«تنذكر وما تنعاد»... مبادرة ضد حوادث السير في لبنان

800 قتيل سنوياً حصيلة حوادث السير في لبنان
800 قتيل سنوياً حصيلة حوادث السير في لبنان
TT

«تنذكر وما تنعاد»... مبادرة ضد حوادث السير في لبنان

800 قتيل سنوياً حصيلة حوادث السير في لبنان
800 قتيل سنوياً حصيلة حوادث السير في لبنان

بدعوة من أمانة سر المجلس الوطني للسلامة المرورية، تمّ إحياء الذكرى السنوية لضحايا حوادث السير في لبنان، تحت عنوان «تنذكر وما تنعاد». هذه الذكرى التي أخذت طابعاً رسمياً هذا العام، من خلال مشاركة فاعلة فيها من قبل الدولة اللبنانية، إضافة إلى المجتمع المدني وجمعيات توعوية أخرى، مشابهة لتلك التي تقام في مختلف دول العالم في هذا المجال. وجمع هذا اللقاء الذي استضيف في فندق فينيسيا (وسط بيروت)، المعنيين في هذه المشكلة من القطاعين الخاص والعام والإدارات الرسمية وممثلين عن غرفة التحكم المروري وقوى الأمن الداخلي. كما ألقى خلاله كلمات لوزير الاتصالات جمال الجراح، وأمين سر المجلس الوطني للسلامة المرورية البروفسور رمزي سلامة، ومدير عام قوى الأمن الداخلي عماد عثمان، ورئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء ندى عويجان، وكذلك إدارة شركة «ألفا» للاتصالات ممثلة برئيس مجلس إدارتها المهندس مروان الحايك.
واستهل هذا اللقاء بعرض لفيلم مصور قصير يتناول بعض حوادث السير التي جرت على طرقات لبنانية وقد التقطتها كاميرات المراقبة في غرفة التحكم المروري مباشرة من على الأرض. كما أطلّت الممثلة كارلا بطرس كمتحدثة تمثل ضحايا حوادث السير راوية شهادتها الحية حول فقدانها لزوجها في عام 2007، في حادث سير مروع. وأعلن الفنان ناجي الأسطا الذي كان من بين المدعوين، وشارك العام الماضي في هذه الذكرى من خلال أغنيته «حتى ما اشتقلك يوم» عن مشروع إقامة حفل غنائي في بيروت يعود ريعه لضحايا حوادث السير في لبنان.
ومن المشاريع الجديدة التي أطلقتها مبادرة «تنذكر وما تنعاد»، توزيع بوستر توعوي على كل المدارس اللبنانية للفت انتباه تلاميذها على هذه المشكلة أعده المركز التربوي للبحوث والإنماء في لبنان. وستقام في موازاة هذا اللقاء مبادرات أخرى ينظمها عدد من الجمعيات والهيئات الاجتماعية لحث المواطن اللبناني على التقيد بقوانين السلامة المرورية والتعريف عنها في لقاءات تنعقد في حدائق عامة وساحات معروفة في عدد من المناطق اللبنانية.
وبالحديث عن الإنجازات التي حققتها هذه المبادرة ومشاريعها المستقبلية أشار ميشال مطران (مساعد أمين سر المجلس الوطني للسلامة المرورية) الذي التقيناه هناك لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنّ حيازة شركة «ألفا» للاتصالات على شهادة «أيزو 39001» من قبل أكاديمية «كواليتاس» البريطانية، وإطلاق مبادرة «نتس» لتوعية الموظفين وسائقي السيارات من أجل المساهمة في تطبيق قوانين السلامة المرورية، تأتيان في مقدمة الإنجازات الملحوظة في هذا الإطار. وأضاف: «شركة (ألفا) للاتصالات الملتزمة المجلس الوطني للسلامة المرورية منذ أكثر من 5 سنوات، تعدّ الأولى في منطقة الشرق الأوسط التي تحصل على هذه الشهادة الدولية لمساهمتها الفعالة في الحد من حصول حوادث السير. فهي تعتبر نفسها جزءاً مباشرا من مشكلة حوادث السير (من خلال استخدام اللبنانيين الأجهزة المحمولة خلال قيادتهم لسياراتهم)، وكذلك جزءا لا يتجزّأ من الحلول المقدمة في هذا الموضوع، وبذلك فهي اليوم الراعية الأساسية للمبادرة». وعن مبادرة «نتس» التي أُطلقت في هذا اللقاء أوضح: «هي تمرينات وتدريبات يخضع لها موظفو أساطيل النقل في شركات خاصة وعامة ابتداء من هذا العام للتقيد بقوانين السير». ومن الشركات التي ستطبق هذه المبادرة على موظفيها «ليبان بوست» المشغّل البريدي الذي استحدث في عام 1998 في لبنان. وحسب شركة «ألفا» فلقد كانت السباقة في تطبيق هذه المبادرة على موظفيها، الذين كانوا يواجهون إمكانية طردهم من العمل في حال مخالفتهم قوانين السلامة المرورية المتبعة في لبنان، وبينها التحدث على الهاتف الخلوي، وهو الأمر الذي ساهم في حيازتها على الشهادة الدولية «أيزو 39001».
وفي إحصاءات غير رسمية تبين أنّ لبنان يحصد سنوياً 800 قتيل بسبب حوادث السير و12 ألف جريح والتي يتأتى عنها أيضا إصابة ألف شخص بإعاقة دائمة. ويشكل المشاة نسبة 30 في المائة من ضحايا حوادث السير دهسا على الطرقات.
وفي مناسبة هذا اللقاء تمت إضاءة مبنى شركة «ألفا» للاتصالات كعربون تكريم لضحايا حوادث السير، فيما وزّع في المقابل حاجز لعناصر من قوى الأمن الداخلي الورود على المارة كلفتة منهم عن أرواح هؤلاء.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».