النوادي الليلية بالقاهرة تعود للانتعاش بعد ثلاث سنوات من الركود

ملتقى للأجانب والسياح والأصدقاء على نغمات الموسيقى

برامج حفلات النوادي الليلية بالقاهرة لا تخلو من الموسيقى والغناء («الشرق الأوسط»)
برامج حفلات النوادي الليلية بالقاهرة لا تخلو من الموسيقى والغناء («الشرق الأوسط»)
TT

النوادي الليلية بالقاهرة تعود للانتعاش بعد ثلاث سنوات من الركود

برامج حفلات النوادي الليلية بالقاهرة لا تخلو من الموسيقى والغناء («الشرق الأوسط»)
برامج حفلات النوادي الليلية بالقاهرة لا تخلو من الموسيقى والغناء («الشرق الأوسط»)

مع دقات الساعة السادسة معلنة غروب الشمس، يبدأ الاستعداد لإقامة احتفالات من نوع خاص داخل الكثير من النوادي الليلية بالقاهرة. وتختلط كؤوس العصائر الطازجة مع فناجين الشاي والقهوة، على أصوات الموسيقى الهادئة. وغالبية الزبائن من العاملين والسياح الأجانب الذين يبحثون عن فرصة للتلاقى في أجواء آمنة، سواء مع بعضهم بعضا أو مع أصدقائهم المصريين. وبين حين وآخر يصعد أحد الزبائن ليستعرض موهبته في الغناء أو تقديم فاصل فكاهي.
«البعض يعدها فرصة لتقضية وقت ممتع مع الأهل والأصدقاء ليس أكثر ولا أقل». هكذا لخص نور خليل، مدير العلاقات العامة في «ملهى تيبسي» بضاحية المعادي الجديدة الوضع العام لمثل هذا النوع من النوادي الليلية قبل أن يستطرد قائلا: «ازدادت نسبة الإقبال على الملاهي الليلة في أعقاب الثورة المصرية وخصوصا بعد ثلاث سنوات عم فيها اليأس والإحباط قطاعا كبيرا من الشباب».
وتتنوع الموسيقى ما بين الفرق الغربية التي تعزف على آلات النفخ والغيتار، والموسيقى الشرقية التي تعتمد على العود والناي، وأحيانا تتفجر الإيقاعات الصاخبة. ويضيف خليل قائلا: «الموسيقى عموما تزيد من الحماس والتفاؤل الذي نحن في أشد الحاجة إليه حاليا، كما أن مثل هذا النوع من النوادي أصبح أيضا مجالا استثماريا مضمونا بنسبة كبيرة خاصة بعد افتتاح عشرات الملاهي الليلية في غضون أقل من عامين مما يوحي بالتفاؤل بشأن الوضع الأمني والاقتصادي في البلاد».
ويضيف خليل مؤكدا: «إذا كان الإقبال قبل الثورة بنسبة 30 في المائة فهو الآن يصل إلى نحو 80 في المائة وفي ازدياد مستمر، وهذا يؤكد أن الاتجاه للاهتمام بصناعة أماكن الترفيه التي تتضمن السهر وتناول العشاء في الخارج للأسر والأصدقاء، تشهد ازدهارا كبيرا جدا يساعد عليه انتعاش قطاع السياحة من جديد».
ويؤكد نور خليل قائلا، إن «تكلفة افتتاح ملهى ليلي من هذا النوع تصل مبدئيا إلى نحو ثلاثة ملايين جنيه (الدولار يساوي نحو سبعة جنيهات) وقد تزيد حسب إمكانيات المكان. كما أن هناك الكثير من الرعاة الرسميين الذين يقدمون المشروبات داخل المكان وتكون غالبا لكبرى شركات المشروبات العالمية». ويضيف: «رواج مشاريع الملاهي أو النوادي الليلية يكمن في رغبة الناس في الاحتفال وإعادة البسمة إلى حياتهم بعيدا عن مشكلات الحياة اليومية وضغوطها التي لا تنتهي وخصوصا بعد ثلاث سنوات زاد فيها الاحتقان السياسي والاجتماعي بشكل كبير».
ومرت مصر بأزمة اقتصادية كبيرة في أعقاب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 والتي أطاحت بحكم الرئيس السابق حسني مبارك، أثرت على الكثير من المشاريع الاستثمارية خاصة التي تعتمد على قطاع السياحة وذلك بسبب تدهور الوضع الأمني وغياب السيطرة الأمنية في الشارع المصري والتي اضطر بسببها الكثير من المستثمرين إلى ترك البلاد خاصة بعد أن بدأت نسبة الإقبال على مشاريعهم تتناقص بشكل مستمر كما يقول شادي سري مدير وصاحب «ملهى فانتازي» بضاحية مصر الجديدة.
ويضيف شادي سري: «حالة الكساد التي أعقبت الثورة المصرية عمت الكثير من القطاعات خاصة تلك التي تعتمد بشكل كبير علي السياحة، ولكن أعتقد أن الوضع بدأ في التحسن الآن بشكل كبير جدا وملحوظ، ففي غضون الثلاثة أشهر الأخيرة، بدأ السياح في التوافد من جديد على المكان من مختلف الجنسيات فهناك نسبة كبيرة من الولايات المتحدة وإيطاليا وبلجيكا وروسيا.. ولدي تفاؤل كبير بازدياد الأعداد في الشهور المقبلة بسبب تحسن الوضع الأمني ورفع الكثير من الدول حظر السفر السياحي إلى مصر، وهو ما يؤكد أن المناخ الاستثماري سيعود بدوره في كل القطاعات وبقوة خلال الأشهر القليلة المقبلة».
ويتابع سري قائلا: «لكل ملهى ليلي سياسة خاصة به فنحن نفتح أبوابنا في السابعة مساء ويستمر الاحتفال حتى الساعة الرابعة صباحا، والدخول دائما ما يكون بتذكرة يتراوح سعرها بين 200 و300 جنيه».
وبعيدا عن الأجواء السياسية والاقتصادية كان للحضور الموجودين داخل المكان آراء مختلفة. فتقول بتريكيا أندراوس بلجيكية الجنسية: «مصر بها الكثير من مظاهر الجمال والسياحة والمتعة في ذات الوقت ومنها تلك الملاهي الليلية التي تضفي جوا ساحرا على المدينة ليلا وأنا قد جئت بهدف السياحة في المقام الأول وزيارة الآثار التاريخية، ولكن لا يوجد مانع من تقضية وقت ممتع مع الأهل والأصدقاء خاصة مع الموسيقى التي أعشقها».
وتتفق معها أنجليكا رايمي، أميركية الجنسية، والتي التقطت طرف الحديث قائلة: «الملاهي الليلية موجودة في العالم أجمع وتشهد إقبالا من جميع الأعمار والجنسيات وذلك بسبب اعتمادها علي الموسيقى ووسائل الترفيه المتعددة والغريبة أحيانا، والتي تنال استحسان الجميع في وقت بات العالم أجمع يبحث فيه عن ضالته وهي (البسمة) التي غابت عنا طويلا».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».