مونديال 2018... روسيا «تتكلم عربي»

إنجاز غير مسبوق بمشاركة السعودية ومصر والمغرب وتونس

نواف العابد يحتفل بأنتصار السعودية على اليابان (رويترز)
نواف العابد يحتفل بأنتصار السعودية على اليابان (رويترز)
TT

مونديال 2018... روسيا «تتكلم عربي»

نواف العابد يحتفل بأنتصار السعودية على اليابان (رويترز)
نواف العابد يحتفل بأنتصار السعودية على اليابان (رويترز)

العرب يزحفون إلى روسيا... هذا هو المنتظَر بعدما باتت الجماهير العربية على موعد مع إنجاز غير مسبوق يتمثل في مشاركة أربعة منتخبات عربية في كأس العالم 2018 للمرة الأولى في التاريخ. وتأهّلَت منتخبات السعودية ومصر والمغرب وتونس إلى مونديال روسيا 2018.
ولم يسبق أن تأهلت أربعة منتخبات عربية إلى كأس العالم على مدار تاريخ البطولة الذي بدأ عام 1930، حيث كان أقصى عدد ثلاثة فرق، وحدث ذلك مرتين في نسختي 1986 و1998. وسجل المنتخب المصري بداية المشاركة العربية في المونديال وذلك في نسخة 1934، ولكن المنتخبات العربية غابت عن المونديال 36 عاماً وتحديداً حتى نسخة 1970 التي تأهل لها المنتخب المغربي. ومثل المنتخب التونسي العرب في نسخة 1978 ثم صعد منتخبا الجزائر والكويت لمونديال 1982 قبل أن تصعد ثلاثة منتخبات لنسخة 1986، وهي العراق والجزائر والمغرب.
تأهل منتخبا مصر والإمارات إلى مونديال 1990 ثم المغرب والسعودية في نسخة 1994، كما صعدت المغرب والسعودية أيضاً لنسخة 1998 جنبا إلى جنب مع منتخب تونس.
ومثّل منتخبا السعودية وتونس العرب في المونديال في نسختي 2002 و2006، بينما كان المنتخب الجزائري هو الممثل الوحيد للعرب في نسختي 2010 و2014.
وعبر هذه السنوات اصطدم العرب ببعضهم مرتين، وكان المنتخب السعودي طرفاً في المرتين؛ الأولى في مونديال 1994 بالولايات المتحدة الأميركية مع نظيره المغربي وخرج فائزاً بهدفين مقابل هدف في مرحلة المجموعات، وفي الثانية واجَه المنتخب التونسي بالدور الأول لمونديال ألمانيا 2006 وانتهت بالتعادل الإيجابي 2/ 2.

السعودية تحصد أول بطاقة عربية
كانت السعودية في الخامس من سبتمبر (أيلول) الماضي، أول المتأهلين العرب إلى النهائيات، وذلك للمرة الخامسة في تاريخها والأولى منذ 2006، بعد فوزها على اليابان 1 - صفر في الجولة الأخيرة من الدور الثالث الحاسم للتصفيات الآسيوية.
وحلت السعودية برصيد 19 نقطة، ثانية خلف اليابان في المجموعة الآسيوية الثانية التي ضمت أيضاً أستراليا والإمارات العربية المتحدة والعراق وتايلاند. وتمكنت المملكة العربية السعودية من تحقيق ستة انتصارات من عشر مباريات، مقابل تعادل وثلاث خسارات.
ويظل الإنجاز السعودي في تجربتها الأولى بالمونديال عام 1994 بالولايات المتحدة، هو الأفضل، حيث نجح المنتخب في العبور إلى دور الـ16 وتسجيل النجم سعيد العويران هدفاً ما زال يُعدّ من أفضل ما سُجِّل في تاريخ النهائيات على الإطلاق. وتتطلع السعودية في مونديال روسيا لتقديم ما هو أفضل من مشاركتها في كأس العالم 1998 (فرنسا)، و2002 (كوريا الجنوبية واليابان) و2006 (ألمانيا)، حين خرجت في المرات الثلاث من الدور الأول.
ويعول المنتخب السعودي على جيل واعد من المواهب الشابة أبرزهم نواف العابد (نادي الهلال) وسلمان الفرج (الهلال) وفهد المولد (الاتحاد) وأسامة هوساوي (الهلال).
ويأمل المنتخب السعودي أن يصل إلى موعد المونديال وهو في كامل الإعداد البدني والفني خصوصاً أنه بدأ يعاني خلال المباريات التجريبية التي أعقبت تأهله تحت قيادة مدربه الجديد الأرجنتيني إدغاردو باوزا.
وكان الاتحاد السعودي قد فك ارتباطه بالمدرب الهولندي بيرت فان مارفيك، الذي قاد المنتخب إلى النهائيات بعد انتهاء آخر مباراة في التصفيات الآسيوية أمام اليابان بساعات.
وتردد أن فان مارفيك رفض الوجود في السعودية بشكل دائم، وفضل أن يكون حضوره متوافقاً مع المعسكرات والمباريات فقط، وهو الأمر الذي رآه الاتحاد السعودي لا يتناسب مع خطط وطموح الفريق المقبلة، لا سيما أن الدولة تنتظر ظهوراً مشرفاً في مونديال روسيا.
لكن بعد شهرين من التعاقد مع باوزا أصبح المدرب الأرجنتيني تحت ضغط كبير وخصوصاً إثر خسارته مرتين الأسبوع الماضي (1/ صفر أمام بلغاريا و3/ صفر أمام البرتغال).
وعلق تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العام للرياضة في السعودية على عروض المنتخب الأخيرة قائلاً: «في حسابه الشخصي على «تويتر»: «لا توجد هوية فنية والنتائج غير مرضية... باوزا تحت المجهر».
لكن مع بقاء 8 أشهر حتى موعد المونديال لا يزال أمام المنتخب السعودي الوقت لتصحيح المسار سواء استمر باوزا أو جرى استقدام جهاز فني جديد.

مصر تعود بعد غياب 27 عاماً
كان المنتخب المصري صاحب البطاقة العربية الثانية إلى مونديال روسيا، بعدما حقق إنجازاً طال انتظاره لنحو ثلاثة عقود.
وضمن المنتخب المصري التأهل إلى نهائيات كأس العالم للمرة الأولى منذ عام 1990 بفوزه على ضيفه الكونغو 2 - 1، بفضل ركلة جزاء في الدقيقة الخامسة من الوقت بدل الضائع للاعب ليفربول الإنجليزي محمد صلاح، ولتكتسي البلاد باللون الأحمر (لون قميص الفريق) احتفالاً ببلوغ المونديال للمرة الثالثة بعد 1934 و1990، علماً بأن المنتخب خرج في المرتين من الدور الأول.
ومنذ عام 1990، تعرض منتخب مصر لعدة إخفاقات درامية، لكنه عاد للظهور في الحدث الأكبر في العالم بطريقة تنبأ بها فيلم سينمائي، وبجيل لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن يكون هو سبب الفرحة.
لكن لو أراد المصريون توجيه الشكر إلى شخص واحد فبالتأكيد هو محمد صلاح، الذي سجل هدف الانتصار في وقت بدا أن كل شيء سينهار، بعدما تعادلت الكونغو قبل ثلاث دقائق من النهاية.
وجاءت ركلة الجزاء المصرية في الوقت المحتسَب بدل الضائع نفذها صلاح بنجاح ليعود الفراعنة إلى كأس العالم بسيناريو حبس أنفاس أكثر من 100 مليون مصري وعوض إخفاقات 27 عاماً.
وفي يوليو (تموز) 2009 عُرض فيلم حول قصة لاعب مصري شاب ينتقل إلى فالينسيا الإسباني لكنه يتعرض لإصابة كادت تنهي مسيرته لكن يعود ويحرز هدفاً في الوقت المحتسب بدل الضائع في آخر مباراة بالتصفيات ليقود مصر لكأس العالم.
وبعد ثمانية أعوام نفذ صلاح سيناريو مشابهاً فانتقل لاعب المقاولون العرب وعمره 20 عاماً إلى بازل السويسري، ومنه إلى تشيلسي قبل انتقاله إلى إيطاليا للحصول على فرصة لعب أكبر.
وفي الدوري الإيطالي صنع صلاح اسماً كبيراً مع فيورنتينا وروما قبل انتقاله هذا الصيف إلى ليفربول في صفقة ضخمة ويقود مصر لكأس العالم ليصبح من أبرز المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب أفريقي هذا العام.
وعندما شاركت مصر في كأس العالم للمرة الأخيرة عام 1990، لم يكن محمد صلاح ورمضان صبحي وأحمد حجازي قد وُلِدوا، وبعد نحو ثلاثة عقود، بات هؤلاء ركيزة جيل شاب أعاد «الفراعنة» إلى المونديال.
ويُعدّ صلاح المنتقل هذا الصيف من روما الإيطالي إلى ليفربول في صفقة قدرت بـ38 مليون جنيه إسترليني، أبرز لاعب في التشكيلة المصرية الحالية، ويحقق أداءً لافتاً في الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم، جعله من أفضل اللاعبين في مركزه.

المغرب إلى النهائيات لمرة خامسة
نجح مدرب المنتخب المغربي، الفرنسي هيرفيه رينار، في رهانه، وحقق حلماً انتظره المغاربة لعقدين، كونه وضع التأهل لكأس العالم هدفاً في عَقده لدى تعيينه مكان بادو الزاكي. وهي المرة الأولى التي ينجح فيها رينار في قيادة منتخب إلى نهائيات كأس العالم في مسيرته التدريبية المتوجة بلقبين في كأس الأمم الأفريقية مع زامبيا عام 2012 وساحل العاج عام 2015. وحسم المنتخب المغربي تأهله بالفوز 2/ صفر على ساحل العاج في الجولة الأخيرة من التصفيات الأفريقية، ما أتاح لـ«أسود الأطلس» العودة إلى المونديال للمرة الأولى منذ 1998.
واستفاد المنتخب المغربي جيداً من خبرة رينار ومعرفته الجيدة بساحل العاج التي أشرف على تدريبها قبل 3 أعوام، وقادها إلى اللقب القاري الثاني في تاريخها، قبل أن يتركها للإشراف على نادي ليل الفرنسي حيث أقيل من منصبه ليتسلم الإدارة الفنية لـ«أسود الأطلس».
وسبق للمغرب بلوغ المونديال أعوام 1970، 1986، 1994 و1998.
وما زالت الاحتفالات تسيطر على الأجواء في المغرب منذ عودة المنتخب الأسبوع الماضي من أبيدجان ببطاقة التأهل.
وظهر المنتخب المغربي تحت قيادة رينار صلباً ومتماسكاً، حيث لم يتعرض لأي خسارة خلال التصفيات التي أنهاها في صدارة المجموعة برصيد 12 نقطة بفارق 4 نقاط أمام ساحل العاج التي فشلت في التأهل للمونديال الرابع على التوالي.
ووجد رينار الصيغة الملائمة لتوليف مجموعة المحترفين مع المحليين والظهور كفريق متكامل، وهذا أمر واعد بالنسبة إلى كأس العالم، حيث يأمل الفريق في تحقيق نتائج جيدة أقلها عبور الدور الأول كما فعل عام 1986.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس هو أول المهنئين للاعبيه بالتأهل، معرباً عن أمله في أن تكون هذه الخطوة بمثابة صفحة جديدة في سجل كرة القدم المغربية.
ويعول المنتخب المغربي على مجموعة متميزة محترفة للظهور بشكل مشرف في روسيا، وأبرزها منير المحمدي، ونبيل درار، وغانم سايس، والمهدي بنعطية، وأشرف حكيمي، وكريم الأحمدي، ومبارك بوصوفة، وحكيم زياش، ويونس بلهندة، نور الدين أمرابط، وخالد بوطيب.

تونس وطموح عبور الدور الأول
مع حصد تونس بطاقة التأهل العربية الرابعة، ارتفع سقف الطموح من مجرد الاحتفال بالوصول إلى كأس العالم إلى عبور الدور الأول على أقل تقدير.
ونجح المنتخب التونسي في إعادة البسمة لجمهوره التواق للظهور في النهائيات لأول مرة منذ 2006، خصوصاً بعد موسم مخيِّب للأندية في المسابقات الأفريقية.
وكان تعادل تونس دون أهداف على أرضها أمام ليبيا، الأسبوع الماضي، كافياً للمنتخب لضمان الظهور في مونديال روسيا، العام المقبل، حيث تصدرت مجموعتها برصيد 14 نقطة متقدمةً على جمهور الكونغو الديمقراطية (13 نقطة)، فيما خرجت ليبيا وغينيا من السباق مبكراً.
ويملك المنتخب التونسي مجموعة جيدة من اللاعبين أصحاب الخبرة سواء المحترفين في أوروبا أو المحليين، وحول ذلك علق نجم أنيس بوجلبان لاعب تونس السابق بأن الإنجاز «جاء في وقته وأعاد الكرة التونسية إلى وضعها الصحيح بعد فترة من الإخفاقات».
وأضاف لاعب الصفاقسي والأهلي المصري سابقاً: «حققنا هدفاً منشوداً بالعودة إلى المحفل العالمي، والآن نتمنى تقديم مستوى مشرف في النهائيات في روسيا».
وكان منتخب تونس قد عانى خلال السنوات الأخيرة، ولم يتخطَّ حاجز دور الثمانية لكأس الأمم الأفريقية منذ تتويجه باللقب على أرضه في 2004، إضافة للفشل في الوصول لنهائيات كأس العالم في 2010 و2014.
ونجح المدير الفني الوطني علي معلول في إعادة الروح للفريق منذ أن تولى منصبه قبل 7 أشهر تقريباً، وحافظ على مسيرة خالية من الهزائم منذ تولى القيادة خلفاً للبولندي هنري كاسبرزاك.
وفازت تونس ست مرات وتعادلت مرتين في ثماني مباريات بالتصفيات، وسجلت 15 هدفاً في هذه الفترة.
ويرى المراقبون أن المنتخب التونسي يملك إمكانات جيدة ويضم لاعبين ممتازين قادرين على التألق في كأس العالم، لكن يجب قبل ذلك معالجة بعض النقائص، من بينها تراجع الصلابة الدفاعية المعهودة.
وأعلن القائمون على الاتحاد التونسي أنهم في انتظار ما ستسفر عنه القرعة لمعرفة المنافسين وبعد ذلك سيتم وضع برنامج تحضيري منظم. ولم يسبق لتونس أن اجتازت الدور الأول في أربع مشاركات سابقة في نهائيات 1978 و1998 و2002 و2006.



دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».