بريتي باتيل... سقوط نجم المحافظين البريطانيين

استقالت بعد عقدها 12 لقاء غير معلن مع سياسيين إسرائيليين

بريتي باتيل... سقوط نجم المحافظين البريطانيين
TT

بريتي باتيل... سقوط نجم المحافظين البريطانيين

بريتي باتيل... سقوط نجم المحافظين البريطانيين

25 ألف شخص تابعوا رحلة لخطوط الطيران الكينية، الأربعاء الماضي، عبر موقع «فلايت رادار 24». حملت هذه الرحلة وزيرة التنمية البريطانية السابقة إلى لندن، بعد أن قطعت رحلة رسميةإلى أفريقيا للعودة إلى العاصمة وتقديم استقالتها.
وخلال الساعات التي سبقت هبوط الطائرة الكينية في مطار هيثرو اللندني، تعالت أصوات النواب البريطانيين في مجلس العموم: «أين هي باتيل؟»، ليردّ أليستر بيرت وزير الدولة للشؤون الخارجية: «إنها في الأجواء». وحاول بيرت تبرير سلسلة لقاءات غير معلنة عقدتها باتيل، دون علم حكومتها، مع مسؤولين إسرائيليين، بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لعشرات النواب الغاضبين.
لم تتجه باتيل إلى مجلس العموم بعد رحلتها التي استمرت 9 ساعات، بل ذهبت مباشرة إلى «10 داونينغ ستريت»، مقر رئاسة الوزراء الذي دخلته من الباب الخلفي، إذ انتظرت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي. وبعد اجتماع لم يتجاوز 6 دقائق، وفق مصادر مطلعة، نشرت الحكومة البريطانية رسالة قدمت فيها الوزيرة التي لم تتجاوز سن الـ45، استقالتها. وكتبت: «أقدم اعتذاري الكامل لك وللحكومة لما حصل، وأقدم استقالتي». وغادرت باتيل «10 داونينغ ستريت»، من حيث دخلت: الباب الخلفي.

«نجم» المحافظين الصاعد
ولدت باتيل في لندن في عام 1972، في منطقة هارو بلندن، لسوشيل وأنجانا باتيل. يتحدّر والداها من غوجرات الهندية، التي هاجروا منها إلى أوغندا. وفي ستينات القرن الماضي، بعد فترة قصيرة من إعلان الرئيس عيدي أمين عن قرار طرد جميع الأوغنديين من أصول آسيوية، غادر الزوجان إلى بريطانيا واستقرّا في منطقة هارتفوردشير، شرق إنجلترا.
التحقت باتيل بمدرسة «واتفورد» للبنات، قبل أن تدرس الاقتصاد في جامعة كيل، ومن هناك التحقت في السلك الثاني بجامعة إسيكس للتخصص في الحكومة البريطانية والعلوم السياسية.
اتخذت باتيل من مارغريت ثاتشر «قدوة سياسية»، وقالت لموقع «توتال بوليتيكس» في 2012 إن ثاتشر «كانت لديها القدرة على فهم ما يهمّ الناس، والعائلات وقطاع الأعمال. (كانت لديها القدرة على) إدارة الاقتصاد، وتحقيق التوازن في الحسابات، واتخاذ القرارات. ليس شراء أشياء لا تستطيع الدولة تحمّل تكاليفها».
والتحقت باتيل بحزب المحافظين خلال فترة ترؤس جون ميجور الحكومة في تسعينات القرن الماضي.
عملت باتايل في المكتب الإعلامي لحزب المحافظين في لندن في عام 1997، لترأَس بعدها المكتب الصحافي للحزب. وغادرت باتيل منصبها في حزب المحافظين في عام 2000، لتنضمّ إلى شركة «ويبير شاندويك» الاستشارية.
وزعمت صحيفة «الغارديان» البريطانية في عام 2005 أن باتيل كانت واحدة من أعضاء الشركة الذين تسلموا إدارة ملفّ الشركة الأميركية - البريطانية للتبغ، التي كانت محور فضيحة في ميانمار عام 2003، على خلفية مزاعم بتمويلها النظام العسكري الديكتاتوري البورمي.
رشّحت باتيل نفسها في عام 2005 عن حزب المحافظين في دائرة منطقة نوتينغهام نورث، لكنها خسرت الرهان الانتخابي لصالح المرشح العمالي غراهام آلين. لكنها تقدمت مجدداً في انتخابات عام 2010، ليتم انتخابها في عهد ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا السابق. وأصبحت نائبة عن حزب المحافظين عن دائرة ويثام (Witham) في مقاطعة إسيكس. وقد أعيد انتخابها في 2015 نائبة عن دائرتها، بعد حملة انتخابية واجهت فيها هجمات شخصية اعتبر أنصارها أنها كانت عنصرية أحياناً وتمييزية ضدها كونها امرأة.
واعتذر منافسها العمالي آنذاك، جون كلارك، عن وصفها بـ«غبية القرية» و«شريرة بوند».
وأصبحت باتيل أمينة الخزانة، قبل أن تصبح وزيرة العمل في حكومة كاميرون. واعتبرت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أن الحزب كان ينظر إليها كنجمة صاعدة بسبب نشاطها وعملها الدؤوب في فترة الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ومُنحت منصب وزيرة التنمية بعد تولي تيريزا ماي رئاسة الوزراء في عام 2016.
في المقابل، اعتبر زميلها المحافظ كرسبين بلانت أن صعود باتيل السريع إلى مركز السلطة، جاء نتيجة «تمييز إيجابي»، باعتبارها «بريطانية من أصول آسيوية» نجحت «بشكل ممتاز» في حزب المحافظين.

نساء من أجل بريطانيا
برزت باتيل بعد إعلان ديفيد كاميرون تنظيم استفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي، مدافعةً شرسةً عن حملة الخروج. واعتبرت باتيل أن الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى الديمقراطية ويتدخّل في حياة البريطانيين اليومية. وانتقدت بشكل خاص تأثير الهجرة من الاتحاد الأوروبي على موارد بلادها، خصوصاً على المدارس البريطانية التي تعاني من أزمة اكتظاظ.
وأطلقت باتيل، خلال توليها وزارة الدولة لشؤون العمل، حملة «نساء من أجل بريطانيا»، قارنت فيها النساء الداعمات لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بحركة «Suffragette» التي دعمت حق النساء في التصويت بين نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.
وقالت باتيل في مارس (آذار) 2016 لشبكة «سكاي نيوز» إن تردد الناخبات البريطانيات سببه «حملة التخويف التي يقودها معسكر البقاء في الاتحاد الأوروبي». وأضافت: «أدعو الناخبات إلى التفكير في الاتحاد الأوروبي وأسلوب اتخاذ القرار فيه، وكيف سيؤثّر عليهن وأطفالهن والأجيال المقبلة، خصوصاً فيما يتعلّق بالحصول على الخدمات العامة وسنّ القوانين المحلية».
وواجهت حملة باتيل انتقادات حادّة من هيلين بانكهيرست، حفيدة إحدى أشهر النساء اللائي شاركن في الحملة لحصول النساء على حق التصويت في حركة Suffragette، وأدانت استخدام إنجازات إيملين بانكهيرست التاريخية لدعم حملة «بريكست»، وفق صحيفة «الغارديان» البريطانية.
وعقب تصويت 51 في المائة من الناخبين البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، واستقالة كاميرون، عام 2016، دعمت باتيل بقوة تيريزا ماي في سعيها للحصول على رئاسة الوزراء. وقالت باتيل إن ماي تتمتّع بالقوة والتجربة اللتين يتطلّبهما المنصب، واعتبرت أن أندريا ليدسوم (أبرز منافسات ماي في 2016) لا تحظى بدعم حزب المحافظين وستتسبّب في تقسيمه.
وقارنت باتيل في مقابلة مع «تلغراف» ليدسوم بجيريمي كوربين زعيم حزب العمال الذي «قسّم المعارضة»، على حدّ قولها.

فضيحة «اللقاءات السرية»
كانت باتيل تتمتع بشعبية واسعة بين المحافظين، خصوصاً الداعمين منهم للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، حتى إن بعضهم لم يستبعد أن تتسلّم هي رئاسة الحزب في المستقبل. لكن طموحها السياسي اصطدم الأسبوع الماضي بفضيحة تسببت في استقالتها من منصب وزيرة التنمية وفي إضعاف تيريزا ماي وبرنامجها السياسي.
فقد أثارت باتيل جدلاً سياسياً كبيراً في بريطانيا خلال الأيام الماضية، بعدما كُشف أنها عقدت 12 لقاء مع مسؤولين إسرائيليين، بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أثناء عطلة من 13 يوماً وصفتها بـ«العائلية» أمضتها في إسرائيل في أغسطس (آب)، بغير علم حكومتها.
وأوردت تقارير إعلامية بريطانية أن ستيوارت بولاك، الرئيس الفخري لمجموعة ضغط مؤيدة لإسرائيل تسمى «أصدقاء إسرائيل المحافظين»، هو من رتّب هذه اللقاءات التي لم يحضرها أي مسؤول بريطاني آخر.
وأفاد مكتب رئيسة الوزراء البريطانية بأن باتيل قالت لماي إنها بحثت مع محاوريها الإسرائيليين إمكانية تمويل المساعدات التي يقدمها الجيش الإسرائيلي للجرحى السوريين في الجولان، الذي لا تعترف بريطانيا بضم إسرائيل للقسم المحتل منه. ويتناقض ذلك مع الموقف الرسمي لبريطانيا، وفق وكالة الصحافة الفرنسية، الذي يعتبر تمويل الجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان «غير مناسب» لأنها تعتبرها أرضاً محتلة، كما ذكر وزير في البرلمان الثلاثاء الماضي.
وأضاف بيان مكتب رئاسة الحكومة أن الوزيرة تعرضت للتوبيخ الشخصي من ماي. لكن وكالة «برس أسوسييشن» البريطانية نقلت أن باتيل أغفلت في إقرارها باللقاءات ذكر لقاءين آخرين نُظّما في سبتمبر (أيلول) مع وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي غلعاد أردان، ومدير عام وزارة الخارجية يوفال روتيم.
وأكدت وزارة التنمية هذه اللقاءات، لافتة إلى أنها لم تتبّع إجراءات التنظيم المعتمدة.
واعتبر حزب العمال المعارض تصرّف باتيل في اللقاءات غير المعلنة بـ«مخالفات خطيرة» لقواعد السلوك الوزاري ارتكبتها الوزيرة المحافظة. وقالت إيفيت كوبر، العضو البارز في حزب العمال، لهيئة «بي بي سي» معلقة على آخر فضيحة تواجهها حكومة ماي: «ليس لدينا الانطباع بوجود توجيه أو بأن رئيسة الوزراء تمسك بزمام الأمور، في الوقت الذي نحتاج حقاً إلى حكومة تعمل (بصورة جيدة). هذا يضر بصورتنا في العالم في حين تجري مفاوضات دولية حاسمة».
كما اتهم «عماليون» آخرون الوزيرة المستقيلة بـ«تضليل» الرأي العام البريطاني.
يُشار إلى أن وزارة الخارجية البريطانية تطالب دبلوماسييها ووزراءها بعدم عقد لقاءات دون علمها، تفادياً لإرسال إشارات متضاربة للحكومات الأجنبية.
وزاد رحيل باتيل المؤيدة بشدة للانفصال عن الاتحاد الأوروبي (بريكست) من إضعاف فريق ماي المنقسم، في وقت يخوض مفاوضات حاسمة مع بروكسل بهذا الشأن.
وكتبت باتيل في رسالة استقالتها أن «تقارير عدة نُشرت حول ما قمت به، وأنا آسفة للبلبلة التي أثرتها».
وقبلت ماي الاستقالة، وردت في رسالة أكدت فيها أن «بريطانيا وإسرائيل حليفتان مقربتان، ومن الصواب أن نعمل معاً عن قرب، لكن يجب أن يتم الأمر بصورة رسمية».
وكانت باتيل ثاني وزير يغادر حكومة ماي خلال أسبوع، بعد وزير الدفاع مايكل فالون الذي استقال في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) بسبب فضيحة تحرش جنسي هزت الطبقة السياسية، وتهدد بإسقاط مقرب آخر من ماي هو نائبها داميان غرين، وكذلك وزير الدولة للتجارة الدولية مارك غارنيير.

ماذا بعد الاستقالة؟
بعد أقل من أسبوع على استقالتها من حكومة ماي، عادت باتيل إلى واجهة الساحة السياسية بهجوم لاذع على زعيم المعارضة العمالية. وقالت باتيل خلال جلسة في مجلس العموم، أول من أمس، إن حزب العمال «يودّ أن يحكمه الاتحاد الأوروبي».
وأضافت خلال دفاعها على موقف الحكومة من قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، أن بريطانيا أمام فرصة لسلك الطريق الصحيح، وتطبيق إرادة الشعب البريطاني.
واعتبرت أن بعض المعارضين لا يثقون في ديمقراطية بريطانيا وفي قدرتها على «حكم نفسها».
وجاءت تصريحات باتيل في إطار معركة تخوضها ماي ضد المعارضة العمالية وبعض المحافظين «المتمردين» حول مشروع القانون الذي يهدف إلى وضع حد لسيادة التشريعات الأوروبية على القانون البريطاني.
وكان البرلمان صادق في قراءة أولى في سبتمبر الماضي على هذا النص الحيوي الذي من المفترض أن يتيح للمؤسسات في المملكة المتحدة مواصلة أعمالها بشكل طبيعي بعد خروجها بشكل تام من الاتحاد الأوروبي.
لكن مراجعته بشكل دقيق تأخرت، وبررت الحكومة ذلك بضرورة أخذ الوقت الكافي لدراسة مختلف التعديلات الـ188 التي تقدم بها نواب من مختلف الانتماءات الحزبية، وستكون موضوع المراجعة أمام البرلمان في الأسابيع المقبلة.



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».