، لتنحصر بين مصر وإثيوبيا.
وعقب 17 جولة من المفاوضات الفنية، أعلنت مصر، قبل أيام، أن عدم التوصل إلى اتفاق بشأن التقرير الاستهلالي الخاص بدراسات سد النهضة يؤدي إلى القلق، وقررت تجميد المفاوضات. وفي تعقيبه قال وزير الخارجية المصرية سامح شكري «بعد طول مدة ووقت طويل لم نتوقع أن يستغرق المسار الفني هذا القدر من الوقت للتوافق على شركة فنية يجب أن تعمل بشكل محايد ولم نكن نتوقع أن يصطدم نطاق عملها بأي رؤى تصعّب المسار والاتفاق بشأنه لتوجيه الشركة في مجال عملها.. وأوضح أن هذا الأمر يؤدي إلى القلق».
الدكتور السيد فليفل، رئيس لجنة الشؤون الأفريقية بمجلس النواب (البرلمان)، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الموقف الإثيوبي والسوداني المتعنت، يدل على أن الشك المصري في محله، وأن السد الإثيوبي ليس فقط مخالفا للقانون الدولي أو حق إثيوبيا في التنمية، بل إنه منشأ هندسي غير صحيح».
وتابع الدكتور فليفل «التفاوض الفني أصبح مسألة معطلة للتوصل لاتفاق حقيقي، وعلى مصر أن تلجأ لتصعيد الأمر للجانب السياسي وهو يتطلب مفاوضات على مستوى عالٍ وفقا للقانون الدولي وبناء على التجارب السابقة، فالمياه بالنسبة إلى مصر خط أحمر».

تطمينات إثيوبية وسودانية
وتعمل إثيوبيا دائماً على طمأنة مصر... وتقول إن «السد لن يؤثر على حصة مصر من المياه، وإن (سد النهضة) يمكن أن يعود بالنفع على الدول الثلاث»، وسبق أن قال وزير خارجية إثيوبيا، ورقنى جيبيوه، خلال لقاء نظيره المصري سامح شكري، في أبريل (نيسان) الماضي، «نحن في إثيوبيا نوجه رسالة للشعب المصري بأن لدينا روابط مشتركة كبيرة، ونحن لا نعارض المصالح المصرية»، مشدداً على أن «الشعب المصري لن يضار من أي إجراءات تقوم بها إثيوبيا».
وفي ذات السياق، سبق أن أعلن الرئيس السوداني عمر البشير، أن بناء «سد النهضة» على مجرى نهر النيل، لن يؤثر على تزويد مصر بالمياه في ظل مخاوفها من هذا الأمر. وقال البشير في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام ديسالين، أغسطس (آب) الماضي، «نحن ملتزمون التزاماً قاطعاً بأن حصة مصر من مياه النيل، لن تتأثر بقيام سد النهضة».

دور قطري مناوئ
في خضم هذه الأزمة، وجه سياسيون مصريون اتهامات لدولة قطر بالمسؤولية عن تعثر المفاوضات، خاصة أن الإعلان عن فشلها، تزامن مع زيارة رسمية قام بها رئيس الوزراء الإثيوبي هيل ماريا دسلين إلى الدوحة الأسبوع الماضي، التقى خلالها عددا من المسؤولين، ووقع اتفاقيات تعاون، شملت اتفاقية تعاون دفاعي.
ويرى مراقبون أن الدوحة تستغل حاجة إثيوبيا لممولين لاستكمال بناء السد، في الضغط على مصر. يقول الدكتور فليفل، «تعثر المفاوضات، وما تبعه من مواقف، يثبت أن السد تم بناؤه لأهداف سياسية تتعلق بإضرار مصر، في إطار تحالف مع قطر يعمل ضد مصر ويحركه التنظيم الدولي لجماعة الإخوان»، مشيرا إلى أن «تلك الأيادي وجدت في إثيوبيا وسيلة ضغط شديدة في هذه المرحلة على مصر».
ونوه الدكتور فليفل إلى أن «كل مفاوضات تجري حول السد، خلال الأشهر الماضية، يظهر مسؤول قطري في أديس أبابا، أو يقوم مسؤول إثيوبي بزيارة الدوحة، وهو ما تأكد لمصر بشكل واضح».
وسبق أن زار أمير قطر إثيوبيا في أبريل الماضي. وذكرت مصادر مطلعة أن «الدوحة ستعمل على ضخ استثمارات كبيرة لتمويل سد النهضة، تشمل زراعة مليون و200 ألف فدان في منطقة السد».
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، افتتحت شبكة «الجزيرة» مكتبا إقليميا لها في العاصمة الإثيوبية، بحضور مدير إدارة الإعلام في مكتب الاتصال الحكومي بإثيوبيا محمد سعيد، ومستشار وزير الخارجية الإثيوبي محمود درير غيدي.
ويشير الدكتور مدحت نجيب، رئيس حزب الأحرار، ونائب مدير المركز العربي الأفريقي للدراسات السياسية، إلى أن «هناك صفقة استثمارية تجارية بين الدوحة وأديس بابا لإفشال أي حلول تتوصل إليها اللجنة الفنية الثلاثية لسد النهضة»، مؤكدا أنها «تريد أن تنتقم من الحصار عليها وتخفيفه من خلال الضغط على مصر بملف سد النهضة وتحريض إثيوبيا والسودان على عدم التوصل لحل يناسب الجميع تجاه أزمة سد النهضة».
وهو الاتهام الذي كرره الدكتور رسلان قائلا «هناك قوى إقليمية كثيرة تسعى لاستغلال فترة الاضطراب الحالية في المنطقة لإضعاف الدور المصري ومصر كدولة من خلال الضغط عليها بورقة المياه باستخدام إثيوبيا والسودان كأدوات».

سيناريوهات مرتقبة
على مدار الأيام الماضية، عقدت الجهات المعنية بملف مياه النيل في وزارة الخارجية والجهات السيادية الأخرى، عدة اجتماعات رسمية، لبحث الموقف وإيجاد حلول «سياسية»، وحتى الآن لم تظهر الدبلوماسية المصرية أي تصريح عدائي أو حاد تجاه إثيوبيا.
يقول وزير الخارجية سامح شكري في مؤتمر صحافي عقده منتصف شهر نوفمبر الجاري: «مصر سوف تسعى لتجاوز هذا التعثر من خلال الاتصالات مع الشريكين إثيوبيا والسودان، وكذا مع الشركاء سواء في إطار دول حوض النيل أو على مستوى المجتمع الدولي بصفة عامة، واستمرار تحديد المسار والإجراءات التي تحافظ على المصالح المصرية دون أي ضرر بمصالح شركائنا».
وكشف المتحدث باسم الخارجية المستشار أحمد أبو زيد أن «مصر لديها خطة تحرك واضحة للتعامل مع هذا الملف، حيث تم تكليف السفارات المصرية في الخارج لشرح مسار المفاوضات والمرونة التي تعاملت بها مصر خلال الفترة الأخيرة، والتأكيد على الالتزام باتفاق إعلان المبادئ وهذه خطوة أولى لإشراك المجتمع الدولي في هذا الأمر». ومن المقرر أن يلتقي رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريم ديسالين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
ولا يتصور وجود حل مصري «خشن» على الإطلاق مع الأزمة، وفقا لتصريحات المسؤول المصري لـ«الشرق الأوسط»، الذي أكد أن «الظروف الدولية والإقليمية والمصرية لا تسمح بذلك»، لكنه قال في المقابل إن «الرجوع للمفاوضات بنفس الطريقة أيضا لن يؤدي إلى نتيجة». وشدد المسؤول على ضرورة «وجود عامل ضغط قوي، فإثيوبيا تتحرك من منطق القوة دون النظر للشواغل المصرية، ولذلك تأثير تشغيل السد يظل مجهول المدى»، على حد قوله.
غير أنه استدرك مؤكدا أن «مصر ما زالت دولة قوية ومؤثرة، وبالتأكيد لدى القيادة السياسية سيناريوهات بديلة حبيسة الأدراج تجيب عن سؤال ماذا لو؟ وبالتأكيد سوف تستخدم فيها أوراق مثل الأمم المتحدة، وضغوط الأصدقاء والممولين للسد، وهي دائرة واسعة لمصر، وما حدث في التعامل الخليجي مع قطر ليس ببعيد عن إثيوبيا».
وشكت إثيوبيا كثيرا من أن مصر تضغط على الدول المانحة والمقرضين الدوليين للانسحاب من المشروع. وسبق أن أثار الرئيس السيسي الأزمة خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر الماضي. كما أن تصريحه الأخير بأن ملف مياه النيل مسألة حياة أو موت كان رسالة إلى جميع الأطراف بأن القاهرة لن تقبل بأي حلول وسطية قد تضر مصالحها وحصتها المكتسبة من مياه النيل.
من جهته، يرى الدكتور فليفل أن كل الوسائل متاحة أمام مصر بما فيها اللجوء لمجلس الأمن، مشيرا إلى أنه «في حال استمرار تعنت إثيوبيا فسوف تحاصر... ومصر ليست طرفا هينا».
وكذلك طالب الدكتور رسلان، الحكومة بتقديم شكوى ضد السودان وإثيوبيا إلى مجلس الأمن بسبب فشل مفاوضات سد النهضة، وقال إن سلوك الدولتين يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين لأهمية قضايا المياه ومحوريتها بالنسبة لمصر وحياة شعبها.

دعم سعودي قوي لمصر
في غضون ذلك، أبدت المملكة العربية السعودية دعمها لمصر. وقال السفير أحمد أبو زيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، إن «ملف سد النهضة كان محل ناقش بين وزير الخارجية سامح شكري، ونظيره السعودي عادل الجبير خلال مباحثاتهما في الرياض الأسبوع الماضي»، وأوضح أن «المملكة تتابع تطورات الملف وتتفهم الشواغل المصرية»، وأن «الوزير الجبير أكد تفهم السعودية محورية اتفاق المبادئ والقانون الدولي في هذا الشأن».

حقائق حول «سد النهضة»
> يقع السد على النيل الأزرق (أحد الروافد الأساسية لنهر النيل) بولاية بنيشنقول - قماز، بالقرب من الحدود الإثيوبية - السودانية، على مسافة تتراوح بين 20 و40 كيلومترا.
> بدأ التفكير فيه قبل نحو 50 عاما، ضمن مقترحات بإنشاء السدود في إثيوبيا، ثم تبلور المقترح عام 1964 بسعة تخزينية من المياه قدرها نحو 11 مليار متر مكعب، ارتفعت بعد ذلك إلى 14.5 مليار متر مكعب، والآن عند الإنشاء قررت إثيوبيا تطوير السد لتصل قدرته التخزينية إلى أكثر من 70 مليار متر مكعب.
>في 2 أبريل عام 2011 وضع رئيس وزراء إثيوبيا السابق ملس زيناوي Meles Zenawi حجر الأساس للسد وقد تم إنشاء كسارة للصخور جنبا إلى جنب مع مهبط للطائرات الصغيرة للنقل السريع.
> المقاول الرئيسي للمشروع، الذي يتكلف أكثر من أربعة مليارات دولار، هو شركة ساليني إمبرجيلو الإيطالية، وتهدف إثيوبيا من خلاله لتصبح أكبر مصدر للكهرباء، حيث ينتظر منه توليد كهرباء بمقدار 6000 ميغاواط.



مستقبل إردوغان والحزب الحاكم... سؤال تركيا الكبير

عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)
عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)
TT

مستقبل إردوغان والحزب الحاكم... سؤال تركيا الكبير

عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)
عبد الله غل (يمين) يصفق وهو يجلس بجوار إردوغان (يسار) في البرلمان التركي أغسطس 2007 (غيتي)

أمضت تركيا أكثر من 22 عاماً تحت حكم حزب «العدالة والتنمية» الذي شهدت مسيرته محطات حرجة وتحديات سياسية واقتصادية، بين صعود وهبوط، وانعكست على السياسة الخارجية على وجه الخصوص.

الحزب ذو الجذور الإسلامية الذي أسسه الرئيس رجب طيب إردوغان ومجموعة من رفاقه أبرزهم الرئيس السابق عبد الله غل، والسياسي المخضرم بولنت أرينتش، ظهر في 14 أغسطس (آب) 2001، وفاز منفرداً بحكم تركيا في أول انتخابات تشريعية خاضها في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2002، وبقي في الحكم حتى الآن.

وخاض الحزب في البداية صدامات مع النخبة العلمانية والجيش والقضاء وصلت ذروتها عند ترشيح عبد الله غل، الذي كان وزيراً للخارجية، للرئاسة عام 2007 خلفاً للرئيس الأسبق أحمد نجدت سيزر.

أزمات ومعارك

أحدث ترشيح غل أزمة كبيرة في تركيا التي شهدت تجمعات مليونية في أنقرة وإسطنبول رفضاً له. وأفلت الحزب أيضاً من الحل في دعوى أقيمت ضده أمام المحكمة الدستورية التي قضت بالغرامة المالية دون الإغلاق في عام 2008، بسبب انتهاكه «مبادئ العلمانية».

ومنذ عام 2010، بدأ الحزب حملة تغييرات واسعة، عبر تعديل الدستور، بعدما استفاد من المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي التي انطلقت رسمياً عام 2005 في إرساء العديد من حزم الإصلاحات في النظام القضائي والقوانين.

وخاص الحزب العديد من المعارك، كما نزع فتيل محاولات استهدفته على غرار قضايا «أرجنكون» و«المطرقة» و«القفص» التي حاول فيها عسكريون الإطاحة بحكومة إردوغان.

وعد إردوغان، الرجل القوي الذي لا يزال قابضاً بقوة على السلطة في تركيا، أن احتجاجات «غيزي بارك» في مايو (أيار) 2013، وما أعقبها من تحقيقات «الفساد والرشوة» التي جرت في 17 و25 ديسمبر (كانون الأول) من العام ذاته، كانت محاولات للإطاحة بحكومته.

ونُسبت تحقيقات في تهم فساد ورشوة طالت أبناء وزراء في حكومة إردوغان ورجال أعمال مقربين منه، وامتدت إلى أفراد عائلته، إلى حركة «الخدمة» التي تزعمها حليفه الوثيق السابق، فتح الله غولن، الذي توفي منذ أشهر.

حشد من الأتراك يحتفلون وسط إسطنبول فوق دبابة هجرها ضباط من الجيش بعد محاولة انقلاب فاشلة في 16 يوليو 2016 (غيتي)

مواجهة أخيرة

كانت محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز) 2016، التي نفذتها مجموعة من الجيش، نُسب إليها الانتماء إلى حركة غولن، هي آخر المواجهات التي مكنت إردوغان من إخضاع المؤسسة الحامية للعلمانية في البلاد (الجيش) بعدما تمكن من السيطرة على أجهزة الأمن والقضاء عقب تحقيقات الفساد والرشوة، وقام بتطهيرها من أنصار غولن، الذي كان حليفاً لحزب «العدالة والتنمية» منذ ظهوره.

ووسط هذه المعارك التي مكنت إردوغان وحزبه من السيطرة على جميع مفاصل الدولة وإزالة مشكلة حظر الحجاب من أجندة تركيا، كان الحزب يخوض مسار صعود اقتصادي أزال أثر الأزمة الحادة التي عاشتها البلاد في 2001، وكانت العامل الأساسي في فوزه الكاسح بأول انتخابات يخوضها.

صعود اقتصادي وتقلبات سياسية

استمر الصعود الاقتصادي، وساعد في ذلك اعتماد حزب «العدالة والتنمية» سياسة «صفر مشاكل» مع دول الجوار التي أسس لها وزير الخارجية الأسبق أحمد داود أوغلو، الذي تولى لاحقاً رئاسة الحكومة، التي كان لها الفضل في إذابة الجليد في علاقات تركيا مع محيطها في الشرق الأوسط والعالم العربي، فضلاً عن توسيع علاقات تركيا بالشرق والغرب.

ولم تخف توجهات السياسة التركية في هذه الفترة اعتمادها على نظرية «العثمانية الجديدة»، واستعادة مناطق النفوذ، التي انطلقت من نظرية «العمق الاستراتيجي» لـ«داود أوغلو»، وبعدما بدأت تركيا التمدد من الدول العربية إلى أفريقيا اعتماداً على أدوات الدبلوماسية الناعمة والمساعدات الإنسانية وعامل الدين والتاريخ المشترك، جاء ما عرف بـ«الربيع العربي» ليقلب سياسة تركيا إلى التدخل المباشر والخشن عبر أدوار عسكرية امتدت من سوريا وليبيا إلى القرن الأفريقي، وفتحت لها باب التوسع بإقامة القواعد العسكرية في الخارج.

وتسبب انحياز تركيا إلى جماعة «الإخوان المسلمين» وجماعات متشددة، ودعمها في تونس ومصر وسوريا وليبيا، في حصارها في المنطقة، وهو ما حاول سياسيوها تبريره بشعار «العزلة القيمة».

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان... ربع قرن عاصف بالتحولات (غيتي)

بين الكرد والقوميين

جاءت محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016 لتضيف مزيداً من التوتر إلى علاقات تركيا مع حلفائها الغربيين بسبب ما عدّته أوروبا وأميركا، استغلالاً لها في سحق معارضي إردوغان على اختلاف انتماءاتهم وليس أنصار غولن فقط، والتوسع في انتهاكات حقوق الإنسان وحرية التعبير عبر الاعتقالات الواسعة، وإغلاق المنصات الإعلامية، وهو ما أدى إلى «دفن» مفاوضات تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، التي كانت مجمدة بالفعل منذ عام 2012.

الحال، أن الانسداد في العلاقات مع أوروبا كان قد تأجج في فترة الانتخابات البرلمانية في تركيا عام 2015 التي شهدت مصادمات مع الكرد، وخسر فيها حزب «العدالة والتنمية» الأغلبية للمرة الأولى في الانتخابات التي أجريت في 7 يونيو (حزيران) من ذلك العام للمرة الأولى في مسيرته، قبل أن يلجأ إردوغان إلى الانتخابات المبكرة في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) من العام ذاته، ليفوز بها حزبه.

وفي هذه الفترة كان «العدالة والتنمية» أطلق في عام 2013 مبادرة للسلام الداخلي وحل المشكلة الكردية، قبل أن يعلن إردوغان إنهاءها في 2015 قائلاً إنه لا توجد مشكلة كردية في تركيا.

وأثبتت القضية الكردية أنها الورقة التي يلجأ إليها إردوغان في لحظات الضعف التي يمر بها حزبه وتتراجع شعبيته، فقد عاد الحديث في الأسابيع الماضية عن مبادرة جديدة للحل، أطلقها رئيس حزب «الحركة القومية»، الحليف لإردوغان، دولت بهشلي، ودعا من خلالها إلى حوار مباشر مع زعيم حزب «العمال الكردستاني» المحكوم بالسجن مدى الحياة في تركيا، عبد الله أوجلان، بل دعوته للحديث في البرلمان، والنظر في العفو عنه.

وجاءت هذه الخطوة، كما يرى مراقبون، محاولة من إردوغان لجذب كتلة أصوات الكرد بعد الهزيمة التي تلقاها حزبه في الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس (آذار) الماضي، بعدما فاز بصعوبة بالغة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو 2023، والحصول على دعم نواب حزب «الديمقراطية المساواة للشعوب»، المؤيد للكرد لفتح الطريق أمام إردوغان للترشح للرئاسة للمرة الرابعة في انتخابات مبكرة تُجرى قبل عام 2028 بطلب من 360 نائباً، وهو ما لا يملكه «تحالف الشعب»، الذي تأسس مع تحول البلاد إلى النظام الرئاسي عام 2018، ليضم حزب «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية»، وأحزاب قومية وإسلامية أخرى صغيرة مثل «الوحدة الكبرى»، و«هدى بار».

وتسبب التحالف مع القوميين في انتقال «العدالة والتنمية» من حزب وسطي إصلاحي يخدم الشعب بلا تمييز ويعمل على دفع الاقتصاد والانضمام للاتحاد الأوروبي، إلى حزب يرفع شعارات الفكر القومي والأمة، ويبشر بالعثمانية الجديدة و«الوطن الأزرق» في ظل نظام يصفه معارضوه في الداخل وحلفاؤه في الغرب بأنه يكرس الديكتاتورية وحكم الفرد منذ إقرار النظام الرئاسي من خلال تعديلات دستورية تم الاستفتاء عليها عام 2017.

إردوغان (يمين) ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني في ديار بكر جنوب تركيا نوفمبر 2013 (غيتي)

ألغاز السياسة الخارجية

ربما تكون السياسة الخارجية لتركيا تحت حكم إردوغان و«العدالة والتنمية» هي أكبر الألغاز المحيرة، فبعدما أريد لها الانفتاح وتصفير المشاكل، انتقلت منذ 2011 إلى التدخل في أزمات المنطقة، ثم رفعت شعار «العزلة القيمة»، بعدما حدثت شروخ عميقة في العلاقات مع محيط تركيا الإقليمي من مصر إلى دول الخليج إلى سوريا والعراق، في مرحلة ما، ثم محاولة العودة بعد 10 سنوات ضائعة إلى مسعى «تصفير المشاكل» مرة أخرى.

وهكذا عملت تركيا على إصلاح العلاقات مع دول الخليج ومصر، وعدم التمادي في تدمير العلاقات مع إسرائيل، على الرغم من إدانتها الصارخة لحربها في غزة ولبنان وهجماتها في سوريا، وصولاً إلى الحوار الإيجابي مع اليونان وأرمينيا.

واتسمت هذه السياسة أيضاً بتبديل غير مستقر للمحاور بين الشرق والغرب، عبر محاولة توظيف ورقة العلاقات مع روسيا والصين وإيران، وتقديم طلب عضوية في مجموعة «بريكس»، والحضور في قمة منظمة شنغهاي للتعاون على المستوى الرئاسي، للضغط من أجل تحريك مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وكسر فتور العلاقات مع أميركا.

وشكل التذبذب في العلاقات بين تركيا وروسيا ملمحاً مميزاً، وكذلك مع إيران، لكن بصورة أقل علانية، إلى أن دخلت العلاقات معهما منعطفاً حاداً بسبب التطورات الأخيرة التي أطاحت بحكم بشار الأسد في سوريا، فضلاً عن عدم الرضا من جانب روسيا عن نهج تركيا في التعامل مع الأزمة الروسية الأوكرانية.

الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان على هامش قمة منظمة شنغهاي في سمرقند سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)

هواجس المستقبل

الآن، وبعد نحو ربع قرن ساد فيها حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، يبدو أن إردوغان يجد صعوبة كبيرة في تنفيذ وعده لناخبيه عقب فوزه بالرئاسة في مايو 2023 بتأسيس «قرن تركيا».

يواجه إردوغان الآن معارضة عرفت طريقها إلى الشارع بعد أكثر من 22 عاماً من التشتت، وركاماً اقتصادياً أجهض ما تحقق من مكاسب في الحقبة الذهبية لحزبه، الذي أتى بالاقتصاد، والذي قد يرحل بسببه، بعدما بدأ رحلة تراجع منذ تطبيق النظام الرئاسي في 2018، مع صعوبة التغلب على المشاكل الهيكلية، وكسر حلقة التضخم الجامح وغلاء الأسعار وتآكل الدخل.

كما يدخل الحزب عام 2025 مع سؤال كبير وملحّ: «هل يضعف (العدالة والتنمية) أو يتلاشى إذا غابت عنه قيادة إردوغان القوية؟»، ومع هذا السؤال يبدو أن سيناريوهات مقبلة في الطريق لإبقاء الرجل على رأس الحزب والسلطة في تركيا.