«ليلة زكريا».. مناسبة يحييها العراقيون أول يوم أحد من شهر شعبان

الأسواق الشعبية مكتظة بالمتسوقين من النساء لشراء متطلباتهن ولوازمهن

إحدى الأسواق الشعبية في بغداد بالقرب من شارع الرشيد («الشرق الأوسط»)
إحدى الأسواق الشعبية في بغداد بالقرب من شارع الرشيد («الشرق الأوسط»)
TT

«ليلة زكريا».. مناسبة يحييها العراقيون أول يوم أحد من شهر شعبان

إحدى الأسواق الشعبية في بغداد بالقرب من شارع الرشيد («الشرق الأوسط»)
إحدى الأسواق الشعبية في بغداد بالقرب من شارع الرشيد («الشرق الأوسط»)

تشهد الأسواق العراقية الشعبية هذه الأيام اكتظاظا بالمتسوقين وخصوصا من النساء لشراء متطلبات ولوازم إحياء ليلة زكريا التي تصادف أول يوم أحد من شهر شعبان من كل عام. وترجع عادات وتقاليد طقوس ليلة زكريا المتوارثة من زمن بعيد إلى قصة النبي زكريا عليه السلام الذي استجاب الله لدعائه ورزقه طفلا من زوجة عاقر وهو في الـ90 من العمر، فأضحت تقليدا لدى النساء اللاتي لم ينجبن أو من لم يرزقن بالذكور من الأبناء أو حتى لتحقيق أي أمنية أخرى، أملا في أن يستجيب الله لما يتمنين من خلال إحياء هذه الليلة. وفي إحدى الأسواق الشعبية التي تقع بجانب الكرخ، كان هناك حضور كبير لنسوة جئن لشراء لوازم إحياء الليلة.
أم عباس، 65 عاما، جاءت لشراء مستلزمات إحياء الليلة، وقالت في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية: «لقد توارثنا إحياء ليلة زكريا عن آبائنا وأجدادنا وقد نذرت إن رزقني الله بطفل بعد عدة سنوات من عدم الإنجاب، سأقوم بصيام ثلاثة أيام عن الكلام كما فعل النبي زكريا عندما استجاب الله لدعائه ورزقه بطفل سماه يحيى. والذي يسمى عند الشعوب الأخرى بيوحنا، كما جاء في القرآن الكريم».
وأضافت: «فعلا لقد رزقني الله طفلا فصمت ثلاثة أيام عن الكلام وأعددت صينية وضعت فيها عيدان البخور والشموع وأغصان أشجار الآس والأباريق والأواني الفخارية وصحون الحلويات والمكسرات والمعجنات ويكون موعدها عند وقت الغروب». وأشارت إلى أن «إحياء هذه الليلة أصبح مناسبة اجتماعية يجتمع فيها الأقارب والجيران وخصوصا الأطفال الذين يقومون بقرع الطبول المصنوعة من الفخار (الدنبك) ويرددون الأغنية الشعبية لهذه المناسبة يا زكريا عودي علي.. كل سنة وكل عام ننصب صينية».
أما أم حسنين، 55 عاما، التي كانت موجودة في السوق أيضا فقالت: «لقد أنجبت أربع بنات ولم يرزقني الله بذكر، فنذرت أن أقوم بإعداد صينية كل عام إن رزقت بذكر، والحمد لله رزقت بـ(حسنين) الذي أصبح اليوم أبا وما زلت أحيي هذه المناسبة كل عام».
وكان هناك عدد من الفتيات غير المتزوجات، ولدى سؤالهن عن سبب شرائهن مستلزمات هذه الليلة وخصوصا أنهن لم يتزوجن بعد فأجابت هبة، 25 عاما، وتعمل في أحد المصارف الأهلية: «لقد جئت مع صديقاتي لشراء الشموع والسمسم والحلقوم وقمر الدين والبقلاوة والحمص والجوز واللوز والزبيب، بعد أن قررن إعداد صينية لمناسبة ليلة زكريا». وأضافت: «بعد تجهيز الصينية بالصحون نقوم بتثبيت الشموع فيها وستقوم كل فتاة ترغب بالزواج بغرس دنبوس فيها والدعاء بأن يستجيب الله ويحقق أمانيهن والنذر بإحياء هذه المناسبة كل عام».
ولا يخفي الباعة في سوق الشورجة وسط بغداد سعادتهم، وهو من أقدم الأسواق الشعبية في العراق وأكبرها سعادة في هذه الأيام حيث تزداد عمليات بيع مختلف المواد التي تتطلبها هذه المناسبة كالطبول والجرار المصنوعة من الفخار والتي أصبحت من التراث فضلا عن المكسرات والحلويات والشموع ومختلف الهدايا التي تقدم للصغار.
الحاج إبراهيم، 60 عاما، يقول إن «ما نقوم ببيعه هذه الأيام يفوق ما يجري بيعه طيلة السنة، لأن أغلب العائلات ما عادت تستعمل الفخاريات إلا ما ندر ولكن يوم زكريا يشهد إقبالا كبيرا لشراء هذه المواد، لأنه في طقوس هذا اليوم يجري توزيع الطبول على الأطفال وكسر الجرات». وحتى يوم الأحد الذي يصادف أول يوم أحد من شهر شعبان فإن الكثير من العائلات العراقية وعلى مختلف طوائفها ومذاهبها ستحيي هذه المناسبة التي يجدون فيها فرصة لتجمع الأهل والأقارب والمعارف الذين اعتادوا الاجتماع لإحياء ليلة زكريا.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».