الخيون: الطائفية في العراق ستار للاحتفاظ بالسلطة

في محاضرة بمركز الملك فيصل

الخيون ( يسار) في محاضرته في مركز الملك فيصل
الخيون ( يسار) في محاضرته في مركز الملك فيصل
TT

الخيون: الطائفية في العراق ستار للاحتفاظ بالسلطة

الخيون ( يسار) في محاضرته في مركز الملك فيصل
الخيون ( يسار) في محاضرته في مركز الملك فيصل

يرى الكاتب الباحث الدكتور رشيد الخيون أن «الطائفية تصاعدت كثيراً بعد الاجتياح الأميركي للعراق في أبريل (نيسان) 2003، وأن هناك إعادة إنتاج للطائفية من قبل أهل السياسة، حيث يتخذونها ذريعة وستاراً للاحتفاظ بالسلطة».
وذكر الخيون أن العراق تعرض للحرب والهدم وتصفية القوات المسلحة وانهيار الدولة بالكامل، مشيراً إلى أن ذلك أدى إلى انسحاب المواطنة، لتخلي المكان للانتماء الطائفي أو العرقي أو القبلي.
وقال الخيون، خلال إلقائه محاضرة بعنوان «الهوية الوطنية في العراق وتحديات الهويات الفرعية» في قاعة المحاضرات بمبنى مؤسسة الملك فيصل الخيرية، أخيراً بالرياض، التي نظمها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية وسط حضور من المختصين بالشؤون السياسية والخبراء والأكاديميين وسفراء الدول الأجنبية والشخصيات العامة: «العراق متعدد اللغات والقوميات والأديان والمذاهب والأجناس، وقد خضعت أرضه لصراعات مريرة بين الإمبراطوريات، وأكثرها تأثيراً الصراع العثماني الصفوي الذي ما زال يؤثر في العراق حتى الآن».
وأشار إلى أن العراق انتقل من الهوية الوطنية التي تحتضن الجميع، والتي ظهرت بعد انهيار الإمبراطوريات، إلى الهوية الفرعية التي تمثل الدين أو العشيرة أو الطائفة أو المذهب، مبيناً أن المشكلة والصراعات والحروب تبدأ عندما تتصادم هذه الهويات الفرعية مع الهوية الوطنية الجامعة.
وأوضح الباحث أن كل الشعوب لديهم هويات فرعية، ولكن إذا تصادمت مع الهوية الكلية الوطنية، يلجأ الناس للهويات الفرعية من أجل الحصول على الحماية والاعتراف، وحين يحصل التصادم بين الهويات، يُكبل البلد.
وقال الدكتور الخيون إن «العهد الملكي في العراق أسهم في بناء وطن واحد متنوع ومجتمع متعدد، ونهض بالعراق اقتصادياً وتنموياً بعد تركة عثمانية ثقيلة، حيث كان النزاع الطائفي يأخذ المنحى الحزبي الذي تداخلت فيه القوميات والمذاهب والأديان، فانحسرت الطائفية وظهر العراق كوطن وهوية موحدة، وكانت الصدارة السياسية بشكلها الحزبي للتيارين الاشتراكي والقومي، مع دخول الهويات الفرعية كافة فيها، عبر الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث العربي الاشتراكي، خلال هذه الفترة».
وذكر أن الصدامات الطائفية بالعراق في أغلبها المحرك الرئيسي لها السياسة، سواء كانت على مستوى المذاهب (سنة - شيعة) أو على مستوى الديانات والقوميات، فالهويات الفرعية تقف وراءها في الغالب مصالح فئوية سياسية، وليست اجتماعية.
وأضاف المحاضر: «الهوية الوطنية الجامعة بحاجة إلى مثقفين وسياسيين يتعالون على الهويات الفرعية على مختلف عناوينها، في حالة تصادمها مع الهوية الكلية. والمجتمع العراقي مجتمع معقد بسبب تعدد الأديان والمذاهب والأعراق، والدور السلبي للجماعات والأحزاب في استغلال وتوظيف الافتراق المذهبي والديني، ولا يمكن أن تحل هذه النزاعات إلا بالقبول بالهوية العراقية، هوية المواطنة، بينما ما يحصل الآن هو انفلات غير مسبوق بالعودة إلى الانتماءات الأخرى. فحتى عندما دخلت المعارضة العراقية السابقة، وجلها من الإسلاميين الشيعة المرتبطين بعلاقات متينة بإيران، لم تملك مشروعاً واضحاً يملأ الفراغ الذي خلفه النظام السابق، ولم تقدم مشروع مصالحة ضرورية في ظروف العراق قبل وبعد الاجتياح، بل ركزت على الانتقام، بردة فعل مما مارسه النظام السابق».
واعتبر الباحث أن الصراع الحزبي أثر على الهوية الوطنية الجامعة في العراق، مبيناً أن مصطلح الأقلية والأكثرية استخدم في العراق للتلويح بالتهميش والغطرسة الطائفية، حيث يمنح الحق للأكثرية في التصرف بالبلاد، سواء أكان على المستوى الديني أو القومي، حسبما يروج بعض السياسيين، وشدد على أن هذا الأمر قاد العراق إلى كوارث بسبب أن توزيع الوظائف المهمة والعمل داخل الأحزاب يتم وفق الأقلية والأكثرية الطائفية.
ولفت إلى أن العراق بحاجة إلى مصالحة وطنية ومشروع عريض عميق في جوهره يسع العراق بالكامل، وليس مصالحة بين حزبين أو جماعتين، مبيناً أن المصالحة تحل من خلالها كل القضايا المتعلقة، ويتم تحديد وجهة سياسة البلاد، وأن ما تأسس خلال السنوات الأخيرة من كراهيات وتبادل لعدم الثقة والإخلال بالهوية الوطنية لا يزول إلا بمصالحة مبنية على أسس مدروسة وقانونية، مشدداً على أن الحروب والحصار أضعف العراق، وهيأه لما حل به من تدنٍ ثقافي وحضاري، لذا فهو بحاجة ملحة إلى تأسيس جديد، فالحكم المدني يحتاج إلى جيش وطني، وليس جيوش وميلشيات للطوائف، كما هو الحال الآن.



«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
TT

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، بدولة قطر، مساء الثلاثاء، الفائزين في فئات الدورة العاشرة، وذلك خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لأمير البلاد، وشخصيات بارزة، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ونخبة من الباحثين والعاملين بمجال الترجمة.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم عربياً وعالمياً في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع، والتعددية والانفتاح.

الشيخ ثاني بن حمد لدى حضوره حفل تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كما تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب، ويبلغ مجمل قيمة الجائزة في مختلف فئاتها مليوني دولار أميركي.

وقال الدكتور حسن النعمة، أمين عام الجائزة، إنها «تساهم في تعزيز قيم إنسانية حضارةً وأدباً وعلماً وفناً، اقتداءً بأسلافنا الذي أسهموا في بناء هذه الحضارة وسطروا لنا في أسفار تاريخها أمجاداً ما زلنا نحن اليوم الأبناء نحتفل بل ونتيه مفتخرين بذلك الإسهام الحضاري العربي في التراث الإنساني العالمي».

وأشاد النعمة بالكتاب والعلماء الذين ترجموا وأسهموا في إنجاز هذه الجائزة، وبجهود القائمين عليها «الذين دأبوا على إنجاحها وإخراجها لنا في كل عام لتكون بهجة ومسرة لنا وهدية من هدايا الفكر التي نحن بها حريُّون بأن نرى عالمنا أجمل وأسعد وأبهج وأرقى».

الدكتور حسن النعمة أمين عام الجائزة (الشرق الأوسط)

من جانب آخر، أعربت المترجمة والأكاديمية، ستيفاني دوغول، في كلمة نيابة عن الضيوف وممثلة للمترجمين، عن شكرها لجهود دولة قطر وجائزة الشيخ حمد للترجمة في تكريم المترجمين والمثقفين من كل أنحاء العالم، موجهة التحية لجميع الفائزين، وللغة العربية.

يشار إلى أنه في عام 2024، توصلت الجائزة بمشاركات من 35 دولة حول العالم، تمثل أفراداً ومؤسسات معنية بالترجمة، من بينها 17 دولة عربية. وقد اختيرت اللغة الفرنسية لغة رئيسية ثانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، بينما اختيرت الهنغارية والبلوشية والتترية واليوربا في فئة اللغات القليلة الانتشار.

الفائزون بالدورة العاشرة

وفاز بالجائزة هذا العام «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية»، في المركز الثاني رانية سماره عن ترجمة كتاب «نجمة البحر» لإلياس خوري، والثالث إلياس أمْحَرار عن ترجمة كتاب «نكت المحصول في علم الأصول» لأبي بكر ابن العربي، والثالث (مكرر): ستيفاني دوغول عن ترجمة كتاب «سمّ في الهواء» لجبور دويهي.

وعن «فئة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية»، فاز بالمركز الثاني الحُسين بَنُو هاشم عن ترجمة كتاب «الإمبراطورية الخَطابية» لشاييم بيرلمان، والثاني (مكرر) محمد آيت حنا عن ترجمة كتاب «كونت مونت كريستو» لألكسندر دوما، والثالث زياد السيد محمد فروح عن ترجمة كتاب «في نظم القرآن، قراءة في نظم السور الثلاث والثلاثين الأخيرة من القرآن في ضوء منهج التحليل البلاغي» لميشيل كويبرس، والثالث (مكرر): لينا بدر عن ترجمة كتاب «صحراء» لجان ماري غوستاف لوكليزيو.

من ندوة «الترجمة من اللغة العربية وإليها... واقع وآفاق» (الشرق الأوسط)

أما (الجائزة التشجيعية)، فحصل عليها: عبد الواحد العلمي عن ترجمة كتاب «نبي الإسلام» لمحمد حميد الله. بينما فاز في «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية»، حصلت على المركز الثالث: طاهرة قطب الدين عن ترجمة كتاب «نهج البلاغة» للشريف الرضي. وذهبت الجائزة التشجيعية إلى إميلي درومستا (EMILY DRUMSTA) عن ترجمة المجموعة الشعرية «ثورة على الشمس» لنازك الملائكة.

وفي (فئة الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية) حصل على المركز الثاني مصطفى الفقي وحسام صبري عن ترجمة كتاب «دليل أكسفورد للدراسات القرآنية» من تحرير محمد عبد الحليم ومصطفى شاه، والثاني (مكرر): علاء مصري النهر عن ترجمة كتاب «صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» لستانلي لين بول.

وفي «فئة الإنجاز»، في قسم اللغة الفرنسية: (مؤسسة البراق)، و(دار الكتاب الجديد المتحدة)، و«في قسم اللغة الإنجليزية»: (مركز نهوض للدراسات والبحوث)، و(تشارلز بترورث (Charles E. Butterworth)، وفي لغة اليورُبا: شرف الدين باديبو راجي، ومشهود محمود جمبا. وفي «اللغة التترية»: جامعة قازان الإسلامية، و«في قسم اللغة البلوشية»: دار الضامران للنشر، و«في اللغة الهنغارية»: جامعة أوتفوش لوراند، وهيئة مسلمي المجر، وعبد الله عبد العاطي عبد السلام محمد النجار، ونافع معلا.

من ندوة «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة» (الشرق الأوسط)

عقدٌ من الإنجاز

وعقدت الجائزة في الذكرى العاشرة لتأسيسها ندوة ثقافية وفكرية، جمعت نخبة من أهم العاملين في مجال الترجمة والمثاقفة من اللغة العربية وإليها، تتناول الندوة في (الجلسة الأولى): «الترجمة من اللغة العربية وإليها: واقع وآفاق»، بينما تتناول (الجلسة الثانية): «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة، وكيفية تطوير هذا الدور».

وخلال مشوارها في عشر سنوات، كرّمت الجائزة مئات العاملين في الترجمة من الأفراد والمؤسسات، في نحو 50 بلداً، لتفتح بذلك آفاقاً واسعة لالتقاء الثقافات، عبر التشجيع على الاهتمام بالترجمة والتعريب، ولتصبح الأكبر عالمياً في الترجمة من اللغة العربية وإليها، حيث اهتمت بها أكثر من 40 لغة، كما بلغت القيمة الإجمالية السنوية لمجموع جوائزها مليوني دولار.

ومنذ تأسيسها، كرمت الجائزة 27 مؤسسة ودار نشر من المؤسسات التي لها دور مهم في الترجمة، و157 مترجماً و30 مترجمة، حيث فاز كثيرون من مختلف اللغات الحية عبر العالم. حتى اللغات التي يتحدث بها بضعة ملايين بلغتها الجائزة وكرمت رواد الترجمة فيها من العربية وإليها. أما اللغات الكبرى في العالم فكان لها نصيب وافر من التكريم، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألانية والصينية والكورية واليابانية والتركية والفارسية والروسية.

وشملت الجائزة كذلك ميادين القواميس والمعاجم والجوائز التشجيعية للمترجمين الشباب وللمؤسسات الناشئة ذات الجهد الترجمي، وغطت مجالات الترجمة شتى التخصصات الإنسانية كاللغوية والتاريخية والدينية والأدبية والاجتماعية والجغرافية.

وتتوزع فئاتها على فئتين: «الكتب المفردة»، و«الإنجاز»، تختص الأولى بالترجمات الفردية، سواء من اللغة العربية أو إليها، وذلك ضمن اللغات الرئيسية المنصوص عليها في هذه الفئة. وتقبل الترشيحات من قبل المترشح نفسه، ويمكن أيضاً ترشيح الترجمات من قبل الأفراد أو المؤسسات.

أما الثانية فتختص بتكريم الجهود الطويلة الأمد المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها، في عدة لغات مختارة كل عام، وتُمنح الجائزة بناء على عدد من الأعمال المنجزة والمساهمة في إثراء التواصل الثقافي والمعرفي.