رامي خليفة يحيي حفلاً موسيقياً في بيروت... ومارسيل يروي «يوم أنقذت آلة البيانو إبني من الموت»

العازف والمؤلف الموسيقي اللبناني رامي خليفة
العازف والمؤلف الموسيقي اللبناني رامي خليفة
TT

رامي خليفة يحيي حفلاً موسيقياً في بيروت... ومارسيل يروي «يوم أنقذت آلة البيانو إبني من الموت»

العازف والمؤلف الموسيقي اللبناني رامي خليفة
العازف والمؤلف الموسيقي اللبناني رامي خليفة

أحيا العازف والمؤلف الموسيقي اللبناني رامي خليفة، مساء الجمعة، حفلاً موسيقياً في حرم «كنيسة القديس يوسف» في العاصمة بيروت، تحت عنوان «حكايات للبيانو والأوركسترا». وعزف رامي على البيانو مع الفرقة اللبنانية الفلهارمونية مقطوعاته الموسيقية بقيادة المايسترو لبنان بعلبكي.
ورامي هو ابن الفنان المعروف مارسيل خليفة، وكثيراً ما يرافقه في حفلاته عزفاً على البيانو. وبهذه المناسبة كتب مارسيل خليفة نصاً عن حكاية ابنه مع آلته حمل عنوان «يوم أنقذت آلة البيانو رامي من الموت المحتم».
وكتب مارسيل خليفة يقول: «كان رامي في السادسة من عمره عندما غادر مع عائلته قسراً مدينته الأم بيروت إلى أمكنة لا يعرفها ولم يخطط لها. وصارت أشياء الطفولة المتروكة في بلده الأم يختزنها كما يختزن العالم بداخله، المدينة، الضيعة، اللوز المعلق على الشجر، البحر الذي يسكن جنب البيت، وحشية الحروب المدججة بالطائرات والدبابات والمدافع والحواجز، «جده» الذي تركه في «المنطقة الشرقية» الممنوعة عليه زيارته «وجدته» الصابرة في الجنوب المحتل.
أذكر قبل هجرته القسرية بأيام كان يلعب بدراجته الصغيرة الهوائية على شرفة المنزل، وما إن لمح آلة البيانو لأول مرة، نزل عن دراجته وتركها مكانها وأسرع باتجاه البيانو ليلامسه ويتفقده وكأنّهما رفاق من عشرات السنين، لحظات معدودة ليستهدف القصف العشوائي المنطقة التي كنا نسكن فيها، في المنطقة الغربية وبالتحديد في محلة مار إلياس بناية «غزيزي»، كانت القذيفة الأولى من نصيب البناية التي نقطنها حيث شظاياها أصابت مباشرة الشرفة، فحطمت الدراجة وبعثرت أجزاءها ورمت بها إلى الشارع العام حيث الباعة والمارة، هكذا أنقذت آلة البيانو رامي من الموت المحتم.
رامي ذهب ليكبر بعيداً عن الوطن، حيث أمضى عشر سنوات في باريس يدرس الموسيقى في معاهدها المشهورة، وعند بلوغه سن السادسة عشرة، غادر باريس إلى نيويورك ليتابع دروسه الموسيقية في أكاديمية «جوليارد سكول». ذهب رامي ليبحث عن معنى جديد للموسيقى لعل الموسيقى تحفظ الأشياء الأولى التي عاشها في طفولته في الذاكرة.» وقال خليفة لابنه: «يا رامي إنّ جميع حواسي تنسكب لتلامس هذه الموسيقى الرابضة بين أصابعك. مثل عصا «لبنان»، التي تنوء بثقل نوتاتها والتي تهطل مثل المطر وأنحني في تحية مرفوعة لك.
جميل هو إيقاع لحنك المزين بالفرح كأنّه طائر سماوي وقد بسط جناحيه وأخذ يحلّق ببراعة في أضواء الغروب الوردية...
يتلفت القلب دائما إلى طفولة ذهبت لتعود حالمة وتتورد في حكاياتي بلهيب الموسيقى.
هل تبحث عن ملامح ذاتك في الحكايات؟ أعزف حياتي كما أعيشها وكما أراها... أعرف أصابعي دون أن أخفي شيئاً أو أصون شيئاً. هل تصدق الكلام؟ أضع ثقتي بالأحلام».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».